من تحت الركام وبكامل عتادهم.. كيف صدمت حماس الاحتلال بمشهد تسليم الأسرى؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/01/21 الساعة 12:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/01/21 الساعة 13:54 بتوقيت غرينتش
مقاتلون من كتائب القسام أثناء تسليم الأسرى في غزة ضمن اتفاق وقف إطلاق النار - رويترز

تحت أنظار قادة الاحتلال والجمهور الإسرائيلي، ترقبت تل أبيب بفارغ الصبر لحظة إطلاق سراح الأسيرات الإسرائيليات الثلاث يوم الأحد الماضي 19 يناير/كانون الثاني، لكنها فوجئت بمشهد لم ترغب برؤيته بعد 15 شهراً من حرب إبادة شنتها على قطاع غزة مستعينة بأحدث الأسلحة والإمداد الغربي الهائل، وهو أن حركة حماس لا تزال تحتفظ بقوتها.

فتقدم العشرات من مقاتلي كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، بكامل عتادهم في قلب مدينة غزة، لحظة إطلاق سراح الأسيرات، في مشهدٍ مهيب خطف أنظار الإسرائيليين، وأشعل أسئلة منذ اللحظات الأولى لوقف إطلاق النار.

في هذا التقرير، نستعرض كيف رصد الإعلام الإسرائيلي مشهد استعراض القوة الذي قدمته حماس، وسط اعتراف ضمني بفشل الاحتلال في تحقيق أهدافه المعلنة بالقضاء على المقاومة في غزة.

القضاء على حماس لم يعد ممكناً

في مقال للكاتب الصحفي الإسرائيلي البارز شلومي إلدار ياريت اسمه بصحيفة هارتس كتب: "لقد أوضح عرض حماس بإطلاق سراح المختطفين: أنهم ما زالوا هنا."

وصف الصحفي، الذي أمضى عقدين من الزمن مراسلاً في قطاع غزة، مشاعر الإسرائيليين في يوم تسليم الأسيرات الثلاث للصليب الأحمر بغزة، المشهد بأنه مزيج من الدموع والدهشة التي سيطرت على المشهد.

وأضاف: "عرض مثير للإعجاب للقوة، كما لو كان حدثاً مسرحياً تم التخطيط له بدقة حتى أصغر التفاصيل، نظمته كتائب عز الدين القسام هناك." فمقاتلو القسام ظهروا بزيّ رسمي جديد ومكوي، بأسلحة متطورة، يحيط بهم موكب من سيارات بيضاء حديثة، في ساحة السرايا وسط غزة.

يتساءل الكاتب، وهو يصور المشهد الذي حبس فيه الاحتلال أنفاسه وذرف الجميع دموع الحزن والفرح بعودة الأسيرات، قائلاً: "لكن وسط دموع الفرح والعيون الرطبة، لا يوجد من لم يسأل نفسه: كيف؟ بعد عام وأربعة أشهر من القتال العنيف، ما زال المئات من مقاتلي حماس، بزيهم الرسمي الجديد والمكوي، يلوحون بأسلحتهم، تحيط بهم سيارات تويوتا بيضاء حديثة، في مشهد سيظل محفورًا في الذاكرة منذ يوم 7 أكتوبر الملعون. كيف يمكن أن يحدث هذا؟"

وانتقد شلومي إلدار رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وادعاءاته "حتى النصر الشامل"، واعتبر أن الواقع يثبت عكس ذلك. وأوضح أن السبب وراء اختلاط دموع الفرح بخيبة الأمل يعود إلى الفشل في القضاء على حماس، بينما تم قتل بعض الأسرى بدم بارد، وسقط العديد من جنود الاحتلال خلال الحرب.

من تحت الركام وبكامل عتادهم.. كيف صدمت حماس الاحتلال بمشهد تسليم الأسرى؟
مقاتلون من كتائب القسام أثناء تسليم الأسرى في غزة ضمن اتفاق وقف إطلاق النار – رويترز

وأشار إلدار إلى أن الاحتلال بحاجة إلى مواجهة الحقيقة: القضاء على حماس لم يعد ممكناً. وقال: "علينا أن نركز على تحقيق الهدف الذي كان ينبغي أن يكون الأولوية منذ البداية: إعادة جميع المختطفين إلى ديارهم، أحياء أو أمواتاً، وإدراك أن القضاء على حماس لم يعد ممكناً في الأساس بسبب الظروف التي خلقناها بأيدينا."

