“مجموعة لاهاي”.. أول تحالف دولي في مواجهة “إسرائيل” وضمان ملاحقتها أمام المحاكم الدولية

عربي بوست
تم النشر: 2025/02/01 الساعة 13:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/02/01 الساعة 13:50 بتوقيت غرينتش
المؤتمر الذي أعلن فيه عن تأسيس مجموعة لاهاي الدولية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي - منصة X

في ائتلاف هو الأول من نوعه٬ دشنت 9 دول يوم الجمعة 31 يناير 2025، تحالفاً حمل اسم "مجموعة لاهاي" بهدف تعزيز القانون الدولي وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة ودعم حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. وتعد مبادرة تأسيس هذه المجموعة "استثنائية وغير مسبوقة" بحسب مراقبين، إذ يتشكل تحالف دولي للمرة الأولى، ويعلن بشكل واضح أن سيعمل لمحاسبة "إسرائيل" على الجرائم التي ترتكبها وملاحقتها أمام المحاكم الدولية.

ما هي مجموعة لاهاي الدولية؟

  • مجموعة لاهاي هي مجموعة من تسع دول أعلنت في 31 يناير 2025 عن تأسيس ائتلاف بهدف تعزيز القانون الدولي وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة ودعم تقرير المصير الفلسطيني. بالإضافة إلى تنسيق الجهود لمواجهة انتهاكات "إسرائيل" للقانون الدولي.
  • جاء الإعلان خلال مؤتمر عقد في لاهاي بهولندا ، حيث عبر ممثلو الدول التسع في الجنوب العالمي: جنوب أفريقيا، وماليزيا، وكولومبيا، وبوليفيا، وكوبا، وهندوراس، وناميبيا، والسنغال، وجزر بليز- عن رفضهم للصمت إزاء الجرائم التي ترتكبها "إسرائيل". 
  • وتستشهد المجموعة بأحكام متعددة صادرة عن محكمة العدل الدولية، وقرارات الأمم المتحدة، وأوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية ضد القادة الإسرائيليين مثل بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، وتقول إن تصرفات "إسرائيل" في قطاع غزة تشكل حرب إبادة جماعية وانتهاكات للقانون الدولي. وتؤكد المجموعة على الواجب القانوني لجميع الدول لمنع مثل هذه الجرائم.

ما الالتزامات والتعهدات التي أقرتها مجموعة لاهاي؟

في بيانهم، أعلن ممثلو الدول المؤسسة مجموعة من الالتزامات التي سيعملون عليها٬ أبرزها: 

1- منع نقل الأسلحة والمعدات العسكرية إلى "إسرائيل" في الحالات التي يثبت فيها وجود خطر بأن تُستخدم هذه الأسلحة في انتهاك القانون الدولي الإنساني أو حقوق الإنسان، أو في ارتكاب جرائم إبادة جماعية.

2- منع رسو السفن المحملة بالوقود أو المعدات العسكرية في موانئ هذه الدول٬ إذا كان هناك خطر واضح بأن تُستخدم هذه الشحنات لدعم العمليات العسكرية الإسرائيلية المخالفة للقانون الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة".

3- الامتثال لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المعنون رقم "A/RES/ES-10/24" الصادر بتاريخ 18 سبتمبر/ أيلول 2024، والذي أقر بعدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي، وطالب "إسرائيل" بإنهاء وجودها غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال مدة أقصاها 12 شهراً.

4- دعم طلبات المحكمة الجنائية الدولية وتنفيذ الالتزامات المنصوص عليها في نظام روما الأساسي، لا سيما فيما يتعلق بمذكرات التوقيف الصادرة في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 بحق قادة الاحتلال٬ بالإضافة إلى التدابير المؤقتة التي أصدرتها محكمة العدل الدولية خلال العام نفسه٬ لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية بغزة، وتحسين الوضع الإنساني بالقطاع المحاصر منذ 19 عاماً.

