انقلاب نتنياهو الخفي.. أطاح بهاليفي، و تغييرات كبرى تنتظر هيئة أركان الجيش الإسرائيلي 

عربي بوست
تم النشر: 2025/01/24 الساعة 14:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/01/24 الساعة 14:01 بتوقيت غرينتش
حملة تحريض دفعت رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي للاستقالة/ عربي بوست

بعد إطاحته وزيرَ الجيش يوآف غالانت، وتعيين يسرائيل كاتس، تمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الإطاحة برئيس هيئة أركان الجيش هرتسي هاليفي، الذي كان ضمن بنك أهداف الائتلاف الحكومي اليميني في إسرائيل، الساعي إلى التهرب من تحمل المسؤولية عن الفشل في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وجاء إعلان استقالة هاليفي عقب أشهر من الصراع بين المستوى السياسي والمؤسسة الأمنية، واكبه تحريض علني من اليمين المتطرف في إسرائيل ضد قيادة الجيش الإسرائيلي.

وعقب استقالة هاليفي، أبلغ قائد القيادة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي، يارون فينكلمان، والمسؤولة عن النيابة العسكرية في الجيش، اللواء يفعات يروشلمي، عن استقالتهما من منصبيهما.

فيما ذكرت وسائل إعلام عبرية أن المزيد من كبار الضباط في المؤسسة الأمنية سيقدمون استقالاتهم، منهم قائد سلاح الجو تومر بار، وقائد سلاح البحرية ديفيد ساعر، بالإضافة إلى رئيس جهاز الأمن العام "الشاباك" رونين بار.

رئيس هيئة أركان الجيش هاليفي/ الأناضول
رئيس هيئة أركان الجيش هاليفي/ الأناضول

وسبق ذلك استقالة رئيس شعبة الاستخبارات الإسرائيلية، أهارون هاليفا، وقائد الوحدة 8200 في شعبة الاستخبارات يوسي شاريئيل.

حملة التحريض من اليمين الإسرائيلي

ورغم أن الفشل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 هو عنوان الصراع البارز في إسرائيل بين الائتلاف الحكومي والمؤسسة الأمنية، إلا أنه جاء عقب وصول اليمين المتطرف إلى السلطة، الطامح إلى تمرير أجندته الخاصة.

هاليفي، الذي تم تعيينه من قِبل وزير الحرب حينها بيني غانتس، كان منبوذاً من جانب اليمين المتطرف والائتلاف الحكومي الذي يريد رئيس وزرائه تعيين شخصية موالية لأطروحاته.

ولم تكن استقالة رئيس الأركان مفاجئة، لكنها جاءت بعد أشهر من حملة التحريض التي بدأها نتنياهو أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2023، عندما كتب على منصة (إكس) تغريدة حمّل فيها الجيش وقادته مسؤولية ما حدث، قبل أن يزيلها.

وكان هجوم نتنياهو حينها مؤشراً لهجوم اليمين الذي قاده اليمين المتطرف بقيادة إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش ضد وزير الجيش السابق المقال يوآف غالانت ورئيس هيئة الأركان المستقيل وقيادة الجيش، الذين اتُّهموا بالفشل في التعامل مع هجوم "طوفان الأقصى"، في محاولة من المستوى السياسي للتهرب من المسؤولية ودفعها نحو الجيش.

وزير المالية بتسلئيل سموتريتش/ الأناضول
وزير المالية بتسلئيل سموتريتش/ الأناضول

وتقول صحيفة "هآرتس" إنه في الأيام الماضية، بدأ "أمير الحرب الصغير" سموتريتش الترويج لحملة لإقالة هاليفي، حيث يريد تحويل أنظار اليمين الإسرائيلي بعيداً عن بقائه في الائتلاف رغم معارضته الشديدة لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

فيما يذكر الكاتب الإسرائيلي يوسي فيرتر أن هاليفي كان يعتزم التقاعد في الربع الأول من العام 2025، واستمر حتى اللحظة في مهامه لأسباب عسكرية، لكنه الآن يغادر لأسباب سياسية.

حيث أدار نتنياهو ووزراؤه حملة ضده، وهذا ما كشفه بن غفير، الذي قال إنه رفض العرض بالحصول على الفضل في استقالة هاليفي مقابل الموافقة على اتفاقية وقف إطلاق النار في غزة.

