نتنياهو و ترامب والرسل الجدد.. كيف يُباد الفلسطينيون بنبوءات مقدسة؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/03/22 الساعة 12:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/03/22 الساعة 13:36 بتوقيت غرينتش
عربي بوست

في ربيع عام 2024، بينما كان جيش الاحتلال الإسرائيلي يُمعن في قصف غزة، ويقتل الأطفال والنساء والكهول، ويهدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها، وجد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وقتاً ليجتمع في القدس مع وفد إنجيلي أمريكي. كان اللقاء بعيداً عن دخان المعارك وأصوات الانفجارات، لكنه كان مشحوناً بما لا يقل خطورة: خليط من الدين والسياسة، حيث تماهت الإبادة مع القداسة، وتحوّل الاحتلال من واقع سياسي إلى حتمية نبوية.

وعلى رأس الوفد كان القس ماريو برامنيك، رجل الدين المقرب من الرئيس دونالد ترامب، والذي لا يكفيه أن يرى الاحتلال الإسرائيلي كدولة، بل يراه كتحقيق لنبوءة مقدسة وركيزة أساسية في الخطة الإلهية. فكانت الجلسة مشحونة بالإيمان والسياسة، وتبادل الحاضرون وجهات النظر حول الحرب، وإبادة الفلسطينيين، والمستقبل الذي يرونه مكتوباً سلفاً في الكتب المقدسة. فلم تكن المناقشات تدور حول الاستراتيجيات العسكرية أو التسويات السياسية، بل حول معركة أزلية بين "قوى النور والظلام".

وتحدث أحد أعضاء الوفد، القس توني بيركنز، قائلاً: "هجوم حماس لم يكن مجرد عمل إرهابي… بل كان شيطانياً، وله أهمية روحية." لم يعترض أحد، إذ يجمعون أن المسألة بسيطة التفسير، فما يجري هو حرب بين النور والظلام، ويجب أن ينتصر الاحتلال الإسرائيلي، مهما كان الثمن، فتلك مشيئة الرب.

وفي نهاية الاجتماع، سأل بيركنز إن كان بإمكانه الصلاة من أجل نتنياهو. لم يتردد الأخير، بل أغمض عينيه بينما القس رفع يديه متضرعاً، ليس فقط من أجل رئيس وزراء الاحتلال، بل من أجل "نجاح الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة" في معركتهما المقدسة. وعندما ختم الصلاة بكلماته المعتادة—"باسم يسوع"—فتح نتنياهو عينيه مبتسماً وقال: "تعلمون ماذا؟ سمعت أن الرئيس بايدن قال إنني سأمر بلحظة مجيء إلى يسوع. ربما كانت هذه هي اللحظة."

ربما لم يكن اللقاء استثنائياً بالنسبة لنتنياهو، فقد اعتاد استقطاب دعم المسيحيين الصهيونيين، لكن ما كان استثنائياً هو برامنيك، فهو ليس مجرد قس، بل يعتبر نفسه "رسولاً" في حركة "الإصلاح الرسولي الجديد"، تيار ديني يؤمن بأن العالم يخضع لمشيئة أنبياء ورسل معاصرين، وأن مهمتهم هي إعادة تشكيل الدول وفقاً لقوانين إلهية، تمهيداً لعودة المسيح. في هذا السياق، يرى برامنيك أن دونالد ترامب مبعوث من الله ليحكم الولايات المتحدة، وأن مهمته تتجاوز السياسة لتشمل بناء دولة ثيوقراطية مسيحية، تبدأ من أمريكا وتمتد إلى بقية العالم. ولتحقيق ذلك، يجب دعم الاحتلال الإسرائيلي بلا شروط، ليس حباً باليهود، بل باعتبارهم أداة في المخطط الإلهي، حيث سيتم "تحويلهم" إلى المسيحية عند اقتراب النهاية، وفقاً للاهوت الأخروي الذي تتبناه الصهيونية المسيحية.

لم تعد الصهيونية المسيحية مجرد تحالف سياسي بين اليمين الإسرائيلي واليمين الديني الأمريكي، بل تحولت إلى مشروع ثيوقراطي متطرف، يسعى إلى إعادة تشكيل السياسة وفقاً لعقيدة نهاية الزمان. من رحم هذه العقيدة، خرجت تيارات أشد تطرفاً مثل الإصلاح الرسولي الجديد، الذي لا يكتفي بإضفاء الشرعية الدينية على الاحتلال، بل يطمح إلى إقامة حكم المؤمنين—حيث تُدار المجتمعات وفقاً لإرادة "رسل العصر الحديث".

