المدنيون في خطر.. إدارة ترامب تتجه لإغلاق مركز “حماية المدنيين” في خطوة ستغير قواعد اشتباك الجيش في مناطق الصراع 

عربي بوست
تم النشر: 2025/01/25 الساعة 12:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/01/25 الساعة 12:31 بتوقيت غرينتش
قوات أمريكية/عربي بوست

لم يكتفِ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بإلغاء أوامر تنفيذية سابقة لسلفه بايدن بلغت 78 أمراً تنفيذياً خلال الساعات الأولى من دخوله البيت الأبيض لبدء ولايته الرئاسية الثانية، حيث كشفت تقارير عن اعتزام إدارته إغلاق مركز وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) المسؤول عن تعزيز سلامة المدنيين والحد من مقتلهم خلال العمليات التي تنفذها قوات أمريكية خارج حدود البلاد.

ففي الأيام التي سبقت تنصيب ترامب، قدّم فريقه الانتقالي لمسؤولي البنتاغون مجموعة من الأوامر التي تحدد الأولويات المبكرة لفترة ولايته الثانية، بما في ذلك الرغبة في إغلاق مركز التميز لحماية المدنيين، حسبما نقل تقرير حصري لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية عن مسؤولين دفاعيين. 

يذكر أن المركز، الذي يقع داخل وزارة الدفاع، مسؤول عن الحد من الوفيات غير المقصودة بين المدنيين خلال العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الأمريكية خارج الحدود، والتي يتم البعض منها في منطقة الشرق الأوسط.

ما الذي تضمنه تقرير واشنطن بوست عن "إغلاق" إدارة ترامب لمركز التميز لحماية المدنيين؟

في أعقاب الأوامر التي تلقاها البنتاغون من فريق ترامب الانتقالي، بدأ الجيش الأمريكي في صياغة اقتراح لسحب تمويل وإغلاق مركز التميز لحماية المدنيين، وفقاً لخمسة أشخاص مطلعين على المناقشات ووثيقة داخلية استعرضتها صحيفة واشنطن بوست. 

وتتطلب الوثيقة، التي صدرت، الاثنين، ووقعها رئيس أركان الجيش، الفريق أول لورا أ. بوتر، مراجعة من قِبل كبار قادة الجيش في موعد لا يتجاوز 21 فبراير/شباط.

كما يتطلب إغلاق المركز، الذي أنشئ بموجب قانون صدر عام 2023، موافقة الكونغرس. ولم يتضح بعد ما إذا كانت إدارة ترامب ستسعى إلى إعادة تخصيص بعض وظائف المركز في مكان آخر.

وقالت المتحدثة باسم الجيش، سينثيا سميث، في بيان: "كما هو معتاد في الإدارة الجديدة، كلف فريق المراجعة التابع للبنتاغون الجيش بمراجعة برامجه ومسؤولياته. ويواصل الجيش تمويل ودعم مركز التميز لحماية المدنيين باعتباره مركزاً تابعاً للبنتاغون".

البرج 22 في الأردن الجيش الأمريكي
قوات من الجيش الأمريكي/ رويترز

فيما أفاد النائب جيسون كرو (ديمقراطي من ولاية كولورادو)، وهو من قدامى المحاربين في الجيش وشارك في تقديم التشريع الذي تم بموجبه إنشاء المركز، في بيان: "إذا أردنا حماية قواتنا، فيجب أن نستمر في التركيز على هذه الجهود بدلاً من إضعافها. إن حماية المدنيين في الصراعات ضرورة أخلاقية وضرورية للأمن القومي. أنا مستعد للتحدث والعمل مع أي شخص حول سبب أهمية هذه الجهود للأمن القومي وسلامة قواتنا".

وقال مسؤول سابق في البنتاغون عمل بشكل وثيق مع المركز، إنه فوجئ بسماع نبأ إغلاق المركز، والذي لاقى ترحيباً من قيادة الجيش.

