“خنق الضفة” .. كيف حول الاحتلال الضفة الغربية إلى سجن كبير منذ بدء الهجوم على إيران؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/06/21 الساعة 09:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/06/21 الساعة 09:58 بتوقيت غرينتش
"خنق الضفة" .. كيف حول الاحتلال الضفة الغربية إلى سجن كبير منذ بدء الهجوم على إيران؟ /عربي بوست

كثّف الاحتلال الإسرائيلي من حصاره المفروض على الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية منذ بدء الهجوم الإسرائيلي على إيران، والذي دخل يومه الثامن، ووصف فلسطينيون أوضاعاً حياتية صعبة وسط إجراءات صارمة تشهدها الأراضي المحتلة، بحسب تقارير أممية وحقوقية وشهادات عيان.

وشملت الإجراءات الصارمة التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية زيادة الحواجز ونقاط التفتيش والتضييق على الصلاة في المسجد الأقصى ومنع الصلاة في المسجد الإبراهيمي بالخليل ومنع فتح المحال التجارية الفلسطينية، فضلاً عن إغلاق مئات الطرق والمداخل الرئيسية بالبوابات العسكرية، مما تسبب بشل الحركة وتضييق الخناق على الفلسطينيين، وفق وكالة صفا.

ونقلت الوكالة عن الصحفي الفلسطيني محمد أبو ثابت قوله إن سلطات الاحتلال أعلنت الجمعة الماضية فرض إغلاق شامل على مدن وبلدات الضفة، ما أدى إلى تراجع كبير في حركة الاقتصاد الفلسطيني، ومنع دخول المواد الغذائية الأساسية.

الاحتلال يضم مساحة غير مسبوقة من أراضي الضفة الغربية
منظر عام يظهر بناء مستوطنة رمات جفعات زئيف الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة/ رويترز

وأكد أبو ثابت أن الاحتلال يستغل كل فرصة من أجل فرض وقائع جديدة على الضفة الغربية، وبسط سيطرته الكاملة عليها، وكذلك سهولة سيطرة المستوطنين على مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية.

وبالتوازي مع الإبادة الجماعية في غزة التي بدأت بعدما شنّ جيش الاحتلال الحرب على القطاع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، صعّدت إسرائيل والمستوطنون اعتداءاتهم في الضفة، بما فيها القدس الشرقية، ما أدى إلى مقتل 980 فلسطينياً على الأقل، وإصابة نحو 7 آلاف آخرين، واعتقال ما يزيد على 17 ألفاً و500 أسير.

وفيما يلي نظرة على أبرز مشاهد الحصار الذي فرضه الاحتلال على الضفة الغربية والقدس المحتلة منذ بدء الهجوم على إيران:

1- التضييق على الصلاة في المسجد الأقصى

منعت شرطة الاحتلال الإسرائيلي، الجمعة 20 يونيو/حزيران، آلاف المصلين الفلسطينيين من الدخول إلى المسجد الأقصى بالقدس الشرقية لأداء صلاة الجمعة، ولم تسمح سوى لمئات بالدخول إليه.

وقال شهود عيان لوكالة الأناضول، إن قوات من شرطة الاحتلال الإسرائيلية انتشرت منذ ساعات الفجر عند أبواب البلدة القديمة في القدس والبوابات الخارجية للمسجد الأقصى، ومنعت آلاف المصلين من الدخول.

وأضافوا أن شرطة الاحتلال الإسرائيلية لم تسمح سوى لنحو 450 مصلٍّ بالدخول إلى المسجد الأقصى لأداء الصلاة.

وأشاروا إلى أن أغلب مصليات وباحات الأقصى بدت خالية تماماً من المصلين، إثر الإجراء الإسرائيلي.

ومساء الأربعاء الماضي، أعاد الاحتلال فتح أبواب المسجد الأقصى جزئياً، بعد إغلاق كامل لنحو 6 أيام، إثر تعليمات الجبهة الداخلية لجيش الاحتلال الإسرائيلي بمنع التجمعات جراء الحرب على إيران.

وتفرض الشرطة الإسرائيلية قيوداً على الدخول إلى المسجد الأقصى منذ بداية حرب الإبادة على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولكنها تشدد القيود أكثر في أيام الجمعة.

شجرة السرو
الشجرة منتشرة في العديد من الاماكن بالقرب من المسجد الأقصى| shutterstock

2- منع الصلاة بالمسجد الإبراهيمي

وقالت مديرية أوقاف محافظة الخليل الفلسطينية جنوبي الضفة الغربية المحتلة، الجمعة 20 يونيو/حزيران، إن السلطات الإسرائيلية تمنع الصلاة في المسجد الإبراهيمي، وسط الحصار المفروض على الضفة منذ بدء الهجوم على إيران الجمعة الماضية.

وذكرت مديرية أوقاف محافظة الخليل، في بيان، أن "سلطات الاحتلال الإسرائيلي لليوم الثامن على التوالي تواصل إغلاق المسجد الإبراهيمي في البلدة القديمة من مدينة الخليل، وتمنع إقامة الصلاة فيه".