5- التأكيد والاتزام بمواصلة "اتخاذ تدابير فعّالة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ودعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة". ودعوة جميع الدول إلى اتخاذ خطوات ملموسة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ودعم جهود إحلال السلام والعدالة.

6- حث المجتمع الدولي على الانضمام إلى مجموعة لاهاي والالتزام بمبادئ النظام الدولي القائم على سيادة القانون، باعتباره أساسا للتعايش السلمي والتعاون بين الدول".

كيف ستساند مجموعة لاهاي محكمتي العدل والجنائية الدوليتين؟

  • تقول صحيفة "الغارديان" البريطانية إن "تشكيل مجموعة لاهاي يأتي وسط تحديات أمام أحكام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية"٬ وضغوطات كبيرة تتعرضان لها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والرئيس دونالد ترامب٬ الذي قدم مشروع قانون يؤدي إلى فرض عقوبات واسعة النطاق على المحكمة الجنائية الدولية بسبب إصدار المحكمة أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت.
  • وبحسب الصحيفة٬ ستطلق جنوب أفريقيا وماليزيا حملة لحماية ودعم أحكام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية في مواجهة ما وصفته بتحدي أوامر محكمة العدل الدولية ومحاولات الكونجرس الأمريكي ضرب المحكمة الجنائية الدولية من خلال استخدام العقوبات٬ وذلك بعد ملاحقة المحكمتين للاحتلال الإسرائيلي وقادته.
  • وتأتي هذه الخطوة في وقت تواجه فيه المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية تحديات غير مسبوقة لسلطتهما في القضايا المتعلقة بالحروب في غزة وأوكرانيا وتهريب البشر في البحر الأبيض المتوسط. وقال رونالد لامولا وزير العلاقات الدولية في جنوب أفريقيا إن الحملة تهدف إلى ضمان الامتثال للقانون الدولي وحماية الفئات الضعيفة. وأضاف أن "تشكيل مجموعة لاهاي يبعث برسالة واضحة مفادها أنه لا توجد دولة فوق القانون، ولن تمر أي جريمة دون عقاب".
مبنى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي/رويترز
  • رفعت جنوب أفريقيا دعوى ضد "إسرائيل" أمام محكمة العدل الدولية تتهمها فيها بارتكاب إبادة جماعية في غزة٬ ورفضت دولة الاحتلال هذا الادعاء وشنت حملة مضادة للرد على جنوب أفريقيا والدول التي انضمت لها في دعواها أمام العدل الدولية.
  • وتقول "الغارديان"٬ إن هذه الخطوات التي ستحددها المجموعة٬ تعكس حالة الغضب المتزايد في الجنوب العالمي إزاء ما يُنظر إليه على أنه معايير مزدوجة للقوى الغربية عندما يتعلق الأمر بالقانون الدولي.
  • وأصدر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تقريراً بشأن ما يمكن للدول الأعضاء القيام به لضمان امتثال "إسرائيل" لأحكام محكمة العدل الدولية، ولا سيما النتيجة التي مفادها أن استمرار وجود "إسرائيل" في الأراضي المحتلة غير قانوني وأنه يجب عليها المغادرة في غضون 12 شهراً. وقد كُلِّفت سويسرا بعقد مؤتمر في مارس/آذار للدول الـ196 الموقعة على اتفاقيات جنيف، للتركيز على الالتزام باحترام القانون الإنساني الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. 
  • كما سيُعقد مؤتمر في يونيو/حزيران في نيويورك لمناقشة حل الدولتين. وطلبت الجمعية العامة من محكمة العدل الدولية أيضاً تقديم رأي استشاري عاجل بشأن الالتزامات التي تقع على عاتق "إسرائيل"، باعتبارها القوة المحتلة، بتقديم الإغاثة الإنسانية.
  • ويقول المنتقدون إن مثل هذه التدابير المضادة ضئيلة للغاية٬ حيث لم تُظهِر "إسرائيل" أي اهتمام بالالتزام بأحكام محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية. وعلاوة على ذلك، إذا بدت إدارة بايدن متضاربة بشأن القانون الدولي، فإن إدارة ترامب لا تملك مثل هذه الشكوك٬ وأعلن حربها على المحكمتين.