نتنياهو و ترامب والرسل الجدد.. كيف يُباد الفلسطينيون بنبوءات مقدسة؟
خطاب نتنياهو في الكونغرس الأمريكي/ رويترز

ما هي الصهيونية المسيحية وحركة الإصلاح الرسولي الجديد، وكيف انتقلتا من تأويلات لاهوتية إلى مشروع سياسي يُشرعن إبادة الفلسطينيين ويُعيد رسم ملامح السياسة الأمريكية؟ وكيف تحول الدعم الأمريكي للاحتلال الإسرائيلي من تحالف استراتيجي إلى عقيدة دينية تُبشر بحرب مقدسة لا نهاية لها؟

ما هي الصهيونية المسيحية

الصهيونية المسيحية هي أيديولوجيا استعمارية تجمع بين اللاهوت والسياسة، تقوم على الاعتقاد بأن اليهود جزء أساسي في مخطط إلهي، وأن دعم الاحتلال الإسرائيلي واجب ديني مقدس. وفقًا لهذه العقيدة، فإن الرب وهب أرض فلسطين للشعب اليهودي التزامًا بعهده مع النبي إبراهيم، وأن اليهود هم العِرق المختار، مما يجعل دعمهم سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا أمراً إلهياً لا يقبل النقاش.

هذه الأيديولوجيا، التي تجذّرت بين البروتستانت الانجليين في أمريكا، لم تظل حبيسة الكنائس، بل امتدت إلى أروقة السياسة، حيث نجحت في التأثير على صناع القرار الأمريكيين، لترسيخ دعم دائم و غير مشروط للاحتلال الإسرائيلي.

متى بدأت الصهيونية الأمريكية في الظهور؟

لم يظهر المسيحيون الصهاينة على الساحة الأمريكية بين ليلة وضحاها، بل مرّ نفوذهم بمسار تصاعدي عبر أكثر من قرن، وتسارع بشكل كبير خلال العقود الأخيرة. إذ ظهرت الحركة الصهيونية المسيحية في القرن التاسع عشر ببريطانيا، وانتقلت إلى الولايات المتحدة في منتصف القرن نفسه، وكان تأثيرها الأكبر في المجتمع الأمريكي والسياسة الأمريكية.

تعود جذور الصهيونية المسيحية إلى ما قبل انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897. فقد برزت منذ منتصف القرن التاسع عشر دعوات داخل الأوساط البروتستانتية البريطانية تنادي بعودة اليهود إلى فلسطين، متأثرة بالمذهب التطهيري الذي نشأ بعد حركة الإصلاح الديني. كانت هذه العودة تُفهم في البداية بوصفها رمزية — بمعنى اعتناق اليهود للمسيحية — لكن مع الوقت، تحولت إلى مشروع سياسي واضح.

وكان نابليون أول من طرح فكرة توطين اليهود في فلسطين ضمن رؤية إمبريالية، غير أن بريطانيا هي التي تبنت الفكرة بجدية، مدفوعة باعتبارات استراتيجية، على رأسها تأمين طريقها إلى مستعمراتها في الهند. ومع تعاظم نفوذها الإمبريالي، التقت مصالحها السياسية مع الخطاب الديني البروتستانتي.

من هذا التلاقي بين اللاهوت والسياسة، وُلدت الصهيونية المسيحية كأيديولوجيا دينية تبرر الطموحات الاستعمارية، أولاً لبريطانيا، ثم للولايات المتحدة. وقد بدأت الأخيرة بتبني هذا الفكر في القرن التاسع عشر، خصوصاً بعد أن نقله إليها القس جون نيلسون داربي، الذي ركز في تفسيراته اللاهوتية على مركزية اليهود في نبوءات نهاية الزمان.

داربي ألهم جيلاً جديداً من المبشرين، كان من أبرزهم ويليام بلاكستون، صاحب كتاب "المسيح قادم"، والذي قدّم عام 1891 عريضة للرئيس الأمريكي دعا فيها إلى دعم إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. وقع على هذه العريضة 413 شخصية بارزة، بينهم جي. بي. مورغان، روكفلر، ورئيس المحكمة العليا ميلفيل فولر، وكان لها أثر في تشكيل موقف الرئيس وودرو ويلسون المؤيد لوعد بلفور.

تأثير هذه الأفكار تعمق لاحقاً من خلال كتب واسعة الانتشار، أبرزها "كوكب الأرض القديم الرائع" لهال ليندسي، الذي طُبع منه ما يقارب تسعة ملايين نسخة بحلول عام 1978. ومع أن هذه الرؤى بقيت هامشية نسبياً حتى منتصف القرن العشرين، إلا أن قيام دولة الاحتلال عام 1948 مثّل لحظة حاسمة؛ إذ نظر إليها المسيحيون المحافظون في أمريكا بوصفها تحققاً لنبوءات كتابية، و"دليلاً" على يد الله في التاريخ. وجاءت حرب الأيام الستة عام 1967 لتشكل نقطة انعطاف حاسمة، فقد أثار استيلاء الاحتلال الإسرائيلي على القدس اهتماماً نبوئياً واسعاً بين الإنجيليين؛ فامتلأت الكنائس بدروس عن نهاية العالم واقتراب عودة المسيح مرة أخرى، وراجت كتب تفسر انتصارات الاحتلال عسكرياً بأنها تحقيق نبوءات لاهوتية.

