تعكف أكبر قوى عسكرية في أوروبا على وضع خطط تتولى بموجبها مسؤوليات الدفاع عن القارة بدلاً من أمريكا، بما في ذلك تقديم عرض لإدارة الرئيس دونالد ترامب لنقل المسؤوليات بشكل منظم على مدى السنوات الخمس إلى العشر المقبلة، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
وتأتي المناقشات في محاولة لتجنب الفوضى التي قد تنجم عن انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو الخوف الذي أثارته التهديدات المتكررة للرئيس ترامب بإضعاف التحالف الذي تولى حماية أوروبا لما يقرب من ثمانية عقود أو الانسحاب منه.
يأتي الكشف عن هذه المناقشات بينما كان ترامب قد طالب أعضاء حلف الناتو بزيادة إنفاقهم الدفاعي ليشكل 5% من إجمالي الناتج المحلي.

وقال خلال مؤتمر صحفي عقده في مقر إقامته في مارالاغو بولاية فلوريدا في السابع من يناير/كانون الثاني 2025: "يمكنهم جميعاً تحمّل ذلك، لكن يجب أن يكونوا عند 5% وليس 2%".
ولطالما شكّلت مسألة الدفاع قضية أساسية بين دول القارة العجوز، خاصةً في أعقاب قرار أمريكي سابق بتعليق المساعدات العسكرية لأوكرانيا مطلع الشهر الجاري بعد أيام من السجال بين ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي.
نسلط في هذا التقرير الضوء على ملامح الخطط الأوروبية لتولي مهام الحماية داخل القارة بدلاً من الولايات المتحدة، وما إذا كانت أوروبا قادرة بالفعل على القيام بمسؤولياتها الدفاعية بمعزل عن أمريكا.
ما هي ملامح الخطة الأوروبية؟
- أفادت فايننشال تايمز أن من بين الدول المشاركة في هذه المناقشات غير الرسمية، المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا ودول الشمال الأوروبي، وفقاً لأربعة مسؤولين أوروبيين .
- وتهدف هذه المناقشات إلى وضع خطة لتحويل العبء المالي والعسكري إلى العواصم الأوروبية، وعرضها على الولايات المتحدة قبل القمة السنوية لقادة حلف الناتو في لاهاي في يونيو/حزيران المقبل.
- ويتضمن الاقتراح التزامات حازمة بشأن زيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي وبناء القدرات العسكرية، في محاولة لإقناع ترامب بالموافقة على تسليم تدريجي يسمح للولايات المتحدة بالتركيز بشكل أكبر على آسيا.
- وقد تحركت دول، ما في ذلك ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، لزيادة إنفاقها الدفاعي أو تسريع الزيادات المخطط لها بالفعل منذ انتخاب ترامب، في حين طرح الاتحاد الأوروبي مبادرات لدوله الأعضاء لتسريع زيادة الاستثمارات العسكرية.
- ونقلت فايننشال تايمز عن المسؤولين أن الأمر قد يستغرق ما يُقدّر بخمسة إلى عشرة أعوام من هذا الإنفاق المتزايد لرفع القدرات الأوروبية إلى المستوى الذي يمكنها من استبدال معظم الكفاءات الأمريكية، باستثناء الردع النووي الأمريكي.
- وقال أحد المسؤولين: "زيادة الإنفاق هو الحل الوحيد المتاح لدينا من خلال تقاسم الأعباء وتخفيف الاعتماد على الولايات المتحدة".
- وفي حين طمأن الدبلوماسيون الأمريكيون نظراءهم الأوروبيين بأن ترامب لا يزال ملتزماً بعضوية حلف الناتو وبند الدفاع المشترك المنصوص عليه في المادة الخامسة، فإن العديد من العواصم الأوروبية تشعر بالقلق من أن البيت الأبيض قد يقرر تقليص انتشار قواته أو معداته بسرعة أو الانسحاب من المهام المشتركة للحلف.
- وقال مسؤولون إن بعض العواصم لم تكن راغبة في المشاركة في محادثات تحويل الأعباء خشية تشجيع الولايات المتحدة على تسريع وتيرة التحرك، معتقدةً – على الرغم من خطابها – أن ترامب لا ينوي إجراء تغييرات جوهرية على الوجود الأمريكي في أوروبا. ويشكك آخرون في أن إدارته ستوافق حتى على عملية منظمة نظراً لطبيعتها غير المتوقعة.

