في غضون ثلاثة أسابيع فقط، انزلقت وول ستريت من ذروة تاريخية إلى هاوية من الذعر، حيث تبخر أكثر من 4 تريليونات دولار من قيمة مؤشر "ستاندرد آند بورز 500″، ما عزز المخاوف من دخول الاقتصاد الأمريكي في ركود وشيك.
وسط هذا الاضطراب، تقف السياسات الاقتصادية لإدارة ترامب – وتحديداً حربها التجارية المتقلبة – في مرمى الشك وانتقادات المليارديرات الأمريكيين. إذ تُفرض الرسوم الجمركية وتُسحب بشكل عشوائي، ما يخلق مناخاً من الغموض والتوتر. إذ علّق بيل دادلي، الرئيس السابق لبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، قائلاً: "للرسوم الجمركية تأثيران: الأول، ارتفاع الأسعار. والثاني، انخفاض النمو. وتفاقم إدارة ترامب الوضع بنهجها المتقطع. لذا، فإن مستوى عدم اليقين أعلى ما ينبغي".
ورغم التحذيرات المتكررة من خبراء الاقتصاد وقادة الشركات والمستثمرين الأثرياء الداعمين لمشروع "لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً"، تواصل إدارة ترامب فرض تعريفات جمركية واسعة النطاق، ما ينذر بتصاعد التضخم وتباطؤ النمو، ويمهد الطريق لركود اقتصادي محتمل.
القلق امتد أيضاً إلى الساحة السياسية، حيث طالب أعضاء بارزون في مجلس الشيوخ الرئيس ترامب بالتوصل سريعاً إلى اتفاقات مع شركاء تجاريين رئيسيين، في ظل تراجع الأسواق وتزايد التوتر داخل الحزب الجمهوري.
حتى أقرب الحلفاء الاقتصاديين للرئيس بدأوا في التعبير عن استيائهم، إذ وجّه المستثمر المعروف بيل أكمان انتقادات لطريقة احتساب الرسوم، فيما شن إيلون ماسك هجوماً لاذعاً على مستشار البيت الأبيض للتجارة، بيتر نافارو، خلال عطلة نهاية الأسبوع.
مليارديرات وحلفاء ترامب
يدعو عمالقة وول ستريت، بما في ذلك بعض حلفاء الرئيس ترامب الأثرياء، علناً إلى توخي الحذر في الوقت الذي تؤدي فيه الرسوم الجمركية التاريخية التي فرضها الرئيس إلى انهيار أسواق الأسهم العالمية.
بحسب تحليل نُشر في موقع أكسيوس الإخباري، كتبه جيم فانديهي ومايك ألين، المؤسسان والرئيسان التنفيذيان للموقع، يشير المقال إلى أن أصواتاً نافذة من حلفاء ترامب الاقتصاديين بدأت تعلن صراحة عن قلقها من سياساته التجارية، وسط مخاوف متزايدة من تداعيات كارثية على الاقتصاد الأمريكي.
إيلون ماسك
إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم والرئيس التنفيذي لشركة "تسلا"، تعرّض لأكبر خسارة بفارق كبير، حيث خسر نحو 31 مليار دولار من صافي ثروته بين يومي الخميس والجمعة الماضيين بسبب الانخفاض الحاد في أسهم "تسلا".
ومع استمرار النزيف، أصبحت "سبيس إكس" – شركته الخاصة في مجال الفضاء – تمثل الجزء الأكبر من أصوله، بعد أن فقد ما مجموعه 130 مليار دولار من ثروته منذ بداية العام، رغم احتفاظه بلقب الأغنى عالمياً بصافي ثروة يُقدَّر بـ302 مليار دولار.

فكان من أوائل من وجّهوا سهام النقد، مهاجماً مستشار البيت الأبيض للتجارة بيتر نافارو، واصفاً شهادته الاقتصادية من هارفارد بأنها "أمر سيئ، لا جيد". وفي حدث سياسي في إيطاليا يوم السبت، دعا ماسك بوضوح إلى مزيد من التجارة الحرة، وتوقّع ماسك "وضعاً خالياً من التعريفات الجمركية" بين الولايات المتحدة وأوروبا.
