” هدف نتنياهو الخفي”.. تغيير نظام طهران باستدعاء قصص توراتية، فلماذا تبدو رغبته مستحيلة؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/06/20 الساعة 13:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/06/20 الساعة 14:02 بتوقيت غرينتش
نتنياهو قال إن تغيير النظام الإيراني قد يكون نتيجة للحرب/ عربي بوست

رغم حديثه بأن تغيير النظام الإيراني قد يكون نتيجة الحرب الإسرائيلية على إيران، فإن تصريحاته من خلال مخاطبة الشعب الإيراني واستحضار قصص تاريخية قديمة توحي بأن طموح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو إسقاط النظام في إيران.

وعقب الهجوم الإيراني في بئر السبع، أعلن وزير الجيش يسارئيل كاتس أنه أصدر تعليماته بزيادة الهجمات بهدف "تقويض النظام الإيراني"، كما يخاطب نتنياهو الشعب الإيراني بانتظام، وتوقّع زعيم المعارضة يائير لابيد أن "هذه الإدارة ستسقط، وسيحل محلها أشخاص أفضل بكثير".

ويوم الخميس، قال نتنياهو في تصريحات لهيئة البث الإسرائيلية إن تغيير النظام الإيراني أو سقوطه ليس هدفاً، لكنه قد يكون نتيجة.

لكنه، مع انطلاق الهجمات الإسرائيلية على إيران، خرج نتنياهو في خطاب متلفز حرّض فيه الشعب الإيراني ضد النظام، مدعياً "أنهم أمام فرصة للتخلص منه".

وزعم موجهاً حديثه إلى الشعب الإيراني: "معركتنا ليست مع الشعب الإيراني، بل مع النظام الإسلامي الذي يضطهدكم ويفقر بلادكم".

وفي تصريحات جديدة من أمام مستشفى سوروكا في بئر السبع، قال نتنياهو إن "الوقت قد حان لليهود لسداد ديونهم القديمة لقورش الكبير، وتحقيق التحرير إلى إيران".

وقال نتنياهو: "يسألني الناس: هل نستهدف إسقاط النظام؟.. قد تكون هذه نتيجةً، لكن على الشعب الإيراني أن ينتفض من أجل حريته.. لكننا قد نهيئ الظروف التي تساعدهم على ذلك".
وتابع قائلاً: "إذا كانت القنابل الإسرائيلية قادرة على تحطيم ركائز الجمهورية الإسلامية، فإن ذلك سيمثل دفع ديون عمرها آلاف السنين، تعود إلى تحرير اليهود من الأسر في بابل، على يد قورش الفارسي".

من هو قورش الكبير؟

أحد أعظم ملوك الفرس الأخمينية، الذي أسس إمبراطورية مترامية الأطراف ووضع مبادئ حكمها عام 530 قبل الميلاد.
يعتبره اليهود محرراً لهم بعد سيطرته على ما بين النهرين (العراق)، وفي العام 2015 أصدرت إسرائيل طابعاً بريدياً يحمل صورة لأسطوانة طينية اشتهرت باسم "بيان قوروش"، تكريماً له.
تقول المزاعم اليهودية إن قورش، بعد غزوه بابل عام 539 ق.م، أصدر مرسوماً سمح فيه لليهود بالعودة إلى القدس وبناء الهيكل، وهو الشخصية الوحيدة غير اليهودية في الكتاب المقدس الذي يتم استدعاؤه.

هل يسعى نتنياهو فعلاً إلى تغيير النظام الإيراني بهجماته؟

أفاد المحلل العسكري في صحيفة هآرتس، عاموس هارئيل، مؤخراً بأن بنيامين نتنياهو بدأ بإحاطة الصحفيين حول "فرصة ذهبية" أُتيحت الآن "للتعامل" مع القضية النووية الإيرانية، وربما حتى إسقاط النظام في طهران.

ويعتقد العديد من القادة العسكريين والسياسيين الإسرائيليين أن الهجوم على إيران قد يُحدث تغييراً في النظام ويُسقط القيادة المتشددة التي تحرك طموحات البلاد النووية. وقد تُعطي حكومة جديدة، ربما أكثر اعتدالاً، الأولوية للاستقرار الداخلي والتعافي الاقتصادي على تطوير الأسلحة النووية، بحسب صحيفة "جيروزاليم بوست".

