أمريكا تفقد بريقها.. كيف ساهمت سياسات ترامب في نفور السياح والطلاب والمهاجرين؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/05/28 الساعة 11:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/05/28 الساعة 11:56 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب/عربي بوست

لا تزال التداعيات التي خلفتها سياسات الرئيس دونالد ترامب تلقي بظلال قاتمة على أمريكا التي كانت يوماً ما وجهة جاذبة للسائحين والطلاب والمهاجرين، حيث كشفت تقارير عن انخفاض حركة السياحة القادمة إلى الولايات المتحدة وعن سعي دول أخرى لجذب الطلاب الدوليين المتأثرين بحظر تسجيل الطلاب الأجانب في جامعات أمريكية.

ومنذ بدء ولايته الثانية في 20 يناير/كانون الثاني 2025، تبنى الرئيس الأمريكي عدداً من الإجراءات والقرارات على الصعيد الاقتصادي والسياسي والأكاديمي، وهي القرارات التي أحدثت صدمة في المجتمع الدولي والمحلي على السواء وشكلت تهديداً للقوة الناعمة الأمريكية.

وكان من أبرز هذه القرارات والسياسات فرض الرسوم الجمركية على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، وسحب التمويل الفيدرالي لعدد من الجامعات وتشديد قوانين الهجرة، فضلاً عن حملة اعتقالات طالت عدداً من النشطاء والطلاب المؤيدين لفلسطين والمناهضين للحرب الإسرائيلية على غزة بتهم تتعلق بمزاعم معاداة السامية.

وفاة رجل أضرم النار بنفسه قرب محكمة يُحاكم فيها ترامب
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب/رويترز

انخفاض حركة السياحة الوافدة إلى أمريكا

وشهدت حركة السياحة الوافدة إلى الولايات المتحدة انخفاضاً حاداً منذ عودة ترامب إلى منصبه، حسب تقارير أمريكية.

وعزا خبراء الصناعة هذا الانخفاض إلى عدة أسباب، من بينها التقارير بشأن عمليات الاحتجاز والترحيل، بما في ذلك احتجاز السياح الأوروبيين لأسابيع، وتشديد بعض الدول تحذيراتها بشأن السفر إلى الولايات المتحدة، والرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، والتي أدت إلى تصعيد التوترات الدولية.

وبحسب بيانات حجز السفر عبر الإنترنت، فإن السياح في البلدان الأكثر تضرراً من الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب بدأوا في إزالة الولايات المتحدة من قائمة رحلاتهم إلى الخارج، وفق تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.

وشهد موقع البحث عن الفنادق "تريفاغو" انخفاضاً بنسبة مئوية مزدوجة الرقم في حجوزات المسافرين إلى الولايات المتحدة من اليابان وكندا والمكسيك. وكانت الدولتان الأخيرتان أول الدول التي أدرجها ترامب على قائمة التعريفات الجمركية عندما أعلن عن فرض تعريفات بنسبة 25% في الأول من فبراير/شباط الماضي.

وأبدى الكنديون على وجه الخصوص غضبهم من اقتراحات ترامب المتكررة بأن تنضم كندا إلى الولايات المتحدة باعتبارها الولاية رقم 51.

وبحسب بيانات "تريفاغو"، فإن الطلب بين الألمان انخفض أيضاً "بشكل كبير"، حيث أظهرت حجوزات الفنادق في الولايات المتحدة انخفاضاً بنسبة مئوية أحادية الرقم.

الوجه الآخر للحلم الأمريكي.. كيف يعكس إضراب عمال
تمثال الحرية بأمريكا -istock

وفي شهر مارس/آذار الماضي، انخفض عدد الزوار الأجانب القادمين إلى الولايات المتحدة بنحو 12% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفقاً لبيانات إدارة التجارة الدولية، وهي وكالة تابعة لوزارة التجارة الأمريكية.

وأشارت البيانات الصادرة عن الحكومة الكندية إلى انخفاض عدد الكنديين الذين يزورون الولايات المتحدة بالسيارة بنحو 32% في مارس/آذار الماضي مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي.

ويتوقع خبراء الصناعة أنه إذا استمر هذا التراجع، فقد يؤدي ذلك إلى خسارة مليارات الدولارات من عائدات السياحة.

وأصبحت الشركات الأمريكية العاملة في قطاع السياحة الذي تبلغ قيمته 2.6 تريليون دولار تشعر بقلق متزايد بشأن "ركود ترامب" بسبب الاضطرابات التي تسببها حرب التعريفات الجمركية التي يفرضها الرئيس على الاقتصاد العالمي.

وقالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية: "يشعر بعض المسافرين المحتملين بالقلق إزاء سياسات إدارة ترامب. ويشعر آخرون بالغضب من خطابه. ويساورهم الشك حول سلامتهم. وذكرت صحيفة فايننشال تايمز أن الاتحاد الأوروبي بدأ بإصدار هواتف محمولة لمسؤوليه المتجهين إلى الولايات المتحدة، خوفاً من المراقبة".

ونقلت الصحيفة عن آدم ساكس، رئيس شركة "اقتصاديات السياحة"، وهي شركة أبحاث متخصصة في هذا القطاع، قوله: "إن رد فعل المسافرين الدوليين على تجنب الولايات المتحدة متوقع تماماً. إن مزيج السياسات والخطابات التي كانت مثيرة للانقسام والعدائية والانعزالية – كل سياسة متعاقبة والجدل المرتبط بها – قد زاد الوضع سوءاً".

هجرة الكفاءات الأمريكية

وبينما شرع ترامب في حملة كبيرة لخفض الوظائف في الهيئات الحكومية، وبلغ عدد الموظفين الفيدراليين الذين تمت إقالتهم حوالي 100 ألف موظف، أظهرت إعلانات وظائف شاغرة وأعمال بحثية أن شبكة من الشركات التي تديرها شركة تكنولوجيا صينية سرية تسعى لاستقطاب موظفين حكوميين أمريكيين جرى إنهاء خدماتهم في الآونة الأخيرة، وفق تقرير لوكالة رويترز.

وقال ماكس ليسر، كبير المحللين في مجال التهديدات الناشئة لدى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي منظمة بحثية مقرها واشنطن، إن بعض الشركات التي نشرت إعلانات التوظيف هي "جزء من شبكة أوسع من شركات الاستشارات والتوظيف الوهمية التي تستهدف (استقطاب) الموظفين الحكوميين السابقين والباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي".

ولا تتوفر معلومات كافية عن شركات الاستشارات والتوظيف الأربع التي يقال إنها ضمن هذه الشبكة. ووفقاً لتقرير لرويترز وأعمال بحثية أجراها ليسر، اشتركت هذه الشركات في بعض الأحيان في استخدام مواقع إلكترونية متداخلة أو جرى استضافة تلك المواقع على نفس الخادم.

الدولة العميقة في إسرائيل
البيت الأبيض/ رويترز

وتستخدم المواقع الإلكترونية للشركات الأربع نفس عنوان بروتوكول الإنترنت، وهو رقم متفرد يميز كل جهاز يتصل بالإنترنت، كما تستخدم موقع شركة "سمياو إنتليجنس"، وهي شركة خدمات إنترنت صار موقعها الإلكتروني غير متاح وقت نشر تقرير رويترز. ولم تتمكن رويترز من تحديد طبيعة العلاقة بين "سمياو إنتليجنس" والشركات الأربع.

وواجهت محاولات رويترز لتعقب الشركات الأربع وشركة "سمياو إنتليجنس" العديد من الطرق المسدودة، مثل المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني التي لم يتم الرد عليها وأرقام الهواتف التي لم تعد تعمل والعناوين المزيفة والعناوين التي تؤدي إلى حقول فارغة وقوائم الوظائف المحذوفة من موقع الوظائف المشهور "لينكد إن".

وقال ليسر، الذي اكتشف هذه الشبكة وأرسل بحثه إلى رويترز قبل النشر، إن حملة التوظيف من هذه الشبكة السرية تتبع أساليب "راسخة" جرى استخدامها في عمليات سابقة للمخابرات الصينية.

وأضاف "ما يجعل هذا النشاط مهماً… هو سعي الشبكة إلى استغلال نقاط الضعف المالية لموظفين اتحاديين سابقين تأثروا في الآونة الأخيرة بإجراءات تسريح جماعية".

عزوف الطلاب عن الدراسة في أمريكا

ولم تقتصر التداعيات السلبية لسياسات ترامب على هجرة الأدمغة من أصحاب الكفاءات الحكومية، حيث كشفت بيانات عن ارتفاع عدد الطلاب الأمريكيين الراغبين في الدراسة في دول أخرى في مقدمتها المملكة المتحدة.

واستهدف ترامب المؤسسات الأكاديمية والجامعات الأمريكية بمزيد من التدقيق وفرض الرقابة المالية، مع شن تهديدات بوقف التمويل الفيدرالي للبعض منها واتهامها من جهة بأنها واقعة في قبضة اليسار المتطرف، وبأنها فشلت في جهود مكافحة السامية من جهة أخرى، بعدما شهدت تلك الجامعات حراكاً طلابياً واسعاً مؤيدًا لفلسطين ومناهضاً للحرب الإسرائيلية على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. 

وحتى قبل أن يتسلم ترامب مهام ولايته بشكل رسمي، أعرب طلاب أمريكيون عن رغبتهم في مغادرة البلاد والبحث عن وجهات تعليمية بديلة عن بلاد العم سام. 