لكن هل المجتمع الدولي قادر على حماية المحكمة الجنائية الدولية من عقوبات ترامب؟

  • في أول يوم له في منصبه، ألغى ترامب القرار الذي اتخذه سلفه جو بايدن بإلغاء العقوبات التي فرضت على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية في عام 2020 قبل نهاية ولاية ترامب السابقة. وعرقل الديمقراطيون في مجلس الشيوخ الأمريكي الأسبوع الماضي مشروع قانون في مجلس النواب كان من الممكن أن يؤدي إلى فرض عقوبات واسعة النطاق على المحكمة الجنائية الدولية بسبب إصدار المحكمة أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق جالانت. لكن ترامب يملك القدرة على فرض العقوبات بشكل أحادي، دون الحاجة إلى موافقة مجلس الشيوخ.
  • يقول خبراء إن المحكمة الجنائية الدولية معرضة لخطر فرض عقوبات عليها من قبل إدارة الرئيس الأمريكي ترامب، لكن المجتمع الدولي والمحكمة لديهما الأدوات اللازمة للرد٬ بحسب موقع MEE البريطاني. ويمارس الجمهوريون في مجلس الشيوخ الضغوط على ترامب لإصدار أمر تنفيذي جديد ضد المحكمة، في الوقت الذي من المقرر أن يزور فيه نتنياهو البيت الأبيض يوم الثلاثاء 4 فبراير 2025.
  • وبحسب آدم كيث، مدير المساءلة في منظمة هيومن رايتس فيرست٬ فإن الولايات المتحدة ليست طرفا في نظام روما الأساسي، المعاهدة التي أسست المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي ليست ملزمة قانوناً باعتقال نتنياهو وتسليمه إلى لاهاي. ويقول كيث إنه اعتماداً على المسؤولين وعدد المستهدفين، فإن العقوبات لديها القدرة على إيقاف عمليات المحكمة.
  • وقال كيث لموقع ميدل إيست آي: "نعلم من تجربة عام 2020 أن المحكمة يمكنها إبقاء الأضواء مضاءة ومواصلة العمل إذا كان لديها اثنان من مسؤولي الادعاء على القائمة". لكنه أضاف أنه إذا كانت الأعداد أكبر، فقد يكون التأثير كبيراً. وفي الأمر الصادر عام 2020، ادعى ترامب أن تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية في الولايات المتحدة تشكل حالة طوارئ وطنية، الأمر الذي استلزم فرض العقوبات. وقال كيث، الذي عمل لمدة عشر سنوات موظفاً مدنياً في وزارة الخارجية الأمريكية (2007-2017)، إنه "هذه المرة، كان بإمكانه (ترامب) أن يفعل نفس الشيء بالضبط.. بإمكانه حتى نسخ ولصق نفس نص الأمر التنفيذي."
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوقع على أمر تنفيذي في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض في واشنطن العاصمة، في 30 يناير 2025 حول فرض عقوبات على الجنائية الدولية (رويترز)
  • لكن بحسب كينيث روث، المحامي الأمريكي الذي شغل لمدة ثلاثة عقود منصب المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش حتى عام 2022، ينبغي لترامب أن يخشى عواقب قراره بمعاقبة المحكمة الجنائية الدولية. وقال روث لـ"ميدل إيست آي": "إذا اتخذ ترامب هذه الخطوة، فلا ينبغي له أن يتوقع نفس الرد السلبي الذي حصل عليه من فاتو بنسودا"، في إشارة إلى المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية التي فرض ترامب عقوبات عليها. وقال: "كان بإمكان كريم خان بسهولة أن يتصرف بشكل مختلف"، مستشهدا بسلطة المحكمة الجنائية الدولية في توجيه اتهامات بعرقلة العدالة ضد أولئك الذين يحاولون الضغط على موظفيها.
