بات اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، يهدد استمرار الحكومة الإسرائيلية، وذلك بعد استقالة إيتمار بن غفير، والتهديدات التي أشعلها بتسئلئيل سموتريتش، وسط تساؤلات حول مصير ائتلاف نتنياهو والخيارات التي قد يسلكها للحفاظ عليه.
وبعد انضمام حزب "الأمل الجديد" الذي يتزعمه جدعون ساعر والذي يشغل أربعة مقاعد أصبح الائتلاف الحكومي يشغل 68 مقعداً من أصل 120 في الكنيست الإسرائيلي.
ولكن عدد مقاعد الائتلاف الحكومي تراجع إلى 62 بعد إعلان بن غفير وحزبه "القوة اليهودية" الذي يشكل (6 مقاعد) الاستقالة بسبب اتفاق وقف إطلاق النار بغزة، واعدا بالعودة إذا استؤنفت الحرب.
ورغم اكتفاء سموتريتش بمعارضة الصفقة التي وصفها بـ"الكارثية"، لكنه هدد بالإطاحة بالائتلاف إذا لم يستأنف نتنياهو الحرب بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بعد ستة أسابيع.
وفي تصريحات صحفية قال سموتريتش: " تمكنا من ضمان أن الحرب لن تنتهي دون تحقيق أهدافها بالكامل، وفي مقدمتها التدمير الكامل لحركة حماس في غزة".. أؤكد أننا لن نقبل أي عذر في هذا الأمر، ولن نجلس في حكومة لا قدر الله توقف الحرب ولا تستمر حتى النصر الكامل على حماس".
ومن شأن رحيل سموتريتش (7 مقاعد) أن يحرم نتنياهو من الأغلبية البرلمانية التي يتمتع بها، ما يمهد الطريق لانهيار الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة.
لماذا انسحب بن غفير وبقي سموتريتش؟
ويقول محللون إسرائيليون إن العديد من العناصر اليمينية في الائتلاف تقوم بحسابتها السياسية، ويعتبرون أن الوضع يتطلب منهم الاختيار بين خسارة القليل أو خسارة الكثير، ولذلك تباينت البراغماتية بين الأحزاب اليمينية المتطرفة تجاه الصفقة رغم اعتراضهم لها.
وأوضحت المحاضرة بجامعة بار إيلان، إيلانا شبايزمان، أن سموتريتش وبن غفير يدركان أن ضغطا قد يمارس على الحكومة للانتقال إلى المرحلة الثانية من الصفقة، والتي تعني سحب جميع الجنود من غزة وإنهاء الحرب، وعليه فلن تكون هناك مستوطنات أو سيطرة على القطاع، ولهذا يعارضون الاتفاق.
والأحزاب الدينية اليمينية فلديها خطتها الخاصة لليوم التالي، والتي تتضمن المستوطنات والسيادة العسكرية الإسرائيلية على غزة، على غرار الضفة الغربية.
وكشف بن غفير الذي توعد بعدم إسقاط الحكومة وإمكانية العودة إليها إذا استؤنفت الحرب، أنه رفض العرض بالحصول على الفضل في استقالة رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي مقابل الموافقة على اتفاقية وقف إطلاق النار بغزة.
وحول انسحابه وبقاء سموتريتش، تذكر الأكاديمية الإسرائيلية، أن بن غفير يعرف أنه إذا ذهب إلى الانتخابات فإنه سيحصد المزيد من المقاعد لأن جميع استطلاعات الرأي تشير إلى ذلك، وعليه فإنه سيعاد انتخابه وسيحصل على نفس العدد من المقاعد تقريباً.
أما بالنسبة لسموتريتش، تذكر الأكاديمية الإسرئيلية، فإن الحسابات السياسية لديه أكثر تعقيدا، وتظهر جميع استطلاعات الرأي أن الناخبين لا يريدونه، ومن غير المرجح أن يعاد انتخابه.
قضايا تحدد مصير ائتلاف نتنياهو
وفقاً للمراقبون الإسرائيليون، فإن ثلاث قضايا مركزية هي التي ستحدد مصير التحالف:
- اتفاق وقف إطلاق النار.
- قانون التجنيد.
- المصادقة على قانون الميزانية.
أولاً: اتفاق وقف إطلاق النار
حيث يواجه نتنياهو معضلة ما بين الوفاء بوعوده لسموتريتش، بالعودة إلى الحرب، ومواجهة انهيار ائتلافه، وبين موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي تعهد بإنهاء الحروب في المنطقة.
ويرى مسؤول يميني لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن "سموتريتش تسلق شجرة لن يتمكن من النزول منها"، فالأمريكيون لا يريدون استمرار الحرب "ولا يؤمنون بقدرة الحكومة على هزيمة حماس"، ولذلك هم مصممون على المضي قدماً في الصفقة.
فيما يقول المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل، إنه يتعين على نتنياهو الذي لا يبدي حماساً لتطبيق المرحلة الثانية، أن يوازن بين مطالب ترامب وتهديدات شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف بالاستقالة.
وحول مصلحة نتنياهو في العودة إلى الحرب، أوضح هارئيل، أن الحرب الطويلة ستحقق له:
- ستبقي الائتلاف اليميني قائماً.
- توحيد صفوف الائتلاف ضد إنشاء لجنة تحقيق حكومية في الحرب.
- توفر لنتنياهو المزيد من الأعذار لتأجيل محاكمته الجنائية.
