دولة الرقابة العسكرية.. كيف كشفت الحرب أكذوبة احترام الاحتلال لحرية الإعلام؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/06/24 الساعة 13:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/06/24 الساعة 13:13 بتوقيت غرينتش
حكومة نتنياهو تُضيّق الخناق على الصحفيين / عربي بوست

مع بدء الحرب على إيران، سارعت حكومة الاحتلال الإسرائيلي إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد الصحفيين، وأصدرت الرقابة العسكرية تعليمات قيّدت حرية الإعلام سواء المحلي أو الأجنبي.

وجاءت الإجراءات الصارمة ضمن سلسلة من الخطوات التي اتخذها الائتلاف اليميني لإحكام السيطرة على كافة المفاصل في إسرائيل.

كيف بدت حرية الإعلام في إسرائيل في ظل حكومة نتنياهو؟

وفي تقرير صادر عن منظمة مراسلون بلا حدود، نُشر في مايو/أيار 2025، كشف تقرير عن تراجع إسرائيل في مؤشر حرية الصحافة لعام 2024، وهو أدنى مركز وصلت إليه منذ عام 2016.

وفقاً للمؤشر، فإن إسرائيل أصبحت تحتل المرتبة 112 من بين 180 دولة ومنطقة في العالم، وتراجعت بمقدار 11 نقطة مقارنة بالعام 2024، وهذا أدنى تصنيف لها منذ بدء نشر المؤشر عام 2002.

وبينما كانت إسرائيل في المرتبة الـ86 قبل وصول الحكومة اليمينية التي يقودها بنيامين نتنياهو في عام 2022، إلا أن حالة حرية الصحافة فيها تم تصنيفها الآن بـ"الصعبة"، بعد أن كانت مصنفة بـ"إشكالية" عام 2024.

وتُقسم دول العالم إلى خمس فئات تحدد حالة حرية الصحافة بحسب منظمة مراسلون بلا حدود، وهي: (جيدة، مرضية، إشكالية، صعبة، صعبة للغاية).

الاحتلال قتل عشرات الفلسطينيين في غزة/ الأناضول
الاحتلال قتل عشرات الفلسطينيين في غزة/ الأناضول

ويلخّص المؤشر، الذي سبق الحرب على إيران، أن الحكومة الإسرائيلية الأخيرة انتهجت سياسة أكثر صرامة، تمثلت، بحسب صحيفة "هآرتس"، في:

  • تزايد القيود على حرية الصحافة والتعددية الإعلامية واستقلالية المحررين في إسرائيل.
  • منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ازداد الضغط على الصحفيين في إسرائيل.
  • قُتل أكثر من 200 صحفي في غزة خلال 18 شهراً بنيران الجيش الإسرائيلي.
  • انتشار حملات التضليل والقوانين القمعية في إسرائيل.
  • خطة وزير الاتصالات شلومو كيري لخصخصة أو إغلاق هيئة البث الرسمية "كان"، وإقامة سيطرة سياسية على الهيئات التي تشرف عليها.
  • تأثير السياسيين في التعيينات داخل الهيئات التنظيمية لوسائل الإعلام.
  • الدعوة الحكومية لمقاطعة صحيفة "هآرتس" اليسارية.
  • السماح فقط للصحفيين المرافقين للجيش الإسرائيلي بدخول قطاع غزة.
  • الصحفيون العرب يواجهون تهديدات متزايدة أثناء عملهم في إسرائيل.
  • يواجه الصحفيون الأجانب صعوبة متزايدة في الحصول على تصاريح عمل.
  • احتجاز عشرات الصحفيين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية دون محاكمة.
  • فرض قيود على برامج البث التي تبثها القنوات الأجنبية تحت مبرر "إلحاق الضرر بأمن الدولة".

ويشير التقرير إلى أنه قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ركزت المخاوف الرئيسية بشأن سلامة الصحفيين على الجريمة المنظمة وعنف الشرطة الإسرائيلية خلال المظاهرات، ومنذ ذلك الوقت اشتد القمع والاعتداءات على الصحفيين الذين يغطون المظاهرات المناهضة للحكومة، فيما أصبحت حملات التشهير والدعاية الإلكترونية التي تهدف إلى تقويض ثقة الجمهور بالصحافة والصحفيين أمراً شائعاً.

