هل استطاعت واشنطن تدمير المشروع النووي الإيراني؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/06/23 الساعة 14:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/06/23 الساعة 14:59 بتوقيت غرينتش
هل نجحت واشنطن في تدمير المشروع النووي الإيراني؟ (عربي بوست)

مع تصاعد الحرب بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، شهد العالم واحدة من أكثر الضربات الجوية إثارةً للجدل منذ حرب العراق، فقد شنت الولايات المتحدة عملية عسكرية جوية استهدفت منشآت نووية إيرانية، تحت اسم "عملية المطرقة منتصف الليل" (Midnight Hammer).

وبمشاركة أكثر من 125 طائرة عسكرية، من ضمنها 7 قاذفات B-2 الشبحية التي أسقطت 14 قنبلة خارقة للتحصينات (GBU-57)، في أول استخدام قتالي لهذا السلاح الذي يُعد أكبر قنبلة خارقة للتحصينات في الترسانة الأمريكية، بدا المشهد وكأننا أمام لحظة حاسمة في الصراع حول البرنامج النووي الإيراني.

لكن خلف الدخان الكثيف، وتحت الأرض التي كانت هدفاً لهذه القنابل، ظلت الأسئلة الكبرى قائمة: هل كانت هذه ضربة قاضية للبرنامج النووي، أم مجرد محاولة أخرى لتأخير مسار طويل لا يمكن إيقافه بالقنابل والطائرات وحدها؟

كيف كانت الضربة؟

بحسب تقرير لمجلة الإيكونوميست البريطانية، أقلعت سبع قاذفات شبحية من طراز B-2 من قاعدة وايتمان الجوية في ولاية ميزوري، واتجهت شرقاً عبر المحيط الأطلسي في مهمة استمرت 37 ساعة ذهاباً وإياباً إلى داخل العمق الإيراني.

وكانت هذه الحملة مدعومة بطائرات تزويد بالوقود في الجو، ومقاتلات مرافقة لتأمين المجال الجوي. في الوقت ذاته، أُرسلت طائرات خداعية غرباً فوق المحيط الهادئ، لتضليل أي أنظمة تتبع أو مراقبة.

في الخلفية، أطلقت غواصات أمريكية عشرات من صواريخ "توماهوك" المجنحة نحو أهداف داخل إيران، ممهدةً للضربة الجوية.

وبحسب المجلة، ركزت قاذفات B-2 هجومها على مواقع تخصيب اليورانيوم المدفونة في نطنز، وبالأخص منشأة فوردو، التي وصفها دونالد ترامب سابقاً بأنها "الهدف الرئيسي".

أما منشأة أصفهان، حيث تُحول مادة اليورانيوم إلى غاز للتخصيب في أجهزة الطرد المركزي، والتي يُعتقد أنها تحتوي على جزء كبير من مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب (HEU)، فقد استُهدفت بصواريخ توماهوك.

هل استطاعت واشنطن تدمير المشروع النووي الإيراني؟
استهدفت الصواريخ والمقاتلات الأمريكية مفاعلات فوردو ونطنز وأصفهان- عربي بوست

منذ 13 أبريل/نيسان، بدأ الاحتلال الإسرائيلي شن ضربات مركزة على نطنز وأصفهان، مدعياً أنه دمّر جزءاً كبيراً من منظومة الدفاع الجوي الإيراني، وهو ما مهّد الطريق لاحقاً أمام الضربة الأمريكية. لكن فوردو، المدفونة في عمق جبل، ظلت عصيةً على قصف الاحتلال. فوفقاً لرافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فمنشأة فوردو تقع على عمق نصف ميل تقريباً تحت الأرض (نحو 800 متر)، فيما قدّر مصدر أوروبي العمق بـ500 متر.

تضارب الروايات بين واشنطن وطهران

تحوّلت نتائج "عملية المطرقة منتصف الليل" إلى محور سجال سياسي وإعلامي، وسط تباين حاد في التصريحات الرسمية بشأن حجم الأضرار التي خلّفتها الضربة.

من جانب واشنطن، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن العملية "نجحت بشكل كامل"، مؤكداً أن إحدى القنابل "أُزيلت" بعد تنفيذ المهمة، وأن البرنامج النووي الإيراني "تم القضاء عليه بالكامل".

لكن رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال دان كين، بدا أكثر تحفظاً، مشيراً إلى أن تقييم الأضرار سيحتاج إلى وقت.

أما وزير الخارجية ماركو روبيو، فقال لشبكة "CBS" إن "أحداً لن يعرف خلال الأيام القليلة المقبلة ما إذا كانت إيران قد نقلت جزءاً من موادها النووية قبل الضربة".

