أثار تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بشأن خطته لتهجير سكان قطاع غزة، غضباً شعبياً ورسمياً في الأردن ومصر، البلدان المجاورة للأراضي الفلسطينية، وسط مخاوف من أن المخطط يعتبر تطبيقاً لمساعي إسرائيلية منذ عشرات السنوات تهدف لإيجاد "وطن بديل" للفلسطينيين.
ويأخذ الأردنيون والمصريون التهديد على محمل الجد (خطة ترامب لتهجير سكان غزة)، ونظمت الهيئات الشعبية في البلدين مظاهرات رافضة للتهجير، فيما أصدرت شخصيات رسمية فيهما مواقف تشدد على إمكانية مناقشة الأمر.
وفي عدة تصريحات، رفض العاهل الأردني عبد الله الثاني، أي محاولات لضم الأراضي وتهجير الفلسطينيين في غزة والضفة، فيما أكد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، أن موقف المملكة لن يتغير: "الأردن للأردنيين، وفلسطين للفلسطينيين".
وتقول مجلة "فورين أفيرز"، إنه في الوقت الذي اعتمدت القيادة الأردنية على إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، لمعارضة المقترحات الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين قسراً من غزة خلال الحرب، فقد تتبنى إدارة ترامب الثانية موقفاً أكثر تساهلاً تجاه طموحات إسرائيل.
أما مصر، فقد أعلنت أنها تكثف اتصالاتها مع الدول العربية، لتأكيد رفض تهجير الفلسطينيين من غزة.
وقالت مصادر أمنية مصرية لوكالة رويترز إن موقف الرئاسة والجيش والمخابرات موحد في رفض خطة ترامب رغم اختلافات في الآراء حول طريقة الرد، وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن المصريين سينزلون إلى الشوارع رفضاً لتهجير الفلسطينيين.
كيف نشأت فكرة "الوطن البديل"؟
فكرة الوطن البديل، هي إحدى الأفكار الصهيونية التي طرحت بين الحين والآخر بهدف التخلص من الفلسطينيين لتسهيل الاستحواذ على فلسطين، وقد كان مطلباً للصهيونية منذ مؤتمرها الأول إقامة دولة يهودية على أرض فلسطين.
حيث كان يعتقد قادة "الصهيونية الدينية" لاسيما زئيف جابوتنسكي، الذي يعد الملهم الروحي لحزب الليكود، وطالما يذكره نتنياهو في خطاباته كمرشد له، أن الفلسطينيين شعب، وأنه لا يتوقع منهم التخلي طوعاً عن حقهم القومي في تقرير المصير.
وفي عام 1923 كتب جابوتنسكي أن "الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يوافق بموجبها العرب على دولة يهودية في فلسطين هي القوة التي تسحقهم وتذعنهم"، وليس فتح الحوار معهم.
وكان متطلب تهجير الفلسطينيين في العقلية الصهيونية المنفيين منهم إلى الخارج إلى الدول العربية المحيطة باستثناء منطقة شرق الأردن لأنها تعتبر بالعقيدة التوراتية أنها جزء من "الأرض الموعودة".
لكن ظروف هذه الرؤية لم تكن مواتية، وبدأت تتغير بعد حرب 1967، حيث أصبح التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي يركز على التخلص من المناطق الفلسطينية المكتظة، ومنع قيام الدولة الفلسطينية المستقلة باعتبارها تهديداً حقيقياً لوجود إسرائيل ومستقبلها وأمنها القومي.
![الوزير الإسرائيلي إيغال ألون/ ويكبيديا](https://arabicpost.live/wp-content/uploads/2025/02/1_wh.jpg)
وتمحورت المقترحات ما بين: حكم ذاتي فلسطيني في بعض مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة. اعتبار الأردن الجزء الشرقي من فلسطين التاريخية هو "الوطن البديل" للفلسطينيين. تهجير الفلسطينيين إلى العريش أو كل سيناء المصرية.
