اعتاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على ترويج وجود الدولة العميقة في إسرائيل خلال مهاجمة معارضيه، في الوقت الذي يواصل فيه تسييس مؤسسات الدولة لصالح ائتلافه اليميني.
ومؤخراً، كتب نتنياهو تدوينة على حسابه في منصة (إكس)، قال فيها: "في أمريكا وإسرائيل، عندما يفوز زعيم يميني قوي في الانتخابات، تسخّر الدولة العميقة اليسارية النظام القضائي لإحباط إرادة الشعب".
وتعكس صياغة نتنياهو بدقة الخطاب الذي يستخدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأنصاره، الذين يدّعون باستمرار أن القضاء "مسيّس"، ويُستخدم كأداة بيد خصومهم السياسيين.
كما تعكس رؤية نتنياهو الأوسع لصراعه مع ما يسمّيه الدولة العميقة في إسرائيل، إذ يعتقد أن مؤسسات الدولة الرئيسية، وخاصة القضاء والأوساط الأكاديمية، تخضع لسيطرة نخب يسارية تسعى إلى الحد من سلطة القادة المنتخبين ديمقراطياً وعرقلة السياسات التي تتماشى مع أجندة اليمين.
ما هو أصل مصطلح "الدولة العميقة"؟
و"الدولة العميقة" أو "دولة داخل دولة" مفهوم شائع يُستخدم لوصف أجهزة حكم غير منتخبة تتحكم بمصير الدولة (كالجيش أو المؤسسات البيروقراطية المدنية أو الأمنية أو الأحزاب الحاكمة).
ارتبط المصطلح في المقام الأول بتركيا، حيث تطوّرت نظرية المؤامرة منذ سبعينيات القرن العشرين، والتي تفيد بأن قوى مختلفة (الجيش، وأجهزة الاستخبارات، وكبار المسؤولين، وحتى عناصر الجريمة المنظمة) كانت تدير "دولة داخل دولة".
لكن المصطلح ظهر أيضاً في السياسة الأمريكية، حيث تم ربطه بـ"المجمّع الصناعي العسكري"، وقد أثيرت المخاطر المحتملة منه في خطاب الوداع الذي ألقاه الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور عام 1961، حيث قال: "في مجالس الحكومة يجب علينا أن نحذر من اكتساب نفوذ لا مبرر له، سواء كان مطلوباً أو غير مطلوب، من قبل المجمع الصناعي العسكري".
وفي كتاب الحرب مع روسيا، الذي صدر في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، يزعم ستيفن ف. كوهين أن قمة أمريكية-سوفيتية عُقدت عام 1960، فيما يدّعي الكاتب الأمريكي مايك لوفغرين أن المجمع الصناعي العسكري هو الجزء الخاص من الدولة العميقة.

وزعم أستاذ جامعة تافتس مايكل جلينون أن الرئيس باراك أوباما لم ينجح في مقاومة أو تغيير ما يسمّيه "الحكومة المزدوجة"، المكوّنة من شبكة الدفاع والأمن القومي، لافتاً إلى أنه تم الدفع بأوباما إلى توجيه النظر نحو أفغانستان عام 2009، كما أنه لم يتمكن من تطبيق قراره بإغلاق معسكر غوانتانامو.
لكن مصطلح "الدولة العميقة" أصبح أكثر بروزاً مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في ولايته الأولى. وفي العام 2017، تحدّث أحد مقدّمي البرامج المفضلين لدى ترامب على شبكة "فوكس نيوز"، شان هانيتي، عن هذا الموضوع، متسائلاً: "كيف من الممكن أن تمتلك الدولة العميقة، التي تضم مجموعة من المسؤولين الذين لم ينتخبهم أحد، كل هذا القدر من السلطة وتعمل ضد الرئيس الحالي؟"، ولم يتردد ترامب في نشر ما قاله المعلق الأمريكي عبر حسابه الشخصي على تويتر.
في أبريل/نيسان 2017، نشرت شبكة "ABC" وصحيفة واشنطن بوست استطلاع رأي مشتركاً، أجاب فيه ما لا يقل عن 48% من المشاركين بأنهم يعتقدون أن الدولة العميقة موجودة، مقارنةً بـ35% فقط رفضوا هذا الادعاء.