وردّ نافارو في برنامج "صنداي مورنينغ فيوتشرز" على قناة فوكس، قائلاً إن ماسك "لا يفهم" كيف تقوم الدول الأخرى "بالغش". وأضاف نافارو: "إنه ببساطة يحمي مصالحه الخاصة، كما يفعل أي رجل أعمال".
بيل أكمان
بينما بيل أكمان، المستثمر الملياردير ومدير صندوق التحوط، الذي كان في السابق مانحاً للحزب الديمقراطي، ثم تحوّل إلى أحد المتحمسين لحملة "جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، على الرغم من هذا التحول، فقد عبّر عن قلقه العميق من نهج ترامب الجمركي، محذّراً من أن الولايات المتحدة تقف على أعتاب "شتاء اقتصادي نووي من صنع أيدينا".
وعلى منصة "إكس"، وجّه أكمان انتقادات لاذعة لسياسة الرسوم الجمركية المفروضة على الحلفاء والخصوم على حد سواء. فكتب أكمان: "من خلال فرض رسوم جمركية ضخمة وغير متناسبة على أصدقائنا وأعدائنا على حد سواء، وبالتالي إطلاق حرب اقتصادية عالمية ضد العالم بأسره في وقت واحد، فإننا بصدد تدمير الثقة ببلدنا كشريك تجاري".
كما هاجم أكمان وزير التجارة هوارد لوتنيك، واصفاً إياه بأنه "غير مبالٍ بانهيار سوق الأسهم والاقتصاد"، مضيفاً أن لوتنيك وشركته "كانتور فيتزجيرالد" (Cantor Fitzgerald) قد حققا أرباحاً من خلال ملكيتهما لأصول الدخل الثابت.
وحث أكمان الإدارة الأمريكية على "إعلان مهلة مدتها 90 يوماً" بشأن الرسوم الجمركية المتبادلة التي فُرضت الأربعاء، لإعادة فتح باب التفاوض قبل أن تتفاقم التداعيات.
وحذّر أكمان من أن الأعمال التجارية هي "لعبة ثقة"، و"نحن بصدد تدمير الثقة في بلدنا كشريك تجاري، ومكان لممارسة الأعمال التجارية، وسوق لاستثمار رأس المال".
ستانلي دراكنميلر
لم يكن بيل أكمان وحده من دق ناقوس الخطر، فقد انضم إليه أيضاً الملياردير ستانلي دراكنميلر، الذي نادراً ما ينشر تغريدات على تويتر، ليعلن تحفظه على نهج التعريفات الجمركية لإدارة ترامب. في تعليق له على مقابلة سابقة أجراها على قناة CNBC، أوضح دراكنميلر أنه لا يؤيد فرض رسوم تتجاوز 10%، وأشار إلى أن البقاء ضمن نطاق 10% يجعل المخاطر مقبولة مقابل الفوائد المحتملة، لكن ترامب يتجاوز هذا الحد في معظم سياساته التجارية الآن.
I do not support tariffs exceeding 10% which I made abundantly clear in the interview you cite
— Stan Druckenmiller (@standuquesne) April 6, 2025
وكان دراكنميلر قد اعتقد سابقاً أن إعادة انتخاب دونالد ترامب قد أحدثت تنشيطاً للحماس التخميني في الأسواق وزيادة كبيرة في التفاؤل داخل الشركات. إذ قال دراكنميلر حينها في مقابلة مع قناة CNBC: "لقد كنت أعمل في هذا المجال منذ 49 عاماً، وربما نكون قد انتقلنا من الإدارة الأكثر عداءً للأعمال إلى النقيض تماماً".