ويتوافق ذلك مع تحليل نشرته وكالة رويترز، ذكر أن حجم الضربات واختيار إسرائيل لأهدافها وكلمات ساستها أنفسهم، تشير إلى هدف آخر أطول أمداً، وهو إسقاط النظام نفسه.

وقال خبراء لـ"رويترز" إن الضربات يبدو أنها تهدف إلى إضعاف الثقة في إيران، سواء في الداخل أو بين حلفائها في المنطقة، وهي عوامل يمكن أن تزعزع استقرار القيادة الإيرانية.

نتنياهو أمام مستشفى تضرر جراء القصف الإيراني في بئر السبع/ رويترز
نتنياهو أمام مستشفى تضرر جراء القصف الإيراني في بئر السبع/ رويترز

ويقول موقع "أكسيوس" الأمريكي إن النجاح الذي حققته المرحلة الأولى من الحرب الإسرائيلية في إيران، وتمكين السيطرة الجوية على سماء طهران، جعل الإسرائيليين يفكرون في تغيير النظام الإيراني.

وأكد الموقع أن نتنياهو أيّد الفكرة فعلياً في سلسلة من التصريحات الإعلامية، وبينما تحدث العسكريون الإسرائيليون أن استهداف مبنى التلفزيون الإيراني سببه أنه كان يُستخدم لأغراض عسكرية، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إن الضربة كانت تهدف إلى الحد من قدرات النظام.

لماذا لا ترغب أمريكا في تغيير النظام الإيراني؟

تدعم الولايات المتحدة أهداف الحرب المعلنة التي تتبناها إسرائيل في القضاء على القدرات النووية والصاروخية الباليستية، لكنها لا تدعم مهمة أوسع تتعلق بإعادة تشكيل إيران من خلال القوة، بحسب موقع أكسيوس.

فيما تقول صحيفة "يديعوت أحرونوت" إنه في الوقت الذي يشير فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تنسيق عسكري محتمل مع الضربات الإسرائيلية على أهداف إيرانية، يمتنع عن ترديد دعوات نتنياهو العلنية لتغيير النظام، والسبب في ذلك أنه من المرجح أنه يفكر في سوابق إقليمية.

فقد أنفقت الولايات المتحدة تريليونات الدولارات، وخسرت آلاف الأرواح لطرد طالبان من أفغانستان، لتشهد استعادة الجماعة سيطرتها بعد عقدين من الزمن.

وفي العراق، أدت الإطاحة بصدام حسين إلى صعود تنظيم الدولة، ما أجبر الغرب في نهاية المطاف على تجديد تدخله العسكري.

وحتى الإطاحة بمعمر القذافي في ليبيا بدعم من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تحولت إلى حرب أهلية مستمرة وفوضى عارمة.

وتذكر الصحيفة أن هذه التدخلات خلّفت مشاعر معادية لأمريكا لدى العديد من المسلمين في المنطقة، مدفوعة بالموت والدمار وخيبة الأمل على نطاق واسع. علاوةً على ذلك، بينما تُركّز الروايات الغربية غالباً على ملايين الإيرانيين الذين يُفترض أنهم ينتظرون الثورة، من المهم أن نتذكر أن عشرات الملايين ما زالوا يدعمون النظام.

وأضافت أن الانقلابات العنيفة قد تؤدي إلى اندلاع حرب أهلية دامية، وهو السيناريو الذي قد يعزز تفضيل إدارة ترامب لمبدأ عدم التدخل.

صورة للقاء سابق بين ترامب ونتنياهو/ رويترز
صورة للقاء سابق بين ترامب ونتنياهو/ رويترز

كما أن حكام إيران يدركون جيداً مخاطر الانقلاب عليهم، فالجمهورية الإسلامية نفسها وصلت إلى السلطة عبر الثورة، وهذا التاريخ يجعلهم أكثر عرضة للرد بعنف جماعي إذا اعتقدوا أنهم يواجهون إزاحة وشيكة، خاصة إذا شعروا أنه لم يعد لديهم ما يخسرونه.