وعرّف الاستطلاع الدولة العميقة بأنها "مسؤولون حكوميون، وموظفو وكالات الاستخبارات، ومسؤولون عسكريون يحاولون سراً إدارة الحكومة".
وبعد شهرين، نشرت جامعة هارفارد استطلاعاً آخر، قال فيه أكثر من نصف المشاركين إن الدولة العميقة ليست موجودة فحسب، بل إنها تعمل ضد ترامب بهدف إزاحته.
متى بدأ مصطلح الدولة العميقة في إسرائيل؟
بالتزامن مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، بدأت أصوات بارزة في اليمين الإسرائيلي، معظمها مقربة من نتنياهو، تزعم وجود دولة عميقة في إسرائيل.
وفقاً لـ"Google Trends"، ارتفع عدد عمليات البحث على محرك "غوغل" عن مصطلح "الدولة العميقة" (باللغة العبرية) بشكل كبير منذ عام 2016، فيما نُشرت عشرات المقالات التي تشير إلى المصطلح منذ بداية عام 2019.
وفي أغسطس/آب 2019، عرّف يائير، نجل نتنياهو، في تغريدة له على حسابه في "تويتر"، الدولة العميقة على أنها مسؤولون ذوو ميول سياسية يسارية، يحاولون الإطاحة برئيس وزراء يميني من خلال وسائل غير ديمقراطية، وتعمل معهم وسائل الإعلام اليسارية التي تتغذى على تسريباتهم ضده.
ومن الشخصيات البارزة التي بدأت في تسويق وجود "الدولة العميقة"، الصحفي الإسرائيلي إيريز تدمر، والصحفي إيريل سيجال، والأكاديمي غادي تاوب، والدكتور رون بارتز، مؤسس موقع "ميدا" اليميني، وجميعهم مقربون من نتنياهو.
كما أن مقربين آخرين من نتنياهو، مثل الوزير السابق دانيال فريدمان، والصحفي كالمان ليبسكيند، ينكرون هذه الفرضية، لكنهم ينتقدون بشدة ما يسمّونه بظاهرة "حكم البيروقراطيين"، بحسب مقال للكاتب نادان فيلدمان على موقع "ذا ماركر".
الدولة العميقة في إسرائيل مؤامرة أم حقيقة؟
هناك ثلاثة آراء تلخص مدى وجود الدولة العميقة في إسرائيل من عدمه، وسط تفسير أقرب للإرث الذي خلقه اليسار طوال فترة حكمه ووجوده في مؤسسات الدولة على حساب اليمين الوسط واليمين المتطرف.
أولاً: رأي من يتبنى أن اليسار هو الدولة العميقة في إسرائيل
يعتقد أنصار ادعاء وجود الدولة العميقة في إسرائيل، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو، أن كبار الشخصيات في مؤسسات معينة تعمل على الحفاظ على سياسة معينة ومنع ما يسمّونها "التغيرات الضرورية"، وهم من اليسار الإسرائيلي.
يقول الأكاديمي غادي تاوب إنه في المرة الأولى التي خسر فيها اليسار الانتخابات عام 1977، اعتبر هزيمته مجرد صدفة، ولكن في عام 1981، أدرك اليسار أنه لن يكون قادراً على الفوز بالانتخابات مرة أخرى في المستقبل القريب، ولذلك وضع خطة بديلة من خلال تعزيز سلطة اليسار في البيروقراطية، معتقداً أن "كبار المسؤولين" يجب أن يظلوا في السلطة خشية أن يسحب اليمين المتوحش إسرائيل إلى هاوية الفاشية.
وأوضح أن المحكمة العليا في ذلك الوقت عملت على تنمية حلفاء لها في الفروع الحكومية الأخرى، ولا سيما مكتب المدعي العام للدولة، وعندما يطرح أحد الساسة فكرة حول كيفية الحد من سلطة القضاء وفروعه على السلطة التنفيذية، فإنه كثيراً ما يواجه فجأة بالاتهامات الجنائية.
وتابع بأن المحكمة العليا، باعتبارها "حكومة عظمى"، تمتلك جهات تنفيذية خاصة بها، وكانت النيابة العامة بمثابة الحرس الإمبراطوري الخاص بها.