ووضع وزير العمل إيغال ألون "خطة ألون" لتقاسم الضفة الغربية مع الأردن، والتي من شأنها أن تبقي القدس وأجزاء من الضفة تحت السيطرة الإسرائيلية.
وفي العام 1970 تبنى شارون، خطة لتفريغ قطاع غزة من سكانه، ونقل المئات منهم إلى سيناء ومدينة العريش، اللتين كانتا تحت الاحتلال الإسرائيلي وقتها.
كما قال في العام 1982، أن "الأردن هو الدولة الفلسطينية حيث أن 60% من السكان هناك فلسطينيون"، أما إسحاق شامير فقد قال بأن "الفلسطينيين لا يفتقرون إلى وطن، لديهم وطن يسمى شرق الأردن".
المخططات استمرت، مع العام 2000، مع تقديم رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي مشروعاً يتضمن: تقديم مصر تنازلاً عن 720 كيلومتراً مربعاً من سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المقترحة هناك. هذه الأراضي عبارة عن مستطيل ضلعه الأول 34 كيلومتراً مربعاً، يمتد بطول الساحل من مدينة رفح غرباً وحتى حدود العريش في سيناء، أما الضلع الثاني فطوله 30 كيلومتراً من غرب معبر كرم أبو سالم ويمتد جنوباً بموازاة الحدود المصرية الإسرائيلية. مصر ستحصل على تبادل للأراضي مع إسرائيل، من جنوب غربي النقب بالمساحة ذاتها مع امتيازات اقتصادية وأمنية. يتنازل الفلسطينيون عن المساحة ذاتها المقترحة للدولة الفلسطينية في سيناء من مساحة الضفة الغربية وضمها إلى السيادة الإسرائيلية.
ما هدف الاحتلال من الترويج لفكرة "الوطن البديل"؟
ويهدف الاحتلال الإسرائيلي من الترويج لفكرة "الوطن البديل" للأهداف التالية:
- فرض المزاعم التاريخية اليهودية حول الحق التاريخي بما يسمى "الأرض الموعودة".
- التخلص من سيناريو حل الدولتين.
- الترويج لفكرة أن الشعب الفلسطيني يمارس حقه في تقرير المصير من خلال وجوده في الأردن.
- التخلص من العبء الديمغرافي الفلسطيني، وهي المشكلة الكبرى التي جعلت فكرة الوطن البديل أمراً لا مفر منه في تفكير قادة الاحتلال.
- التخلص من مشكلة اللاجئين.
لماذا يرفض الأردن خطة ترامب لتهجير سكان غزة؟
تسببت النكبة الفلسطينية عام 1948، في نزوح جماعي وقسري للفلسطينيين، واستوعب الأردن موجات كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين، سرعان ما تحول ذلك إلى "منفى دائم".
كما تسبب احتلال قطاع غزة والضفة الغربية عام 1967، إلى موجة نزوح كبيرة من الفلسطينيين إلى الأردن.
ورغم أن الأردن لا يفرق بين المواطنين من أصل أردني والمواطنين من أصل فلسطيني في السجلات الحكومية، فإن ما يقدر بنحو 55% إلى 70% من السكان يعتبرون أنفسهم فلسطينيين من حيث الأصل أو الجنسية.
وقد ارتفع عدد السكان من 750 ألف نازح في عام 1948 إلى ما يقدر بنحو 5 إلى 7 ملايين. ويشمل هذا ما لا يقل عن 2.4 مليون لاجئ فلسطيني في الأردن مسجلين لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، وكثير منهم من الجيل الثاني ويحملون الجنسية الأردنية.
![مظاهرات في الأردن ضد تهجير سكان غزة/ رويترز](https://arabicpost.live/wp-content/uploads/2025/02/2025-02-07t114800z_1631072189_rc2npcakvamc_rtrmadp_3_israel-palestinians-jordan-protests-scaled.jpg)
وحول المخاطر التي قد تتسبب بتهجير الفلسطينيين من غزة إلى الأردن:
- تسبب النزوح المطول بتحديات سياسية واجتماعية معقدة لعقود من الزمن، مما أثر على النمو السكاني والاستقرار بالمملكة، مشيرة إلى خشية تكرار أحداث "أيلول الأسود" والتي جرت بين الفصائل الفلسطينية والقوات الأردنية، وفقاً لمجلة "فورين أفيرز".