لكن ترامب، وفقاً للمحلل الإسرائيلي، فإنه يستخدم شكلاً مختلفاً تماما من أشكال القوة، مقارنة بأساليب الرئيسين الديمقراطيين جو بايدن وباراك أوباما ضد نتنياهو، وتشير المؤشرات الأولية إلى أنه لن تكون هناك عودة إلى فترة "الصداقة الرائعة" التي سادت سابقاً بينهما.
وبينما يعتقد هارئيل بأن نتنياهو مازال يحاول إقناع ترامب بالسماح له بالعودة إلى الحرب في نهاية المرحلة الأولى، يذكر الكاتب أمير تيبون في مقال على "هآرتس" أن رئيس الوزراء يدرك أن تجديد الحرب مع الهدف المعلن لسموتريتش المتمثل بإجبار السكان الفلسطينيين على النزوح، سيعيق أهداف ترامب بالشرق الأوسط:
- اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية.
- تعزيز تحالف إسرائيل مع الدول العربية.
- عزل إيران.
وأضاف تيبون، أنه إذا أساءت إدارة ترامب قراءة النوايا الحقيقية لنتنياهو، فإنه لن يتم الإفراج عن باقي الأسرى الإسرائيليين لتحقيق أجندة سموتريتش، وستنتهي رؤية ترامب بشأن مستقبل الشرق الأوسط.
ثانياً: قانون التجنيد
المعضلة الأخرى التي تواجه الائتلاف الحكومي هي قانون التجنيد الذي بسببه يهدد الحريديم بالانسحاب من الحكومة، ما لم يتم التصويت عليه.
وقبل أيام عرض وزير الجيش يسرائيل كاتس، للجنة الخارجية والأمن بالكنيست الخطوط العريضة لقانون التجنيد، لكن رئيسها يولي ادلشتين يعارضها ويصفه بقانون التهرب من الجيش لإرضاء الحريديم.
ويعتقد المحللون الإسرائيليون أن قانون التجنيد الجديد يشكل المعضلة الأكبر بالنسبة للائتلاف الحكومي، لاسيما أن حزب شاس (11 مقعداً)، و"يهودوت هتوراه" (7 مقاعد) اليمينيين الدينيين يهددان أيضاً بإسقاط الحكومة إذا ما تم المصادقة على القانون بالشكل الذي يريدونه.
وتقول الأكاديمية الإسرائيلية، إن سموتريتش يدعم مشروع قانون التجنيد، لكن دائرته الانتخابية التي يخدم العديد منها في الجيش وتكبدت خسائر في الحرب غير متقبلة له.
كما أن حزب الليكود منقسم بشأن مشروع قانون التجنيد، أما جدعون ساعر، فليس في عجلة من أمره لدعم القانون الذي يصر عليه الحريديم، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت".
ثالثاً: قانون الميزانية
وتواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة قد تهدد باستمرارها إذا فشلت بالتوصل إلى حل بشأن قانون الميزانية حتى نهاية مارس/آذار 2024.
ووفقاً لوسائل إعلام إسرائيلية، فإن أحزاب الحريديم يشترطون المصادقة على قانون التجنيد لصالحهم قبل الموافقة النهائية على قانون الميزانية.
كما عارض القانون بن غفير عندما كان وزيراً للأمن القومي، مشترطاً زيادة ميزانية رواتب الشرطة، والحصول على موافقة الحكومة على إقالة المستشارة القانونية غالي بهراف مياره.
ما خيارات نتنياهو للحفاظ على الائتلاف الحكومي؟
يقول الكاتب الإسرائيلي أمير تيبون، إن نتنياهو لديه خياران لإفشال الاتفاق وإيجاد ذريعة لتجديد الحرب:
- الخيار الأول: تأجيل المفاوضات بشأن المرحلة الثانية: بحيث يقوم بإهدار الوقت بالمحادثات حتى انتهاء الجدول الزمني للمرحلة الأولى.
- الخيار الثاني: إثارة أعمال العنف بالضفة الغربية.
ويقول المحلل العسكري هارئيل، إن الثمن الذي دفعه نتنياهو مقابل بقاء سموتريتش بالحكومة هو الاستجابة علناً لبعض مطالبه، بما فيها إضافة "هزيمة الإرهاب بالضفة"، وشن عملية عسكرية بجنين، وبذلك يستطيع وزير المالية الإسرائيلي أن يؤكد لأنصاره أنه لا يزال يعمل على تحقيق أهدافه.
ويأمل اليمين المتطرف أن تؤدي المواجهة الواسعة النطاق في جنين إلى صدام مع السلطة الفلسطينية، مما يؤدي إلى انهيارها في الضفة، وهو هدف يسعى إليه منذ ما يقرب من عقد من الزمان، ويرضي سموتريتش وبن غفير، الأمر الذي قد ينعكس ذلك على حل التعقيدات المتعلقة بقانوني التجنيد والميزانية.
لكن اشتعال الأوضاع في الضفة قد يؤدي أيضاً إلى تأخير تنفيذ الاتفاق في غزة، وإعفاء إسرائيل من مرحلتها الثانية، كما يذكر المحلل هارئيل.
وتعتقد مجلة "فورين بوليسي"، أن نتنياهو قد يخوض مجازفة جدية إذا نفذ ما يريده من الألاعيب مع ترامب كما فعل مع إدارة بايدن عندما خرب مفاوضات وقف إطلاق النار وتجاوز الخطوط الحمراء لواشنطن بشأن القضايا الإنسانية.
وأشارت إلى أن مهارات نتنياهو السياسية في البقاء معروفة، ولكن هذه المرة سيواجه مأزقاً محكماً بين ترامب واليمين المتطرف والحريديم، وسوف يكون مارس/آذار شهراً مثيراً للاهتمام.