وفي هذا الإطار، يشير أنصار ادعاء وجود الدولة العميقة في إسرائيل إلى أن المؤسسات الرئيسية التي يزعم وجود الدولة العميقة فيها، هي:
- المؤسسة الأمنية: يُزعم أن عناصر في الجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات ووزارة الدفاع قادرة على التأثير في القرارات الاستراتيجية، وخاصة في مجالات مثل التعامل مع إيران والفلسطينيين واتفاقيات السلام.
- النظام القانوني: يُزعم أن مكتب المدعي العام والمحكمة العليا يمارسان سلطات كبيرة تعيق أو تحبط المبادرات التي تقوم بها الحكومات اليمينية المختلفة، وخاصة فيما يتصل بالقضايا القانونية والدستورية.
- كبار المسؤولين: يُزعم أن هناك مقاومة في الوزارات الحكومية للتغييرات الجذرية في السياسة الاقتصادية والاجتماعية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالمبادرات التي تتحدى الآلية القائمة التي يدعمها اليسار.
ويعتقد أنصار اليمين الإسرائيلي أن هذه الآليات تشكل ظاهرة سلبية تضر بالناخبين وتمنع الحكومة المعينة من تنفيذ سياسات جديدة.
كما يزعم البعض أن النظام القضائي الإسرائيلي حصل على صلاحيات غير متناسبة مقارنةً بما هو معتاد في الديمقراطيات الأخرى، وأن المؤسسة الأمنية والخدمة العامة تعملان في بعض الأحيان انطلاقاً من أجندة مستقلة تتناقض مع سياسة المستوى السياسي المنتخب، بحسب الكاتب يوآف إسحاق، رئيس موقع "نيوز 1".
وتَرى القناة السابعة الإسرائيلية اليمينية أن الاحتجاجات ضد "الإصلاحات القضائية" كشفت تماماً عن عناصر الدولة العميقة في إسرائيل، موضحة أن من قادها هم شخصيات يسارية بارزة، وعدد من الأثرياء، ورؤساء وكالات إعلامية، ونشطاء من شبكة مؤسسة إسرائيل الجديدة المكونة من ثماني منظمات غير ربحية، وانضم إليهم شخصيات عسكرية وسياسية متقاعدة تتمتع باتصالات واسعة.
وتذكر القناة الإسرائيلية أن من بين مراكز القوة غير المنتخبة والتي يسيطر عليها اليسار هي المحكمة العليا، وهي الوحيدة التي لا تخضع لنظام الانتخابات مثل الكنيست والحكومة.
أما المؤسسات الإعلامية والثقافية والأمنية والاقتصادية والأكاديمية، فلها تأثير كبير، لكنها لا تمتلك القوة القسرية التي يمتلكها النظام القانوني.
واعتبرت أنه ما دام اليسار يسيطر على النظام القانوني الذي ينتهج سياسة "القرصنة القانونية"، ويسمح لنفسه بالتدخل بشكل صارخ في نطاق سلطة أنظمة الحكم الأخرى، فإن استمرار حكم اليسار مضمون حتى لو كان يخسر الانتخابات عادةً.
وبالنسبة للمؤسسة العسكرية، ولا سيما أنها تعتمد بشكل كبير على جنود وضباط الاحتياط، فإن التهديدات الضمنية والعلنية للطيارين المقاتلين وغيرهم من الشخصيات الرئيسية في الأجهزة الأمنية بترك إسرائيل بلا دفاع هو ما تسبب بفشل وزير الجيش السابق يوآف غالانت، كما تذكر القناة اليمينية.
وتتهم القناة اليسارَ الإسرائيلي بسيطرته الكاملة على القوات الجوية، والوحدة الاستخباراتية 8200، وهيئة الإذاعة والتلفزيون، والنقابات.

وتشير القناة إلى الثقل الذي راكمته وسائل إعلام رئيسة في إسرائيل، والاتحادات النقابية، وشركات تجارية كبيرة، وخاصة شركات التكنولوجيا، ضد "الإصلاحات القضائية"، لدرجة التهديد بمغادرة إسرائيل.
صحيفة "معاريف" أشارت إلى ما يُعرف في إسرائيل بـ"حراس البوابة"، والذين يتهمهم اليمين الإسرائيلي بمعارضتهم للقيادة المنتخبة، ويساعدهم في ذلك بعض وسائل الإعلام والاحتجاجات المنظمة بشكل جيد.
