يكشف تدفق الصواريخ الإيرانية على مدن وبلدات دولة الاحتلال عن معضلة غير مسبوقة تتمثل في استنزاف ترسانة منظومة الدفاع الجوي، ما دفع جيش الاحتلال إلى تبني استراتيجية جديدة تُعرف بـ"اقتصاد الاعتراض"، مع نشر منظومة جديدة على الأرض بعد اقتصار عملها على السفن الحربية.
ويستخدم الاحتلال الإسرائيلي أنظمة دفاعية متعددة الطبقات لتوفير دفاع شامل أمام الصواريخ والطائرات المسيرة التي تُطلق تجاهه.
ووفقاً لتقرير نشرته وسائل إعلام عبرية، فإن وتيرة إطلاق الصواريخ الإيرانية خلال الأيام الماضية تجاوزت تقديرياً 400 صاروخ، وقابل ذلك عدد أكبر من الصواريخ الاعتراضية من إسرائيل.
وأوضحت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن الجيش الإسرائيلي لا يكشف عن الأرقام الدقيقة بشأن التكلفة العسكرية للحرب حتى الآن، لكن العميد احتياط رام أميناخ، وفقاً لحساباته، فإن الرقم الكامل يصل إلى 12 مليار شيكل لأسبوع من القتال، ويشمل ذلك:
- 5 مليارات شيكل لنفقات الدفاع.
- 3 مليارات شيكل لنفقات الهجوم، والتي تشمل تكاليف تحليق 200 طائرة تابعة لسلاح الجو على مدار 24 ساعة يومياً خلال الأسبوع الماضي.
- آلاف القنابل التي تبلغ تكلفتها في المتوسط حوالي 500 ألف دولار لكل منها.
- وهناك نفقات إضافية أخرى مثل موارد الحوسبة وعناصر أخرى.

ويزعم الاحتلال الإسرائيلي أنه تمكن من اعتراض 90% من الصواريخ، لكن بعض الصواريخ، لاسيما "الفرط الصوتي"، تسللت عبر طبقات الحماية الجوية وتسببت بأضرار كبيرة في مناطق مختلفة في إسرائيل، وأسفرت عن مقتل نحو 25 شخصاً وأصابت المئات، بحسب الإعلام العبري.
ما المنظومات الدفاعية الجوية التي تمتلكها إسرائيل؟
تمتلك إسرائيل عدة أنظمة دفاع جوي متعددة الطبقات، كل منها مصمم لاعتراض الصواريخ القادمة على ارتفاعات ومسافات مختلفة، ويتم نشرها في مختلف المناطق التي قد تواجه خطراً عملياتياً، وهي على النحو التالي:
- منظومة "حيتس 3": وقد صُممت لاعتراض الصواريخ الباليستية خارج المجال الجوي على ارتفاع عشرات ومئات الكيلومترات من إسرائيل، في الطبقة العليا والأبعد، ويتميز عن المنظومات الأخرى بأنه الوحيد الذي يصيب الصاروخ الاعتراضي الهدف بدقة وليس مجرد إحداث انفجار بقربه لإسقاطه.
- "حيتس 2": وتأتي في الطبقة الثانية، وهي مصممة للتعامل مع التهديدات الباليستية التي تُطلق من مسافات تتراوح ما بين مئات الكيلومترات إلى نحو 1500 كيلومتر.
- منظومة "مقلاع داود": وتأتي في الطبقة الثالثة، ومصممة للتعامل مع الصواريخ الثقيلة وبعيدة المدى، التي تُطلق من مسافة 150-200 كيلومتر.
- القبة الحديدية: وتأتي في الطبقة الرابعة، وتتعامل مع التهديدات التي تتراوح ما بين 4 إلى 70 كم.
- منظومة الليزر: وتأتي في الطبقة الخامسة، وتعتمد على الليزر لاعتراض أصغر التهديدات من الصواريخ قصيرة المدى إلى قذائف الهاون والطائرات المجنحة.
وفي منظومة الدفاع الإسرائيلية المتعددة الطبقات، تتكامل أنظمة الدفاع مع بعضها البعض لتعظيم فرص الاعتراض، فعلى سبيل المثال، إذا أخطأ صاروخ "حيتس 3" صاروخاً باليستياً خارج الغلاف الجوي، فسيظل هناك وقت كافٍ لمحاولة "حيتس 2" لاعتراضه داخل الغلاف الجوي.

وإلى جانب هذه المنظومات، نشرت الولايات المتحدة منظومة "ثاد" المخصصة لاعتراض الصواريخ الباليستية بمديات تبدأ من 1000 كم وصولاً إلى 5000 كم، ويتمتع بقدرات مناورة عالية، وقادر على التعامل مع شظايا اعتراضية كبيرة، ويشغّل النظام بطارية أمريكية مدربة على تشغيله.
