“هجرة الأدمغة”.. كيف تعمل الصين وأوروبا على استقطاب الكفاءات الأمريكية بعد مجيء ترامب؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/03/27 الساعة 11:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/03/27 الساعة 12:07 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب - عربي بوست

بعدما كانت وجهةً جاذبةً للعقول بعد الحرب العالمية الثانية، تواجه الولايات المتحدة خطر "هجرة الأدمغة" من أصحاب الكفاءات في الوظائف الحكومية والباحثين الأكاديميين بعدما خلفت سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن خفض الوظائف الحكومية وزيادة الرقابة على الجامعات حالةً من الخوف وعدم اليقين.

فمنذ بدء ولايته الثانية في العشرين من يناير/كانون الثاني 2025، شرع الرئيس الأمريكي في حملة كبيرة لخفض الوظائف في الهيئات الحكومية التي وصف البعض منها بـ"الدولة العميقة"، بعدما تعهد في حملته الانتخابية باستبدال موظفين فيدراليين بحلفاء آخرين موالين لسياساته.

وحسب وسائل إعلام أمريكية، بلغ عدد الموظفين الفيدراليين الذين تمت إقالتهم بعد تولي ترامب مهام منصبه حوالي 100 ألف موظف حكومي.

ترامب
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب/عربي بوست

كما استهدفت سياسات ترامب أيضاً المؤسسات الأكاديمية والجامعات الأمريكية بمزيد من التدقيق وفرض الرقابة المالية، مع شن تهديدات بوقف التمويل الفيدرالي للبعض منها واتهامها بمعاداة السامية بعدما شهدت حراكاً طلابياً كبيراً داعماً لفلسطين ومناهضاً للحرب الإسرائيلية على غزة.

وعلى الفور، بدأت شركات ومؤسسات صينية وأوروبية في محاولات جذب الكفاءات الأمريكية التي طالتها سياسة ترامب لتقليص الوظائف الحكومية.

نرصد في هذا التقرير عدداً من المشاهد التي تعكس هجرة الأدمغة الأمريكية من البلاد التي كانت وجهةً لـ"العلماء والتقنيين" الذين هاجروا إلى أمريكا الشمالية من أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.

أولاً: شبكة صينية سرية تسعى لاستقطاب موظفين أمريكيين مفصولين

  • أظهرت إعلانات وظائف شاغرة وأعمال بحثية أن شبكة من الشركات التي تديرها شركة تكنولوجيا صينية سرية تسعى لاستقطاب موظفين حكوميين أمريكيين جرى إنهاء خدماتهم في الآونة الأخيرة، وفق تقرير لوكالة رويترز.
  • وقال ماكس ليسر، كبير المحللين في مجال التهديدات الناشئة لدى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي منظمة بحثية مقرها واشنطن، إن بعض الشركات التي نشرت إعلانات التوظيف هي "جزء من شبكة أوسع من شركات الاستشارات والتوظيف الوهمية التي تستهدف (استقطاب) الموظفين الحكوميين السابقين والباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي".
  • ولا تتوفر معلومات كافية عن شركات الاستشارات والتوظيف الأربع التي يقال إنها ضمن هذه الشبكة. ووفقاً لتقرير لرويترز وأعمال بحثية أجراها ليسر، اشتركت هذه الشركات في بعض الأحيان في استخدام مواقع إلكترونية متداخلة أو جرى استضافة تلك المواقع على نفس الخادم.
  • وتستخدم المواقع الإلكترونية للشركات الأربع نفس عنوان بروتوكول الإنترنت، وهو رقم متفرد يميز كل جهاز يتصل بالإنترنت، كما تستخدم موقع شركة سمياو إنتليجنس، وهي شركة خدمات إنترنت صار موقعها الإلكتروني غير متاح وقت نشر تقرير رويترز. ولم تتمكن رويترز من تحديد طبيعة العلاقة بين سمياو إنتليجنس والشركات الأربع.
  • وواجهت محاولات رويترز لتعقب الشركات الأربع وشركة سمياو إنتليجنس العديد من الطرق المسدودة، مثل المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني التي لم يتم الرد عليها وأرقام الهواتف التي لم تعد تعمل والعناوين المزيفة والعناوين التي تؤدي إلى حقول فارغة وقوائم الوظائف المحذوفة من موقع الوظائف المشهور لينكد إن.
  • وقال ليسر، الذي اكتشف هذه الشبكة وأرسل بحثه إلى رويترز قبل النشر، إن حملة التوظيف من هذه الشبكة السرية تتبع أساليب "راسخة" جرى استخدامها في عمليات سابقة للمخابرات الصينية.
  • وأضاف "ما يجعل هذا النشاط مهماً… هو سعي الشبكة إلى استغلال نقاط الضعف المالية لموظفين اتحاديين سابقين تأثروا في الآونة الأخيرة بإجراءات تسريح جماعية".
  • ولم يتسن لرويترز تحديد ما إذا كانت هذه الشركات مرتبطة بالحكومة الصينية أو ما إذا كان قد تم توظيف أي من الموظفين الاتحاديين السابقين.
الشركات
الشركات -المصدر:shutterstock