وقال أشخاص مطلعون على الجهود المبذولة لإغلاق المركز إنه حتى لو لم يقر الكونغرس إغلاقه، فإن المسؤولين العسكريين والإداريين سيبذلون الجهود لإلغاء ميزانيته، أو طرد الموظفين أو إعادة تعيينهم في مناصب أخرى، أو اتخاذ خطوات أخرى لجعل المركز فعالاً على الورق ولكن غير فعالاً من الناحية العملية.

ماذا يعني اقتراح إدارة ترامب بإغلاق مركز التميز لحماية المدنيين؟

تشير التحركات المبكرة لإدارة ترامب لإغلاق المركز إلى أن البنتاغون قد ينأى بنفسه عن مجموعة من التدابير التي تم وضعها في عهد الرئيس السابق جو بايدن لإعطاء الأولوية لسلامة غير المقاتلين في مناطق الصراع، وفق تقرير واشنطن بوست. 

وكان مرشح ترامب لمنصب وزير الدفاع، بيت هيغسيث، الذي حصل على موافقة الكونغرس لتوليه المنصب، والذي وعد بجعل الجيش الأمريكي أكثر فتكاً، اشتكى من قواعد الاشتباك التي اعتبرها "مقيِّدة بشكل مفرط"، وقال إن الجنود "يقاتلون المحامين بقدر ما يقاتلون الأشرار".

وفي جلسة استماع في مجلس الشيوخ لتأكيد تعيينه الأسبوع الماضي، قال هيغسيث  إن "قواعد الاشتباك التقييدية" جعلت هزيمة الأعداء أكثر صعوبة.

واستخدم هيغسيث، وهو جندي سابق في الحرس الوطني خدم في العراق وأفغانستان، منصبه كإعلامي في قناة فوكس نيوز للدفاع خلال فترة ولاية ترامب الرئاسية الأولى عن "معاملة متساهلة للجنود المتهمين في قضايا جرائم حرب".

ونجح هيغسيث في الضغط على ترامب لإصدار عفو في عام 2019 عن عدد من أفراد الخدمة الذين اتُهموا أو أدينوا بارتكاب جرائم حرب، بحسب ما نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

كما أفاد هيغسيث قبل وقت قصير من اختياره لتولي وزارة الدفاع في نوفمبر/تشرين الثاني، أنه أبلغ القوات التي كانت تخدم تحت قيادته في العراق أن يتجاهلوا قواعد الاشتباك الصادرة لهم.

وعلق تقرير نيويورك تايمز على مقترح إدارة ترامب إغلاق المركز قائلاً إن احترام مبادئ الجيش الأمريكي، التي طالما اعتبرت حجر الأساس للثقافة العسكرية الأمريكية، ستكون مهددة في ظل إدارة ترامب الثانية.

الانسحاب الأمريكي من أفغانستان/الأناضول

ماذا نعرف عن مركز التميز لحماية المدنيين؟

تعود جذور إنشاء مركز التميز لحماية المدنيين إلى آلاف الوفيات بين المدنيين التي حدثت خلال عقود من العمليات العسكرية الأمريكية في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول. 

وخلال رئاسة ترامب الأولى، ومع ارتفاع أعداد الوفيات بين المدنيين أثناء الحرب الجوية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، أشرف الجنرال جوزيف إف دنفورد، رئيس هيئة الأركان المشتركة، على مراجعة تعامل الجيش مع حماية المدنيين، مما أدى إلى بدء حملة أدت إلى إنشاء المركز.

وبموجب خطة متابعة تم وضعها خلال إدارة بايدن، عيّن البنتاغون متخصصين في مراكز العمليات العسكرية في جميع أنحاء العالم لتقديم المشورة للقادة، ودمج الحد من الأضرار التي تلحق بالمدنيين في التدريبات، وتحسين جمع البيانات، وتحسين استجابة الجيش عند وقوع الوفيات.