  • وأوضح روث أن "العقوبات ستتناسب تماماً مع ما يحظره جريمة عرقلة العدالة". حيث تحظر المادة 70 من نظام روما الجرائم المرتكبة ضد إدارة العدالة، بما في ذلك: "عرقلة موظف في المحكمة أو ترهيبه أو التأثير عليه بطريقة مفسدة بغرض إجباره أو إقناعه بعدم أداء واجباته أو أدائها بشكل غير لائق؛ والانتقام من موظف في المحكمة بسبب الواجبات التي يؤديها هو أو موظف آخر". وأضاف روث أن "التهديد لا يتمثل في الاعتقال، بل في أن ترامب قد لا يتمكن من السفر إلى معظم الدول الأوروبية"!
  • ويتعين على جميع الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية البالغ عددها 125 دولة، بما في ذلك جميع دول الاتحاد الأوروبي، الالتزام بالتعاون مع المحكمة إذا وجهت اتهامات إلى أحد المسؤولين. وقال روث، في إشارة إلى مثال الرئيس الروسي فلاديمير بوتن الذي قيد تنقلاته، بما في ذلك إلى قمة البريكس في جنوب أفريقيا، بعد صدور مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بحقه في عام 2022، "سوف يصبح عالم ترامب أصغر بكثير"٬ على حد تعبيره.
  • في الوقت نفسه٬ حذرت إليزابيث إيفنسون، مديرة برنامج العدالة الدولية في هيومن رايتس ووتش، من أن العقوبات المفروضة على المحكمة الجنائية الدولية سيكون لها آثار فورية على جماعات حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية التي تتعامل مع المحكمة. وقالت إنه بمجرد فرض عقوبات على مسؤول في المحكمة الجنائية الدولية، فسوف يتعين على المنظمات غير الحكومية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها الامتثال للعقوبات أو مواجهة عقوبات.
  • ويقول هؤلاء الخبراء الحقوقيين الدوليين إنه يتعين على الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية أن تعارض علناً فكرة العقوبات، وذلك لإرسال رسالة إلى واشنطن مفادها أنها ستعمل بشكل جماعي لحماية المحكمة. وهذا ما حدث يوم الاثنين الماضي عندما أعربت الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية عن دعمها للمحكمة خلال جلسة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث أطلع خان المجلس على الوضع في دارفور. 
  • ومن ثم، إذا تم إصدار عقوبات، فهناك تدابير يمكن للدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية أن تتخذها لمواجهة تأثيرها. ومن الممكن، على سبيل المثال، استخدام قانون الحجب لحماية المحكمة داخل أوروبا.
  • في النهاية٬ إن قانون الحظر في الاتحاد الأوروبي هو لائحة تهدف إلى حماية الشركات والأفراد في الاتحاد الأوروبي من آثار العقوبات التي تفرضها دول ثالثة خارج حدودها الإقليمية، مما يمنعهم بشكل أساسي من الامتثال للقوانين الأجنبية التي قد تضر بعملياتهم التجارية داخل الاتحاد الأوروبي، حتى لو كانت هذه القوانين تستهدف أنشطة خارج نطاق اختصاص الاتحاد الأوروبي. ويركز القانون في المقام الأول على حماية مشغلي الاتحاد الأوروبي من بعض العقوبات الأمريكية التي تعتبر ذات نطاق خارج حدودها الإقليمية، مثل تلك المفروضة على كوبا وإيران.
  • وفي بيان لموقع "MEE"، أعرب الاتحاد الأوروبي عن دعمه للمحكمة ومعارضته للعقوبات المحتملة. وقال متحدث باسم الاتحاد الأوروبي "نحن نتابع العملية في الولايات المتحدة عن كثب ونحن على اتصال أيضاً بالمحكمة الجنائية الدولية". وأضاف: "إن الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء ملتزمون بقوة بدعم العدالة الجنائية الدولية ومكافحة الإفلات من العقاب. ونحن ندعم المحكمة الجنائية الدولية والمبادئ المنصوص عليها في نظام روما. كما يحترم الاتحاد الأوروبي استقلال المحكمة وحيادها".
تحميل المزيد