ثانياً: أستاذ في جامعة أمريكية يفر من الولايات المتحدة للعمل في كندا

  • غادر أستاذ يدّرس علوم الفاشية في جامعة ييل الولايات المتحدة للعمل في جامعة كندية بسبب المناخ السياسي الحالي في الولايات المتحدة، والذي يخشى أن يعرّضها لخطر التحول إلى "دكتاتورية فاشية"، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
  • وقبل جيسون ستانلي، مؤلف كتاب "كيف تعمل الفاشية: سياساتنا وهم" الصادر عام 2018، وظيفة في كلية مونك للشؤون العالمية والسياسات العامة بجامعة تورنتو.
  • وقال ستانلي لموقع "ديلي نوس" إنه اتخذ قراراً "بتربية أطفالي في بلد لا يتجه نحو الديكتاتورية الفاشية". وقال في مقابلة إن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها جامعة كولومبيا دفعته لقبول العرض.
  • وكانت جامعة كولومبيا الأمريكية قد أعلنت، الجمعة 21 مارس/آذار 2025، أنها ستمتثل لمطالب الرئيس ترامب، بعدما واجهت خطر فقدان التمويل الفيدرالي بسبب اتهامات من قبل الإدارة الأمريكية للجامعة، التي شهدت تظاهرات طلابية داعمة لغزة، بمعاداة السامية.
  • وعلق ستانلي قائلاً: "عندما رأيت جامعة كولومبيا تستسلم تماماً، ورأيت هذه المفردات، حسناً، سنعمل خلف الكواليس لأننا لن نصبح مستهدفين – فإن طريقة التفكير هذه تفترض مسبقاً أن بعض الجامعات سوف تصبح مستهدفة، وأنت لا تريد أن تكون ضمن إحدى تلك الجامعات، وهذه مجرد استراتيجية خاسرة".
  • وأضاف ستانلي: "عليكم أن تتوحدوا وتؤكدوا أن الهجوم على جامعة واحدة هو هجوم على جميع الجامعات. ربما تخسرون هذه المعركة، لكنكم ستخسرون هذه المعركة بالتأكيد إذا استسلمتم قبل بدء المعركة".
  • وقال ستانلي إنه لم يكن قلقاً بشأن قدرته على مواصلة دراسته في جامعة ييل، لكن المناخ السائد ضد الجامعات لعب دوراً في ذلك. وأشاد بأعضاء هيئة التدريس الآخرين في جامعة ييل لوقوفهم في وجه الهجمات على مهنتهم، وتمنى لو استطاع البقاء والنضال معهم.
  • وانتشرت منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تشير إلى دق ناقوس الخطر الذي أطلقه ستانلي لمغادرة البلاد بسبب تدهور الوضع السياسي.
  • وكتبت نيكول هانا جونز، الصحفية ومبتكرة مشروع 1619، على منصة بلو سكاي للتواصل الاجتماعي: "عندما يغادر باحثو الاستبداد والفاشية الجامعات الأمريكية بسبب تدهور الوضع السياسي هنا يجب أن نشعر بالقلق حقاً".
  • وفي بيان لها، قالت جامعة ييل إنها تظل "موطناً لأعضاء هيئة التدريس من الطراز العالمي الذين يكرسون أنفسهم للتميز في المنح الدراسية والتدريس".
  • وكتب ستانلي مؤخرًا لصحيفة الغارديان عن توجيه جديد لوزارة التعليم ينص على أن تدريس العنصرية المنهجية ومواضيع أخرى قد يُشكل أساساً لانتهاك الحقوق المدنية، وفقاً للتفسيرات القانونية لإدارة ترامب. وقال ستانلي إن هذا الأمر يضع البلاد "على طريق الاستبداد التعليمي".
  • وقال إنه فكّر في مغادرة الولايات المتحدة عام 2017، لكن إدارة ترامب الثانية أثبتت "بلا شك" أنها أسوأ من الأولى. كما ازدادت شهرة ستانلي منذ ذلك الحين بعد نشره عدة كتب عن الدعاية والفاشية.
  • يذكر أن جدة ستانلي كانت قد فرت من برلين مع والده إلى الولايات المتحدة في عام 1939.
مظاهرات طلابية في أمريكا تطالب بوقف إطلاق النار بغزة/رويترز