هذه القناعة الدينية الراسخة تولد لدى أتباعها داخل الولايات المتحدة تعاطفاً مطلقاً مع الاحتلال الإسرائيلي يميزهم عن غيرهم من الأمريكيين. على سبيل المثال، يشكل الصهاينة المسيحيون 20% من الناخبين الأمريكيين.

هذا الإيمان ترك أثراً عميقاً في مزاج قطاعات كبيرة من الإنجيليين الأمريكيين، حيث بات التعاطف مع الاحتلال بالنسبة لهم ليس خياراً سياسياً، بل واجباً دينياً. ويُقدّر عدد المسيحيين الصهاينة بنحو 20% من الناخبين الأمريكيين، وغالباً ما يصوّتون للجمهوريين، ولديهم روابط متينة بالمحافظين الجدد. وتشير بيانات مركز "بيو" إلى أن 64% من البروتستانت و82% من البروتستانت الإنجيليين البيض في الولايات المتحدة يؤمنون بأن الرب قد وعد اليهود بأرض فلسطين، بينما لا تتجاوز هذه النسبة عند اليهود أنفسهم حاجز 40%. أما عن نسبة من يؤمنون بذلك من الأمريكيين بشكل عام، فهي 44%. ويمكن القول: إن هذه النسبة لم تتغير كثيراً في الأعوام الأخيرة، وإن دعم الاحتلال الإسرائيلي بين الأمريكيين البروتستانت الإنجيليين ما يزال في مستويات عالية.

هذه الكتلة الضخمة منحازة بشدة للحزب الجمهوري، حيث يعرف حوالي 61% منهم أنفسهم كجمهوريين، مقابل 9% فقط ديمقراطيين. وقد انعكس ثقلهم الانتخابي بوضوح في انتخابات 2016 و2020، عندما صوّت ثمانية من كل عشرة إنجيليين بيض لصالح دونالد ترامب. هذا الدعم جعلهم أحد أكثر قواعد الناخبين تماسكاً ونفوذاً في السياسة الأمريكية، ودفع الساسة — لا سيما الجمهوريين — للتودد إليهم وتبني أولوياتهم.

ويؤمن الصهاينة المسيحيون بأن اليهود هم شعب الله المختار، أطراف في عهد إلهي، ودورهم مركزي في تنفيذ مشيئة الرب على الأرض. يرون فيهم الورثة الشرعيين لإبراهيم، ويستدلون بذلك بما ورد في سفر التكوين (12:3): "وأبارك مباركيك، ولاعنك ألعنه، وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض". وبناءً على هذا الإيمان، فإن دعم الاحتلال الإسرائيلي ليس موقفاً سياسياً، بل طاعة دينية تجلب البركة وتحقق إرادة الرب.

ما هي الصهيونية المسيحية
مصطلح الصهيونية – shutterstock

من هذا المنظور اللاهوتي، لا يُعطى الفلسطينيون أي اعتبار يُذكر؛ فهم إما غائبون تماماً عن النبوءات، وإما أنهم "أعداء الله" لمجرد دفاعهم عن أنفسهم وأرضهم أمام الاحتلال الإسرائيلي. لذلك، فإن قضايا كالحقوق الفلسطينية أو القانون الدولي لا تحمل وزناً أمام ما يعتبرونه خطة إلهية أكبر، بل يرحب البعض بتصعيد الحرب هناك باعتبارها تمهيداً لنهاية الزمان وعودة المخلّص.

وهكذا اندمج البعد الديني بالسياسي؛ فالإخلاص الديني يستوجب نصرة الاحتلال، والولاء لأمريكا يتطلب تبني تحالف وثيق معه. ومع مرور الوقت، أصبحت الصهيونية المسيحية أحد أعمدة العقيدة السياسية لتيار اليمين الإنجيلي، بحيث يصعب أحياناً التمييز بين الموقف الديني والعقيدة الوطنية لدى أتباع هذا التيار.

السيطرة الصهيونية في أمريكا

مع أواخر السبعينيات، بدأت حقبة جديدة تمثلت في نزول الإنجيليين إلى معترك السياسة بقوة. تأسست حركة "الأغلبية الأخلاقية" عام 1979 بقيادة القس جيري فولويل لتوحيد الصوت الإنجيلي المحافظ في وجه ما اعتُبر "انحلالاً أخلاقياً" في أمريكا. ومنذ بيانها التأسيسي الأول، تبنت الحركة موقفاً صريحاً بالدفاع عن الاحتلال الإسرائيلي كجزء من منظومة المبادئ المسيحية–الأمريكية.

وقد حاز تقدير قادة إسرائيل لدعمه المبكر؛ ففي عام 1979 أهداه رئيس الوزراء مناحيم بيغن طائرة خاصة تقديراً لجهوده، وفي 1981 تلقى "جائزة جابوتنسكي" تكريماً لمواقفه. وعندما دمرت إسرائيل المفاعل النووي العراقي عام 1981، كان فولويل أول من اتصل به بيغن ليحشد تأييداً أمريكياً للضربة — دلالة على ثقة الإسرائيليين بنفوذه على الرأي العام الإنجيلي.