وبالفعل، نقلت صحيفة "نيويورك بوست" الأمريكية عن مصادر مقربة من الرئيس الأمريكي أن أحد تحفظات ترامب تكمن في خشيته تحول البلاد إلى "ليبيا جديدة" إذا تمت "الإطاحة" بالمرشد الإيراني علي خامنئي.

وقال مصدر، بحسب الصحيفة، إنه سمع ترامب يقول في جلسة خاصة إنه يشعر بالقلق من أن تصبح إيران "مثل ليبيا" قبل أن تبدأ إسرائيل غاراتها الجوية على إيران.

وأكد المصدر المقرب من الإدارة أن تغيير النظام المحتمل في إيران ليس من بين أهداف ترامب، وقال: "أما بالنسبة للرئيس، فلن يتدخل فيمن سيحكم إيران"، وفقاً للصحيفة.

لماذا مهمة تغيير النظام الإيراني مهمة قد تكون مستحيلة؟

رغم الضرر الذي ألحقه الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق، فإن العداء لإسرائيل على مر العقود – ليس فقط لدى حكام إيران بل أيضاً لدى أبناء شعبها – ما يثير تساؤلات حول إمكانية استنفار ما يكفي من الدعم الشعبي للإطاحة بقيادة دينية راسخة في طهران مدعومة بقوات أمن تدين لها بالولاء.

ونقلت وكالة رويترز عن مايكل سينغ من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والمسؤول الكبير السابق في عهد الرئيس جورج دبليو بوش: "يفترض المرء أن أحد الأسباب التي تدفع إسرائيل للقيام بذلك هو أنها تأمل في رؤية تغيير النظام"، مستدركاً أنه "لا أحد يعرف ما هي الظروف المطلوبة لتوحيد صفوف المعارضة في إيران".

لكن جوناثان بانيكوف، نائب مسؤول المخابرات الوطنية الأمريكية السابق لشؤون الشرق الأوسط والذي يعمل الآن في مركز الأبحاث (أتلانتيك كاونسل)، قال إن مثل هذا التغيير ربما ينطوي على مخاطر.

وإذا نجحت إسرائيل في إزاحة القيادة الإيرانية، فليس هناك ما يضمن أن القيادة الجديدة التي ستخلفها لن تكون أكثر تشدداً في السعي إلى الصراع مع إسرائيل.

وقال بانيكوف: "لسنوات، يصر كثيرون في إسرائيل على أن تغيير النظام في إيران سيفضي إلى يوم جديد وأفضل، وأنه لا يوجد ما هو أسوأ من النظام الديني الحالي… لكن التاريخ يقول لنا إن الأمر يمكن أن يكون أسوأ دائماً".

في هذا الإطار، يذكر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أنه في حال اتخاذ إسرائيل قراراً استراتيجياً بتعزيز تغيير النظام في إيران، فإن الوسائل والأساليب الرامية إلى تحقيق هذا الهدف يجب أن تُدرس بناءً على معيارين رئيسيين:

أولاً، ما إذا كانت هذه الوسائل قادرة على تغيير ميزان القوى بين النظام الإيراني ومعارضيه لصالحهم.
ثانياً، ما إذا كانت الوسائل المستخدمة لتحقيق أهداف إسرائيل الشاملة في حملتها ضد إيران، وفي مقدمتها كبح برنامجها النووي، قد تُسهم في تحقيق هدف تغيير النظام أو تُعيق تحقيقه.

ضباط من الحرس الثوري الإيراني _تعبيرية/رويترز
ضباط من الحرس الثوري الإيراني _تعبيرية/رويترز

ويشير المعهد الإسرائيلي إلى أن الجدل يدور حول تغيير النظام في إطار قضيتين محوريّتين:
ما هي فرص تغيير النظام من خلال التدخل الأجنبي؟
وما إذا كان البديل للنظام القائم أفضل من الحالي؟

ويضيف المعهد الإسرائيلي أن:
انهيار النظام الإيراني الحالي قد يستغله الحرس الثوري للسيطرة على مؤسسات الدولة وإقامة نظام عسكري.
كما أن انهيار النظام لا يضمن قيام نظام ديمقراطي، لأنه ليس هناك ما يضمن أن قوى المعارضة الإيرانية لديها القدرة والوسائل لإقامة نظام ديمقراطي.

