“قتال اليمن ليس سهلاً”.. ما الذي حققه الحوثيون خلال عام ونصف من الحرب البحرية؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/05/12 الساعة 15:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/05/12 الساعة 15:43 بتوقيت غرينتش
"القتال ضد اليمن مغامرة ليست سهلة".. كيف تفوق الحوثيون في معركتهم البحرية؟ - تعبيرية: رويترز

في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وبعد شهر من بدء حرب الإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل على غزة، بدأت جماعة "أنصار الله" الحوثيين في اليمن حملة هجومية بطائرات بدون طيار وصواريخ تستهدف سفناً مرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر أو تتجه لها٬ وأدى هذا التحرك، الذي تم إطلاقه تضامناً مع الفلسطينيين وللضغط على الاحتلال لوقف الحرب على غزة، إلى أكبر اضطراب في التجارة العالمية منذ جائحة كورونا.

وبسبب الخوف من الهجمات الحوثية٬ تجنبت السفن المسافرة من أوروبا إلى آسيا طريق قناة السويس التقليدي المؤدي إلى البحر الأحمر وخليج عدن. وبدلاً من ذلك، اختاروا الطريق الأطول والأكثر تكلفةً حول رأس الرجاء الصالح في الطرف الجنوبي لأفريقيا. ونتيجةً لذلك، انخفضت حركة الملاحة البحرية في خليج عدن بنسبة 70% خلال عامين. 

استدعت تلك الهجمات شن الولايات المتحدة -وبعض حلفائها- شن هجمات على اليمن لردع الحوثيين٬ استمرت تلك الحملات حتى نهاية عهد إدارة جو بايدن٬ وخلال فترة الهدنة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في غزة ما بين يناير ومارس 2025 توقفت تلك الهجمات٬ لكن مع عودة الحرب على غزة عاد الحوثيون لضرب إسرائيل وكذلك السفن المتوجهة لها٬ فيما ردت الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة ترامب بحملة قصف عنيفة وغير مسبوقة على اليمن لردع الحوثيين عن تهديد إسرائيل أو السفن الأمريكية وحاملات الطائرات في المنطقة.

وبعد سبعة أسابيع ونصف من الغارات الجوية المكثفة على أكثر من 1000 هدف منفصل، انتهت حملة القصف التي شنتها إدارة ترامب ضد الحوثيين في اليمن فجأة كما بدأت٬ حيث توصل الطرفان لاتفاق بواسطة عُمانية في 7 مايو/أيار 2025 بموجبه وافق الحوثيون على وقف مهاجمة السفن التجارية والأهداف الأمريكية (باستثناء الهجمات على السفن والمدن الإسرائيلية التي استمرت)٬ فيما وافقت الولايات المتحدة بالمقابل على وقف الضربات الجوية على اليمن.

وبفتح جبهة حرب بحرية على مدار عام ونصف٬ اكتسب الحوثيون شعبية محلية وعربية وسمعة دولية مخيفة٬ حيث عززت الحملة البحرية التي شنتها النفوذ العسكري لها في المنطقة٬ على الرغم من الثمن الباهظ الذي دفعته الجماعة واليمن في هذه الحرب٬ حيث شنت الولايات المتحدة وإسرائيل أعنف غارات على المدن والمراكز الحيوية والموانئ اليمنية لردع الحوثيين الذين رفضوا التراجع للخلف.