في الثمانينيات، صعد الإنجيليون بقوة إلى المشهد السياسي الأمريكي بدعمهم لرونالد ريغان، الذي فتح لهم أبواب النفوذ في واشنطن، وكرّس خطاباً يمزج السياسة الخارجية بالنبوءات الدينية. بدأ التحالف الإنجيلي–الإسرائيلي يبرز بوضوح، مع نواب مثل جيم إنهوف يربطون دعم إسرائيل ببركة الرب، ومع لقاءات رسمية لقادة الاحتلال مع شخصيات إنجيلية نافذة.

ما هي الصهيونية المسيحية
رونالد ريغان مع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي الأسبق إسحاق شامير في المكتب البيضاوي – shutterstock

في التسعينيات، استمر تنامي النفوذ الإنجيلي سياسياً وإعلامياً. أسس القس بات روبرتسون "ائتلاف الأغلبية المسيحية" الذي ورث دور فولويل في تنشيط التصويت المسيحي المحافظ، وبلغ عدد أعضائه الملايين. ودخلت الفضائيات المسيحية كل بيت أمريكي، ناقلةً مزيجاً من الوعظ الديني والأجندة السياسية المؤيدة لإسرائيل. حتى في الثقافة الشعبية، ظهرت روايات وأفلام تعكس المنظور الإنجيلي لنهاية الزمان — أشهرها سلسلة روايات "الاختطاف" (Left Behind) التي أطلقها تيم لاهاي عام 1995، وحققت هي الأخرى مبيعات ضخمة (تجاوزت 60 مليون نسخة).

مع مطلع الألفية الجديدة، بعد هجمات 11 سبتمبر، توثق التحالف بين الإنجيليين الصهاينة والمحافظين الجدد في واشنطن، واعتُبر الاحتلال الإسرائيلي حليفاً في مواجهة عدو مشترك، وتبنى كثير من الوعاظ الإنجيليين لغة صدام الحضارات، معتبرين أن ما يواجهه الاحتلال من مقاومة من حركات مثل حماس وحزب الله هو ذاته ما تواجهه أمريكا من تنظيم القاعدة — عدو مشترك يستهدف "حضارة يهودية-مسيحية".

في العقدين الأخيرين، برز القس "جون هايغي" كأحد أبرز وجوه الصهيونية المسيحية، من خلال تأسيسه لمنظمة "المسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل" (CUFI)، التي أصبحت أكبر لوبي إنجيلي مؤيد للاحتلال الإسرائيلي في الولايات المتحدة، متجاوزةً 10 ملايين عضو بحلول عام 2021. تنظم المنظمة مؤتمراً سنوياً ضخماً في واشنطن، يُعرف بـ "قمة CUFI"، يُرفع فيه العلمان الأميركي والإسرائيلي، وتلقى خلاله خطب تؤكد الالتزام الديني بدعم الاحتلال. كما تملك CUFI ذراعاً سياسياً يسمى (CUFI Action Fund) يؤثر في قرارات الكونغرس، وقد تباهى هايغي بأن جهوده أثمرت في دفع سياسات مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وقد كان من المتحدثين في حفل افتتاح السفارة الأميركية بالقدس عام 2018.

إلى جانب CUFI، تنشط منظمات أخرى مثل "السفارة المسيحية الدولية في أورشليم"، التي تأسست في القدس عام 1980، وجذبت آلاف الكنائس من حول العالم لدعم الاحتلال. كما يعمل "فريق العمل الإنجيلي من أجل إسرائيل" و"مؤتمر القيادات المسيحية الوطنية" على تنسيق الدعم الكنسي للاحتلال.

في واشنطن، تلعب منظمات مثل "ائتلاف الإيمان والحرية" دوراً سياسياً مباشراً، خاصةً في تضمين بنود موالية لإسرائيل في برامج الحزب الجمهوري. كذلك، لم تعد مجموعات الضغط التقليدية الموالية لإسرائيل كـ "إيباك" (AIPAC) مقتصرة على اليهود، بل تعاونت مع الإنجيليين واستفادت من حماس قواعدهم.

وفي السنوات الأخيرة، بدأ يظهر تأثير هذه الشبكات في تشريعات وقرارات رسمية؛ فمثلاً، سعت مجموعات إنجيلية إلى تمرير قوانين تمنع مقاطعة الاحتلال، وضغطت لقطع التمويل عن السلطة الفلسطينية. ويُعزى الفضل في إقرار قوانين مثل قانون "تايلور فورس" (الذي حجب المساعدات عن السلطة الفلسطينية ما لم يوقفوا مدفوعات لأسر الأسرى والشهداء) جزئياً إلى جهود لوبي الإنجيليين.