وبحسب مقال في مجلة (+972) الإسرائيلية، فإنه في العام 2024، بلغت الرقابة العسكرية في إسرائيل أشد مستوياتها.

وعلى مدار العام 2024، منعت الرقابة نشر 1635 مقالاً بالكامل، وفرضت رقابة جزئية على 6265 مقالاً آخر، وفي المتوسط تدخل الرقابة العسكرية في حوالي 21 تقريراً إخبارياً يومياً (أكثر من ضعف الذروة السابقة التي بلغت حوالي 10 تقارير إخبارية يومية خلال الحرب على غزة عام 2014، وأكثر من 3 أضعاف المتوسط في غير أوقات الحرب البالغ 6.2 في اليوم).

وفي حين لا تكشف الرقابة العسكرية عن الأسباب وراء كل تدخل، فإن حرب التدمير التي تشنها إسرائيل باستمرار في غزة، فضلاً عن صراعاتها في لبنان وسوريا واليمن وإيران، هي على الأرجح السبب الرئيسي وراء هذه الزيادة القياسية في الرقابة.

ووفقاً للمقال، فقد قدمت وسائل الإعلام الإسرائيلية العام الماضي 20770 مادة إخبارية إلى الرقيب العسكري لمراجعتها، أي ما يقرب من ضعف إجمالي العام السابق، و4 أضعاف العدد في عام 2022.

وتدخل الرقيب في 38% من تلك المواد، بارتفاع 7% عن الذروة السابقة المسجلة في عام 2023، في حين رفض بشكل كامل 20% منها، بزيادة 18% عن نفس السنة.

إجراءات أكثر صرامة على حرية الصحافة خلال الحرب على إيران:

أولاً: قيود شاملة على الصحافة الأجنبية

وخلال الحرب على إيران، أصدر وزيرا الاتصالات شلومو كاري، والأمن القومي إيتمار بن غفير، إعلاناً مثيراً للجدل ينص على إلزام المراسلين الأجانب بالحصول على موافقة مسبقة من الرقابة العسكرية لأي بث من المناطق داخل إسرائيل.

وبحسب صحيفة "معاريف"، فإن الموافقة لا تقتصر فقط على محتوى البث، بل تشمل أيضاً موقعه، ويُعتبر البث دون الحصول على موافقة من المناطق جريمة جنائية. ومع ذلك، يبدو أن الأساس القانوني الذي يستند إليه هذا الشرط ضعيف ومضلل.

في المقابل، طالبت المستشارة القانونية للحكومة، التي فوجئت بالقرار، بتقديم تفسيرات من الوزيرين، ولكن كاري وبن غفير اختارا مهاجمتها واتهامها بالعمل على "إحباط جهود الحكومة، إلى حد المساس بأمن الدولة".

الصحيفة الإسرائيلية أشارت إلى أن الوزيرين اتخذا خطوة إشكالية للغاية، ويبدو أنهما يحاولان توسيع صلاحيات الرقابة، وترسل خطواتهما رسالة سياسية واضحة، وهي اعتبار الصحفيين الأجانب "تهديداً للأمن القومي الإسرائيلي".

وشدّدت الصحيفة على أن الخط الفاصل بين فرض الأمن وانتهاك حرية الصحافة رفيع للغاية، وإذا نُفّذت التهديدات وأُجبر الصحفيون على موافقة مسبقة للبث، فستكون هذه أول مرة في تاريخ إسرائيل يُفرض فيها مثل هذا القيد الشامل على الصحافة الأجنبية.

إلى ذلك، طرح الحزب الذي يقوده بن غفير مشروع قانون يهدف إلى مراقبة هيئات البث الأجنبية "التي تمس الدولة"، على حد تعبيره، حيث سيتم طرح تعديلات بهدف تعزيز سيطرة الدولة وأجهزتها على الصحفيين الأجانب العاملين داخل حدودها.