وأشارت إلى أن "قوات الاحتلال تمنع دخول الموظفين والسدنة والأهالي للمسجد بحجة الوضع الأمني".

وقال الفلسطينيون إن البلدة القديمة الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية في الخليل تحولت إلى سجن كبير منذ بدء الهجوم الإسرائيلي على إيران الجمعة الماضية.

وعبروا عن مخاوف من فرض إسرائيل واقعاً جديداً بهدف السيطرة على المسجد والأحياء لصالح مشاريع استيطانية.

والبلدة القديمة الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، يقع فيها المسجد الإبراهيمي ويسكن البلدة نحو 400 مستوطن يحرسهم نحو 1500 عسكري إسرائيلي.

وفي 1994، قسمت إسرائيل المسجد بواقع 63% لليهود و37% للمسلمين، عقب مذبحة ارتكبها مستوطن يهودي أسفرت عن مقتل 29 مصلياً فلسطينياً، وفي الجزء المخصص لليهود تقع غرفة الأذان.

3- إعاقة فتح محال فلسطينية في الضفة الغربية

وبجانب منع الصلاة في المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي، أعاقت قوات الاحتلال الإسرائيلي فتح محال تجارية فلسطينية.

وقال مسؤول محلي فلسطيني، الخميس 19 يونيو/حزيران، إن قوات الاحتلال الإسرائيلية حفرت خندقاً على طول شارع عام في جنوبي الضفة الغربية لمنع فتح محال تجارية فلسطينية.

ونقلت وكالة الأناضول عن سليمان أبو علان، مسؤول الإعلام والعلاقات العامة في بلدية الظاهرية جنوبي الخليل، قوله إن "قوات إسرائيلية برفقة جرافات اقتحمت مثلث الرماضين على مدخل البلدة، وشرعت بعملية حفر خندق على طول الشارع العام".

وأوضح أن الخندق "فصل نحو ألف محل تجاري عن الشارع العام".

قوات الاحتلال الإسرائيلي بنابلس/رويترز

وأشار أبو علان إلى أن "الاحتلال بهذه الخطوة أغلق مصدر رزق مئات العائلات الفلسطينية التي تعتاش من محال تجارية تقدم خدماتها لبلدات فلسطينية جنوبي الخليل وفلسطينيين من داخل إسرائيل".

وذكر أن القوات "أخطرت السكان بتعرض كل من يحاول ردم الخندق وفتح محله التجاري للسجن مدة 3 أشهر وغرامة مالية تقدر بـ 30 ألف دولار أمريكي".

وتقع المحال في المنطقة المصنفة "ج" حسب اتفاق "أوسلو 2" الموقع بين منظمة التحرير وإسرائيل، على مدخل بلدة الظاهرية، وتعد مركزاً تجارياً هاماً.

وصنفت "اتفاقية أوسلو 2" الموقعة عام 1995 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل أراضي الضفة إلى 3 مناطق: "أ" تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و"ب" لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، و"ج" لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية إسرائيلية، وتقدر الأخيرة بنحو 60% من مساحة الضفة.

وفي 11 يونيو/حزيران الجاري أخطرت قوات من جيش الاحتلال الإسرائيلي، مواطنين فلسطينيين بهدم 30 محلاً ومنشأة تجارية في الموقع بدعوى "البناء دون ترخيص".

4- زيادة نقاط التفتيش والحواجز

ومنذ بدء الهجوم الإسرائيلي على إيران أيضاً، زاد الاحتلال من نقاط التفتيش والحواجز والبوابات العسكرية في مداخل المدن وبلدات الضفة الغربية المحتلة، وفق تقرير لمجلة +972 الإسرائيلية.

وقال تقرير المجلة الإسرائيلية إن جيش الاحتلال قلص حركة الفلسطينيين بشكل كامل بعد الهجوم على إيران، حيث أغلق المدن والبلدات بالبوابات الحديدية، وأغلق نقاط العبور بين الضفة الغربية والقدس المحتلة، وأغلق معبر اللنبي الحدودي مع الأردن.

وحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فإن معظم البوابات والحواجز، التي بلغ عددها 898 بوابة وحاجزاً، أُغلقت معظمها أمام المواطنين بهدف الإغلاق والحرمان من الحق بالحركة والتنقل المكفولة في القوانين الدولية كافة، وفق وكالة صفا.

ووفقاً لمنظمتي "عير عميم" و"بمكوم" الإسرائيليتين، أدت الإجراءات التي فرضها الاحتلال في القدس الشرقية المحتلة "إلى تعطيل الحياة اليومية بشكل خطير، وتقييد حرية العبادة، وانتهاك الحقوق الأساسية للسكان الفلسطينيين".