ترامب من أجل المسيحيين الصهاينة

وبحلول العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، كانت هذه الحركة قد انتقلت تماماً من الهامش إلى قلب السلطة والنقاش العام. وقد تُوّج هذا المسار بوصول حليفها الأقوى، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض بدعم 81% من الناخبين الإنجيليين البيض. فخلال عهد ترامب، تحققت أمنيات طالما نادت بها المنابر الإنجيلية الصهيونية منذ عقود — نقل السفارة إلى القدس، والاعتراف بضم الجولان، وإطلاق "صفقة القرن" بلا تنازلات للفلسطينيين، وعدم اعتبار المستوطنات مخالفةً للقانون الدولي، وقطع التمويل عن وكالة الأمم المتحدة لغوث الفلسطينيين (الأونروا)، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن.

ولم يقتصر الأمر على ذلك؛ إذ تبنت إدارة ترامب زيادات كبيرة في الدعم العسكري والاقتصادي للاحتلال حينها دون شروط، تنفيذاً لمذكرة تفاهم بقيمة 3.8 مليار دولار سنوياً، وتعزيزاً لبرامج الدفاع الصاروخي المشتركة. وقد أيد الإنجيليون تلك الخطوات بشدة، معتبرين تمكين إسرائيل عسكرياً جزءاً من الالتزام الروحي بحمايتها، وكذروة الاستجابة الإلهية لصلواتهم.

دونالد ترامب خلال مؤتمر صحفي مشترك في البيت الأبيض مع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو – shutterstock

ولم يُخفِ ترامب أن دافعه الرئيسي لهذا القرار التاريخي كان إرضاء الإنجيليين، فقال أمام تجمع لأنصاره: "لقد نقلنا العاصمة (السفارة) إلى القدس — هذا من أجل الإنجيليين.. لقد كانوا أكثر حماساً بذلك حتى من اليهود".

جدير بالذكر أن حكومات الاحتلال نفسها تعي نفوذ هذا التيار وتنسج معه علاقات وثيقة، فقد حرص رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في زياراته لواشنطن على لقاء قيادات إنجيلية إلى جانب لقاءاته الرسمية.

بل إن سفير الاحتلال الأسبق في واشنطن، ووزير الشؤون الاستراتيجية للاحتلال حالياً، رون ديرمر، صرّح علناً عام 2021 بضرورة أن تركز إسرائيل جهودها على كسب ود الإنجيليين الأميركيين أكثر من يهود أمريكا، مبرراً ذلك بأن "هؤلاء الإنجيليين المتحمسين لإسرائيل يفوقون عدداً ونفوذاً اليهود الأميركيين الذين بات الكثير منهم في صفوف منتقدي إسرائيل".

هيمنت الشخصيات الإنجيلية على المشهد حول ترامب؛ فخلال فترة رئاسته الأولى، كان نائبه مايك بنس الصوت الإنجيلي الأقوى في الإدارة، حيث دفع باتجاه سياسات مثل قطع المساعدات عن الفلسطينيين، والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران — وهي خطوات انسجمت مع كل من رغبات الإنجيليين واليمين الإسرائيلي.

كذلك، فإن وزير الخارجية في إدارة ترامب الأولى، مايك بومبيو، كان — بخلفيته الإنجيلية — قد تبنّى خطاباً دينياً في تبرير الدعم المطلق للاحتلال، واعتبر الصراع بين الاحتلال وإيران وحلفائها معركةً بين الخير والشر.

وضمت دائرة مستشاري ترامب الإنجيليين أسماء مثل القسيسة باولا وايت (المستشارة الروحية لترامب) والقس جون جيفريس، ما ضمن بقاء البيت الأبيض على تواصل مباشر مع قيادات الكنائس المؤيدة للاحتلال.

لم يقتصر نفوذ الصهاينة الإنجيليين على الجمهوريين فقط، فخلال إدارة بايدن، وتحديداً خلال شن إسرائيل حرب الإبادة على غزة عام 2023، هبّ الإنجيليون الصهاينة في الولايات المتحدة لتقديم مختلف أشكال الدعم للاحتلال الإسرائيلي سياسياً ومادياً.

ورغم أن الإنجيليين ليسوا جهة رسمية تمنح مساعدات عسكرية، إلا أنهم لعبوا دوراً مهماً في تعزيز المساعدة العسكرية الأمريكية للاحتلال خلال الحرب عبر الضغط السياسي. فعندما طلب الاحتلال ذخائر إضافية وتمويلاً لمنظومة القبة الحديدية وغيرها، عملت جماعات الضغط الإنجيلية على ضمان سرعة تلبيتها. نظّم مجلس CUFI حملة طارئة شملت إيفاد 250 من القساوسة والقادة الإنجيليين إلى واشنطن للقاء أعضاء الكونغرس وحضّهم على إقرار حزمة المساعدة الأمنية العاجلة للاحتلال.

