قد يتسبب فرض عقوبات غربية هي الأولى من نوعها على وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، بانعكاسات سلبية على إسرائيل، لاسيما صندوق الثروة السيادي، رغم مساعي الوزير اليميني المتطرف بالانتقام من خلال شل اقتصاد السلطة الفلسطينية.
وفرضت حكومات بريطانيا وكندا وأستراليا والنرويج ونيوزيلندا عقوبات على سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، لتحريضهما المتكرر على العنف ضد المدنيين الفلسطينيين.
ما الذي أدى إلى فرض العقوبات؟
وتُعد عقوبات الحلفاء، هي الإجراءات الأولى من نوعها ضد شخصيات إسرائيلية رفيعة المستوى، في ظل تصاعد الغضب الشعبي والدولي تجاه الانتهاكات الجسيمة التي تسببت بها إسرائيل في حربها على قطاع غزة.
وأكد بيان مشترك بين الدول الغربية الخمس أن سموتريتش وبن غفير حرّضا على عنف المستوطنين وارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الفلسطينيين الإنسانية.
ويقول موقع "كالكاليست" الإسرائيلي، إنه رغم أن العقوبات فُرضت بسبب ما يحدث في الضفة الغربية، إلا أن البيان أشار أيضاً إلى ما يحدث في غزة، مؤكداً أنه "لا يمكن النظر إلى العقوبات بمعزل عما يحدث بالقطاع، ويجب على إسرائيل الالتزام بالقانون الإنساني الدولي".
ودعا بيان الدول الغربية إلى ضرورة التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، واتفاق بشأن إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، والتقدم نحو حل الدولتين.
وفي 19 مايو/أيار 2025، انضم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في توقيع بيان مشترك يدين حصار إسرائيل للمساعدات الإنسانية في غزة وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية.
ويُعرف الوزيران بآرائهما السياسية اليمينية المتطرفة ودعمهما القوي لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.
وفي 30 مايو/أيار 2025، أعلن سموتريتش عن خطط لإنشاء 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية، وهي خطوة تُعتبر على نطاق واسع غير قانونية بموجب القانون الدولي.
ووصف التوسع بأنه "قرار تاريخي"، وقال: "لقد نجحنا في إحداث تغيير استراتيجي عميق، وإعادة دولة إسرائيل إلى مسار البناء والصهيونية والرؤية".

فيما تقول شبكة "بي بي سي" البريطانية إن القرار يعكس الضغوط الشعبية والبرلمانية المتزايدة لاتخاذ مزيد من الإجراءات ضد الحكومة الإسرائيلية بسبب عملياتها في غزة والضفة الغربية.
ما طبيعة العقوبات التي فُرضت على سموتريتش وبن غفير؟
وذكرت صحيفة "التايمز" البريطانية أن العقوبات البريطانية ستشمل:
- تجميد أصول الوزيرين الإسرائيليين.
- منع سموتريتش وبن غفير من دخول المملكة المتحدة.
- منع المؤسسات المالية من إقامة علاقات معهما.
كيف علّقت الحكومة الإسرائيلية على قرار الدول الغربية؟
ولم يعلّق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قرارات الدول الغربية، لكنه اكتفى بمشاركة تغريدة لوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، أدان فيها القرار، وكتب نتنياهو: "شكراً روبيو لموقفك الأخلاقي ودعمك لإسرائيل".
فيما قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر إن هذه الخطوة "شائنة"، وإن الحكومة ستعقد اجتماعاً خاصاً لتحديد سبل الرد على هذا "القرار غير المقبول".
وخلال حديثه في حفل افتتاح مستوطنة جديدة في الضفة الغربية، قال سموتريتش إنه يشعر "بالازدراء" تجاه الخطوة التي اتخذتها بريطانيا.
وأضاف: "لقد حاولت بريطانيا سابقاً منعنا من الاستيطان في وطننا، ولن نسمح لها بفعل ذلك مرة أخرى، نحن مصممون على البناء".
بدوره قال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، إنه يشعر بـ"ازدرائه للكتاب الأبيض"، مشبهاً القرار بالوثيقة السياسية البريطانية لعام 1939 التي حدّت من الهجرة اليهودية إلى فلسطين الانتدابية.