المقاومة تستعرض قوتها

وفي نفس الصحيفة، كتب المحلل العسكري البارز عاموس هرئيل مقالاً اعترف فيه بنجاح حماس في تقديم استعراض للقوة داخل قطاع غزة، لافتا إلى أن حماس قدمت من خلال مئات المسلحين عرضا للقوة العسكرية وعلامات الحكم المدني، وقد شوهدت قوافل المسلحين في البداية في جنوب قطاع غزة، حيث احتشد أعضاء حماس في شاحنات صغيرة من طراز "تويوتا"، من النوع الذي اشتهر يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وأطلقوا النار في الهواء كعلامة على الفرح.

وأشار هرئيل إلى أن حماس تستثمر جهوداً كبيرة في صياغة "رواية النصر" أمام سكان غزة، رغم المعاناة الشديدة التي واجهها القطاع خلال الأشهر الـ15 الماضية.

كما تناول هرئيل ما قدمته إسرائيل في اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، قائلاً: "في غضون ذلك، بدأت تفاصيل التنازلات الكاملة التي قدمتها إسرائيل في الصفقة تتضح. الإفراج الجماعي عن السجناء يثير ردود فعل شعبية قاسية، ليس بسبب عددهم الكبير فقط، بل بسبب هوية بعض المفرج عنهم كمقاتلين شاركوا في هجمات قُتل فيها العديد من الإسرائيليين في التسعينيات وخلال الانتفاضة الثانية".

وقام بتوجيه نقد مبطن للقيادة الإسرائيلية، مؤكداً أن كل من تابع الوضع في غزة بتمعن، ولم ينخدع بتصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، كان بإمكانه التنبؤ مسبقاً بأن الحرب ستنتهي بهذه النتيجة.

وخلص هرئيل إلى أن "إسرائيل خسرت الحرب إلى حد كبير يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وكل ما فعلته منذ ذلك الحين كان محاولة لتقليل بعض الأضرار. ومن أجل إبرام صفقة لإطلاق سراح جميع الرهائن، تطلب الأمر تنازلات كبيرة، حيث سيشمل الجزء الثاني من الصفقة سجناء أكثر خطورة من أولئك الذين تم إطلاق سراحهم في الجزء الأول".

كما شرح هرئيل أن نتائج هذه التنازلات ستكون لها تداعيات كبيرة. وقلل عاموس هرئيل من أهمية تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن استئناف الحرب بعد انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق، التي تمتد على مدى 42 يوماً. وقال إن "الحديث عن استئناف الحرب، والذي من المفترض أن يحدث في نهاية المرحلة الأولى، هو حديث نظري في الأساس، فالقرار الآن في يد الرئيس (الأمريكي الجديد دونالد) ترامب". وأردف: "إذا أصر الرئيس الأمريكي على ضرورة انتهاء الحرب في غزة، فسيجد نتنياهو صعوبة في تحديه".

بعد 15 شهراً من الحرب.. بقيت حماس واقفة

و في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، وصف محلل شؤون الشرق الأوسط والصحفي البارز، والمشارك في إنشاء مسلسل "فوضى" الذي تعرضه شبكة نتفليكس، مشهد تسليم حماس للأسيرات بأنه تأكيد على حجم الهزيمة السياسية لدولة وحكومة الاحتلال. وأشار إلى أنه "حتى بعد 15 شهراً من الحرب، بقيت حماس واقفة."

قال إنه "على الرغم من إعلان حكومة الاحتلال بقيادة نتنياهو أنها ستعمل على القضاء على حماس، فإن حماس لم تتمكن من البقاء عسكرياً فحسب، بل إن حكمها لم يُمس."

وتابع قائلاً: "لعدة أشهر، رفض نتنياهو ووزراؤه إجراء نقاش معمق حول إمكانية إيجاد بديل لحكم حماس، رغم تحذيرات المسؤولين الأمنيين من أن هذه الحرب برمتها قد تذهب سدى."

من تحت الركام وبكامل عتادهم.. كيف صدمت حماس الاحتلال بمشهد تسليم الأسرى؟
مقاتل من كتائب القسام أثناء تسليم الأسرى في غزة ضمن اتفاق وقف إطلاق النار – رويترز

واعتبر إيسسخاروف أن "هذا هو الفشل الأكبر للحرب، الفشل الذي سيُذكر في عام 2024."

وأشار إلى "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قائلاً: "فشل 7 أكتوبر الاستخباراتي معروف، لكن الفشل السياسي الأعظم يكمن في الإهمال الإجرامي والمتعمد للحكومة في التعامل مع ما يُسمى اليوم التالي للحرب، أي مستقبل غزة."