توريد الأسلحة لإسرائيل
رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن – رويترز

وبالتوازي، أطلقت المنظمة تنبيهاً لأنصارها، نتج عنه قيام 65 ألف شخص بإرسال رسائل إلكترونية إلى الكونغرس لدعم تمرير المساعدة. وقد أثمرت هذه الجهود بتمرير الكونغرس حزمة طوارئ زادت قدرات الاحتلال الدفاعية. صرّح القس جون هايغي عندها قائلاً: إن دعم إسرائيل عسكرياً "أمر غير قابل للمساومة"، وإن أعضاء الكونغرس الذين أيّدوا التشريع "وقفوا في الجانب الصحيح من التاريخ وكلمة الرب".

شكّل الإنجيليون كتلة ضغط سياسية قوية دعمت الاحتلال الإسرائيلي بقوة في الساحة الأمريكية خلال الحرب. فبالتزامن مع انقسام الرأي العام العالمي وتصاعد دعوات وقف إطلاق النار، أظهر الإنجيليون الأمريكيون ولاءً ثابتاً لإسرائيل. أصدرت لجنة الأخلاقيات التابعة للكنيسة المعمدانية الجنوبية "بياناً إنجيلياً لدعم إسرائيل" يؤكد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. كما كثف القادة الإنجيليون تواصلهم مع صانعي القرار؛ إذ أجرى وفد إسرائيلي رسمي زيارات غير معتادة إلى مؤتمر المذيعين الدينيين (NRB) في ناشفيل للقاء قيادات إنجيلية وإعلاميين مسيحيين، في مسعى لكسب تأييد الرأي العام عبر منصاتهم.

مارس النواب والشيوخ الإنجيليون (خصوصاً من الحزب الجمهوري) ضغطاً لتمرير قرارات داعمة للاحتلال الإسرائيلي وإدانة حماس. وبعد عودة ترامب، تبنت شخصيات محافظة أجندة مستوحاة من مقترحات إنجيلية — مثل مشروع "إستر" المدعوم من مؤسسة هيريتيج، والذي يهدف لتعريف مناصري فلسطين في أمريكا بأنهم واجهات لدعم الإرهاب. كل ذلك ساعد في تحصين الموقف الدبلوماسي الأمريكي لصالح إسرائيل طوال حرب الإبادة، حيث بقيت الإدارة الأمريكية والكونغرس مترددين في الضغط على الاحتلال لوقف مبكر لإطلاق النار، مدركين قوة القاعدة الإنجيلية في معادلة الدعم السياسي.

بجانب ذلك، تدفقت تبرعات قياسية من الكنائس والهيئات المسيحية الإنجيلية إلى الاحتلال. شهدت الأسابيع الأولى من الحرب حملات جمع تبرعات غير مسبوقة، إذ أفادت مجلة "كريستيانتي توداي" بأن الحرب حفزت التبرع بملايين الدولارات لمنظمات مسيحية تعمل في إسرائيل. على سبيل المثال، تلقت منظمة "السفارة المسيحية الدولية في القدس" (ICEJ) تمويلات خلال أسبوعين تفوق أي فترة مماثلة في تاريخها.

ما هي حركة "الإصلاح الرسولي الجديدة"؟

مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يعود معه الوجه الأكثر إثارة للجدل في العلاقة بين الدين والسياسة — لكن هذه المرة، بصيغة أشد تطرفاً. لم تعد العلاقة تقتصر على دعم الاحتلال الإسرائيلي أو تحقيق نبوءات الصهيونية المسيحية، بل أصبحت تتغلغل في صميم المجتمع الأميركي ذاته، تحت لافتة عريضة اسمها: حركة "الإصلاح الرسولي الجديدة".

ووفقاً لتقرير لمجلة "ذا أتلانتيك"، فهي حركة إنجيلية سريعة النمو تقوم على مبدأ "السيادة المسيحية"، أي سيطرة المؤمنين الإنجيليين على مفاصل المجتمع كافة، تحت ما يُعرف بـ "الجبال السبعة" للمجتمع الأميركي: الأعمال التجارية، والتعليم، والترفيه، والأسرة، والحكومة، والإعلام، والدين. يؤمن أتباعها بأن عليهم خوض "حرب روحية" ضد قوى الشر، بهدف إقامة "مملكة الله" على الأرض تمهيداً لعودة المسيح. وإحدى السمات الفارقة لتلك الحركة هي إيمانهم بإعادة دور "الرسل" و"الأنبياء" المعاصرين في قيادة الكنيسة، لذا يدّعي قادة الحركة ألقاباً رسولية ونبوية، مدعين أن الله يرسل لهم إعلانات جديدة مباشرة (وحي خاص) بجانب النصوص المقدسة.