ويمنح تعديل ما يسمى "قانون الجزيرة" صلاحيات لوزير الاتصالات بتعطيل الإنترنت وحركة الأقمار الصناعية في إسرائيل.

وفي وقت سابق، أعلن أعضاء الائتلاف في لجنة الأمن القومي أنهم سيستخدمون القانون كأساس للتوصل إلى قانون يسمح لوزير الشرطة ووزير الاتصالات بإغلاق وسائل الإعلام، الأجنبية والإسرائيلية، لأي سبب يختارونه، دون رأي أمني أو رقابة قانونية.

ثانياً: تعليمات للشرطة باحتجاز واعتقال الصحفيين

وكشفت صحيفة "هآرتس" أن المستشار القانوني للشرطة أصدر لضباط الشرطة تعليمات جديدة تُخوّلهم سلطة احتجاز، بل واعتقال الصحفيين، الذين يغطّون مواقع سقوط الصواريخ، لا سيما في مناطق توصف بـ"الاستراتيجية أو الأمنية"، بزعم أنها قد تُهدد أمن الدولة.

وأضافت: "تم تمرير التوجيهات الجديدة إلى كبار قادة الشرطة وقادة المناطق بموجب المشورة القانونية، مما يمنح ضباط الشرطة فعلياً، بغض النظر عن رتبتهم، الإذن بالتصرف ضد الصحفيين والمصورين بما يرونه مناسباً".

ولفتت إلى أن التوجيهات "تتعلق تحديداً بوسائل الإعلام الأجنبية غير المُلزَمة بالرقابة، وتنص على أنه يحق لأي ضابط شرطة التصرف كما يراه مناسباً"، ويُعتبر ذلك منح ضوء أخضر لاستخدام القوة التعسفية ضد الصحفيين.

واعتبرت "هآرتس" أنه في ظل طبول الحرب، يبدو الأمر وكأنه مسألة وقت فقط قبل أن يتم القضاء على كل من يجرؤ على كبح جماح رغبة الحكومة الجامحة في السيطرة باسم "الأمن القومي".

وبحسب الصحيفة، فإنه منذ بدء الحرب، أفاد صحفيون أجانب، معظمهم من وسائل إعلام عربية، بمعاملة عدائية من الشرطة، حتى إن بن غفير طالب القائم بأعمال رئيس "الشاباك" باتخاذ إجراءات ضد وسائل الإعلام "التي تهدد أمن الدولة"، على حد تعبيره.

ثالثاً: اعتداءات من الإسرائيليين على الصحفيين

وسجّلت صحيفة "هآرتس" تعرّض صحفيين أجانب وإسرائيليين لإهانات وتهديدات من موالين للحكومة الإسرائيلية، منها:

  • الاعتداء على مراسل القناة 13 الإسرائيلية، من إسرائيلي يرتدي قميصاً كُتب عليه "الحرم القدسي الشريف بأيدينا"، وقد كان بجانبه شرطي لم يفعل شيئاً.
  • تعرّض مراسل قناة "TRT" التركية للمضايقة من الإسرائيليين الذين تجمعوا حوله، وقاموا بشتمه أثناء البث.
  • تعرّض مراسل صحيفة "مكان" الإسرائيلية والعامل في قسم البث العربي بالمؤسسة للاعتداء من خمسة إسرائيليين في مستشفى سوروكا في بئر السبع.
  • في نشرات أخبار "كان 11" و"حدشوت 13″، الجمعة الماضية، أدلى محاورون كان من المفترض أن يعلّقوا على الهجمات الإيرانية بتصريحات تحريضية ضد اليسار.
  • الاعتداء على صحفي يعمل لصالح وسيلة إعلام ألمانية، ومنعه من التصوير.
  • أوقفت الشرطة الإسرائيلية البث من موقع سقوط صاروخ عن شبكتي "أسوشيتد برس" و"رويترز" الدوليتين، مدعية أن قناة الجزيرة استخدمت لقطاتهما أيضاً.
تحميل المزيد