ما الذي حققه الحوثيون خلال 18 شهراً من الحرب البحرية؟

  • على مدى 18 شهراً من الحرب، نفذ الحوثيون هجمات على أكثر من 250 سفينة عسكرية وتجارية٬ ناهيك عن قصفهم الذي لم يتوقف لمدن ومواقع إسرائيلية بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية.
  • ويقول موقع MEE البريطاني٬ إن الاضطراب التجاري الهائل في البحر الأحمر الناتج عن هذه الهجمات منح الحوثيين نفوذاً على الساحة الدولية حتى أجبروا الولايات المتحدة على التفاوض معهم في النهاية.
  • كان العمل العسكري تضامناً مع الفلسطينيين، سواء في المياه الدولية أو عبر الضربات الصاروخية بعيدة المدى على إسرائيل، أداة دعائية محلية رئيسية للحوثيين الذين "انتصروا لغزة ووقفوا على الجانب الصحيح من التاريخ" كما يقول مواطنون يمنيون.
  • أدت هذه الشعبية إلى حملة فعالة للغاية لتجنيد العسكريين٬ حيث تقول إليونورا أرديماجني، الباحثة البارزة في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية: "استغل الحوثيون الهجمات على السفن وعلى إسرائيل لزيادة التجنيد في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، مستغلين رواية القتال ضد إسرائيل والولايات المتحدة". 
  • ارتفع عدد مقاتلي الحوثيين من 220 ألفاً في عام 2022 إلى 350 ألفاً في عام 2024، بحسب خبراء الأمم المتحدة. وأشارت أرديماغني، الخبيرة في شؤون الجماعات المسلحة اليمنية، في تقرير حديث إلى تزايد استهداف الحوثيين الشباب اليافعين للتجنيد منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وقد حدث ذلك من خلال تعديل المناهج الدراسية والمخيمات الصيفية، التي ساهم بعضها في تطبيع العسكرة والعنف. 
  • كما منحت الحملة الجماعة، التي لا تعاني من نقص في الأعداء على الصعيدين المحلي والدولي، فرصاً لنشر أسلحة جديدة وتعزيز جاهزيتها العملياتية. واختبر الحوثيون استخدام الصواريخ الباليستية والصواريخ المجنحة على مدى العام والنصف الماضيين، بالإضافة إلى الطائرات والقوارب بدون طيار.
تصاعد الدخان من ناقلة النفط البريطانية "مارلين لواندا" أثناء عبورها خليج عدن في بحر العرب في 27 يناير 2025 – رويترز
  • باستخدام مزيج من الأسلحة الإيرانية والطائرات بدون طيار والصواريخ المنتجة محليا، نجح الحوثيون في تقديم مقاومة جدية ضد أنظمة الصواريخ الأميركية الأكثر تكلفة بكثير.  وقد أدى ذلك إلى حصول الحوثيين على الاعتراف والنفوذ في ما يسمى "محور المقاومة" الإيراني وخارجه.
  • وبالإضافة إلى الفوائد المتعلقة بالسمعة، ساعدت الحملة البحرية الحوثيين على بناء روابط عسكرية ومالية ملموسة مع الشركاء المجاورين. وأضافت أرديماني: "بسبب هجمات البحر الأحمر، قاموا أيضًا بتوسيع شبكة شركائهم في العراق، والأهم من ذلك، في منطقة القرن الأفريقي – وبالتالي تشكيل علاقات مدفوعة بالأسلحة مع الجهات الفاعلة القريبة جغرافيًا، على التوالي، من البحر الأبيض المتوسط ​​​​وبحر العرب". 
  • ولم يقتصر التعاون على الجهات الموالية لإيران، بل شمل أيضا الجماعات السنية المسلحة مثل حركة الشباب في الصومال وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.  وأضافت أرديماني أن "روسيا كثفت أيضًا اتصالاتها السياسية والعسكرية مع الحوثيين بعد أواخر عام 2023". وتضمنت تلك الأنشطة  زيارات وفود بين الجانبين، وتواجد استخباراتي روسي في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، فضلاً عن تبادل بيانات الأقمار الصناعية الروسية فيما يتعلق بالشحن. 