كاتس أداة نتنياهو للصدام مع رئاسة الأركان

ويؤكد المحلل الإسرائيلي فيرتز أن المهمة الرئيسية التي أوكلت إلى وزير الجيش الجديد يسرائيل كاتس من قِبل نتنياهو كانت دفع هاليفي إلى الاستقالة بهدف:

  1. إحكام السيطرة على الجيش الإسرائيلي.
  2. تسهيل إقرار قانون تجنيد الحريديم الذي كان يعارضه رئيس الأركان.
  3. إلغاء القيود على المستوطنين الذين يعتدون على الفلسطينيين في الضفة الغربية.

وأشار إلى أن استقالة هاليفي وفينكلمان، ومن سيأتي بعدهما، ستساعد آلة التحريض اليمينية على الاستمرار وتكثيف الرواية الكاذبة التي تحمل كبار الجيش فقط المسؤولية.

وزير الجيش يسرائيل كاتس/ الأناضول
وزير الجيش يسرائيل كاتس/ الأناضول

وكان أول صدام بين كاتس وهاليفي عندما علم الأخير من وسائل الإعلام أن وزير الجيش جمّد قرارات له بتعيين جنرالات جدد، مُصِرّاً على إنهاء التحقيقات الداخلية بشأن أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قبل أي تعيين جوهري.

معركة السيطرة على الجيش

كما ذكر الكاتب فيرتز، فإن أحد أهداف دفع هاليفي للاستقالة، التي أوكل بها كاتس، هو إحكام السيطرة على الجيش من نتنياهو وائتلافه اليميني، وفي هذا الإطار تقول الكاتبة رافيت هيشت في مقال على صحيفة "هآرتس"، إن المعركة من أجل ذلك بدأت للتو، وسوف تكون بين: "الملتزمين بالديمقراطية ومنع جرائم الحرب". "الذين يسعون إلى فرض معايير همجية كسياسة، أو إنشاء قوة عسكرية انتقامية".

ورأت الكاتبة اليسارية الإسرائيلية أنه من المرجح أن يتصاعد هذا الصراع مع الجولة الثانية من تعيينات جنرالات الجيش.

الكاتب الإسرائيلي موشيه جورلي، ذكر أن مهمة كاتس في وزارة الجيش لا تتعلق بتعزيز أمن إسرائيل، فهي تشبه المهمة التي أوكلت إلى باريف ليفين في وزارة القضاء، وإيتمار بن غفير في جهاز الشرطة، وشلومو كاراي مع وسائل الإعلام.

وبحسب الكاتب جورلي، فإن الائتلاف اليميني أصبح يعتبر فجأة العام الماضي أن الجيش جزءاً من الدولة العميقة التي يتهمها نتنياهو بمحاولة إسقاطه.

وأضاف أن في إسرائيل أصبح وزير الجيش مسؤولاً عن سلامة طلاب المدارس الدينية (في إشارة إلى جدل تجنيد الحريديم)، ويمثل الحكومة للتشاجر علناً مع هاليفي وتعميق نزع الشرعية عن الجيش.

الكاتب الإسرائيلي عاموس هارئيل، في مقال على صحيفة "هآرتس"، ذكر أن أتباع نتنياهو مشغولون بإحكام السيطرة على السلطة، وتطهير صفوف النخبة العسكرية من المعارضين، الذين بحسب سموتريتش "ملأوا عقول الجنود بأفكار سامة حول التقدمية والانهزامية".

ولم يستبعد هارئيل أن تطالب حكومة نتنياهو الضباط الذين تمت ترقيتهم من قبل هاليفي ووزير الجيش السابق غالانت بترك مناصبهم.

من هم المرشحون لمنصب رئيس هيئة أركان الجيش؟

ومن المقرر أن يعلن كاتس خلال الأيام المقبلة عن رئيس الأركان بالتشاور مع نتنياهو الذي يسعى لأن يكون شخصية مقربة له.

وقال كاتس إنه "من المهم للغاية اختيار المرشح الأكثر ملاءمة لقيادة الجيش الإسرائيلي خلال هذه الفترة الصعبة، وأعتزم إجراء عملية منظمة وسريعة لاختيار المرشح لمنصب رئيس الأركان المقبل، وسأختار المرشح الأفضل".

وتشير المعطيات إلى أن رئيس الأركان المقبل سيكون واحداً من 3 مرشحين، وهم:

  1. أمير برعام، نائب رئيس هيئة الأركان.
  2. إيال زمير، مدير عام وزارة الجيش.
  3. تامير يداي، القائد السابق للقوات البرية.

وبموجب النظام، فإنه يتم تعيين رئيس الأركان من قبل الحكومة بناءً على توصية وزير الجيش الذي يجب عليه التوصل لاتفاق مع نتنياهو بشأنه.