ما هي حركة
شخصيات في حركة الإصلاح الرسولي الجديد، يصلون مع دونالد ترامب في البيت الأبيض في – رويترز

في نظر أتباع هذه الحركة، ترامب ليس مجرد رئيس أو زعيم سياسي، بل هو أداة إلهية مختارة، شبيه بالملك الفارسي كورش، الذي يزعم الإنجيليون أن الله استخدمه لتحرير اليهود وإعادتهم إلى وطنهم. الفرق أن الصهيونية المسيحية ترى أن كورش التاريخي حرر شعباً، بينما ترامب، في عيون "حركة الإصلاح الرسولي الجديدة"، جاء لتحرير أمريكا نفسها من ما يصفونه بـ "أسر الثقافة العلمانية".

حياة الفلسطينيين.. غذاء لنهاية العالم

ويمكن القول إن "حركة الإصلاح الرسولي الجديدة" تشكل جناحاً متحولاً من الصهيونية المسيحية؛ إذ تؤمن أيضاً بأن دعم الاحتلال الإسرائيلي واجب ديني مرتبط بنهاية الزمان، لكنها تختلف عن الصهيونية المسيحية في أنها لا تكتفي بالدعم المطلق للاحتلال، بل تسعى إلى تبشير اليهود وتحويلهم إلى المسيحية، بزعم أن ذلك يعجّل بعودة المسيح. وهو ما أثار اتهامات للحركة بمعاداة السامية.

رغم ذلك، لا تختلف "حركة الإصلاح الرسولي الجديدة" كثيراً في دعم الاحتلال عن الصهيونية الدينية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بإبادة الفلسطينيين.

ففي مارس الماضي، حطت مجموعة من قادة الحركة في إسرائيل، يتقدمهم ماريو برامنيك، أحد أبرز "الرسل" المدعين فيها، في زيارة بدت أقرب إلى رحلة تضامن سياسي. جاءت الزيارة في ذروة القصف والحصار الإسرائيلي لغزة، وكان الغضب عنوانها الرئيسي — ليس من المعاناة الإنسانية، بل من "تجرؤ" إدارة بايدن على إطلاق انتقادات خجولة لسياسات نتنياهو.

وصرح برامنيك حينها لوكالة الأنباء اليهودية قائلاً: "إن ما تفعله إدارتنا بالضغط على إسرائيل للقبول بحل الدولتين أحادي الجانب… أمر مشين للغاية"، مضيفاً أن إقامة دولة فلسطينية ستكون "مكافأة على الإبادة الجماعية"، في إشارة إلى طوفان الأقصى.

من وجهة نظر المراقبين، ربما تتكشف هنا صورة مرعبة: حركة دينية تروّج لنبوءات خلاصية، وتجد راحتها في التحالف مع أكثر الأجنحة الإسرائيلية تطرفاً، حتى لو على حساب شعب كامل يعيش تحت الاحتلال.

لوربر، الباحث في مؤسسة الأبحاث السياسية، يرى أن الإيمان الأعمى بهذه النبوءات قد يُترجم في الواقع إلى مزيد من البؤس والموت للفلسطينيين. وهو ما يتقاطع مع تحذير مماثل من ماثيو تايلور، الباحث البارز في معهد الدراسات المسيحية والإسلامية واليهودية، الذي يشير إلى أن الرؤية الإنجيلية للفلسطينيين لا تمنحهم سوى خيارين، كلاهما مرّ: إما "إسرائيل الكبرى" بلا حقوق، أو التهجير الكامل والتطهير العرقي من الأرض التي عاشوا فيها أجيالاً.

"إسرائيل الكبرى" في العقل السياسي الإسرائيلي – عربي بوست 

ما مدى نفوذ الحركة في الولايات المتحدة؟

في العام الماضي، كشف استطلاع رأي أن 42% من المسيحيين الأمريكيين يوافقون على العبارة التي تقول إن "الله يريد للمسيحيين أن يتبوؤوا قمم 'الجبال السبع' للمجتمع". هذه النتائج جاءت من استطلاعات جديدة يقودها بول دجوب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة دينيسون، الذي يعمل على تطوير أدوات لقياس ما يسميه هو وآخرون "التحول الأساسي" الذي يطال شكل المسيحية في الولايات المتحدة.

الأرقام لا تتوقف عند هذا الحد؛ فنحو 61% من المستطلعين يعتقدون بوجود "رسل وأنبياء معاصرين"، وحوالي النصف يعتقد أن هناك "رئاسيات وسلطات شيطانية" تتحكم في أراضٍ مادية، وأن من واجب الكنيسة إطلاق حملات صلاة وحرب روحية لطرد هذه الشياطين من مواقع النفوذ.

ورغم أن بول يرى أن الأمة الأمريكية تستمر في أن تصبح أكثر علمانية — ففي عام 1991 كان 6% فقط من الأمريكيين يُعرّفون أنفسهم كغير دينيين، وهو رقم بلغ الآن حوالي 30% — إلا أنه يرى أن المسيحيين الذين بقوا يصبحون أكثر تطرفاً.

إذ يقول: "إنهم يتبنون هذه المعتقدات المتطرفة التي تمنحهم شعوراً بالقوة — يعتقدون أن لديهم القوة لتغيير طبيعة الأرض. تبني هذا النوع من المعتقدات يحدث بسرعة مذهلة."