وصنّفت وسائل إعلام إسرائيلية "حراس البوابة" على أنهم رئيس المحكمة العليا، والمدعي العام للحكومة، ورئيس "الشاباك"، ورئيس هيئة الأركان في إسرائيل.
وتوضح الصحيفة الإسرائيلية أن إسرائيل تأسست من خلال نظام رأسمالي وسياسي مركزي لحزب "ماباي" (حزب عمال أرض إسرائيل) وزعيمه ديفيد بن غوريون، لكن مع مرور الوقت بدأ النظام بالتدهور، بهدف إدامة نفسه على حساب العديد من المهام التي أُنشئ من أجلها، مع زيادة البيروقراطية وخلق مراكز نفوذ في مختلف القطاعات، بما فيها المحكمة العليا.
ورغم أن اليمين الوسط ظل في السلطة مع بعض الانقطاعات لمدة 48 عاماً، فإن الوضع في هذا الصدد لم يتغير تقريباً، والسبب في ذلك أن المعارضة التي أصبحت الحكومة لم يكن لديها ما يكفي من المحترفين لشغل المناصب.
وقد كان رئيس الوزراء الأسبق مناحيم بيغين يتجنب أي تفسير يتعلق بـ"تسييس" المؤسسات، كما غابت الأطر الأكاديمية والفكرية، مثل منتدى "كوهيليت"، والتي كانت ضرورية لموازنة الوزن الزائد لليسار في الجامعات، كما تشير "معاريف".
ثانياً: رأي يتبنى وجود أنظمة بيروقراطية لها مصالحها الذاتية
لكن هناك رأياً آخر يعتقد بأن الأنظمة البيروقراطية بعد مرحلة معينة تعزز مصالحها التنظيمية الذاتية، ويقول فيلدمان إنه من المستحيل استبعاد فكرة أن للبيروقراطية مصالحها الخاصة، وأنها تعززها على حساب السياسة التي تحددها القيادة السياسية.
وأضاف أن الوزراء اليمينيين في السابق تركوا وزاراتهم تدير شؤونها بنفسها بدلاً من إملاء سياساتهم، وسط مخاوف من تأثير المستشارين القانونيين، ولا سيما أن الجو السائد في البيروقراطية هو أن النائب العام هو من يقرر، ويجب تمرير كل شيء، بما في ذلك القرارات السياسية، من خلاله.
فيما يؤكد رون بارتز أن "المستشارين القانونيين في الوزارات الحكومية يتمتعون بسلطة واسعة تراكمت عبر عملية طويلة ومتعمدة وغير ديمقراطية، وقد اكتسب مكتب المدعي العام نفوذاً هائلاً في العقود الأخيرة، وأصبح الوزراء لا يملكون أي إمكانية حقيقية لتغيير سياساتهم".
وزير العدل السابق دانيال فريدمان، الذي خدم في حكومة أولمرت (2006-2009)، يُعرف بأنه معارض قوي للنظام القضائي، وقد صاغ انتقاداته في كتابه "نهاية البراءة: القانون والحكم في إسرائيل"، حيث أكد أن ما حدث في إسرائيل هو تحول كبير في نظام الحكم، سواء على المستوى السياسي المنتخب أو المستوى القانوني، مشيراً إلى أن "كبار المسؤولين القضائيين راكموا نفوذاً واسعاً يتجاوز ما هو معتاد في الديمقراطيات، حيث بدأ هذا التحول في أوائل ثمانينيات القرن الماضي".

كما أكد فريدمان في كتابه أن النظام القضائي وكبار المسؤولين لديهم مصالحهم الخاصة، التي لا تتوافق بالضرورة مع مصالح اليسار واليمين السياسيين.
ويقول موقع "ذا ماركر" إنه بينما يدعم اليسار اليوم النظام القضائي بوضوح، إلا أن للنظام مصالحه الخاصة، والتي تتعلق بطبيعة الحال بتجميع السلطة والحفاظ عليها.
فعلى سبيل المثال، فقد كانت سلطة النظام القضائي في ثمانينيات القرن الماضي محدودة، لكنها تزايدت بشكل كبير منذ ذلك الحين.
