أوروبا في مواجهة “الاستعمار الأمريكي”.. 4 مشاهد صدام بين القارة العجوز وترامب بينها أوكرانيا

عربي بوست
تم النشر: 2025/02/18 الساعة 12:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/02/18 الساعة 12:51 بتوقيت غرينتش
دونالد ترامب مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مؤتمر صحفي في قصر الإليزيه بعد مقابلة مطولة عام 2017 - shutterstock

مثلما كان متوقعاً، لم تكن الأيام الأولى لولاية الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، هادئة على الصعيدين المحلي والدولي، خاصة فيما يتعلق بملف العلاقات الأمريكية الأوروبية، الذي شهد في الآونة الأخيرة خلافات بين الجانبين بشأن عدد من القضايا برزت خلال الأيام الماضية.

منذ دخوله البيت الأبيض لتولي مهام منصبه في العشرين من يناير/كانون الثاني 2025، فاجأ ترامب العالم بعدد من القرارات والأوامر التنفيذية بل وحتى التصريحات التي طال بعضها الدول الأوروبية وأحدثت توتراً بين الجانبين بشأن أمور من بينها التعريفات الجمركية ورغبته في السيطرة على جرينلاند، فضلاً عن مطالبته بزيادة الإنفاق الدفاعي للناتو، وأخيراً مفاوضات إنهاء الحرب في أوكرانيا.

وبرزت العلاقات المتوترة بين إدارة ترامب والقادة الأوروبيين خلال مشاركة نائب الرئيس الأمريكي، جيه.دي فانس، في مؤتمر ميونيخ للأمن، الذي عقد في الفترة من 14 وحتى 16 فبراير/شباط 2025.

القلق الأوروبي من توسع الحرب
علم الاتحاد الأوروبي في بروكسل/الأناضول

واتهم فانس زعماء أوروبيين بفرض رقابة على حرية التعبير والفشل في السيطرة على الهجرة، وهو ما أثار انتقاداً لاذعاً من وزير الدفاع الألماني وطغى على المناقشات بشأن الحرب في أوكرانيا.

وقال فانس إن التهديد الذي يقلق أوروبا أكثر من غيره لم يكن روسيا أو الصين، وإنما ما أسماه التراجع عن القيم الأساسية لحماية حرية التعبير، فضلاً عن الهجرة التي قال إنها "خرجت عن السيطرة" في أوروبا، وفق تقرير لوكالة رويترز.

ووصف وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، في كلمته أمام المؤتمر تصريحات فانس بأنها "غير مقبولة".

نستعرض في هذا التقرير 4 مشاهد للخلافات التي تطغى حالياً على ملف العلاقات الأوروبية الأمريكية خلال ولاية ترامب الثانية.

1- السيطرة على جرينلاند

لم يكن ترامب قد دخل المكتب البيضاوي في يوم التنصيب بعد حينما أعلن خلال خطاب القسم في الكونغرس أن جميع سكان جرينلاند البالغ عددهم 57 ألفاً يدعمون فكرة الانضمام إلى الولايات المتحدة.

وفي 23 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تحدث ترامب بشأن ضرورة أن تكون جرينلاند تحت سيطرة الولايات المتحدة.

وأكد أن امتلاك السيادة والسيطرة على الجزيرة التي تقع في شمال المُحيط الأطلسي، يمثل "ضرورة مطلقة"، ما أثار مجدداً جدلاً بخصوص نيته بشأن هذه المنطقة التي تتمتع بحكم ذاتي تحت سيادة الدنمارك.

وقد أثارت تصريحات ترامب بشأن السيطرة على جرينلاند ردود فعل غاضبة من جانب قادة أوروبا.

وأعرب الاتحاد الأوروبي عن "دعمه الكامل" للدنمارك رداً على تصريحات الرئيس الأمريكي. وقال رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، أنطونيو كوستا، إن سلامة أراضي الدنمارك "قضية أساسية" للاتحاد الأوروبي، مؤكداً أن الأخير يقدم "دعمه الكامل" للدنمارك ضد خطاب ترامب.

جرينلاند
أكبر جزيرة في العالم.. تقع جرينلاند تقع ضمن نطاق قارة أمريكا الشمالية/ عربي بوست

وفي الثالث من فبراير/شباط الجاري، قالت مته فريدريكسن، رئيسة وزراء الدنمارك، إن جرينلاند ليست للبيع بعد أن قال وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، إن اهتمام الرئيس ترامب بشراء الجزيرة "ليس مزحة".

وأفادت وكالة رويترز في وقت سابق أن الدنمارك ستنفق 14.6 مليار كرونة دنماركية (2.05 مليار دولار) لتعزيز وجودها العسكري في القطب الشمالي، بعد الاهتمام المتجدد من قِبل ترامب بالسيطرة على جرينلاند.