"القتال ضد اليمن مغامرة ليست سهلة".. كيف تفوق الحوثيون؟

  • يعتقد علي، القائد الميداني العسكري الحوثي في ​​منطقة الجوف الشمالية، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تلقى درسا كبيرا منذ شن الهجوم على اليمن في مارس/آذار الماضي. قال علي لموقع ميدل إيست آي: "عندما بدأ ترامب الحملة الجوية، قال إنه سيبيدنا. والآن أمر الجيش بوقف الغارات الجوية. إن القتال ضد اليمن ليس مغامرة سهلة".
  • وأشار علي إلى أن الحوثيين أسقطوا منذ منتصف مارس/آذار الماضي سبع طائرات مسيرة أميركية من طراز "إم كيو-9 ريبر" وطائرتين مقاتلتين إف-18 بعد استهداف حاملة الطائرات هاري ترومان. وقال: "لم يكن من المتوقع أن تحدث مثل هذه الخسارة في واشنطن".
  • من جهته٬ قال محمد السامعي، وهو باحث وصحفي مقيم في تعز، لموقع "ميدل إيست آي": "إن هجمات البحر الأحمر عززت مكانة الحوثيين كلاعب إقليمي رئيسي". 
  • وبعد الاتفاق بين الأمريكيين والحوثيين وعلى نحو غير متوقع من شخصية بحجم رئيس الولايات المتحدة٬ أشاد ترامب بصمود بصمود الحوثيين٬ وقال في المكتب البيضاوي للصحفيين: "لقد تحملوا الضربات القاسية التي وجهناها لهم وأظهروا شجاعة غير متوقعة"!
  • وتعلق مجلة "ذي أتلانتيك" الأمريكية على ذلك بالقول إن الولايات المتحدة انسحبت من الصراع مع الحوثيين حتى الآن وتركت إسرائيل وحدها٬ ولا يوجد ما يشير إلى أن الحوثيين سيُنهيون حربهم مع إسرائيل٬ حيث أصدرت الجماعة بياناً مُتحدّياً وواصلت هجماتها، مُؤكدة أن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة "لن تمر دون رد"، وأن "اليمن لن يتخلى عن موقفه تجاه غزة".
  • أما مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية فقد كتبت في مقال حمل عنوان "كيف تفوق الحوثيون على أمريكا"٬ أنه بالنسبة لإدارة ترامب، وفّر وقف إطلاق النار نهاية سريعة لحملةٍ عسكرية كانت تزداد صعوبةً. لم يكن القصف باهظ التكلفة فحسب، بل أثار أيضًا مخاوفَ لدى صانعي السياسات في واشنطن من احتمال انزلاق الولايات المتحدة إلى حربٍ أخرى لا تنتهي في الشرق الأوسط. لا شك أن هذا السيناريو كان مدعومًا من نائب الرئيس جيه دي فانس وأعضاء الإدارة الأكثر ميلًا إلى الانعزالية الجديدة، والذين كانوا متشككين في المغامرة العسكرية الأمريكية منذ البداية".
  • وتضيف المجلة الأمريكية أنه "لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه الخاتمة ستُحدث استراحةً كافيةً تُمكّن إدارة ترامب من التبرّؤ من مشكلة الحوثيين. ولكن إذا تجاهل ترامب هجمات الحوثيين المستمرة على إسرائيل، فهناك ما يدعو للاعتقاد بأن الحوثيين سيتجنبون، في الوقت الحالي، مهاجمة الأصول الأمريكية. كان الحوثيون سيصمدون على الأرجح، حتى لو استمرت حملة القصف الأمريكية، لكن إنهائها يحمل في طياته العديد من المزايا لهم". 
استعراض عسكري لصاروخ باليستي تابع لجماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن – رويترز
  • وتقول "فورين أفيرز": "يستطيع قادة الجماعة الآن الادعاء بأنهم خاضوا مواجهةً مباشرة مع قوة عظمى وانتصروا، وأنهم سيتخلصون من الضغط الذي فرضه عليهم القصف الأمريكي. يمكنهم أيضاً التركيز على إسرائيل، التي تشن حملتها الجوية العقابية على اليمن، بما في ذلك شن هجوم صاروخي باليستي على مطار بن غوريون الذي هز تل أبيب. والأهم من ذلك، أن الاتفاق مع الولايات المتحدة يجعل من المستبعد جداً أن تدعم واشنطن هجوماً برياً ضد الحوثيين من قِبل الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وهي تحالف منقسم داخلياً من الفصائل المناهضة للحوثيين، ويسيطر على الأجزاء الجنوبية والشرقية من البلاد".
  • فيما تقول مجلة "الإيكونومست" البريطانية إن اتفاق الأمريكيين أشعر خصوم الحوثيين في اليمن بالغضب أيضاً٬ حيث كان البعض يأمل أن يرضخ الحوثيون بضغط أمريكي على اتفاق لتقاسم السلطة والسماح للحكومة المعترف بها دولياً بالعودة إلى العاصمة صنعاء. بينما أمل آخرون في استغلال توسع المهمة الأمريكية وإعادة شن هجوم بري على الحوثيين. والآن يخشون أن يكون الحوثيون هم من يتقدم بعد تحقيق كل هذه المكاسب٬ حيث لا يمكن لأي من القوات اليمنية الأخرى أن تضاهي قوة الحوثيين اليوم. فقد تضاعف عددهم 12 مرة ليصل إلى 350 ألف جندي منذ عام 2015، وفقًا للأمم المتحدة. وعلى عكس خصومهم اليمنيين، فهم منضبطون وجاهزون للمعركة.
  • وتقول المجلة البريطانية إن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو تخلي ترامب عن إسرائيل في هذه المعركة٬ فقد أطلق حملته في مارس/آذار عندما استأنف الحوثيون هجماتهم على إسرائيل٬ لكن الاتفاق لا يُقيّد هجمات الحوثيين ضد حليف أمريكا. ويؤكد الحوثيون أنهم سيواصلون الهجوم على إسرائيل ما دامت إسرائيل تُواصل حصارها لغزة. وقد يكون هذا مؤشراً على إحباط ترامب من نتنياهو، أو على عزمه على إبرام اتفاق مع إيران. وفي كلتا الحالتين، تبدو إسرائيل خارج الدائرة بالنسبة لترامب.