ما هي فرص نجاح الخطة الأوروبية؟
- قالت فايننشال تايمز إن الولايات المتحدة، التي تنفق على الدفاع أكثر من كل حلفاء الناتو الآخرين مجتمعين، لا غنى عنها للأمن الأوروبي.
- فبالإضافة إلى قوتها الردعية النووية، التي تلتزم بالدفاع عن أوروبا من خلال العديد من القوات الجوية الأوروبية التي تحمل أسلحة نووية أمريكية، فإنها توفّر قدرات عسكرية لا يمتلكها الحلفاء القاريون، وتدير قواعد جوية وبحرية وعسكرية، ولديها 80 ألف جندي متمركزين في أوروبا.
- وقال مسؤول آخر: "أنت بحاجة إلى اتفاق مع الأمريكيين، وليس من الواضح ما إذا كانوا مستعدين لذلك. هل يمكنك حتى أن تثق في التزامهم به؟"
- وكانت تقارير أشارت أيضاً إلى أن أوروبا ستواجه معضلة كبيرة في حال قررت التخلي عن الدعم الأمريكي في الدفاع عن القارة، خاصة وأن لديها عقبات على صعيد القوى البشرية، والقدرات العسكرية والتقنية ونقص الذخيرة.
- ويشير المسؤولون أيضاً إلى المناقشات الجارية والمنتظمة، بقيادة فرنسا والمملكة المتحدة، حول تشكيل "تحالف الراغبين" لدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا والاستثمار في الدفاع الأوروبي، كمؤشر على مسار هذه المساعي. ولا تشمل هذه المناقشات، التي تجري بين أكثر من اثنتي عشرة قوة دفاعية أوروبية، الولايات المتحدة.
- وعندما سُئل عن معنى وجود ركيزة أوروبية داخل حلف الناتو وما إذا كان ذلك ممكناً، أجاب مسؤول غربي كبير ثالث: "نحن نشهد ذلك الآن: المملكة المتحدة وفرنسا تأخذان زمام المبادرة [بشأن قوة طمأنة لأوكرانيا] بدون الأمريكيين".
- ويرى مسؤولون في حلف الناتو أن الإبقاء على التحالف مع مشاركة أمريكية أقل أو بدونها كان أسهل كثيراً من إنشاء هيكل جديد، نظراً لصعوبة إعادة إنشاء أو إعادة التفاوض على خططه العسكرية القائمة للدفاع عن القارة، وأهدافه وقواعده، وهيكل قيادته، والمادة الخامسة.
- وقال مسؤولون إن الدفاع الأساسي عن أوروبا سوف يتطلب دائماً المملكة المتحدة والقوى البحرية الأخرى في المحيط الأطلسي، ودول الشمال الأوروبي للدفاع عن شمال القارة، وتركيا للدفاع عن الجنوب الشرقي: وهي العضوية التي يتمتع بها حلف شمال الأطلسي بالفعل.
- وقال ماريون ميسمر، الباحث البارز في شؤون الأمن الدولي في تشاتام هاوس: "حتى بدون الولايات المتحدة، يوفّر حلف الناتو هيكلاً للتعاون الأمني في أوروبا".
- وأضاف ميسمر: "هناك جوانب يجب استبدالها في حال انسحاب الولايات المتحدة. ومع ذلك، فهي توفّر هيكلاً وبنيةً تحتيةً مألوفةً لدى الأوروبيين… فهي تُنجز الكثير من العمل الذي سيتطلبه إنشاء هيكل مختلف للأعضاء الأوروبيين فقط".

ما هو موقف الدول الأوروبية من طلب أمريكا زيادة الإنفاق الدفاعي؟
- قوبل طلب ترامب برفض أوروبي عبرت عنه ألمانيا على لسان نائب المستشار، روبرت هابيك، الذي قال: "إن ما يقترحه دونالد ترامب غير واقعي. لن نصل في النهاية إلى نسبة 5%". والهدف المشترك لحلف شمال الأطلسي حالياً هو 2%.
- وأكد هابيك سعيه لزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي، قائلاً: "3.5% هو تقريباً ما يتم مناقشته حالياً في حلف الناتو كهدف متوسط الأجل".
- وقالت شركة ستاندرد آند بورز جلوبال للتصنيف الائتماني إن التصنيفات الائتمانية للدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو من المرجح أن تعاني إذا زادت إنفاقها الدفاعي بما يتماشى مع مطالب ترامب، على الرغم من أنها قد تدفع المنطقة إلى إصدار ديون مشتركة.
- ورغم مضاعفة إنفاقها الدفاعي تقريباً منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية في عام 2014، فإن الدول الأوروبية لا تزال تنفق في المتوسط أقل من 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الهدف الذي حققته 24 دولة عضواً من أصل 32 دولة حالياً، في حين تمول الولايات المتحدة ما يقرب من ثلثي الميزانية العسكرية لحلف الناتو.
- ووفقاً لتقرير لمجلة بوليتيكو الأمريكية، فإن أغلب الدول الأوروبية لا تستطيع زيادة ميزانيات الدفاع بشكل كبير في الأمد القريب ــ حتى لو كان هذا ما يريده ترامب.
- وقالت كارين بيرس، السفيرة البريطانية المنتهية ولايتها لدى الولايات المتحدة: "لا أعتقد أن العديد من الدول ستلتزم مقدماً بنسبة 5% لأن الكثير من الإنجاز الذي يمكن أن تحققه في هذا الأمر يعتمد إلى حد كبير على كيفية أداء اقتصاداتك".
- واعتبر كاميل جراند، الأمين العام المساعد السابق لحلف الناتو، والذي يعمل الآن زميلاً سياسياً بارزاً في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن طلب ترامب يقّسم الدول الأوروبية الأعضاء في التحالف إلى ثلاث مجموعات.
- وقال جراند إن "مجموعة صغيرة نسبياً" تضم دول البلطيق وبولندا تنفق بالفعل ما يقرب من 5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع. وتضم المجموعة الثانية دولاً مثل دول الشمال الأوروبي والمملكة المتحدة، والمجموعة الثالثة "الأكبر"، كما يقول جراند، فهي أكثر تردداً في زيادة الإنفاق بشكل كبير لأسباب تتعلق بالميزانية أو بسبب تصورها لطبيعة التهديدات.
- من جانب خر، فإن تلبية مطلب ترامب من شأنه أن يثير مشاكل ضخمة بالنسبة لشركات المقاولات الدفاعية غير القادرة على إنتاج ما يكفي من الدبابات والطائرات المقاتلة وقذائف المدفعية، وفق تقرير مجلة بوليتيكو.
- وفي الشهر الماضي، قال وزير الدفاع الإيطالي جيدو كروسيتو: "إذا أنفقنا 5% من ميزانية الدفاع اليوم، فلن تتمكن الصناعة الأوروبية من استيعاب هذه الأموال. يتعين علينا أن نفكر في الأمر".