ويعتبر المدير العام لوزارة الجيش زمير (59 عاماً) المرشح الأبرز لخلافة هاليفي لأنه الشخصية المفضلة بين المرشحين بالنسبة لنتنياهو، وفقاً لصحيفة "يديعوت أحرونوت".

وكان زمير سابقاً السكرتير العسكري لنتنياهو، وكان أحد المرشحين لرئاسة الأركان بعد أفيف كوخافي، لكن تم اختيار هاليفي للمنصب من قبل وزير الجيش السابق بيني غانتس.

وخلال فترة الحكومة الانتقالية حاول نتنياهو دعم زمير في خلافة كوخافي، وحاول تأجيل تعيين رئيس الأركان خلال تلك الفترة ليتاح له اختيار العملية، لكن المستشارة القانونية للحكومة أصرت على مواصلة الإجراءات التي جاءت بهاليفي.

لماذا يعد منصب رئاسة أركان الجيش مهماً؟

وفقاً لصحيفة "معاريف"، فإن تعيين رئيس الأركان هذه المرة أكثر أهمية من أي وقت مضى بالنسبة لأمن إسرائيل.

وسيطلب من رئيس هيئة الأركان القادم إجراء تغيير جذري في الجيش، وإعادة تعيين القيادات العليا في الجيش، وتغيير هيكله وخطط الدفاع والهجوم.

زيارة سابقة لنتنياهو في قطاع غزة/ رويترز
زيارة سابقة لنتنياهو في قطاع غزة/ رويترز

وتؤكد الصحيفة أن الجيش الإسرائيلي يعيش بأزمة عميقة، وسيكون على رئيس الأركان المقبل أن يتعامل مع المشاكل الداخلية في إسرائيل، إلى جانب استمرار القتال في مختلف الساحات.

فيما قال الكاتب هارئيل، إن رئيس الأركان القادم سيتولى منصبه بنطاق محدود للغاية، وفي الوقت نفسه في ظل حكومة عدوانية، وسيتعين عليه التعامل مع قائمة طويلة من التغييرات المطلوبة المتعلقة ببناء القوة العسكرية والاستعداد لتجدد الحرب على غزة وهجوم محتمل على إيران.

وعليه، فإن اختيار شخصية ضعيفة قد يتسبب بخطر مشابه لما حدث في جهاز الشرطة في عهد إيتمار بن غفير.

هل يطيح الزلزال في الجيش بحكومة نتنياهو؟

اعتبر وزير العدل الإسرائيلي الأسبق حاييم رامون أن هناك ثلاثة أشخاص يتحملون مسؤولية الفشل في 7 أكتوبر، وهم بالإضافة إلى هاليفي، وزير الجيش السابق غالانت، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وطالب الوزير السابق نتنياهو بالاستقالة لأنه "المسؤول الوحيد عن الفشل في إدارة الحرب، ولا يمكنه الاستمرار كرئيس للوزراء وكأن شيئاً لم يحدث".

بدوره، يذكر الكاتب في صحيفة "معاريف"، بن كسبيت، أن هاليفي خلال محادثات مغلقة أجراها خلال الأشهر الماضية مع شخصيات مقربة له، أعرب عن قلقه من قيام المستوى السياسي بتصفية الحسابات مع الجيش الإسرائيلي، وإلقاء اللوم عليه بكل ما يتعلق بـ7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتهرب من المسؤولية.

كما أعرب هاليفي عن مخاوفه من أن يمر هذا الحدث (7 أكتوبر) دون تحقيق مهني معمق، لا تستطيع القيام به لجنة تحقيق حكومية مستقلة.

المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" ناحوم برنياع، أكد أن هاليفي فهم أن كاتس يعكف على إقالته في إطار سعي حكومة نتنياهو لتجنب تحمل المسؤولية عن الفشل في غزة، لذلك اتخذ الخطوة الاستباقية باستقالته بمحض إرادته.

وتابع بأن نتنياهو لم يقم بتشكيل لجنة تحقيق ولن يتم تشكيلها طالما بقي في منصبه، وحوّل كل الاتهامات تجاه الجيش.

الكاتبة هيشت توقعت أن استقالة هاليفي ستشكل خطوة نحو تشكيل لجنة تحقيق حكومية قد تلقي باللوم على القيادة السياسية.

وتوقعت أن استقالة كبار الضباط في مواجهة إصرار نتنياهو على تجنب تشكيل لجنة تحقيق رسمية بشأن 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 قد تنهي فعلياً الحساب العام مع حكومة نتنياهو، وستكون بداية النهاية لها.

تحميل المزيد