ويعتقد الخبير القانوني البروفيسور يوآف دوتان أيضاً أن النظام القانوني، بشكل عام، والمحكمة العليا، بشكل خاص، قد تراكمت لديهما قوة استثنائية.
ويشير في كتابه "المحاماة من أجل سيادة القانون"، الذي نشرته دار نشر جامعة "كامبريدج" عام 2013، إلى إدارة المحاكم العليا والتغيرات التي طرأت عليها بعد صعود النشاط القضائي والثورة الدستورية في المحكمة العليا.
ويعتقد دوتان، الذي يعمل أستاذاً في كلية الحقوق في الجامعة العبرية، أن القسم قد تكيف عملياً وأيديولوجياً مع الدور الجديد الذي أسندته إليه المحكمة العليا منذ ثمانينيات القرن العشرين – أقل لتمثيل الحكومة، وأكثر لمساعدة المحكمة على توسيع نفوذها على البيروقراطية الحكومية.
ثالثاً: رأي ينكر الدولة العميقة في إسرائيل
تزعم العناصر التابعة لليسار، التي تنكر وجود الدولة العميقة في إسرائيل، أن هذه منظمة بيروقراطية طبيعية، في المقام الأول من جانب "حراس البوابة"، وهدفها:
- الحفاظ على استقرار الحكومة.
- منع الأعمال المتطرفة من قبل الحكومات اليمينية التي يمكن أن تضر بالبلاد.
ويشير هذا الرأي إلى أن "حراس البوابة"، المتمثلين في الجيش والنيابة العامة والمحاكم، يعملون وفقاً للقانون، وليس انطلاقاً من مصلحة سياسية خفية.
ويشدد الخبير القانوني البروفيسور مردخاي كريمنيتزر، وهو نائب رئيس أبحاث الديمقراطية في معهد إسرائيل للديمقراطية، على أن الادعاءات حول وجود دولة عميقة في إسرائيل ليست جديدة، موضحاً لموقع "ذا ماركر" أنها قديمة، إذ سمعها منذ ما لا يقل عن عشرين عاماً. لذلك، فإما أن الحكومة اليمينية عاجزة تماماً، أو أن الادعاء مجرد خدعة كبيرة.
ويزعم الخبير القانوني أن النظام القضائي يدعم باستمرار سياسات الحكومة اليمينية في كل ما يتعلق بما يحدث في الضفة الغربية، مشيراً إلى أن ادعاء وجود الدولة العميقة فيما يتعلق بالنظام القضائي هو حجة تستخدمها الحكومة اليمينية لتحقيق أهدافها.
وأوضح أن اليمين الإسرائيلي يريد حكماً استبدادياً في إسرائيل، وللوصول إلى ذلك، عليه أن يروي قصة الدولة العميقة الوهمية.

ويتفق الوزير السابق دان ميريدور، الذي شغل مناصب عليا في حكومات حزب الليكود، مع هذا الطرح، مؤكداً أن الدولة العميقة ادعاء لا أساس له، مشيراً إلى أنه منذ عام 1977 ظل الليكود في السلطة معظم السنوات، ولذلك فإن القول "بأننا لا نستطيع الحكم لوجود دولة عميقة" هو هراء.
وتابع أن هناك من يريد السلطة دون قيود، بحيث تكون كل السلطة في يد الحاكم دون ضوابط أو توازنات.
لماذا يروج نتنياهو لفكرة "الدولة العميقة"؟
تقول صحيفة "هآرتس" اليسارية، إن نتنياهو يشعر بغيرة شديدة من السلطة التنفيذية الواسعة التي يتمتع بها الرئيس الأمريكي ترامب وأتباعه، ولا يسعه إلا أن يحلم بتعيين شخصيات موالية له في هياكل الدولة.
وأضافت أنه منذ أن أصبح نتنياهو، الذي يواجه تهم الفساد في الداخل والمطلوب في الخارج بتهمة ارتكاب جرائم في غزة، أقوى بائتلافه الحاكم، فمن المتوقع أن تملأ حكومته اليمينية المتطرفة طموحاتها، متخلية عن "حراس البوابة" الرئيسيين لضمان بقائه السياسي.