كين جريفين
كين جريفين، الملياردير المعروف وأحد المانحين الكبار للحزب الجمهوري، وجّه انتقادات حادة للرئيس دونالد ترامب بسبب سياساته الجمركية الأخيرة، واصفاً إياها بأنها "خطأ سياسي كبير". خلال فعالية بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس جامعة ميامي، دعا جريفين إلى التراجع عن هذه السياسات العدوانية، مشيراً إلى أن تأثيرها سلبي، حتى لو كان الهدف منها هو عودة الوظائف إلى الولايات المتحدة، وهو أمر يستغرق عقوداً لا أسابيع أو سنوات.
وفقاً لتقرير نشرته بلومبرغ، ذكر جريفين أن العائلات التي تكسب حوالي 50 ألف دولار سنوياً ستواجه ارتفاعاً في التكاليف بنسب تصل إلى 20%، و30%، و40% على السلع الأساسية مثل البقالة وأجهزة المنزل كمحمصات الخبز والمكانس الكهربائية وحتى السيارات الجديدة.
على الرغم من تبرعه بأكثر من 100 مليون دولار للجان العمل السياسي الجمهورية خلال الدورة الرئاسية الأخيرة، لم يتبرع جريفين مباشرة لحملة ترامب، وفقاً لبيانات من OpenSecrets. كما سبق أن حذّر في فبراير/شباط من أن هذه الرسوم الجمركية لن تكون مفيدة على طاولة المفاوضات، مشيراً إلى أنها ستؤدي إلى فقدان الثقة العالمية بالولايات المتحدة وتقليل قدرتها التنافسية.
كين لانجون
فيما وجّه المؤسس المشارك لشركة هوم ديبوت وأحد المتبرعين البارزين للحزب الجمهوري، كين لانجون، انتقادات حادة لنطاق وتوقيت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب. في مقابلة أجراها مع صحيفة فايننشال تايمز يوم الاثنين، وصف لانجون سياسات ترامب الجمركية بأنها "هراء"، مشيراً إلى أن الرئيس "تلقّى نصيحة سيئة"، الأمر الذي أدى به إلى تطبيق تعريفات جمركية بنسبة 10% على جميع المنتجات، بالإضافة إلى فرض رسوم متفاوتة حسب كل دولة.
وفي تعليقه على الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها الإدارة الأمريكية على الصين، والتي وصلت إلى 34%، وصفها بأنها "عدوانية للغاية ومبكرة للغاية". وأكد لانجون أن هذه الرسوم قد حالت دون إجراء "مفاوضات جادة" مع الصين، ما يعرقل إمكانية التوصل إلى اتفاقات ناجحة مع هذه القوة العظمى.
دانيال إس. لوب
المستثمر الملياردير دانيال لوب، الذي كان يعتقد قبل الانتخابات أن الجمهوريين قادرون على قيادة الحكومة في البيت الأبيض، رأى أن سياسات الحزب الجمهوري ستساهم في تعزيز الأسواق المالية في الولايات المتحدة في حالة وصول دونالد ترامب إلى السلطة بعد الانتخابات الأمريكية.
شارك مدير صندوق التحوط دانيال لوب تعليقاته على وسائل التواصل الاجتماعي، معتبراً أن هناك أخطاء مفاهيمية وعملية محتملة في سياسة التعريفات الجمركية. وكتب يوم السبت: "سيكون هذا بمثابة اختبار لحُكم الإدارة مقابل أيديولوجيتها في كيفية حل هذه المسألة خلال عطلة نهاية الأسبوع أو الأيام المقبلة".
جيمي ديمون
فيما حذّر الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورغان، أكبر بنك في الولايات المتحدة، جيمي ديمون، في رسالة سنوية يوم الاثنين، من أن الرسوم الجمركية ستؤدي إلى زيادة التضخم وإبطاء النمو في الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني من الضعف بالفعل، بحسب ما ذكر موقع أكسيوس.
وكلما تم حل المشكلة بشكل أسرع، كان ذلك أفضل، كما كتب، محذّراً من التأثيرات السلبية التي يصعب عكسها والتي تتفاقم مع مرور الوقت. وأضاف: "في الأمد القريب أرى أن هذا بمثابة قشّة إضافية كبيرة على ظهر البعير".