وتم إنشاء مركز التميز لحماية المدنيين في أغسطس/آب 2023، بتوجيه من وزير الدفاع، لويد جيه أوستن، في أعقاب انتقادات بشأن غارة جوية أمريكية في أفغانستان في أغسطس/آب 2021 أسفرت عن مقتل 10 مدنيين، خلال الانسحاب الأمريكي من البلاد، وفقاً لأسوشيتد برس.

ويضم المركز، الذي تبلغ ميزانيته الرسمية 7 مليون دولار، حوالي 30 شخصاً من ذوي الخلفيات في مجال الاستهداف والاستخبارات والشؤون المدنية أو المنظمات الإنسانية.

ويعد المركز أصغر "مركز للتميز" في الجيش، ويدعم بشكل مباشر التخطيط للعمليات مثل الضربات الجوية في اليمن، فضلاً عن تحليل تلك الضربات. وينسق مع نحو 170 من أفراد الخدمة والمدنيين المنتشرين في مختلف القيادات القتالية للجيش، والتي تنفذ عمليات في مختلف أنحاء العالم.

وزير الدفاع الأمريكي لويد اوستن تحقيق النواب
وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن/رويترز

ويهدف مركز التميز لحماية المدنيين بحسب وثيقة إنشائه إلى:

  •  دمج التوجيهات الخاصة بمعالجة الضرر الذي يلحق بالمدنيين عبر الطيف الكامل للعمليات في الاستراتيجية والعقيدة والخطط والتعليم العسكري المهني والتدريب، بحيث تكون وزارة الدفاع مستعدة بشكل أكثر فعالية للتخفيف من الضرر الذي يلحق بالمدنيين والاستجابة له، وتحقيق النجاح الاستراتيجي في أي بيئة تشغيلية.
  •  تحسين المعرفة بالبيئة المدنية وقدرات التخفيف من الأضرار التي تلحق بالمدنيين والعمليات المتعلقة بذلك طوال عملية الاستهداف المشترك.
  •  دمج التدابير والمنهجية للتخفيف من مخاطر تحديد الهدف بشكل خاطئ. ويتضمن ذلك معالجة التحيزات المعرفية.
  •  تطوير عمليات موحدة لإعداد التقارير التشغيلية وإدارة البيانات المتعلقة بالأضرار التي تلحق بالمدنيين بهدف تحسين كيفية جمع وزارة الدفاع للبيانات المتعلقة بالأضرار التي تلحق بالمدنيين ومشاركتها والتعلم منها، بما في ذلك البيانات المتكاملة عبر المراجعات والتحقيقات.
  •  وضع إجراءات على مستوى الوزارة لتقييم والتحقيق في الأضرار المدنية الناجمة عن العمليات، وتوسيع مصادر المعلومات المستخدمة في التقييمات والتحقيقات.
  •  مراجعة إرشادات وزارة الدفاع بشأن الاستجابة للأذى الذي يلحق بالمدنيين، بما في ذلك من خلال، على سبيل المثال لا الحصر، التعازي والاعتراف العلني بالأذى، وتحديث الإرشادات وعمليات التنفيذ، حسب الاقتضاء.
  •  إرساء وتخصيص الموارد اللازمة للتخفيف من الأضرار التي تلحق بالمدنيين والاستجابة لها كمكون من مكونات برامج التعاون الأمني، وتنفيذ شروط مصممة خصيصاً، حسب الاقتضاء، لتعزيز جهود الحلفاء والشركاء.
  •  وضع الإرشادات والمسؤوليات والعمليات اللازمة لدمج التخفيف من الأضرار التي تلحق بالمدنيين والاستجابة لها خلال جميع مراحل العمليات المتعددة الجنسيات والعمليات مع الجهات الفاعلة من غير الدول.