فيما قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن نتنياهو، بعد زيارته ترامب الأخيرة، عاد بشهية لتوسيع سيطرته ونفوذه على مؤسسات الدولة، وللقيام بذلك، يستخدم حجة الدولة العميقة.
وأوضحت أن نتنياهو يزرع نظرية في أذهان الجمهور حول حكومة ظل يسارية، ويريد من ذلك إنشاء البنية التحتية للتحركات المستقبلية له.
ويقول موقع "زمن إسرائيل"، إنه بعد دقيقة واحدة من انتخابات 2022، فُرضت على إسرائيل حكومة انقلاب، حيث أسس نتنياهو حكومة يمينية متطرفة، كان هدفها وجوهرها القيام بانقلاب من أجل وقف محاكمته والهروب من السجن.
ولذلك، تم تعيين ياريف ليفين وزيراً للعدل، وإيتمار بن غفير للشرطة، وشلومو كرعي للإعلام، ويمكي زوهار لوزارة الثقافة، ويوآف كيش للتعليم، كما تم تعيين سيمشا روثمان رئيساً للجنة الدستور والقانون في الكنيست، وكان كل واحد منهم مكلفاً بتنفيذ انقلاب في الموقع الذي نُصِّب عليه.
عقب إقالة يوآف غالانت، عيّن نتنياهو يسرائيل كاتس وزيراً للجيش، وشنت حكومته حملة ممنهجة ضد رئيس الأركان هيرتسي هاليفي لدفعه إلى الاستقالة، وهذا ما تم بالفعل، حيث عُيِّن المقرب من نتنياهو، إيال زامير، بدلاً منه.

وبعد الانتهاء من مؤسسة الجيش وتسييسها، قرر نتنياهو إقالة رئيس الشاباك، رونين بار، والمدعية العامة، المستشارة القضائية غالي بهاراف ميارا، مردداً بشكل متواصل مصطلح "الدولة العميقة".
ويرسم موقع "ذا ماركر" خريطة لكافة المؤسسات التي تمكن نتنياهو من تسييسها، وتلك التي ما زال يكافح للاستيلاء عليها، وأبرزها:
- الحكومة اليمينية أصبحت تسيطر على معهد التأمين الوطني، وسلطة المطارات، والمديريات التي تتعامل مع عائلات الأسرى، وكذلك مديريات تأهيل الشمال والجنوب.
- جهاز الشرطة فقد أصبح مسيَّساً، وأقر الائتلاف اليميني تعديلاً على قانون الشرطة بناءً على طلب إيتمار بن غفير، يخوله سلطة التدخل في تحديد سياسة الشرطة، وسرعان ما امتد هذا التدخل إلى إملاء السياسات أثناء المظاهرات والمشاركة في التعيينات على مستوى القاعدة الشعبية، إضافةً إلى ترقيات لضباط على أساس الولاء السياسي.
- قرر نتنياهو إقالة رئيس الشاباك، بزعم أنه يريد اتخاذ القرارات اللازمة لإصلاح الجهاز بعد فشله الذريع في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وتشير وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن رئيس الوزراء يريد تعيين شخصية مقربة له في المنصب.
- قرر نتنياهو تعيين يسرائيل كاتس وزيراً للجيش وهو من خارج المؤسسة الأمنية، وإقالة غالانت الذي حاول حماية الجيش من الاعتبارات السياسية، كما قرر تعيين إيال زامير المقرب له بدلاً من رئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي.
- في مجلس الأمن القومي، الذي يتولى مسؤولية المعلومات والتقييم وتزويد رئيس الوزراء بأسس اتخاذ القرار في المجالات السياسية والأمنية، فقد تم تعيين تساحي هنغبي، الشخصية السياسية المقربة من نتنياهو.
- يعتبر جهاز الموساد الرابط بين المستويين السياسي والاستخباراتي لضمان أمن الدولة، وما زال رئيس الموساد ديدي برنياع شخصية غير مسيَّسة، ويبدو أنه ينجح في الحفاظ على كيان المنظمة حتى الآن.
- تعدّ النيابة العامة الحصن المنيع في حماية سيادة القانون والديمقراطية، لكن المستشارة القضائية تتعرض لهجمات شخصية من نتنياهو ومحيطه، وقد بدأت الحكومة بالفعل إجراءات عزل غير مسبوقة ضدها.