وقالت مجلة +972 إن السهولة التي تمكنت بها إسرائيل من قطع كل حركة تقريباً داخل وخارج المدن والبلدات الفلسطينية، تسلط الضوء على مدى بصمة الاحتلال في الضفة الغربية، وتشير إلى الهدف الأوسع لإسرائيل في هذه المنطقة مع تركيز انتباه العالم على أماكن أخرى.

وقالت هنيدة غانم، مديرة المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (المدار) ومقره رام الله، لمجلة +972: "كل شيء يُمثل فرصة لإسرائيل. ستستغل هذه الحكومة أي فرصة لتعزيز أجندتها الأيديولوجية، وخاصة في الضفة الغربية".

وأضافت غانم: "هذا يحدث بالفعل على الأرض؛ جميع البنى التحتية تُشير إلى ذلك. الفكرة هي تفتيت السكان، وحشرهم في جيوب أصغر لتسهيل السيطرة عليهم".

ورصد تقرير مجلة +972 قصصاً تعكس الأوضاع الحياتية الصعبة التي عايشها سكان الضفة الغربية المحتلة جراء عمليات الإغلاق وزيادة الحواجز، ومن بينهم سكان قرية سنجل، وهي قرية تقع في شمال الضفة الغربية، الذين وجدوا أنفسهم معزولين فعلياً عن مدينتي رام الله ونابلس القريبتين.

وقال محفوظ فوالة، وهو طبيب أسنان من القرية، لديه عيادة في رام الله، ويواجه صعوبة في الوصول إليها: "العيادة تبعد 15 دقيقة فقط، لكن الرحلة الآن قد تستغرق أكثر من ساعتين".

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي بإقامة سياج من الأسلاك الشائكة لفصل سنجل عن الطريق الرئيسي وأراضي السكان الريفية. وقال فوالة: "لكل قرية الآن بوابة. نحن عالقون".

5- التمييز حتى في الملاجئ

وفي حين يتمتع الإسرائيليون الذين يعيشون في المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية المحتلة بالقدرة على استخدام الملاجئ، فإن الفلسطينيين معرضون بشكل كامل لخطر شظايا الصواريخ المتساقطة.

والوضع مشابه في القدس الشرقية، حيث لا يوجد سوى 60 ملجأً عاماً لنحو 400 ألف فلسطيني، بسبب قيود التخطيط والبناء. وبالمقارنة، تضم القدس الغربية مئات الملاجئ العامة لسكانها ذوي الأغلبية اليهودية، كما تنتشر غرف الأمان المحصنة داخل الشقق.

وتعيش العائلات في خوف دائم خلال فترات احتدام الصراع، غير متأكدة من مكان اللجوء في حال تصاعد الهجمات.

ما هو موقف السلطة الفلسطينية؟

ولم تُصدر السلطة الفلسطينية أي تعليق فوري على التصعيد الإسرائيلي الإيراني، حتى مع إصدار الحكومات العربية إدانات. ولاحقاً، دعت السلطة إلى الهدوء، وأكدت أن مخزونها من المواد الأساسية يكفي لتلبية احتياجات السكان لمدة ستة أشهر على الأقل.

وبعد ساعات من الهجوم الإسرائيلي الأول على إيران، أصدر الدفاع المدني الفلسطيني بياناً يطلب فيه من الناس عدم الصعود إلى أسطح المنازل لمشاهدة الأجسام الطائرة، وهي تعليمات تجاهلها الكثيرون مع امتلاء مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو تُظهر دخاناً كثيفاً وانفجارات في السماء.

كما ذكّر الدفاع المدني السكان بأن الشظايا قد تُسبب إصابات خطيرة، بل وحتى مميتة، على بُعد مئات الأمتار من موقع الانفجار، وحثّهم على عدم الاقتراب من أي حطام أو لمسه.

وبحلول الاثنين الماضي، أفاد متحدث باسم الدفاع المدني بسقوط ما لا يقل عن 80 شظية من الصواريخ المُعترضة على تجمعات فلسطينية في أنحاء الضفة الغربية. وأدت الشظايا التي سقطت على مدينة البيرة، قرب رام الله، يوم الأحد، إلى إشعال حريق على سطح منزل.

إسرائيل دولة الجدران
خريطة توضح كيف تبتلع المستوطنات الضفة الغربية/عربي بوست

ماذا بعد؟

وبينما أثارت الحرب الجديدة مع إيران قلق الفلسطينيين بشأن ما هو آتٍ، يشعر الكثيرون في الضفة الغربية المحتلة أنهم يعيشون بالفعل في حالة حرب مستمرة منذ عامين أو أكثر بكثير.

وترى هنيدة غانم من مركز المدار أن ما سيحدث لاحقاً في الضفة الغربية يعتمد جزئياً على كيفية خروج إسرائيل من هجومها على إيران. وأوضحت: "إذا خرجت أقوى، فستكون أكثر قدرة على المضي قدماً".

وقالت غانم: "إن الأمر لم يعد يتعلق بإدارة الصراع؛ بل يتعلق بإنهائه ــ وفقاً لشروط إسرائيل ــ من خلال محو القضية الفلسطينية بالكامل".

تحميل المزيد