واستطرد قائلاً: "وصلنا إلى اليوم التالي، ولو كان مؤقتاً، ليجد الاحتلال نفسه يستيقظ من كابوس إلى كابوس أكبر: فحماس، على الجانب الآخر من الحدود، ستستمر في الحكم، وفي بناء الأنفاق، وفي تجنيد المزيد من الناس."

لا جديد في غزة.. المقاومة صامدة

بينما كتب سيث جيه فرانتزمان، المدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط للتقارير والتحليل، في مقال نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، أن حركة "حماس" تمكنت من إثبات سيطرتها على قطاع غزة رغم 15 شهراً من حرب الإبادة الإسرائيلية، مع بدء تنفيذ اتفاقية تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار.

وأشار إلى أن الحركة تمكنت من إعادة تنظيم صفوفها، مستشهداً بمقاطع فيديو تظهر مقاتليها يجوبون شوارع قطاع غزة على متن شاحنات صغيرة بيضاء، يلوحون للحشود أو يقفون على المركبات وهي تجوب بهم الشوارع.

وأضاف أن شرطة حماس عادت للظهور في قطاع غزة. "لقد كانت موجودة طوال فترة الحرب، لكن وجودها لم يكن واضحاً في بعض المناطق."

من تحت الركام وبكامل عتادهم.. كيف صدمت حماس الاحتلال بمشهد تسليم الأسرى؟
عناصر شرطة حماس ينتشرون في الشوارع للحفاظ على النظام، بعد وقف إطلاق النار – رويترز

وأضاف فرانتزمان: أنه "في مارس/آذار 2024، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن جيش الدفاع الإسرائيلي يقول إنه 'فكك' 20 من أصل 24 كتيبة لحماس، والواقع أن التفكيك لا يعني التدمير، فقد عادت حماس إلى الظهور بسرعة. وهذه ليست جماعة يبدو أنها تكبدت خسائر فادحة كما صورها البعض."

ومضى فرانتزمان في تفكيك رواية جيش الاحتلال الإسرائيلي التي تروج لنجاحاته في تدمير أنفاق حماس، مشيراً إلى أن التقارير الإسرائيلية نفسها تبرز تناقضات واضحة. فقد ذكر أحد التقارير أن إسرائيل دمرت شبكة أنفاق حماس تحت الأرض، بينما أفادت صحيفة "إسرائيل اليوم" بأن الجيش دمر 100 كيلومتر من أنفاق حماس وقضى على 25 من قادتها.

وقال: "إن حماس تنطلق بسرعة في غزة لتفرض سيطرتها وتستعرض قدراتها. وهي تريد أن تصور ذلك على أنه انتصار كبير، حتى وإن تكبدت خسائر كثيرة. وهي لا تريد أن ينشأ أي فراغ أو أي مناطق تفقد فيها السيطرة."

وأضاف أن "حماس سوف ترغب في البدء في معالجة مسألة إعادة الإعمار ودعوة وسائل الإعلام إلى محاولة إبراز حجم الدمار الذي خلفته هذه العملية. وسوف تتولى آلة حماس الإعلامية تنسيق كل خطوة على الطريق، ذلك بأنها تتمتع بسيطرة مذهلة على كل جانب من جوانب غزة، من وسائل الإعلام المحلية إلى المستشفيات والمدارس، وسوف تعمل على حشد كل هذا لتصويره على أنه انتصار للحركة."

وكتب فرانتزمان أن "التاريخ يعيد نفسه"، إذ أوضح في مقاله أن قدرة حماس على النهوض مجدداً ليست بالأمر الجديد. فقد تمكنت الحركة من تجاوز الضربات الإسرائيلية في حروب سابقة مثل حربي 2009 و2014، وكذلك خلال الصراع في مايو/أيار 2021. وأشار إلى أن إسرائيل كانت تعلن مراراً عن تدمير أنفاق حماس وقياداتها، لكن الحركة كانت تنجح دائماً في استعادة قوتها بسرعة.

أجمعت الصحف الإسرائيلية على أن مشهد تسليم الأسرى خطف أنظار الإسرائيليين، إذ لم يقتصر حضور مقاتلي كتائب القسام على تسليم الأسيرات، بل جاء كرسالة واضحة وقوية بأن حماس ما زالت صامدة، وأن المقاومة لا تزال حية ومستمرة، رغم كل محاولات الإبادة التي واجهتها.

تحميل المزيد