عزلة دولية وحرب كلفتها 40 مليار دولار.. هذا ما جنته إسرائيل خلال 600 يومٍ من عدوانها على غزة

عربي بوست
تم النشر: 2025/05/29 الساعة 11:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/05/29 الساعة 11:57 بتوقيت غرينتش
عزلة دولية وحرب كلفتها 40 مليار دولار.. هذا ما جنته إسرائيل خلال 600 يومٍ من عدوانها على غزة (عربي بوست)

ألحقت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة خسائر فادحة بالاقتصاد الإسرائيلي، وألقت بظلالها القاتمة على الواقع الحياتي في شتى المجالات والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

وكشفت تقارير إسرائيلية حديثة أن الحرب على غزة كلفت تل أبيب حوالي 40 مليار دولار حتى نهاية عام 2024 فقط، فيما تلقت قطاعات عديدة، وفي مقدمتها البناء والسياحة والطيران، خسائر فادحة أيضاً منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ولا تقتصر التداعيات التي خلفتها الحرب بعد مرور 600 يوم على القطاعات الاقتصادية للاحتلال فقط، بل يشمل ذلك أيضاً الصحة النفسية والعزلة الدولية للبلاد إلى الحد الذي بدأ فيه حلفاء لتل أبيب في تصعيد لهجتهم ضد إسرائيل بشكل غير مسبوق.

نكبتنا ونكبتهم.. حين أصبح الـ 7 من أكتوبر يوم أسود في تاريخ المحتل
غزة يوم السابع من أكتوبر – shutterstock

يأتي ذلك، بينما تتعالى الأصوات داخل المجتمع الإسرائيلي بأن الحرب لم تحقق أهدافها حتى الآن، رغم مرور أكثر من عام ونصف على اندلاعها.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود أولمرت، أكد عدم وجود أي أمل في نجاح الحرب على قطاع غزة.

وانتقد أولمرت حرب إسرائيل على غزة، قائلاً: "هذه حرب بلا هدف وبلا أي أمل للنجاح، وإنما خداع وتباهٍ متعجرف لا أساس له".

ما هي التداعيات التي خلفتها الحرب على غزة على إسرائيل؟

أولاً: 40 مليار دولار تكلفة الحرب حتى نهاية 2024

بلغت تكلفة الحرب على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حوالي 40 مليار دولار حتى نهاية عام 2024، وفق تقارير عبرية.

وقالت صحيفة كالكاليست الاقتصادية العبرية إن "تكلفة الحرب، شاملة المساعدات الأمريكية، بلغت 141.6 مليار شيكل (نحو 40 مليار دولار) بنهاية عام 2024، وفقاً لبيانات المحاسب العام لوزارة المالية الإسرائيلية".

وأشارت إلى أن التكلفة الإجمالية تشمل التكاليف العسكرية، والنفقات المدنية، ومبالغ صندوق تعويضات الأضرار.

من جانبها، أوضحت صحيفة غلوبس الاقتصادية العبرية أن الصافي العسكري من هذه النفقات بلغ 98.4 مليار شيكل (27.7 مليار دولار)، منها 80.2 مليار شيكل (22.6 مليار دولار) خلال عام 2024 فقط، وهو ما يعادل نحو 80% من إجمالي التكلفة.

تبادل الأسرى
عناصر من جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة/ رويترز

وبحسب الصحيفة، فإن ذروة الإنفاق العسكري سُجلت في ديسمبر/كانون الأول 2023، حين بلغت النفقات خلال ذلك الشهر وحده 17.2 مليار شيكل (4.8 مليارات دولار).

ولفتت إلى أن وزارة المالية لم تنشر حتى اليوم بيانات مفصلة عن نفقات الحرب في عام 2025.

ولم تشمل هذه الأرقام الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الحرب، بما في ذلك انخفاض الإيرادات، وتراجع الاستثمار الأجنبي، وتضرر قطاع السياحة.

كما لم تتضمن أي تقدير لتكاليف إعادة الإعمار، سواء في المستوطنات المحيطة بغزة جنوبي إسرائيل، أو البلدات القريبة من الحدود اللبنانية التي تضررت جراء القصف المتبادل مع حزب الله.

ثانياً: تجاوز وزارة الدفاع سقف الإنفاق جراء الحرب على غزة

قالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، الأحد 25 مايو/أيار 2025، إن وزارة الدفاع تجاوزت السقف المالي المخصص لها بمقدار 15 مليار شيكل (نحو 4.1 مليارات دولار)، نتيجة استمرار الحرب على قطاع غزة وتوسعها، ما تسبب في خلافات حادة مع وزارة المالية.