في المقابل، نفت إيران وقوع أضرار كبيرة في منشآتها النووية. فقد قال مسؤول إيراني من محافظة قُم – حيث تقع منشأة فوردو – إن الموقع "لم يتضرر بشكل خطير"، ونقلت وكالة رويترز عن مصدر إيراني قوله إن معظم مخزون اليورانيوم عالي التخصيب نُقل من فوردو إلى موقع غير معلن قبل بدء الهجوم الأميركي. وأضاف أن عدد العاملين في المنشأة خُفّض إلى الحد الأدنى كإجراء احترازي.

وفي رسالة واضحة بأن البرنامج لم يتوقف، صرّح نائب وزير الخارجية الإيراني عقب الهجوم: "سنواصل تخصيب اليورانيوم، وليس لأحد أن يملي علينا ما نفعل".

ووفقاً لتقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، فإن إيران كانت تمتلك حوالي 400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 60% – وهي نسبة تقترب من مستوى 90% اللازم لصناعة السلاح النووي. هذه الكمية، إذا خُصّبت بالكامل، تكفي لإنتاج نحو عشر قنابل نووية.

12 قنبلة ضخمة لم تُدَمّر موقع فوردو!

بحسب مصادر أميركية وإسرائيلية نقلتها صحيفة النيويورك تايمز، فإنه رغم استخدام الولايات المتحدة 12 قنبلة خارقة للتحصينات من طراز GBU-57 في الهجوم على منشأة فوردو، فإنها لم تؤدِ إلى تدمير المنشأة المحصّنة كلياً. وقد أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عدم تسجيل أي تسرّب إشعاعي من المواقع المستهدفة، ما يشير إلى أن الضربة لم تؤثر على السلامة الإشعاعية للمرافق النووية.

وأكد مسؤول أميركي للصحيفة أن القنابل "لم تكن كافية لاختراق عمق فوردو"، رغم الأضرار الكبيرة، بينما رجّح مسؤولون إسرائيليون أن إيران نقلت معدات ومواد نووية من الموقع قبل الهجوم.

هل استطاعت واشنطن تدمير المشروع النووي الإيراني؟
"أم القنابل" GBU-57 – أرشيفية (سلاح الجو الأمريكي)

وتتقاطع هذه الرواية مع تقارير وصور أقمار صناعية تجارية نشرتها شركتا "ماكسار" و"بلانيت"، أظهرت نشاطاً غير اعتيادي في محيط فوردو بين 19 و21 يونيو/حزيران.

وبحسب صحيفة واشنطن بوست، تم رصد تحركات كثيفة لشاحنات ومركبات، بينها 16 شاحنة شوهدت على الطريق المؤدي إلى مجمّع عسكري تحت الأرض شمال غرب المنشأة. وقد فُسّر هذا النشاط بأنه عملية إخلاء استباقي لمعدات ومواد نووية، تحسّباً لهجوم وشيك.

لكن رغم مؤشرات النقل المبكر، يرى ريتشارد نيفيو، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية والباحث في معهد واشنطن، أن الضرر قد يكون كبيراً، وأوضح نيفيو أن أجهزة الطرد المركزي من طراز IR6 – والتي تشكّل أكثر من نصف تلك الموجودة في فوردو – أكثر تطوراً من طراز IR1 التقليدي في نطنز، لكنها أيضاً أكثر عرضة للتلف تحت قصف قنابل MOP الخارقة.

وبحسب نيفيو، فإنه حتى في حال حاولت إيران إيقاف تشغيل هذه الأجهزة قبل الضربة، فإن عملية الإيقاف نفسها قد تتسبب في تدميرها. وبحسب تعبيره: "من غير المرجّح إطلاقاً أن تكون إيران قد تمكنت من إطفاء وفكّ هذه الأجهزة في الوقت القصير المتاح قبل الهجوم".

هل تحتفظ إيران بمخزون كافٍ من اليورانيوم للعودة إلى برنامجها النووي؟

في المقابل، تشير تقديرات أخرى لعدد من الخبراء الأميركيين، بينهم البروفيسور جيفري لويس، إلى أن جزءاً كبيراً من مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، والمقدَّر بـ400 كجم، لم يُدمَّر خلال الضربة. بل من المرجّح أنه قد تم نقله مسبقاً إلى منشآت أكثر أماناً جديدة، بعضها يقع "في قلب الجبل". كما يشير لويس، الخبير في الأسلحة النووية بمعهد ميدلبري للدراسات الدولية، إلى أن إيران أعلنت مؤخراً عن "منشأة تخصيب جديدة في موقع آمن"، تقع – بحسب الوصف – "في قلب الجبل". وقد أبلغت طهران الوكالة الدولية للطاقة الذرية بنيّتها تركيب أجهزة طرد مركزي في هذه المنشأة الجديدة.

وكان من المقرر أن تقوم الوكالة بتفتيش الموقع، القريب من أصفهان، قبل تنفيذ الهجوم الأميركي. لكن المنشأة لم تُستهدف، ويُعتقد أنها نجت من القصف.