وأضاف بن غفير: "لقد نجونا من فرعون، وسنتجاوز أيضاً جدار كير ستارمر".
ماذا فعل سموتريتش رداً على عقوبات الحلفاء؟
ورداً على القرار الذي اتخذته الدول الغربية بحقه، أمر سموتريتش بإلغاء إعفاء يتيح التعاون بين البنوك الإسرائيلية والفلسطينية، في خطوة تعرض النظام المصرفي الفلسطيني للخطر.
ونقل مكتب سموتريتش عنه تأكيده في بيان أن القرار جاء رداً على "حملة نزع الشرعية" التي تشنها السلطة الفلسطينية على إسرائيل عالمياً.
وكان هذا الإعفاء يسمح للبنوك الإسرائيلية بإتمام مدفوعات بالشيكل الإسرائيلي للخدمات والرواتب المرتبطة بالسلطة الفلسطينية، دون أن تجد نفسها معرضة لاتهامات بغسل الأموال وتمويل التطرف.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، صادق المجلس الوزاري الإسرائيلي للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت) لصالح تمديد العمل بمنح ضمان للبنوك الإسرائيلية التي تتعامل مع أخرى فلسطينية لمدة عام إضافي، حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2025.
وكان سموتريتش قد هدد سابقاً بإسقاط اقتصاد السلطة الفلسطينية، في حال فرضت بريطانيا عقوبات على أي وزير إسرائيلي.
ما انعكاس إجراءات سموتريتش على السلطة الفلسطينية وإسرائيل؟
يعتمد الاقتصاد الفلسطيني بشكل كبير على علاقات البنوك مع نظيراتها الإسرائيلية لمعالجة المعاملات بالشيكل، إذ لا تملك السلطة الفلسطينية عملة خاصة بها، وعليه فإن قرار سموتريتش سيؤدي إلى تباطؤ تدفق الأموال من السلطة الفلسطينية، وإلحاق الضرر بعمل المؤسسات الاقتصادية الفلسطينية.
ووفقاً للبيانات الرسمية، فقد بلغ حجم التعاملات في البنوك الفلسطينية نحو 53 مليار شيكل (14 مليار دولار) في عام 2023، بحسب موقع "تايمز أوف إسرائيل".
وعمليات التداول في الضفة الغربية وقطاع غزة تتم أغلبيتها العظمى بالعملة الإسرائيلية، وذلك لأن السلطة الفلسطينية ممنوعة من وجود بنك مركزي فلسطيني يسمح لها بطباعة عملتها الخاصة.
ويتطلب ما يسمى بالاتفاقية المصرفية المقابلة تمديدات دورية من إسرائيل ليظل ساريًا، وقد بذلت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى جانب بريطانيا وحلفاء غربيين آخرين، جهوداً كبيرة لحث إسرائيل على عدم السماح بانتهائها.

وحذرت الدول الغربية من أن عدم الحفاظ على العلاقات المصرفية بين إسرائيل والفلسطينيين سيُحوّل الضفة الغربية إلى "اقتصاد نقدي"، مما سيفيد المنظمات المسلحة في المنطقة، ويُصعّب على السلطة الفلسطينية، المُنهكة أصلاً، محاربتها، بحسب الموقع الإسرائيلي.
كما تصدت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية سابقاً لهذه الخطوة، ووافق سموتريتش حينها في نهاية المطاف على منح تمديد لمدة عام.
وعليه، رغم أن القرار الإسرائيلي قد يضر بالسلطة الفلسطينية، إلا أنه ينعكس سلباً أيضاً على إسرائيل.
ورفع آلية الضمانة قد يتسبب بملاحقة المصرفين الإسرائيليين "ديسكونت" و"هبوعليم" قانونياً لاحقاً، بزعم تحويل الأموال إلى كيانات يمكن تصنيفها أنها تمارس "أنشطة معادية".
حيث كان المصرفان الإسرائيليان يحظيان بحصانة حكومية من دعاوى جنائية في إسرائيل، وتعويض عن دعاوى مدنية تُقدَّم ضدهما، ويُمنح التعويض من جانب دائرة المحاسب العام بوزارة المالية الإسرائيلية.