وأوضحت الهيئة أن وزارة الدفاع أبلغت الحكومة، خلال جلسة أمنية عُقدت الأحد، أن نفقاتها حتى هذه المرحلة من العام بلغت 15 مليار شيكل، فوق ما كان مخططاً له، بسبب توسع الحرب في غزة.

وقالت صحيفة غلوبس إن الحكومة الإسرائيلية ستضطر إلى توسيع العجز المالي لمواجهة كلفة استدعاء 450 ألف جندي احتياط، في إطار توسيع الحرب في غزة. وتُقدَّر تكلفة خدمة هذا العدد من جنود الاحتياط لمدة 3 أشهر بحوالي 32 مليار شيكل (8.9 مليارات دولار).

وفي المقابل، تُقدِّر وزارة المالية أن الفجوة المالية قد تتسع لتصل إلى 25 مليار شيكل (نحو 7 مليارات دولار) بحلول نهاية العام، إذا استمرت الحرب.

يسرائيل كاتس وزير جيش الاحتلال الجديد
يسرائيل كاتس وزير جيش الاحتلال الجديد/ الأناضول

وبحسب الهيئة، فقد نشبت مشادة كلامية خلال الاجتماع بين وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ومدير عام وزارة الدفاع (لم يُذكر اسمه)، على خلفية الاتهامات المتبادلة بشأن إدارة الإنفاق.

وخلال النقاش، عبّر سموتريتش عن استيائه، قائلاً: "أنتم تفعلون ما يحلو لكم"، متهماً المؤسسة الأمنية بتجاوز صلاحياتها والصرف دون رقابة، رغم تخصيص ميزانيات مسبقة لها، حسب الهيئة.

ووفق صحيفة ذي ماركر الاقتصادية الإسرائيلية، بلغت ميزانية وزارة الدفاع في حكومة الاحتلال في عام 2025 نحو 136 مليار شيكل (ما يعادل 37 مليار دولار)، ما يجعلها الوزارة الأعلى تمويلاً في الحكومة الإسرائيلية.

ثالثاً: العزلة الدولية وتراجع الدعم الشعبي لإسرائيل

وبعد مرور 600 يوم من الحرب الإسرائيلية على غزة، شهد الموقف الدولي تحولاً ملحوظاً تجاه إسرائيل، خاصة من جانب الدول الأوروبية.

وحفّز الغضب الشعبي المتزايد، والتهديد المتنامي بالعواقب القانونية لدعم إسرائيل، والتغير في موقف الولايات المتحدة تجاه تل أبيب الدول الغربية، وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا وكندا، على تبني مواقف متصاعدة ضد الاحتلال في الآونة الأخيرة وصلت إلى حد التهديد بفرض عقوبات وتعليق اتفاقيات تجارية.

ووضعت هذه المواقف الدول الأوروبية في مواجهة مباشرة مع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، اليمينية، في وقت يعاني فيه سكان القطاع الفلسطيني من مستويات غير مسبوقة من المجاعة بسبب التعنت الإسرائيلي في إدخال المساعدات الإغاثية اللازمة.

وعلى صعيد الرأي العام العالمي، ومنذ أن شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي الحرب على غزة، كشفت استطلاعات رأي أجرتها مؤسسات غربية بارزة عن ارتفاع وجهات النظر الداعمة لفلسطين، في مقابل انخفاض التأييد الدولي لإسرائيل، التي تواجه اتهامات في المحاكم الدولية بارتكاب إبادة جماعية في القطاع المحاصر.

وكان للارتفاع الكبير في أعداد الضحايا المدنيين في غزة جراء القصف الإسرائيلي المتواصل، الذي خلّف حوالي 160 ألفاً ما بين قتيل وجريح فلسطيني، دور بارز في تصاعد مشاعر الكراهية ضد تل أبيب وحربها على القطاع.

المسلمون في فرنسا
مظاهرات كبيرة خرجت في مدن فرنسية تضامناً مع غزة/ رويترز

وفي 19 مايو/أيار الماضي، تظاهر عشرات آلاف الأشخاص في لاهاي احتجاجاً على سياسة الحكومة الهولندية إزاء إسرائيل والحرب في غزة، في أكبر تجمّع في البلد منذ 20 عاماً، بحسب القائمين على هذه المبادرة. وارتدى المتظاهرون اللون الأحمر لرسم خط رمزي بهذا اللون، وحضّوا الحكومة على اتخاذ تدابير ضد إسرائيل التي ترتكب، في نظرهم، "إبادة جماعية" في غزة.