ماذا عن تكلفة الحرب على اليمن؟

  • في حين أيد بعض اليمنيين حملة البحر الأحمر باعتبارها عملاً جريئاً من أعمال المقاومة، انتقد آخرون التكاليف. لقد عانت أفقر دولة في الشرق الأوسط بالفعل من حرب أهلية دامت أكثر من عقد من الزمان.  ومنذ أن طرد الحوثيون الحكومة المعترف بها دوليا من صنعاء في عام 2014، ظلت البلاد منقسمة بين الفصائل المتنافسة المدعومة من جهات أجنبية مختلفة. 
  • رغم الاتفاق على وقف مؤقت لإطلاق النار العام الماضي، ظلت محادثات السلام الأوسع متوقفة وتهدد بالانهيار وسط التصعيد في البحر الأحمر. قال صالح طاهر، المحاضر الجامعي في صنعاء، لموقع "ميدل إيست آي": "هجمات الحوثيين على البحر الأحمر وإسرائيل جلبت شرًا جديدًا إلى بلادنا.. سيستغرق التعافي من عواقبها عقوداً". وقال السامعي إن حملة الحوثيين فشلت في تغيير مجرى الأحداث في غزة بشكل ملموس٬ وأن حجم الوحشية الإسرائيلية المرتكبة ضد الفلسطينيين لم يتغير، وإن غزة لم تستفد من تدخل الحوثيين" على حد تعبيره.
آثار القصف الأمريكي على صنعاء – مايو 2025 – رويترز
  • في غضون ذلك، كانت تكاليف التصعيد العسكري داخل اليمن باهظة. فقد أسفرت الضربات الإسرائيلية والأمريكية عن مقتل وجرح مئات المدنيين، كما تسببت في أضرار واسعة النطاق للبنية التحتية. قدرت السلطات الحوثية أن الضربة الإسرائيلية على مطار صنعاء هذا الأسبوع تسببت في أضرار تصل إلى 500 مليون دولار. 
  • وأظهر استطلاع للرأي أجراه مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية في عام 2024 أن 76% من المشاركين اليمنيين يعتقدون أن هجمات الحوثيين من شأنها أن تضر بآفاق السلام في الحرب الأهلية الأوسع. ورغم أن سمعة الحوثيين ربما تحسنت بين بعض الجهات الفاعلة الإقليمية، فإنها لا تزال محفوفة بالمخاطر في أماكن أخرى.  وقد أعادت الولايات المتحدة تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية، مما أدى إلى مزيد من عزلتها دبلوماسيا واقتصاديا. 
  • مع ذلك، لا يزال الكثير من اليمنيين يؤيدون ما قامت به الجماعة التي تتخذ عبارة "الموت لأمريكا٬ الموت إسرائيل" شعاراً. ويقول المواطن اليمني عبدالكريم في صنعاء لموقع MEE: "كنا نعلم أننا سندفع الثمن٬ وندرك أن مواجهة العدوان مهمة شاقة٬ لكننا صامدون".
تحميل المزيد