- بالنسبة للأردنيين، فإن تهجير سكان غزة ربما يمتد إلى تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية، مما يصبح الأردن "الوطن البديل" للفلسطينيين، بحسب المركز العربي واشنطن دي سي.
- يرى بعض الأردنيين أن التهجير قد يهدد سياسة الهوية والتوازن العرقي في المملكة، مما يجعل أي محاولة للتغيير الديموغرافي خطيرة سياسيا.
لماذا ترفض مصر تهجير الفلسطينيين من غزة؟
وتشير التقديرات إلى أن المصريين منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وقبل سيطرة الاحتلال على معبر رفح، استقبلت نحو 100 ألف فلسطيني، فيما شددت السلطات على أنها لن تسمح لأي مخطط تهجيري خلال الحرب على غزة.
وأثارت تصريحات نتنياهو خلال حرب غزة، التي تطالب بنقل الفلسطينيين إلى سيناء حتى "القضاء على حركة حماس"، رفضاً مصرياً قاطعاً وحذر السيسي أن السيناريو قد يقوض السلام في المنطقة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول، تضمنت وثيقة مسربة من وزارة الاستخبارات الإسرائيلية توصيات بنقل سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة بالقوة إلى خارج القطاع وإلى مدن خيام في صحراء سيناء في مصر.
ورفضت القاهرة الفكرة بشكل قاطع، حتى أنها نقلت المصريين بالحافلات من جميع أنحاء البلاد إلى رفح لقيادة المظاهرات التي ترعاها الدولة ضد محاولات إسرائيل تهجير سكان غزة.
ومجدداً تعمل مصر حاليا على حشد رفض عربي لخطة ترامب لتهجير سكان غزة، ونظمت مظاهرات شعبية باتجاه معبر رفح، كما أعلنت أنها ستستضيف قمة عربية طارئة في 27 فبراير/شباط 2025، لبحث "التطورات الخطيرة" للقضية الفلسطينية.
![مظاهرات مصرية ضد خطة ترامب لتهجير سكان غزة/ رويترز](https://arabicpost.live/wp-content/uploads/2025/02/2025-01-31t131311z_573391938_rc20lca8edbe_rtrmadp_3_israel-palestinians-gaza-ceasefire-egypt-reax-scaled.jpg)
والرفض المصري لتهجير الفلسطينيين من غزة نابع من:
- خشيتها من أن يتكرر التاريخ ويبقى عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين من غزة على أراضيها إلى الأبد.
- تعتقد مصر أن التهجير من غزة من شأنه أن يجلب المسلحين الفلسطينيين إلى أراضيها، مما قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في سيناء، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".
- في تصريحات سابقة للسيسي، قال إنه مع وجود مسلحين فلسطينيين، فإن سيناء "ستصبح قاعدة لشن هجمات على إسرائيل، التي سيصبح لديها الحق في الدفاع عن نفسها، وستضرب الأراضي المصرية".
وقال دبلوماسي مصري لـ"ميدل إيست آي" إن القاهرة تأخذ خطاب ترامب على محمل الجد وتستعد لاحتمال تعليق المساعدات الأمنية الأمريكية السنوية البالغة 1.3 مليار دولار إذا حاولت إدارة ترامب استخدامها كوسيلة ضغط.
وأضاف مصدر مصري آخر، أنه في حين يدرس السيسي ومستشاريه الأقرب فكرة قبول المزيد من الفلسطينيين من غزة، فإن المؤسسة العسكرية المصرية تعارض بشدة أي مناقشة، مما يضع الرئيس المصري ما بين كماشة تعليق المساعدات الأمنية الأمريكية، وموقف المؤسسة الأمنية والموقف الشعبي من التهجير.