تسرّبت أفكار هذه الحركة إلى عالم ترامب، ونجد أثرها في مشروع "2025"، وفي أوراق معهد "أميركا فيرست للسياسات"، بل وحتى في كتاب جديد بعنوان "اللاإنسانيون"، شارك في تأليفه جاك بوسوبيك — أحد رموز اليمين المتطرف ونظريات المؤامرة — والذي حظي بإشادة من نائب الرئيس جيه دي فانس، والذي أيضاً يستضيف وجوهاً بارزة من حركة "الإصلاح الرسولي الجديد"، مثل لانس فالناو. أما دونالد ترامب الابن، فامتدح الكتاب قائلاً إنه "يعلمنا كيف ننقذ الغرب".

الكتاب يصف الخصوم السياسيين واليساريين بأنهم "لا إنسانيون/غير البشر"، وأنهم يديرون عمليات في الإعلام والحكومة والتعليم والاقتصاد والدين والعائلة والفنون والترفيه — وهي المجالات المعروفة اصطلاحاً بـ "الجبال السبع". ويرى أن هؤلاء يجب "سحقهم". فيقول في كتابه: "دراستنا للتاريخ جعلتنا نصل إلى هذا الاستنتاج: الديمقراطية لم تنجح أبداً في حماية الأبرياء من غير البشر". كتب المؤلفون: "حان الوقت للتوقف عن اللعب وفق قواعد لن يلتزموا بها".

عدد من السياسيين الشعبويين في أمريكا لم يكتفوا بتبني خطاب حركة "الإصلاح الرسولي الجديد" (New Apostolic Reformation)، بل ارتبطوا مباشرة بأشخاصها ورموزها. مايك جونسون، رئيس مجلس النواب الحالي، مثال بارز: خلفيته المسيحية المحافظة واضحة، وقد رفع أمام مكتبه علم "دعوة إلى السماء"، وهو أحد رموز الحركة، كما ألقى خطابات دينية نارية عن أن وحدة أمريكا لا تتحقق إلا بالعودة إلى الله، كما ظهر في البرامج الإذاعية لقساوسة الحركة.

أما بيت هيغسيث، وزير الدفاع في عهد ترامب، فيرتاد كنيسة يقودها القس دوغ ويلسون — أحد أشد أنصار القومية المسيحية، والذي لا يُخفي رفضه لحق المرأة في التصويت.

في فترة رئاسة ترامب الأولى، حصلت قيادات NAR على مواقع رسمية. القسيسة بولا وايت — واحدة من أبرز شخصيات الحركة — أصبحت أول امرأة تقود صلاة تنصيب رئيس أمريكي، ثم تولّت دور المستشارة الروحية لترامب.

لاحقاً، أطلقت وايت ما سُمي بـ "المجلس الاستشاري الوطني للإيمان"، الذي هدف إلى مواجهة ما اعتبره الجمهوريون "أجندة مناهضة للإيمان" من قبل إدارة بايدن. وكان المجلس يعقد محادثات متكررة مع ترامب ومسؤولين آخرين.

ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض عام 2025، أُعلن عن تأسيس "مكتب الإيمان"، بقيادة بولا وايت وآخرين من المرتبطين فكرياً بالحركة، في خطوة منحت الحركة نفوذاً رسمياً غير مسبوق. فقد وصفت الباحثة هولي بيفيك هذا النفوذ بأنه "وصول غير مسبوق" لقادة الحركة إلى دوائر القرار في واشنطن.

وقد بارك هؤلاء القادة البارزون في الحركة سياسات ترامب واعتبروه أداة إلهية لتحقيق خططهم، حتى أنهم أسبغوا عليه صفات نبوية. فعلى سبيل المثال، صرّح القس مارك تيلور أن ترامب "مختار من الله"، ووصفه لانس فالناو بأنه أشبه بالملك كورش، الذي سيحرر أمريكا من "أسر الثقافة العلمانية". كذلك دعت بولا وايت ومجموعة من القساوسة علناً إلى كسر "كل شبكة شيطانية تقف ضد دعوة ترامب" خلال حملة انتخابات 2020، في مشهد يمثل تسييساً صريحاً للخطاب الديني.

ويرى تايلور أن حماسة الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين لترامب مرتبطة أيضاً بعقيدة الهيمنة. إذ يعتقد أتباعها أن من واجبهم قهر "جبال النفوذ المجتمعي السبعة" — الأسرة، والدين، والتعليم، والإعلام، والترفيه، والأعمال التجارية، والحكومة — وإعادة تشكيلها وفقاً لنظرة عالمية مسيحية أصولية. إنها عقيدة لاهوتية معادية للديمقراطية، كانت محور هجوم 6 يناير 2021 على مبنى الكابيتول الأمريكي، حيث اعتقد العديد من مثيري الشغب، الذين سعوا إلى قلب نتائج الانتخابات، أن ترامب كان مُتنبأً به ليكون الرئيس.

تحميل المزيد