ما تكلفة اعتراض منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية للصاروخ الواحد؟
- وتشير وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن اعتراض الصواريخ الباليستية أغلى بكثير من اعتراض أنواع الصواريخ الأخرى أو الطائرات المسيرة، وتُقدّر تكلفة الاعتراض كالتالي:
"حيتس 2" نحو 3 ملايين دولار للصاروخ الواحد.
"حيتس 3" نحو 2.5 مليون دولار للصاروخ الواحد.
"مقلاع داود" نحو 700 ألف دولار للصاروخ الواحد.
"القبة الحديدية" نحو 70 ألف دولار للصاروخ الواحد.
أما صاروخ "ثاد" الأمريكي، فحوالي 15 مليون دولار للصاروخ الواحد.
هل استنزفت الصواريخ الإيرانية منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية؟
يكشف الصراع المتصاعد بين إيران وإسرائيل عن نقاط القوة والضعف في الموقف العسكري الإسرائيلي، فرغم أن تل أبيب زعمت أنها سجلت نجاحات في اعتراض نسبي للصواريخ الإيرانية، إلا أن التساؤل الذي يبرز حالياً هو: "هل تستطيع إسرائيل الحفاظ على درعها الصاروخي في حرب استنزاف طويلة الأمد؟"
وخلال اليومين الماضيين، حذرت واشنطن من أن مخزون "حيتس" في إسرائيل على وشك النفاد، وقال مسؤول أمريكي لصحيفة "وول ستريت جورنال" إن "حيتس 3" قد تنفد خلال أسابيع.
وتقول صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن صواريخ "حيتس" تعترض معظم الصواريخ الباليستية التي يُطلقها الإيرانيون، وتشارك "مقلاع داود" و"القبة الحديدية" في العملية.
ويرفض الجيش الإسرائيلي الإفصاح عن أرقام مخزون صواريخ الاعتراض، وفي رده على تحذيرات واشنطن، قال إن "الجيش مستعد وجاهز للتعامل مع أي سيناريو".
لكن اللافت هو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في رده على التقارير التي تحدثت عن نفاد وشيك لمخزون "حيتس 3″، رد فقط بالقول: "لطالما تمنيت لو كان هناك المزيد".
وتشير التقييمات إلى أن إسرائيل يمكنها الحفاظ على دفاعها الصاروخي لمدة 10 أو 12 يوماً إضافياً إذا حافظت إيران على وتيرة ثابتة من الهجمات، وفقاً لما ذكره شخص مطلع على تقييمات الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية لصحيفة "وول ستريت جورنال".
ما اقتصاد الاعتراض الذي بدأت فيه إسرائيل؟
وأمام التكلفة الباهظة التي تتكبدها إسرائيل في منظومة الدفاع الجوي ضد الصواريخ الإيرانية الأقل تكلفة، وفي ظل الحديث عن نفاد محتمل لمخزون "حيتس 3″، بدأت إسرائيل باتباع استراتيجية "اقتصاد الاعتراض" في صد الهجمات الإيرانية.
ويقول موقع "كالكاليست" الإسرائيلي، إنه مع استمرار الحرب بين إسرائيل وإيران، وفي ظل الكثافة النسبية في وابل الصواريخ الإيرانية، ساد الإجماع داخل المؤسسة الأمنية على ضرورة اتباع نهج انتقائي في عمليات الاعتراض.
وبحسب العميد احتياط ران كوخاف، القائد السابق لمديرية الدفاع الجوي، فإن "إدارة اقتصاد الذخائر جزء أساسي من سياسة الدفاع الجوي".
وأوضح أن الصواريخ الاعتراضية تختلف في كلفتها وأولويات استخدامها، فبينما تُعد صواريخ القبة الحديدية رخيصة نسبياً وتُنتج بكميات كبيرة، فإن منظومات "السهم 2″ و"السهم 3″ و"مقلاع داود" تُعتبر ذخائر استراتيجية مرتفعة الكلفة، تُنتج بكميات قليلة.

ويشير التقرير إلى أن إدارة اقتصاد الاعتراض تعتمد على قائمة طويلة من المؤشرات، العديد منها مُصنّف. وتشمل هذه المؤشرات اعتبارات تتعلق بـ:
- درجة الكثافة السكانية في المنطقة التي يُتوقع أن يضربها الصاروخ، إذ إن احتمال وقوع إصابات وأضرار جسيمة في مدينة تقع في وسط البلاد أعلى بكثير منه في بلدة صغيرة ومعزولة نسبياً.
- مواقع المنشآت الاستراتيجية، وتلك الضرورية لاستمرارية قتال الجيش واستمرارية الاقتصاد.
