بعد ساعات قليلة من الهجمة الإسرائيلية العنيفة على صنعاء عقب استهداف جماعة الحوثي مطار بن غوريون في تل أبيب، فاجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجميع بالإعلان عن وقف الهجمات الأمريكية على الحوثيين، ما شكّل صدمة جديدة لدى الإسرائيليين من تصرفاته في منطقة الشرق الأوسط.
وقال ترامب إن بلاده ستتوقف عن مهاجمة الحوثيين في اليمن، فيما أكدت سلطات عمان التوصل إلى "وقف لإطلاق النار" مع الجماعة المدعومة من إيران لوقف استهداف السفن في البحر الأحمر.
وأضاف أن "الحوثيين لا يريدون القتال، وسوف نحترم ذلك وسنوقف القصف، وقد استسلموا".
ونقل موقع "ميدل إيست آي" عن مصادر أمريكية، بأن إعلان ترامب فاجأ الدبلوماسيين الأمريكيين ومسؤولي الدفاع العاملين في اليمن، الذين قالوا إنهم لم يتلقوا أي إشعار بالإعلان.
فيما رحبت دول عربية بنجاح الجهود العمانية في التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثي، آملة أن يقود إلى وقف حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، وكذلك ضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر.

ماذا قال العمانيون؟
وأكدت سلطنة عمان تصريح ترامب بأن الحوثيين وافقوا على وقف مهاجمة السفن في البحر الأحمر.
وقالت وزارة الخارجية العمانية، في بيان: "وفي المستقبل، لن يستهدف أي منهما الآخر، بما في ذلك السفن الأمريكية في البحر الأحمر وباب المندب، وبما يؤدي إلى ضمان حرية الملاحة وانسيابية حركة الشحن التجاري الدولي".
وكشف موقع "أكسيوس" الأمريكي أن المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف توصل في الأيام الأخيرة إلى هدنة مع الحوثيين من خلال وسطاء عمانيين.
ما علاقة إعلان ترامب بزيارته إلى المنطقة؟ وكيف علّق الحوثيون؟
كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، أن السعودية مارست ضغوطاً على الولايات المتحدة لوقف الهجمات الأمريكية على اليمن قبل زيارة ترامب للمملكة.
وقال مسؤولان أمريكيان للموقع البريطاني، إن السعودية عارضت الحملة الجوية الأمريكية في اليمن منذ أن بدأت إدارة بايدن الضربات في عام 2024، لكن إصرارها على وقف الهجمات تزايد الأسبوع الماضي حيث أصبحت أكثر قلقاً بشأن نطاق الضربات. وذكر السعوديون أن شن الهجمات على اليمن أثناء وجود ترامب هناك سيكون بمثابة لعب بالنار.
لكن رئيس المجلس السياسي الأعلى لدى الجماعة مهدي المشاط، كشف في تصريحات عن رسالة وُجهت إلى الولايات المتحدة بشكل غير مباشر، مفادها أن استمرار التصعيد سيؤثر على زيارة ترامب للمنطقة.
وشدد المشاط على أن الرسالة كانت في هذا الإطار فقط، ولا يوجد شيء غير ذلك تم إبلاغهم به، مضيفاً أنه إذا أراد ترامب وقف عدوانه "وتعويض ما خلفه فهذا راجع له".
واعتبرت جماعة الحوثي أن تصريحات ترامب التزام أمريكي بالتخلي عن حماية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، وعدم الاعتراض على المساندة اليمنية لقطاع غزة.
حيث كشف رئيس الوفد المفاوض والمتحدث باسم جماعة الحوثي محمد عبد السلام، أنه تلقى طلبات أمريكية عبر سلطنة عمان لوقف العمليات العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي، لكن الموقف اليمني المتمثل في إسناد غزة ظل ثابتاً بخلاف الموقف الأمريكي.