وأشار تقرير لموقع غلوبس الإسرائيلي إلى أن الحكومات الغربية، التي أبدت سابقاً دعمها لإسرائيل، تتعرض لضغوط شعبية متواصلة منذ أكثر من عام "لفعل شيء" من أجل الفلسطينيين.

وأضاف التقرير أن الأيام القليلة الماضية شهدت انهيار ما تبقى من الدعم للحكومة الإسرائيلية في معظم أنحاء أوروبا.

وبحسب استطلاعات رأي لمؤسسة يوجوف البريطانية:

  • طالب 50% من الإسبان مدريد "ببذل المزيد من الجهود لكبح جماح إسرائيل".
  • أعرب 56% من السويديين عن وجهات نظر سلبية تجاه إسرائيل.
  • يعتقد 60% من الإيطاليين أن الهجوم الإسرائيلي على غزة "غير مبرر".

رابعاً: انخفاض الاستثمارات في قطاع البناء بحوالي 36 مليار دولار 

شهد الاستثمار في قطاع البناء في إسرائيل انخفاضاً بقيمة 131 مليار شيكل (حوالي 36 مليار دولار) منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى نهاية الربع الأول من العام الجاري، بحسب تقديرات خبراء اقتصاديين من اتحاد مقاولي البناء في إسرائيل.

وعزت صحيفة كالكاليست العبرية سبب هذا الانخفاض إلى نقص العمالة في قطاع البناء، في أعقاب الإغلاق المفروض على الأراضي الفلسطينية المحتلة، الذي منع الفلسطينيين من دخول إسرائيل، إلى جانب حقيقة أن الحكومة فشلت حتى الآن في جلب ما يكفي من العمال الأجانب.

وحتى الآن، وصل إلى إسرائيل نحو 35 ألف عامل جديد، غالبيتهم من الهند وسريلانكا، بينما كان يعمل 80 ألف فلسطيني في قطاعَي البناء والبنية التحتية قبل اندلاع الحرب على غزة.

وأشارت كالكاليست إلى أن نقص العمالة في قطاع البناء أحدث تأثيرات سلبية على وتيرة البناء وتأخر تسليم الشقق. ورغم ارتفاع عدد عمليات البدء في البناء، فقد شهد عام 2024 انخفاضاً بنسبة 12.3% مقارنة بعام 2023 في عدد الشقق التي اكتمل بناؤها.

ويُقدِّر المقاولون أنه بسبب نقص العمالة، فإن تسليم الشقق سوف يتأخر بمعدل تسعة أشهر، وهو ما سيكلف مشتري الشقق المزيد من الأموال.

خامساً: ارتفاع أسعار الرحلات الجوية

أدت حالات إلغاء الرحلات الجوية من قبل شركات الطيران الأجنبية، والتي بدأت مع اندلاع الحرب على قطاع غزة، إلى ارتفاع أسعار التذاكر هذا العام في قطاع الطيران الإسرائيلي، حتى تضاعفت، مقارنة بعام 2023.

ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ألغت شركات الطيران الأجنبية رحلاتها إلى إسرائيل بشكل منتظم، وخلف ذلك تبعات اقتصادية سلبية. 

وبحسب المكتب المركزي للإحصاء، ينفق الإسرائيليون حالياً أموالاً أكثر على الرحلات الجوية. وفي الفترة بين الربع الأول من عام 2023 والربع الأول من عام 2025، ارتفعت تكاليف رحلات الطيران للإسرائيليين بنسبة 6.3%، وفق صحيفة كالكاليست.

ومنذ الخامس من مايو/أيار الماضي، أعلنت شركات طيران دولية تمديد تعليق رحلاتها إلى إسرائيل، بعد سقوط  صاروخ أطلقه الحوثيون من اليمن وسقط في مطار بن غوريون.

الرحلات الجوية بإسرائيل
مطار بن غوريون الإسرائيلي/الأناضول

وفي أعقاب ذلك، حذرت وزارة المواصلات في حكومة الاحتلال الشركات الإسرائيلية التي تواصل الطيران كالمعتاد "من استغلال الوضع لرفع الأسعار"، بحسب تقارير عبرية كالكاليست أشارت إلى أن هذه الظاهرة حدثت في الماضي عندما توقفت الشركات الأجنبية عن الطيران إلى مطار بن غوريون.