ويقول كوخاف: "في مثل هذه العمليات، هناك معضلات على كل المستويات وتشمل أيضاً تكييف الذخائر مع الهدف".
ويضيف: "إذا علمنا أنه يمكن اعتراض صاروخ تم إطلاقه من لبنان باتجاه نهاريا شمال إسرائيل، وكان الخيار ما بين استخدام السهم 2 والسهم 3 أو مقلاع داود أو القبة الحديدية، فإننا نفضل توجيه صاروخ القبة الحديدية الاعتراضي نحوه".
وتلخص صحيفة "يديعوت أحرونوت" الأمر بأنه يُقصد باقتصاد الاعتراض التفكير في إطلاق صاروخ "حيتس 3" باهظ الثمن، أو المخاطرة على أمل أن يؤدي صاروخ "ديفيد سيلينغ" أو "باتريوت" الغرض.
ويذكر موقع "كالكاليست" أن وزارة الجيش قدمت مؤخراً طلباً ضخماً بمليارات الشواكل إلى شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية (IAI) تمهيداً لشراء صواريخ إضافية من "حيتس 3".
وفي سياق الحرب مع إيران، وسّع سلاح الجو الإسرائيلي وشركة رافائيل نطاق عمل منظومة "مقلاع داود" بشكل ملحوظ، رغم أنها لم تُصمم للتصدي للصواريخ الباليستية كتلك التي أطلقتها الجمهورية الإسلامية على إسرائيل.
ويقول مصدر أمني للموقع: "مع استمرار إطلاق الصواريخ من إيران، قد يتسع نطاقها، ومع إدارة المخاطر المصممة للحفاظ على الخطوط الحمراء في اقتصاد الاعتراض، فإن الصواريخ الاعتراضية ليست مورداً لا ينضب".
اللجوء إلى منظومة "باراك ماغين" في البر
وقبل أيام، أعلن الجيش الإسرائيلي أن سفينة صواريخ تابعة لسلاح البحرية أسقطت طائرات مسيّرة أُطلقت من إيران، باستخدام "باراك ماغين" والصاروخ الاعتراضي "لارد" للمرة الأولى.
ولكن ضمن استراتيجية "اقتصاد الاعتراض"، لجأت إسرائيل لأول مرة إلى استخدام منظومة "باراك ماغين" على البر، باعتراضات قامت بها الجمعة 20 يونيو/حزيران 2025.
وبحسب القناة 12 العبرية، تم استخدام النظام الذي أنتجته شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية للحماية من التهديدات الجوية، وكانت الخبرة التشغيلية به مقتصرة على السفن البحرية التي تم نشره عليها.
وتُسهم المنظومة في اعتراض الطائرات المسيّرة، وعند الحاجة يمكن استخدامها أيضاً لاعتراض صواريخ كروز. ومن مزاياها الاستجابة الفورية، وتُساهم أيضاً في تخفيف العبء عن أنظمة الدفاع الجوي الأخرى.
ويصل مداها من 30 كم إلى 70 كم، وفي نسخ منها تصل إلى 150 كم، وفقاً لمسؤول في الصناعات الجوية الإسرائيلية، كما تذكر صحيفة "معاريف".
الولايات المتحدة تدخل على خط الحماية
وبحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن الولايات المتحدة تسابق الزمن لتعزيز دفاعات إسرائيل، فأرسلت المزيد من السفن الحربية القادرة على إسقاط الصواريخ الباليستية إلى المنطقة، في الوقت الذي تؤدي فيه الهجمات الإيرانية إلى استنزاف مخزونات إسرائيل من الصواريخ الاعتراضية.
وصلت مدمرة أمريكية إضافية إلى شرق البحر الأبيض المتوسط الجمعة 20 يونيو/حزيران 2025، لتنضم إلى ثلاث مدمرات أخرى في المنطقة ومدمرتين في البحر الأحمر.
وصرّح مسؤول دفاعي أمريكي بأن هذه السفن تعمل على مقربة كافية من إسرائيل لاعتراض الصواريخ التي تُطلقها إيران.
ومعظم مدمرات الصواريخ الموجهة الأمريكية مُجهزة بمجموعة من الصواريخ الاعتراضية المعروفة باسم SM-2 وSM-3 وSM-6، القادرة على إسقاط الصواريخ الباليستية وغيرها من التهديدات الجوية.
وصُمّمت صواريخ SM-3، التي استُخدمت لأول مرة في القتال العام الماضي للتصدي لهجوم إيراني، لاعتراض الصواريخ فوق الغلاف الجوي في منتصف مساراتها.
كما قامت الولايات المتحدة أيضاً بتجديد مخزوناتها من الصواريخ الاعتراضية الأرضية لنظام "ثاد" المضاد للصواريخ الذي أنشأته في إسرائيل العام الماضي.