وتحدثت تقارير عدة عن أن رغبة ترامب في السيطرة على جرينلاند مدفوعة بموقعها الاستراتيجي وأهميتها العسكرية، بالإضافة إلى التنافس مع الصين، حيث تعتبر جرينلاند جغرافياً جزءاً من قارة أمريكا الشمالية، ومن المهم للغاية بالنسبة للولايات المتحدة أن تمنع أي قوى كبرى أخرى مثل روسيا والصين من إنشاء موطئ قدم على الجزيرة.

والأهم من ذلك، تعد جرينلاند مركزاً للمصالح العالمية بسبب احتياطاتها الهائلة من المعادن الحرجة والوقود الأحفوري.

 2- تعريفات ترامب الجمركية

يخشى الأوروبيون، على وجه الخصوص، أن تؤدي عودة ترامب إلى الرئاسة إلى كارثة اقتصادية جديدة للعلاقات بينهم. 

وقد توجه الرسوم الجمركية المتجددة التي يهدد ترامب بفرضها ضربة قوية لاقتصادات دول الاتحاد الأوروبي، الذي وصفه ترامب بـ"الصين الصغيرة، خصوصاً في قطاعات مثل الصلب والألمنيوم والسيارات. 

واقتراح ترامب بفرض رسوم بنسبة 100% على جميع المركبات المستوردة يعد بمثابة "ضربة موجعة" لدول ذات صناعات سيارات كبرى. 

فوفقاً لدراسة نشرتها كلية لندن للاقتصاد، فبالرغم من أن التعريفة الجمركية بنسبة 100٪ على المركبات تستهدف بشكل خاص المركبات الكهربائية الصينية، إلا أن ألمانيا من المرجح أن تعاني من ضربة اقتصادية، فالولايات المتحدة هي الوجهة الأولى لصادرات ألمانيا، في حين أنها خامس أكبر سوق للصادرات الفرنسية.

إلى جانب ذلك، يتوقع بعض المحللين أن يعمد ترامب إلى تكثيف الضغط على الاتحاد الأوروبي لمواءمة سياساته تجاه الصين، بل وربما لحثّه على الانفصال الاقتصادي الكامل عن بكين. وفي هذا السياق، ذكرت مجلة بوليتيكو أن كبار المسؤولين التجاريين الأوروبيين أبلغوا سفراء الاتحاد الأوروبي استعدادهم للرد على أي نزاعات تجارية محتملة قد يثيرها ترامب إذا لزم الأمر.

 3- ميزانية الإنفاق الدفاعي

مشهد آخر من مشاهد الصدام بين ترامب وأوروبا برزت ملامحه مع مطالبة الرئيس الأمريكي أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) بزيادة إنفاقهم الدفاعي ليشكل 5% من إجمالي الناتج المحلي.

وقال خلال مؤتمر صحفي عقده في مقر إقامته في مارالاغو بولاية فلوريدا في السابع من يناير/كانون الثاني 2025: "يمكنهم جميعاً تحمل ذلك، لكن يجب أن يكونوا عند 5% وليس 2%".

وقوبل طلب ترامب برفض أوروبي عبرت عنه ألمانيا على لسان نائب المستشار، روبرت هابيك، الذي قال: "إن ما يقترحه دونالد ترامب غير واقعي. لن نصل في النهاية إلى نسبة 5%". والهدف المشترك لحلف شمال الأطلسي حالياً هو 2%.

وأكد هابيك سعيه لزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي، قائلاً: "3.5% هو تقريباً ما يتم مناقشته حالياً في حلف شمال الأطلسي كهدف متوسط ​​الأجل".

وقبل عدة أيام، قالت شركة ستاندرد آند بورز جلوبال للتصنيف الائتماني إن التصنيفات الائتمانية للدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو من المرجح أن تعاني إذا زادت إنفاقها الدفاعي بما يتماشى مع مطالب ترامب، على الرغم من أنها قد تدفع المنطقة إلى إصدار ديون مشتركة.

ورغم مضاعفة إنفاقها الدفاعي تقريباً منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية في عام 2014، فإن الدول الأوروبية لا تزال تنفق في المتوسط أقل من 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الهدف الذي حققته 24 دولة عضواً من أصل 32 دولة حالياً، في حين تمول الولايات المتحدة ما يقرب من ثلثي الميزانية العسكرية لحلف الناتو. 

ووفقاً لتقرير لمجلة بوليتيكو الأمريكية، فإن أغلب الدول الأوروبية لا تستطيع زيادة ميزانيات الدفاع بشكل كبير في الأمد القريب ــ حتى لو كان هذا ما يريده ترامب.

التوغل الأوكراني في روسيا
أوكرانيا سيطرت على نحو 1150 كيلومتر داخل الأراضي الروسية – عربي بوست

وقالت كارين بيرس، السفيرة البريطانية المنتهية ولايتها لدى الولايات المتحدة: "لا أعتقد أن العديد من الدول ستلتزم مقدماً بنسبة 5% لأن الكثير من الإنجاز الذي يمكن أن تحققه في هذا الأمر يعتمد إلى حد كبير على كيفية أداء اقتصاداتك".