ونشرت صحيفة كالكاليست تقريراً جاء تحت عنوان: "تأثير اليمن: رحلة طيران مدتها 45 دقيقة من لارنكا إلى تل أبيب مقابل 430 دولاراً على شركة أركيا"، تناول الزيادات التي شهدتها تذاكر الرحلات الجوية في إسرائيل بعد عدة أيام من سقوط الصاروخ اليمني في محيط مطار بن غوريون.

وقال التقرير إنه في أعقاب الهجوم الصاروخي الحوثي على مطار بن غوريون، تعمل شركات الطيران المحلية على زيادة رحلاتها، لكن أسعار التذاكر أغلى من المتوسط الموسمي لشركات الطيران الأجنبية.

سادساً: 66 ألف إسرائيلي طلبوا علاجاً نفسياً منذ بدء الحرب على غزة

كشفت معطيات إسرائيلية حديثة أن أكثر من 66 ألف جندي إسرائيلي وأفراداً من عائلاتهم طلبوا تلقي الدعم والعلاج النفسي منذ بداية إبادة غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية: "أظهر تقرير لجمعية 'خط المساندة النفسية الأولية'، أنها تلقت أكثر من 66 ألف مكالمة من الجنود النظاميين وجنود الاحتياط وعائلاتهم منذ بداية الحرب قبل 600 يوم".

ونقلت عن الدكتورة شيري دانيلز، مديرة "خط المساندة النفسية الأولية": "هناك جنود احتياط يقولون إن العمل (وظائفهم) قد انهار بسبب غيابهم لخدمة الاحتياط في الجيش لفترات طويلة، وإنهم لا يستطيعون العثور على عمل، ولكن أكثر ما يزعجهم هو الشعور بالعبء على الأسرة".

وأشار تقرير الجمعية إلى أن ثلث المكالمات منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 تناول الشعور بالوحدة بنسبة 31%، وتناول ربع المكالمات، أي 25%، الألم العقلي والاكتئاب.

كما تعامل ما يقرب من 20% من المكالمات مع العلاقات الشخصية، بما فيها الأبوة والأمومة والعلاقات الاجتماعية، و4% من الاستفسارات كانت حول العنف والاعتداء الجنسي، و3% الانتحار، و3% الضائقة الاقتصادية، وفق التقرير ذاته.

وبحسب التقرير، تم تلقّي أكثر من نصف مليون مكالمة على مراكز الاتصال والمراكز الإلكترونية منذ اندلاع الحرب، والحاجة إلى المساعدة النفسية بارزة بشكل خاص بين الشباب.

إسرائيل
تظاهر مئات الإسرائيليين مطالبين بإطلاق سراح المحتجزين في قطاع غزة. ( Saeed Qaq – وكالة الأناضول )

وتابع: "تم تلقي 20% من المكالمات من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و34 عاماً، أي أكثر من 100,000 مكالمة استغاثة، و12% من المكالمات تم إجراؤها من قبل أشخاص تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً".

ووفق المصدر ذاته، شكّل الأطفال والمراهقون حتى سن 17 عاماً 8% من إجمالي المكالمات إلى الخطوط الساخنة، وكان أقل عدد من الطلبات بنسبة 4% بين البالغين الذين تبلغ أعمارهم 75 عاماً فأكثر.

وتقول الدكتورة دانيلز: "إذا كانت معظم المحادثات في بداية الحرب تتناول الصدمة والقلق، فإننا مع استمرار الحرب نرى المزيد والمزيد من المحادثات حول الألم العاطفي والاكتئاب والوحدة والعلاقات… في هذه الأماكن ندفع ثمناً باهظاً".

وأضافت: "يمتنع الكثيرون عن التحدث عن آلامهم للآخرين، ويصفها جزء كبير من المتقدمين بأنها ضغط حقيقي".

وبحسب الصحيفة، يقدم "خط المساندة النفسية الأولية" الإسعافات الأولية العاطفية من خلال 1800 متطوع مدرّب في 13 فرعاً في إسرائيل، و5 في الولايات المتحدة، وواحد في أستراليا، من خلال خدمة واسعة النطاق عبر الإنترنت.

وقالت: "تشمل الخدمة التي تقدمها الجمعية للمتقدمين الاستماع، وتقديم المعلومات، وتحديد حالات الخطر، وتشغيل إجراءات الطوارئ، والإحالة إلى مؤسسات العلاج إذا لزم الأمر".

 

تحميل المزيد