ويضيف لويس، في سلسلة تحليلات نشرها على منصة "إكس"، أن إيران كانت قد نقلت بالفعل خط إنتاج أجهزة الطرد المركزي في عام 2022 إلى منشأة محصنة بعمق الجبل، يُقدَّر حجمها بـ10,000 متر مربع على الأقل. ويُفترض أن هذه المنشأة قد تحتوي على نشاطات تخصيب أو تحويل لم تُعلن بالكامل حتى الآن.

في تحليله، يشير لويس إلى أن إيران – في حال قررت المضي قدماً نحو السلاح النووي – تمتلك اليوم القدرة الفنية والكمية لتخصيب مخزونها عالي النقاء إلى مستوى الاستخدام العسكري خلال أقل من خمسة أشهر. يمكنها تركيب 1.5 سلسلة من أجهزة IR-6 أسبوعياً، ما يُنتج 9 سلاسل خلال ستة أسابيع، ويستغرق تخصيب 400 كجم إلى مستوى 90% قرابة 60 يوماً.

بينما نقلت صحيفة بوليتيكو الأميركية تصريحات عن مسؤول أميركي، يقول فيها إن وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسِث "سيواجه ضغوطاً لإثبات أن الضربات كانت ناجحة كما ادعى ترامب"، مشيراً إلى أن البنتاغون كان قد قدّر في وقت سابق من هذا العام أن تدمير المنشآت النووية الإيرانية بالكامل يتطلب 30 يوماً من القصف المكثف المتواصل، وذلك بسبب عمق تلك المنشآت تحت الأرض وتوزعها الجغرافي الواسع.

وقبل الضربات، اختلف المسؤولون الغربيون بشأن قدرة القنبلة GBU-57 على تدمير فوردو بمفردها. واعتقد بعض الخبراء أن هذا الموقع لا يمكن تدميره إلا باستخدام أسلحة نووية أو من خلال عمليات برية لاقتحامه وتفجيره من الداخل.

النووي الإيراني: بنية أعمق من الخرسانة!

يشير الخبراء إلى أن البرنامج النووي الإيراني لا يقوم فقط على أجهزة الطرد المركزي أو المنشآت الخرسانية، بل على بنية معرفية واسعة تضم آلاف المهندسين والفيزيائيين النوويين، إضافة إلى شبكة معقدة من مراكز البحث والتطوير موزعة جغرافياً داخل البلاد.

بهذا المفهوم، البنية النووية الإيرانية لا تُقصف بسهولة، ولا تُدمَّر بضربة واحدة. ويرى الأكاديمي الأميركي بول آر. بيلار – الذي عمل 28 عاماً في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) – أن الحرب، سواء بمشاركة الولايات المتحدة أم لا، لن تُقلل من احتمالية امتلاك إيران سلاحاً نووياً، بل قد تزيدها.

ويشرح أن الضرر الذي ألحقته إسرائيل بالمنشآت النووية الإيرانية، حتى لو أضافت الولايات المتحدة إليه باستخدام قنابل زنة 30 ألف رطل لتحويل منشأة التخصيب الجوفية في فوردو إلى حفرة، يُعيق البرنامج النووي الإيراني، لكنه لا يقضي عليه.

موضحاً أن ذلك لا يُلغي قدرة إيران على صنع سلاح نووي إذا اختارت ذلك. يمكن إعادة بناء سلاسل أجهزة الطرد المركزي، والمعرفة المتخصصة ذات الصلة في إيران لا تقتصر على العلماء الذين اغتالتهم إسرائيل.

هل استطاعت واشنطن تدمير المشروع النووي الإيراني؟

وفي هذا السياق، يلفت سيد حسين موسويان، السفير الإيراني السابق والباحث الزائر في جامعة برينستون، إلى أن ما حدث يشكل سابقة خطيرة: للمرة الأولى في التاريخ، تشنّ دولتان نوويتان – الولايات المتحدة وإسرائيل – هجوماً عسكرياً مباشراً على دولة غير نووية.

ويرى موسويان أن هذا يفضح ازدواجية معايير النظام العالمي، ويكشف أن معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT) لم تعد تُطبّق بإنصاف، بل أصبحت أداة سياسية في يد القوى الكبرى.

ويضيف أن الدول التي رفضت الانضمام إلى المعاهدة، مثل كوريا الشمالية والهند وباكستان وإسرائيل، امتلكت أسلحة نووية دون أن تتعرض لهجوم، بينما الدول التي التزمت ببنودها، كما في حالة إيران، وجدت نفسها تحت القصف.

وعليه، يرى موسويان أنه من الطبيعي أن تعيد طهران النظر في استراتيجيتها النووية، وربما في استمرار عضويتها في معاهدة عدم الانتشار نفسها.

تحميل المزيد