واعتبر عبد السلام أن الموقف الذي أصدره ترامب يعبر عنه، وأنه يحاول القفز على ما أعلنه هو من الأهداف كالقضاء على القدرات العسكرية وتأمين الملاحة الإسرائيلية.
وشدد على أن "الحقيقة هي ما نقولها وما جاء في بيان الخارجية العمانية"، مضيفاً: "ما زلنا نقيم الموقف الأمريكي حتى لا يصبح الأمر مجرد تصريحات، وفي حال عاد العدو الأمريكي لعدوانه عدنا لاستهدافنا له".
كم بلغت الخسائر الأمريكية من هجماتها على اليمن؟
تسببت الهجمات التي يشنها الحوثيون في اتخاذ العديد من السفن الدولية طريقاً أطول بكثير حول الساحل الجنوبي لأفريقيا، من أجل تجنب نقاط الاختناق البحرية التي تستهدفها الجماعة اليمنية.
وبعد وصوله إلى البيت الأبيض، أعلن ترامب في 15 مارس/آذار 2025، تكثيف الضربات على جماعة الحوثيين اليمنية.
وتعرضت حملة ترامب ضد الحوثيين لانتقاداتٍ واسعة، بعدما كشفت تقارير عن التكلفة الإجمالية الكبيرة للعملية العسكرية الأمريكية ضد الجماعة اليمنية، ولم يكن لها سوى تأثيرٍ محدود في تدمير قدراتهم.
ووفقاً لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، فإن تكلفة الأسابيع الأولى من العملية بلغت نحو مليار دولار.

وأشارت تقارير إلى أن الحوثيين تمكنوا من إسقاط حوالي 17 طائرة مسيّرة أمريكية من طراز "إم كيو-9 ريبر" منذ بدء حملة القصف الأمريكية، بعدما شن جيش الاحتلال الإسرائيلي الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ووفقاً لدائرة أبحاث الكونغرس، تبلغ تكلفة المسيّرة الواحدة من طراز "إم كيو-9 ريبر" 30 مليون دولار. وتُقدّر قيمة خسارة أكثر من 17 طائرة من هذا الطراز بأكثر من 530 مليون دولار.
وفي 28 أبريل/نيسان 2025، قالت البحرية الأمريكية إن طائرة مقاتلة من طراز "إف-18" سقطت من على متن حاملة طائرات في البحر الأحمر.
ونقلت شبكة "سي إن إن" الأمريكية عن مسؤول مطّلع (لم تسمّه) قوله إن "الطائرة غرقت، وتبلغ تكلفة طائرة مقاتلة من طراز إف-18 أكثر من 60 مليون دولار".
كما أثارت العملية الأمريكية واسعة النطاق أيضاً قلق بعض المسؤولين في القيادة الأمريكية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، الذين اشتكوا في الأيام والأسابيع الأخيرة من الكم الهائل من الأسلحة بعيدة المدى التي تستخدمها القيادة المركزية الأمريكية ضد الحوثيين، وخاصةً صواريخ "جاسوم" وصواريخ "توماهوك"، وفقاً لمصادر نقلت عنها صحيفة "نيويورك تايمز".
ويخشى المخططون العسكريون في القيادة الأمريكية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ من أن تؤثر عملية القيادة المركزية سلباً على جاهزية الجيش الأمريكي في المحيط الهادئ.
وبحسب الكاتب جيم فين من مؤسسة "هيريتيج" الأمريكية، فإن الولايات المتحدة – اعتباراً من أغسطس/آب 2024 – أطلقت 125 صاروخاً من طراز "توماهوك"، وهو ما يمثل أكثر من 3% من ترسانتها من هذا النوع من الصواريخ.
وحتى أغسطس/آب 2024، أطلقت الولايات المتحدة 155 صاروخاً قياسياً، وهو ما يمثل حوالي 1% من الحد الأقصى للمخزون الأمريكي. وحسب النوع، تتراوح تكلفة تصنيع الصواريخ القياسية بين مليوني دولار و12 مليون دولار للوحدة.