واعتبر كاميل جراند، الأمين العام المساعد السابق لحلف الناتو، والذي يعمل الآن زميلاً سياسياً بارزاً في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن طلب ترامب يقّسم الدول الأوروبية الأعضاء في التحالف إلى ثلاث مجموعات.

وقال جراند إن "مجموعة صغيرة نسبياً" تضم دول البلطيق وبولندا تنفق بالفعل ما يقرب من 5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع. وتضم المجموعة الثانية دولاً مثل دول الشمال الأوروبي والمملكة المتحدة، والمجموعة الثالثة "الأكبر"، كما يقول جراند، فهي أكثر تردداً في زيادة الإنفاق بشكل كبير لأسباب تتعلق بالميزانية أو بسبب تصورها لطبيعة التهديدات.

من جانب خر، فإن تلبية مطلب ترامب من شأنه أن يثير مشاكل ضخمة بالنسبة لشركات المقاولات الدفاعية غير القادرة على إنتاج ما يكفي من الدبابات والطائرات المقاتلة وقذائف المدفعية، وفق تقرير مجلة بوليتيكو.

وفي الشهر الماضي، قال وزير الدفاع الإيطالي جيدو كروسيتو: "إذا أنفقنا 5% من ميزانية الدفاع اليوم، فلن تتمكن الصناعة الأوروبية من استيعاب هذه الأموال. يتعين علينا أن نفكر في الأمر".

 4– الحرب الأوكرانية

في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن مفاوضات أمريكية روسية بشأن الحرب في أوكرانيا، طالب الحلفاء الأوروبيون بإشراكهم في أي مفاوضات سلام تجري في هذا الخصوص. 

وأعلنت السعودية، الثلاثاء، بدء وفدين أمريكي وروسي برئاسة وزيري خارجية البلدين في الرياض، مباحثات لتحسين علاقاتهما المتوترة منذ حرب أوكرانيا، ولتعزيز الأمن والسلام في العالم.

وكان الرئيس ترامب قد أجرى قبل عدة أيام مكالمة هاتفية مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ثم أعقبها بمكالمة هاتفية مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي.

لكن سعي ترامب الأحادي لمفاتحة بوتين وما ترافق معه من تنازلات فيما يبدو بخصوص مطالب أوكرانيا الرئيسية، أثار قلق الحلفاء الأوروبيين في حلف الناتو، الذين قالوا إنهم يخشون أن يتوصل البيت الأبيض إلى اتفاق بدونهم، وفق تقرير لوكالة رويترز.

واتخذ المسؤولون الأوروبيون نهجاً صارماً بشكل معلن وعلى نحو استثنائي تجاه مبادرة السلام التي اقترحها ترامب، قائلين إن أي اتفاق سيكون من المستحيل تنفيذه ما لم يتم إشراكهم هم والأوكرانيين في التفاوض عليه.

ونقلت وكالة رويترز عن كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، أن "أي حل سريع هو صفقة قذرة".

وقالت كالاس: "لماذا نعطيهم (الروس) كل ما يريدونه حتى قبل بدء المفاوضات؟ … إنه استرضاء. لا نجاح لهذا أبدا".

هل تتخلى أوروبا عن أوكرانيا مع صعود اليمين المتطرف؟
الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي/ رويترز

والإثنين، قال وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاجاني، إن الوضع المتعلق بمفاوضات السلام بين روسيا وأوكرانيا "لا يزال متغيراً للغاية"، مؤكدا أن أوروبا لها الحق في الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

وأكد في حوار مع صحيفة "لاستامبا" الإيطالية، أن أي اتفاق يخص السلام بين روسيا وأوكرانيا، يجب أن يشمل مشاركة أوروبا.

ولم يكن التأكيد الأوروبي على المشاركة في مفاوضات إنهاء الحرب في أوكرانيا نقطة الخلاف الوحيدة بين ترامب وزعماء القارة العجوز، بل تخطى ذلك إلى رفض لمقترح تقديم حقوق التعدين للشركات الأمريكية كجزء من "خطة السلام" التي عرضها زيلينسكي على ترامب العام الماضي.

ونقلت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية عن مسؤولين أوروبيين أن زيلينسكي ربما ارتكب خطأً استراتيجياً بعدم تضمين القيمة الإجمالية أو أي تفاصيل محددة.

ومن المعروف أن ترامب مهتم بتأمين الوصول إلى المعادن الأرضية النادرة في أوكرانيا مقابل الدعم العسكري الذي تتلقاه من الولايات المتحدة. 

وأثار نهج ترامب غضب حلفائه الأوروبيين، حيث شبه المسؤولون في مؤتمر ميونيخ للأمن في نهاية الأسبوع الماضي سلوكه بتكتيكات الابتزاز المافياوية، وأساليب الربا وفترات الاستعمار، وفقاً لفايننشال تايمز.

تحميل المزيد