- ما زالت المحكمة العليا في صراع مع نتنياهو، ورغم انتخاب يتسحاق عميت رئيساً لها، ترفض الحكومة التعاطي معه، وأقرّت قبل أيام عبر الكنيست قانون تغيير تشكيل لجنة القضاة، واعتبرت المعارضة الإسرائيلية أن هدف القانون هو جعل القضاة خاضعين لإرادة السياسيين.
- من المفترض أن يعمل المستشارون القانونيون في الوزارات الحكومية كحراس مستقلين يمنعون تجاوز الصلاحيات، لكن في العام الماضي، نجحت الحكومة في تسريع تقاعد تسعة مستشارين "عرقلوا" عملها، ومن بينهم المستشار القانوني لوزارة المالية، عاصي ميسينج. وتعتزم الحكومة تعيين مستشارين قانونيين "ملائمين" بدلاً منهم.
- تم تعيين مراقب الدولة متانياهو إنجلمان في عهد نتنياهو، وكان يعتبر تعييناً مناسباً للحكومة، وعلى الرغم من أن المؤسسة تنشر تقارير تدقيق خطيرة تؤكد وجود إخفاقات في العديد من مجالات الحكومة، فإن إنجلمان يرفض، كسياسة، ذكر الأسماء. كما لم يصدر عن مراقب الدولة أي تصريح حازم بشأن إنشاء لجنة تحقيق حكومية.
- تسيطر لجنة الخدمة المدنية على إجراءات التعيين والفصل، وآلية التأديب، لنحو 80 ألف موظف في الخدمة العامة، علاوةً على ذلك، فإن مفوض الخدمة المدنية هو الصوت الحاسم في سلسلة من لجان التعيين لأعلى المناصب وأكثرها حساسية في الخدمة العامة. ومنذ تقاعد مفوض الدولة السابق، أصرّ رئيس الوزراء نتنياهو على إنشاء إجراء يسمح له بتعيين مفوض الخدمة المدنية حسب رغبته.
- تتحمل وزارة التعاون الإقليمية مسؤولية سلسلة طويلة من الشركات التي تشكل مستنقعاً للميزانيات والعطاءات الضخمة، وقام الوزير المسؤول عنها دودي أمسالم بتفكيك مجلس إدارتها من أجل تعيين أشخاص مقربين للائتلاف اليميني.
- أما هيئة الإذاعة والتلفزيون فقد تأسست بهدف توفير البث العام المستقل، ويحاول ائتلاف نتنياهو السيطرة عليها، وتعيين موالين له في المجلس التنفيذي للهيئة، وترويج مشاريع قوانين خاصة تهدف إلى السيطرة السياسية على الهيئة وميزانيتها، وبالتالي بدأت تفقد المؤسسة حريتها في العمل الصحفي.
- قبل الحرب التي اندلعت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حذر محافظ بنك إسرائيل، البروفيسور أمير يارون، من العواقب الاقتصادية طويلة الأمد للانقلاب القضائي، وكاد ذلك أن يكلفه وظيفته. وكان نتنياهو يفكر في عدم تمديد ولايته وكان يبحث عن بديل، لكن الحرب حالت دون ذلك بضغط من بيني غانتس وغادي إيزنكوت اللذين شاركا في مجلس الحرب وقتها.
- تقع على عاتق إدارة الميزانية والمحاسب العام في وزارة المالية مسؤولية صياغة الميزانية وتنفيذها، وهما بوابتان مهمتان للغاية عندما يتعلق الأمر بتخصيص موارد الدولة. ومنذ بداية ولاية الحكومة، يواجه مفوض الميزانية يوغيف جيردوس والمحاسب العام ياهلي روزنبرغ ضغوطاً شديدة من وزير المالية بتسلئيل سموتريتش.
- وزارة التربية والتعليم مسؤولة قانونياً عن تطبيق قيم الدولة والديمقراطية، لكن في ظل الحكومة الحالية أصبحت وزارة تخدم مصالح ضيقة ودينية.
- ما زالت الحكومة الإسرائيلية، عبر وزير التعليم، تبذل جهوداً كبيرة للسيطرة على مجلس التعليم العالي.