ورغم هذه التكلفة العالية للحملة التي شملت استهداف 1000 هدف حتى الآن، أقرّ مسؤولون في البنتاغون بأن النجاح في تدمير ترسانة الحوثيين الضخمة من الصواريخ والطائرات بدون طيار والقاذفات كان محدوداً إلى حد كبير.
كيف استقبل الإسرائيليون الاتفاق بين ترامب والحوثي؟
يأتي إعلان ترامب في الوقت الذي زادت فيه جماعة الحوثيين من هجماتها بالصواريخ الباليستية على إسرائيل خلال الأسبوعين الماضيين، كان آخرها نجاحها في إصابة مطار بن غوريون بشكل مباشر.
وقال الصحفي الإسرائيلي المقرّب من نتنياهو، عميت سيحال، إن إعلان ترامب بشأن التوقف عن مهاجمة الحوثيين هو رسالة مدوية إلى المنطقة بأكملها: "هاجموا إسرائيل، واتركونا نحن الأمريكيين وشأننا".
وقال مسؤول إسرائيلي كبير لموقع "أكسيوس" الأمريكي، إن الولايات المتحدة لم تُخطر إسرائيل مسبقاً بإعلان الرئيس الأمريكي عن هدنة مع الحوثيين، مضيفاً: "ترامب فاجأنا".
فيما ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن بيان ترامب بشأن وقف الهجمات لم يتضمن أي ذكر لإسرائيل، ما أثار الدهشة في دولة الاحتلال، التي ترى في هذه الخطوة علامة أخرى على التوتر مع واشنطن.
وإلى جانب إعلان وقف العمليات ضد الحوثيين، أعلن ترامب أنه لن يزور إسرائيل خلال جولته الأولى إلى الشرق الأوسط، ومن المقرر أن يغادر وزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، إلى البيت الأبيض على أمل توضيح الأمور، بحسب الصحيفة الإسرائيلية.

وأضافت أن إعلان ترامب الجديد بشأن الحوثيين يُضاف إلى حالة التباعد بين واشنطن وتل أبيب، بشأن قضايا أخرى مثل المحادثات مع إيران، وقرار سحب القوات الأمريكية من سوريا، والتقارب الأمريكي مع تركيا.
فيما أشارت صحيفة "هآرتس" إلى أن الحكومة الإسرائيلية فوجئت بإعلان ترامب دون إبلاغ إسرائيل، وأكد المتحدث غير الرسمي باسم نتنياهو، يعقوب باردوغو، في إفادة صحفية أن "البيان فاجأ تل أبيب بالفعل ولم يتم تنسيقه معها على الإطلاق".
وأضافت أن إسرائيل أصبحت عالقة وحدها بشأن الحوثيين في اليمن، وهذا جزء من ما هو آت خلال الأسبوع المقبل، حيث زيارة ترامب التاريخية إلى الشرق الأوسط، ووصوله إلى الدوحة وأبو ظبي والرياض دون المرور بإسرائيل.
وفي الأيام الأخيرة، بذل نتنياهو جهوداً كبيرة لجلب ترامب إلى إسرائيل، حتى لو كان ذلك لقاءً رمزياً من شأنه أن يشير إلى أنها لا تزال ذات أهمية، لكن الرئيس الأمريكي لا ينوي القدوم إلا إذا حدث اختراق سياسي حقيقي بشأن قطاع غزة، بحسب "هآرتس".
فيما قال موقع "زمن إسرائيل"، إنه بعد ثلاثة أيام مضطربة ضرب خلالها صاروخ حوثي مطار بن غوريون وأدى إلى تعطيل الرحلات الجوية الدولية من وإلى إسرائيل بشكل خطير، وبعد يومين من قصف طياري سلاح الجو الإسرائيلي لليمن، فاجأ دونالد ترامب إسرائيل بإعلانه أنه أوقف الهجمات الأمريكية على الحوثيين بشكل كامل، "يبدو أننا على هذه الجبهة أيضاً تُركنا وحيدين تماماً".