وأفادت منصة Studyportals، وهي منصة بحث طلابية عالمية تتتبع مشاهدات صفحات مستخدميها لتقييم تفضيلاتهم للبرامج الدراسية، بزيادة مذهلة في الاستفسارات مع بدء الطلاب الأمريكيين في استكشاف الفرص التعليمية في الخارج في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أي بعد يومين فقط من فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية. 

وقال خبراء إن بيانات منصات البحث تشير إلى أن هجوم ترامب على الجامعات قد أثر أيضاً على الاهتمام الدولي بالدراسة للحصول على شهادة في الولايات المتحدة وقوض القدرة التنافسية للجامعات. 

وبعدما منعت إدارة الرئيس الأمريكي جامعة هارفارد من تسجيل طلبة من خارج الولايات المتحدة، سعت دول أخرى إلى استقطاب الطلاب الدوليين المتأثرين بالقرار.

جامعات أمريكا
جامعة هارفارد-المصدر:الشبكات الاجتماعية

ودعت هيئة التعليم في هونج كونج، وهي منطقة إدارية تابعة للصين، الجامعات إلى فتح أبوابها أمام هؤلاء الطلاب وجذب المواهب، وفقاً لبيان اطلعت عليه وكالة رويترز، بعد أن أخطرت إدارة ترامب جامعة هارفارد الأسبوع الماضي بإلغاء شهادة برنامج الطلاب والزائرين المتبادلين (SEVP) بعد تحقيق أجرته وزارة الأمن الداخلي (DHS).

كما تواصلت الهيئة مع نادي هارفارد في هونج كونج لتقديم الدعم للطلاب الذين تم قبولهم في هارفارد لمواصلة دراساتهم.

وأضاف البيان: "سنواصل مراقبة احتياجات الطلاب عن كثب الذين تأثرت دراستهم بالمشهد التعليمي العالمي المتغير"، مضيفاً أن تدابير الدعم ستُعتبر جزءاً من دور المدينة باعتبارها "مركزاً تعليمياً دولياً".

وأعلنت جامعة العلوم والتكنولوجيا في هونج كونج عن دعوة مفتوحة للطلاب الدوليين في مرحلة البكالوريوس والدراسات العليا بجامعة هارفارد.

وبجانب الطلاب، قرر أساتذة جامعة أمريكيون أيضاً مغادرة الولايات المتحدة والعمل في جامعات أخرى بسبب المناخ السياسي الحالي في الولايات المتحدة.

وذكرت تقارير أن جيسون ستانلي، أستاذ علوم الفاشية في جامعة ييل الأمريكية، غادر الولايات المتحدة للعمل في جامعة كندية، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.

وقبل ستانلي، مؤلف كتاب "كيف تعمل الفاشية: سياساتنا وهم" الصادر عام 2018، وظيفة في كلية مونك للشؤون العالمية والسياسات العامة بجامعة تورنتو. وقال ستانلي لموقع ديلي نيوس إنه اتخذ قراراً "بتربية أطفالي في بلد لا يتجه نحو الديكتاتورية الفاشية". 

اعتصام طلبة جامعة كولومبيا الأمريكية تضامناً مع فلسطين/ رويترز
اعتصام طلبة جامعة كولومبيا الأمريكية تضامناً مع فلسطين/ رويترز

مغادرة المهاجرين طواعية

وبعدما كان حلم الإقامة بها يراود الكثيرين من المهاجرين، قرر العديد من المهاجرين مغادرة الولايات المتحدة طواعية في أعقاب تولي ترامب مهام ولايته الثانية بسبب تشديد سياسات الهجرة.

وقالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن رحلة جوية حديثة نقلت نحو 65 شخصاً من اللاجئين اختاروا المغادرة إلى كولومبيا وهندوراس، وظهرت قصص فردية لمهاجرين غادروا طواعيةً في جميع أنحاء البلاد.

واستعرضت الصحيفة الأمريكية إحدى قصص هؤلاء اللاجئين ومن بينهم الفنزويلية يسيكا روخاس التي كانت خاطرت بكل شيء سعياً وراء مستقبل أفضل لطفليها في الولايات المتحدة، إلا أنها قررت الهجرة الطوعية عائدة إلى بلادها بعد قضائها عامين في ولاية ميسوري.

وحفزت السياسات التي اتخذتها إدارة ترامب بشأن تشديد قوانين اللجوء روخاس على مغادرة الولايات المتحدة، خاصة بعدما انتشرت قصصٌ عن أمهات فنزويليات رُحِّلن إلى بلادهن بينما تحتجز السلطات الأمريكية أطفالهن.

وقالت روخاس، البالغة من العمر 29 عاماً، في معرض شرحها لقرارها بمغادرة الولايات المتحدة: "الأمر لم يعد يستحق العناء الآن".

تحميل المزيد