ويقول موقع "ذا ماركر" الإسرائيلي، إن الحفاظ على العلاقة المصرفية مع السلطة الفلسطينية مهم للغاية بالنسبة لإسرائيل، حتى لا تنتهك اتفاقيات أوسلو، ولا تنهار السلطة، ولضمان استمرار التجارة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
كما يذكر الموقع الإسرائيلي أن الحفاظ على العلاقة المصرفية مع السلطة الفلسطينية، أفضل طريقة لمنع الفلسطينيين من "تمويل الإرهاب" كما يصف.
وإذا قطعت إسرائيل صلة الفلسطينيين بالنظام المصرفي الإسرائيلي وبالعملة الإسرائيلية، فإنه سيكون لدى الفلسطينيين سبب مشروع لإصدار عملة مستقلة ومطالبة العالم بالاعتراف بها.
وشدد الموقع على أن الاعتراف بعملة فلسطينية مستقلة، سيكون الخطوة الأولى نحو الاعتراف العالمي بدولة فلسطينية مستقلة، ولهذا فإن إسرائيل يجب أن تلتزم باتفاقية باريس حتى لا يُصدر الفلسطينيون عملتهم، بحسب الموقع الإسرائيلي.
وكان مجلس الوزراء الإسرائيلي، في بيان سابق، قد أكد أن "استمرار العلاقات المصرفية مع الفلسطينيين له أهمية بالغة لأمن الدولة وعلاقاتها الخارجية".
ما انعكاس قرار الدول الغربية على الاقتصاد الإسرائيلي؟
ويعتقد موقع "ذا ماركر" الاقتصادي أن العقوبات المفروضة على سموتريتش قد يكون لها آثار وخيمة على الاقتصاد الإسرائيلي، والسبب أنه عندما يخضع وزير مالية لعقوبات، قد تُمنع إجراءات مختلفة للوزارة مع دول أخرى، حتى لو كانت العقوبات شخصية.
وأوضح الموقع أن التأثير الأول والأكثر وضوحاً يتعلق بأنشطة صندوق الثروة (صندوق السيادة الإسرائيلي)، والذي يدير إيرادات الحكومة من ضريبة الأرباح الزائدة إلى احتياطيات الغاز الإسرائيلية.
ووفقاً للقانون، فإن رئيس مجلس إدارة صندوق الثروة الإسرائيلي هو وزير المالية نفسه.

وتنص وثائق استثمارات صندوق الثروة السيادي رسمياً على عدم خضوع أي من أعضائه لأي نظام عقوبات دولية، بمعنى آخر، قد لا يتمكن الصندوق من التصرف والاستثمار قانونياً لأن رئيسه يخضع بالفعل للعقوبات، وعليه فإن الصندوق قد يواجه قيوداً استثمارية كبيرة.
وقد جمع الصندوق 2.08 مليار دولار أمريكي بنهاية العام 2024، ومن المتوقع أن يحقق نمواً سريعاً في السنوات القادمة، وجميع استثماراته من الخارج (بلغت 64% بنهاية عام 2024) من الأسهم، والباقي في سندات الشركات.
ويقوم مكتب الاستشارات القانونية في وزارة المالية وبنك إسرائيل بفحص جميع الوثائق الدولية التي وقعتها إسرائيل، لتحديد مدى الضرر الناجم عن فرض العقوبات على وزير ماليتها.
ومن بين أمور أخرى، يدرس المكتب ما إذا كان كون وزير المالية شخصاً خاضعاً للعقوبات قد يضر بقدرة دولة إسرائيل على إصدار السندات، أو ما إذا كان هذا الإجراء يُلقي بظلاله على اتفاقيات التجارة الدولية لإسرائيل.
وشدد الموقع الإسرائيلي على أنه لا يمكن لشخصٍ فُرضت عليه عقوبات البقاء في منصبٍ رسمي في الحكومة الإسرائيلية.
وأكد أن "الضرر الذي يُلحقه سموتريتش وبن غفير بدولة إسرائيل لا يُطاق، وعليهما استخلاص النتائج، وإذا كانا صهيونيين ووطنيين بالفعل، كما يدعيان، فسيُفضلان مصلحة الدولة على مصلحتهما الخاصة، ويستقيلان فوراً، وإن لم يكونا كذلك، فيجب إقالتهما فوراً، وخاصة سموتريتش".