ثالثاً: سباق أوروبي لجذب العلماء الأمريكيين في ظل ضغوط ترامب على الجامعات

  • هكذا جاء عنوان لتقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية قالت فيه إن بعض الجامعات الأوروبية تقدم تمويلاً للعلماء الأمريكيين الذين يفكرون في مغادرة الولايات المتحدة والانتقال إلى القارة العجوز، وتعد بتوفير ملاذ آمن خالٍ من الرقابة الأكاديمية.
  • وأضافت الصحيفة الأمريكية أنه وبدافع "التدخل السياسي المقلق في البحث الأكاديمي من قِبل إدارة ترامب"، خصصت جامعة بروكسل الحرة (VUB)، أو الجامعة الحرة، تمويلاً قدره 2.7 مليون دولار الأسبوع الماضي لما لا يقل عن 12 وظيفة جديدة في دراسات ما بعد الدكتوراه متاحة "للأمريكيين الخاضعين للرقابة". 
  • وفي الشهر نفسه، فتحت جامعة إيكس مرسيليا الفرنسية باب التقديم لنحو 15 مقعداً في برنامج "مكان آمن للعلوم" الجديد، على أمل الترحيب بالعلماء الأمريكيين مع وعد بالحرية الأكاديمية. وأعلنت جامعة إيكس مرسيليا أنها تخطط لجمع تمويل يصل إلى 16 مليون دولار، وقد تلقت بالفعل عدداً كبيراً من المتقدمين للبرنامج الذي يستمر لثلاث سنوات.
  • وتسعى جهود الجامعات، التي تسير بالتوازي مع المبادرات الوطنية التي تطرح في العواصم الأوروبية، إلى الاستفادة من حالة الخوف وعدم اليقين التي سادت بين بعض العلماء الأمريكيين رداً على تحركات إدارة ترامب لإعادة تشكيل قطاع التعليم العالي في البلاد، وفق واشنطن بوست.
  • وقال رئيس جامعة بروكسل الحرة، يان دانكيرت: "إن الأوساط الأكاديمية في الولايات المتحدة تتعرض حالياً لضغوط مالية ولكن أيضاً لضغوط في شكل تدخل من السلطات"، ووعد بأن الأكاديميين في جامعته لن يتعرضوا أبداً لأي شكل من أشكال التدخل السياسي.
  • وفي حين أن الوظائف الجديدة ستكون مفتوحة لأي أكاديمي في جميع أنحاء العالم، قال دانكيرت إنه كان يطلب على وجه التحديد طلبات التقديم من كبار الأكاديميين المقيمين في الولايات المتحدة.
  • وستوفر خطة توظيف الجامعة 18 شقة للباحثين الدوليين الذين يحتاجون إلى إقامة مؤقتة، كما تم إنشاء جهة اتصال مخصصة لتقديم التوجيه للأمريكيين حول طلبات التأشيرة والحياة في بروكسل.
  • وتستشعر الحكومات الأوروبية أيضاً فرصة سانحة. 
  • وأصدر وزير التعليم الهولندي،  إيبو بروينز، الخميس 20 يناير/كانون الثاني 2025، توجيهاته للصندوق الوطني لبحوث العلوم بفتح منحة لجذب "أفضل المواهب الدولية"، في إشارة غير مباشرة إلى المواهب الأمريكية. 
  • وكتب الوزير بروينز في رسالة إلى البرلمان : "يتغير المناخ الجيوسياسي، مما يزيد من تنقل العلماء على الصعيد الدولي"، محذراً من أن دولاً أوروبية أخرى قد تُدفع لإطلاق مبادرات خاصة بها. 
  • وأضاف بروينز: "أريد أن تكون هولندا في الطليعة".
تحميل المزيد