وتخلص مجلة التايمز الإشكاليات المتعلقة بإمكانية تغيير النظام الإيراني، بالتالي:

  • يمتلك الجيش الإيراني بنية عسكرية مزدوجة مصممة لمقاومة الانقلابات والهجمات، حيث يبلغ قوام القوات المسلحة النظامية حوالي 420 ألف جندي موزعين على القوات البرية والبحرية والجوية.
  • يتبنى الحرس الثوري توجهات أيديولوجية، ويبلغ قوامه 190 ألف شخص موزعين على فروع برية وبحرية وجوية.
  • لدى الحرس الثوري قوات الباسيج "شبه العسكرية" وتضم مئات الآلاف من الأعضاء المندمجين في كل ركن من أركان المجتمع الإيراني – في الشوارع والأحياء والمدارس والمساجد، وهم ليسوا مجرد موالين لآية الله، بل مندمجون في فكرةٍ أعمق عن الدولة وملتزمون باستقلال إيران.
  • على الرغم من حملة الاغتيالات الإسرائيلية الواسعة التي استهدفت كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، إلا أن جوهر هذه المجموعة لم يُفرغ من محتواه، بل تصلّب، وبرز جيل أصغر سناً من القادة الأكثر تشدداً أيديولوجياً، ويعتبرون أنفسهم رعاة نظام إقليمي محاصر، ولديهم خبرة قتالية في صراع متلاحم في سوريا، ويفهمون كيف يمكن أن تتكشف حروب انهيار الدول.
  • إذا تحولت هذه الحرب إلى حرب انهيار دولة – وهو أمر محتمل – فإن ما سيأتي لاحقاً على الأرجح لن يكون استسلاماً؛ ففيلق القدس التابع للحرس الثوري، والذي ساعد في تنظيم خليط من الميليشيات التي استنزفت القوات الأمريكية في العراق لسنوات، في وضع جيد لتكرار الأمر نفسه.
  • لقد أضعفت إسرائيل بشدة محور إيران من الجهات الفاعلة غير الحكومية في المنطقة، لكن طهران لا تزال قادرة على تحريض الميليشيات لمحاربة القوات والمصالح الأمريكية والإسرائيلية.
  • الحملات الجوية قد تدمر البنية التحتية العسكرية والمدنية في إيران بشكل كبير، ولكن من أجل استبدال النظام الإيراني، يتعين على الرئيس ترامب أن يكون مستعداً لمحاربة ليس فقط جيشاً نظامياً، بل نظاماً يتمتع بعقود من الخبرة في الحرب غير المتكافئة.
  • إيران لا يحكمها رجل واحد أو زمرة يمكن القضاء عليها، فالدولة عبارة عن نظام ذو مؤسسات تطورت على مدى قرن، وحتى في خضم الأزمات، يُنتج النظام قادة وفصائل ومراكز قوة جديدة. حتى وفاة بعض الشخصيات المؤثرة لن تُسقط النظام، بل ستُجدده.
  • تركت الحرب مع العراق ندوباً عميقة في إيران، إلا أنها علّمتها أن البقاء لا يتطلب التكافؤ، بل الصمود. وفي العقود التي تلت ذلك، أعادت الدولة الإيرانية تنظيم نفسها، لا من أجل السلام، بل من أجل الحصار.
  • العقيدة العسكرية لإيران ليست مبنية على الغزو، بل على المقاومة.
  • إيران دولة ذات هوية تربط الكثير من الإيرانيين، وتتجذر في ذاكرة تاريخية أعمق تمتد عبر الإمبراطورية والغزو والتقسيم القسري والانقلابات الأجنبية والفترات الاستعمارية.
  • رغم أن النظام الإيراني قد ألحق معاناة شديدة بالشعب الإيراني وأثار غضب العديد من المتظاهرين الإيرانيين، لكن الخلط بين هذا الغضب ورغبة في "التحرر" على يد القوات الأجنبية هو تكرار للأوهام الكارثية التي ميزت حرب العراق عام 2003.
تحميل المزيد