ويُذكر أن ديمون كان غامضاً بشأن ميوله السياسية في العلن قبل الانتخابات، لكنه أوضح دعمه لهاريس في الخاص، وفقاً لما كتبته صحيفة التايمز. وقال حينها إنه قد يفكر في دور في إدارتها – على الأرجح وزير الخزانة. بينما صرّح ترامب حينها لصحيفة بلومبرغ بيزنس ويك خلال الصيف بأنه "سيفكر" في عرض منصب وزاري على ديمون إذا انتُخب.
دعوات داخل الحزب الجمهوري تحث ترامب على التوصل إلى اتفاقيات تجارية
أنصار الرئيس دونالد ترامب، وخاصة الأكثر ولاءً له، يحثونه على التوصل سريعاً إلى اتفاقيات تعريفات جمركية، رغم عدم وجود قطيعة واضحة معه من قبل أغلب الجمهوريين في الكونغرس حول رسومه الجمركية العالمية الضخمة. فبحسب صحيفة بوليتيكو الأمريكية، جاء هذا النداء على خلفية خسائر متزايدة في وول ستريت وقلق سياسي داخل الحزب نفسه.
السيناتور مايك لي، المعروف بدعمه لترامب، شدّد على أهمية التحرك السريع نحو تقليل الحواجز التجارية، مؤكداً أن هذا يمكن أن يجعل ترامب الرئيس الأكثر دعماً للتجارة والنمو في التاريخ الأمريكي الحديث.
فيما أعرب السيناتور رون جونسون (جمهوري من ويسكونسن)، وهو من الموالين الآخرين لحركة "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، عن مخاوفه بشأن استراتيجية ترامب للتعريفات الجمركية، وأكّد على موقف لي، مشيراً إلى الحاجة لقبول التوصل إلى اتفاقات.
وقد بدأت بالفعل بعض الدول تُظهر استعداداً للتفاوض، حيث اقترحت فيتنام تأخير الرسوم المخطط لها، وعرض الاتحاد الأوروبي صفقة "صفر مقابل صفر" للسلع الصناعية. وقد أشاد الممثل التجاري الأمريكي، جيميسون غرير، بالعدد المتزايد للدول التي تواصلت مع الولايات المتحدة لإبرام صفقات تجارية، مشيراً إلى أن هذا العدد وصل إلى حوالي 50 دولة.
لكن، رغم هذه التحركات الإيجابية، يبقى الشك في مدى اهتمام ترامب بالاتفاقات الثنائية، خاصة بعد تصريحاته التي تشير إلى عدم رغبته في الصفقات التي لا تُحقّق التكافؤ في حجم التجارة مع الشركاء.
في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض، رداً على تصريح رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي ذكرت أن الاتحاد الأوروبي عرض إسقاط الرسوم الجمركية على السيارات والسلع الصناعية المستوردة من الولايات المتحدة إذا رد ترامب بالمثل، رد ترامب بالنفي. وعندما سُئل عمّا إذا كان العرض كافياً لإقناعه بالتراجع، قال: "لا، ليس كذلك". وأضاف: "لدينا عجز مع الاتحاد الأوروبي بقيمة 350 مليار دولار، وسيختفي بسرعة. إحدى طرق اختفائه بسهولة وسرعة هي اضطرارهم لشراء طاقتنا منا… يمكنهم شراءها، ويمكننا توفير 350 مليار دولار في أسبوع واحد. عليهم شراء كمية مماثلة من الطاقة والالتزام بشرائها".
تأتي هذه التصريحات بعد أن فرض ترامب رسوماً جمركية بنسبة 20% على الاتحاد الأوروبي، ولا تقل عن 10% على شركاء تجاريين آخرين الأسبوع الماضي، ما أدى إلى خسائر كبيرة في الأسواق المالية العالمية، وتسجيل الأسهم الأوروبية لأكبر انخفاض يومي لها منذ بداية جائحة كوفيد-19.