أين تتمركز القوات الأمريكية في الشرق الأوسط؟

  • يتمركز نحو 40 ألف جندي أمريكي في قواعد في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. 
  • بحلول شهر سبتمبر/أيلول 2024، كان هناك نحو 2500 جندي في العراق، و900 جندي في سوريا.
  • تستضيف قطر والبحرين والإمارات قواعد أمريكية، وكذلك جيبوتي، التي تقع على الجانب الآخر من البحر الأحمر من اليمن.
  • كان عدد القوات الأمريكية في الكويت، الواقعة جنوب شرق العراق على الخليج العربي، حوالي 13500 جندي اعتباراً من عام 2021. وكانت الكويت مركزاً للقوات الأمريكية خلال حرب العراق.
  • منشآت في إسرائيل: يعمل البنتاغون على بناء منشآت جنوبي إسرائيل، لاستيعاب طائرات التزود بالوقود المصنوعة في الولايات المتحدة، وفقاً لوثائق تعاقدات عامة صدرت حديثاً اطلع عليها موقع ذا انترسبت الأمريكي.
  • يتضمن المشروع بناءاً جديداً وتطوير المباني القائمة، بما في ذلك منشأة واحدة أو أكثر ومستودعات ومرافق تخزين، في قاعدة عسكرية إسرائيلية في جنوب إسرائيل، بحسب وثائق سلاح المهندسين بالجيش الإسرائيلي.
  • يأتي البناء في إطار عقد بقيمة مليار دولار تقريباً، مُنح لشركة بوينغ العملاقة للدفاع في عام 2022، لتزويد إسرائيل بأربع طائرات ناقلة من طراز KC-46A Pegasus، على أن يتم تسليمها بحلول نهاية عام 2026.
كيف ستجبر حروب المستقبل الجيش الأمريكي على خفض قوته البشرية وإعادة هيكلتها؟
قوات من الجيش الأمريكي تنتشر في أوروبا٬ 2022/ رويترز

هل تسببت عمليات عسكرية أمريكية سابقة في الشرق الأوسط في خسائر بين صفوف المدنيين؟

كشفت وثائق سرية للبنتاغون عن وقوع آلاف المدنيين ضحايا للحرب الأمريكية الجوية في الشرق الأوسط منذ 2014، وأوضحت أن ذلك يعود للمعلومات الاستخباراتية "المعيبة للغاية"، والاستهداف المتسرع وغير الدقيق للأهداف من طرف الجيش الأمريكي.

وبحسب تقارير، فإن تلك الوثائق كشفت أيضاً أن التعهدات بالشفافية والمحاسبة أفسحت مجالاً للتعتيم والإفلات من العقاب، إذ رفض البنتاغون في الكثير من الحالات إدانة جنوده.

واستعرضت التقارير حالات قتل فيها مدنيون تسبب فيها الجيش الأمريكي، ولم ينتج عن أي منها إقرار بارتكاب خطأ. وذكرت واقعة مقتل 120 قروياً سورياً في ضواحي قرية توخار، في ضربة قال البنتاغون وقتها إنها استهدفت تجمعاً لمقاتلي تنظيم داعش.

وجاء في مثال آخر تنفيذ ضربة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، بمنطقة الرمادي في العراق، بعد رصد شخص يجرّ "غرضاً مجهولاً وثقيلاً" إلى موقع تابع لتنظيم الدولة، وتبيّن في تقرير أعد بعد مراجعة أن الغرض كان طفلاً قُتل في غارة.

كما أوردت التقارير أن مجموعة من الوثائق السرية -التي تم الحصول عليها مؤخراً- تتناول أكثر من 1300 تقرير عن الخسائر في صفوف المدنيين، تقوّض ما تروّج له الحكومة عن حرب تُخاض بالقنابل الدقيقة.

وخلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، أفادت تقارير عدة بأن الهجمات التي أسفرت عن مقتل مدنيين شهدت استخدام أسلحة أمريكية من بينها قنابل تزن 2000 رطل.

إدارة ترامب
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب/رويترز
تحميل المزيد