في مشهد دراماتيكي غير مسبوق ومن قلب قطاع غزة الذي عاش أهوال حرب استمرت 471 يوماً٬ سلمت كتائب الشهيد عز الدين القسام 4 مجندات إسرائيليات في اليوم السابع من اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه مع دولة الاحتلال في 19 يناير/كانون الثاني 2025. وجاءت عملية التسليم هذه بعد أسبوع واحد من إتمام تبادل الدفعة الأولى من الأسرى بين حركة حماس والاحتلال التي تم بموجبها الإفراج عن 3 إسرائيليات مقابل الإفراج عن 90 أسيرة وأسيراً فلسطينياً كلهم من الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس المحتلة.
هذا التبادل جاء ضمن مرحلة أولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة قطر ومصر والولايات المتحدة، على أن يستمر 42 يوماً، يتم خلاله التفاوض لبدء مرحلة ثانية ثم ثالثة حول تبادل المزيد من الأسرى من ذوي الرتب العالية الذين ما زالوا في قبضة المقاومة الفلسطينية مقابل المزيد من الأسرى الفلسطينيين وخصيصاً أصحاب المؤبدات العالية٬ كما ستحمل تلك المراحل نقاشات حول مستقبل قطاع غزة الذي تعرض لتدمير واسع٬ ومسألة الإعمار والإغاثة والمعابر والأمن وغيرها من المسائل العالقة.
ماذا الذي حدث في اليوم السابع لوقف إطلاق النار؟
- أطلقت حركة حماس يوم السبت سراح الدفعة الثانية من الأسرى الإسرائيليين المكونة من 4 أسيرات مجندات٬ مقابل إفراج الاحتلال عن 121 أسيراً فلسطينياً من ذوي المؤبدات٬ و79 أسيراً من أصحاب الأحكام العالية من مختلف الفصائل والمناطق الفلسطينية٬ سيتم إبعاد بعضهم إلى خارج الأراضي المحتلة.
- وتكمن أهمية هذا الجزء من الاتفاق٬ أنه بموجب تسليم المجندات الأربع على الفور سينسحب الجيش الإسرائيلي بشكل كامل من غرب محور نتساريم (وسط القطاع)، أي من شارع الرشيد الساحلي إلى شرق شارع صلاح الدين (شرق المحور)٬ مما سيسمح بعودة نحو 600 ألف مواطن فلسطيني من جنوب القطاع إلى شماله.
- ووفق بنود الاتفاق، سيفكك جيش الاحتلال مواقعه ومنشآته العسكرية بمنطقة محور نتساريم في عملية قد تستمر لساعات للسماح بمرور مئات الفلسطينيين شمالاً وجنوباً بشرط "عدم حملهم أي نوع من السلاح"٬ كما سيتم تدفق شاحنات المساعدات الإنسانية دون قيود عبر شارع الرشيد أيضاً.
- وعليه٬ أعلن مكتب الإعلام الحكومي في قطاع غزة٬ أنه سيُسمح للمواطنين بالانتقال من محافظات الجنوب والوسطى إلى محافظات غزة والشمال من خلال مفترق الشهداء (نتساريم) عبر شارع صلاح الدين (بالمركبات والسيارات فقط وليس مشيا على الأقدام) ابتداءاً من صباح الأحد الموافق 26 يناير/كانون الثاني 2025.
- وتقول حركة حماس إنه سيُفتح معبر رفح البري الحدودي مع مصر لمغادرة الجرحى يوم الأحد الموافق 2 فبراير/شباط القادم (اليوم الـ15 من وقف إطلاق النار). فيما تقول صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن تل أبيب تجري محادثات مع المصريين بشأن تشغيل معبر رفح بدءاً من اليوم الـ14 لوقف إطلاق النار بعد الدفعة الثالثة من تبادل الأسرى.
رسائل ودلالات من "حفل" الإفراج عن المجندات الأربع
- حملت عملية تسليم الأسيرات الإسرائيليات الأربع من قبل كتائب القسام مشاهد ودلالات غير مسبوقة أثارت غضب الحكومة الإسرائيلية والمتحدث باسم جيش الاحتلال دانيال هغاري الذي انتقد مشهد تسليم الأسيرات "الاحتفالي" في وسط غزة بزي عسكري٬ قائلاً إن "حماس لم تلتزم بالإتفاق٬ وسنعمل على إعادة المختطفين"٬ على حد تعبيره.
- أولى رسائل التحدي في عملية التسليم يوم السبت هو المكان الذي اختارته كتائب القسام لتسليم الأسيرات٬ وهو ميدان فلسطين أو "الساحة" الذي يقع في قلب مدينة غزة٬ وسبق أن سلمت به القسام دفعة من الأسرى الإسرائيليين في هدنة 24 نوفمبر 2023.
- هذا الميدان أيضاً توغلت فيه آليات الاحتلال خلال الاجتياح البري للقطاع في هذه الحرب ودمرت نصباً تذكارياً للمقاومة كان على شكل قبضة تحمل سلاسل لأسماء جنود إسرائيليين تم أسرهم في حرب عام 2014. في رمزية إلى تمسك المقاومة بما في حوزتها من الأسرى لإجراء صفقة عن آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين يقبعون في سجون الاحتلال منذ سنوات طويلة.
- كما عملت كتائب القسام قبيل عملية تسليم الأسيرات الأربع على نشر الآلاف من مقاتليها في مختلف أحياء مدينة غزة٬ في استعراض عسكري حاشد وغير مسبوق بالمركبات والدراجات النارية٬ منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار.
- إحدى أبرز المشاهد التي حملت دلالات أيضاً هي المنصة التي تم تجهيزها في ساحة فلسطين التي تم تنظيم الحضور فيها بشكل أفضل من المرة السابقة٬ حيث حملت هذه المنصة لافتة طبع عليها شعارات ألوية جيش الاحتلال مع عبارة "الصهيونية لن تنتصر" باللغة العبرية. كما حملت المنصة أسفل أقدام الواقفين عليها لافتة أخرى جمعت صور قادة حكومة الاحتلال والجيش كتب عليها "مجرمي الصهيونارية".
- تبع هذه الخطوة تقديم ممثلي "الصليب الأحمر" المخولين باستلام الأسيرات الأسيرات إلى المنصة٬ وجلوسهم إلى جانب ممثل كتائب القسام للتوقيع أوراق باستلام الأسيرات الأربع من المقاومة.
- المشهد الأكثر دراماتيكية ولم نعهده من قبل هو صعود الأسيرات الإسرائيليات الأربع على المنصة وإلقاء التحية على الحشود في الميدان بزي عسكري و"باج" تعريفي حمل معلوماتهن الشخصية٬ في دلالة وتذكير على أنه تم أسرهن كمجندات يقاتلن في جيش الاحتلال ولسن مدنيات.
- المشهد الأخير الذي حمل دلالة كبيرة هو أن مقاتلي القسام الذين صعدوا المنصة ووقفوا إلى خلف المجندات الأربع كانوا يحملون سلاح "تافور" الخاص بوحدات النخبة في الجيش الإسرائيلي٬ بعدما غنموه من الجيش الإسرائيلي خلال معركة "طوفان الأقصى" يوم 7 أكتوبر 2023.