ساهم اتفاق وقف إطلاق النار في غزة في إحداث ارتباك داخل الحكومة والمجتمع الإسرائيلي، وسط تباين في المخاوف بشأنه. ففي الوقت الذي يخشى فيه إسرائيليون عدم إتمام المرحلة الثانية منه، يعتقد آخرون أنه انتصار لحركة حماس ورضوخ من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب.
ووفقاً لاستطلاع رأي نشرته القناة 13 العبرية، فإن 61.5% من الإسرائيليين يدعمون الصفقة مع حماس، مقابل 23.9% يعارضونها، ويعتقد 59.8% أنه يجب المضي في المرحلة الثانية، و58.8% يرون أنه يجب إجراء انتخابات بعد تنفيذها.
وفي استطلاع آخر نشرته القناة 14 العبرية، تسببت الصفقة مع حركة حماس بتراجع تأييد الائتلاف الحكومي، وتراجع حاد لحزب الليكود ونتنياهو.
ارتباك في الحكومة الإسرائيلية بسبب الصفقة مع حماس
وتسبب اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس في شرخ داخل الحكومة الإسرائيلية، حيث أعلن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير استقالته من الحكومة، داعياً أعضاء حزب "الصهيونية الدينية"، الذي يقوده بتسلئيل سموتريتش، وأعضاء الليكود للانضمام إليه، محذراً مما وصفه بـ"الكارثة".
وأضاف بن غفير أن الاتفاق سيؤدي إلى إنهاء الحرب في وقت لم تتم فيه هزيمة حركة حماس بعد، مع قدرتها الكبيرة على إعادة تأهيل نفسها.
وذكر أنه "عندما ترى الرقص في غزة، والاحتفالات في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، تفهم أي جانب قد استسلم في هذه الصفقة".
أما سموتريتش، فقد أرجأ أزمته مع نتنياهو إلى انتهاء المرحلة الأولى من الصفقة، وقال حزبه في بيان: "نعارض بشدة الصفقة، وندعم مطالب رئيسة بضمان عودة إسرائيل إلى الحرب من أجل القضاء على حماس واستعادة جميع المخطوفين، ومن خلال تغيير مفهوم الحسم والانتصار فوراً في نهاية المرحلة الأولى من الصفقة، وذلك كشرط لبقائنا في الائتلاف".
من جانبه، توعد وزير الشتات ومكافحة معاداة السامية، الليكودي عميحاي شيكلي، بالاستقالة من الحكومة إذا جرى الانسحاب من محور فيلادلفيا، وإذا لم تتم العودة للقتال بهدف استكمال أهداف الحرب.
وتشير القناة 12 العبرية إلى أن محاولات إرضاء سموتريتش وبن غفير لم تنجح، حيث يطالبان بـ:
- عدم إطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين.
- عدم الانسحاب من محور فيلادلفيا ونتساريم.
- عدم السماح لسكان غزة بالعودة إلى الشمال.
- عدم إعلان نهاية الحرب.
ومن المقرر أن يتم تنفيذ بعض الالتزامات المذكورة سابقاً فقط في المرحلتين الثانية والثالثة من الصفقة، مما يترك لنتنياهو مساحة آمنة فيما يتعلق ببعض الوعود، وخاصة تجاه بعض الشركاء.
لكن توسيع نتنياهو للتحالف الحكومي عبر ضم جدعون ساعر وإضافة أربعة مقاعد للائتلاف، قلل من إمكانيات الابتزاز من بن غفير وسموتريتش اللذين يرفضان الاتفاق.
ومع ذلك، هناك تحديات كثيرة تنتظر "الائتلاف الهش"، أبرزها قانون التجنيد وإقرار الميزانية، وسط مصالح متناقضة داخل الائتلاف بشأنهما، مما يؤدي إلى عدم استقرار سياسي وربما تفكيك التحالف الحكومي.
مخاوف متباينة في المجتمع الإسرائيلي
تباينت آراء الإسرائيليين بشأن الصفقة مع حركة حماس، ففي الوقت الذي يراها مؤيدوها بأنها ستنقذ أرواح الأسرى الإسرائيليين، يعتقد رافضوها بأنها نسفت أحد أهم أهداف الحرب المتمثل بالقضاء على حركة حماس.
أولاً: صفقة تترك عشرات الأسرى خلفها
تتزايد المخاوف الإسرائيلية بشأن حالة الأسرى الـ33 المفرج عنهم في المرحلة الأولى، و65 أسيراً إسرائيلياً لن تشملهم المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة، حيث يعتمد مصيرهم على تجاوز عقبات كبيرة لم يتم الفصل بشأنها.
ولا تتوفر أي معلومات عن حالة الأسرى الـ33، ومن هم على قيد الحياة، وفي إسرائيل هناك تقديرات فقط بشأن حالتهم.
وذكر حزب الليكود أن الصفقة القائمة ستسمح لإسرائيل بالعودة إلى القتال، مما يعني التخلي، بحسب تقديرات إسرائيلية، عن الأسرى الإسرائيليين المتبقين من فئة الرجال والجنود بعد انتهاء المرحلة الأولى.
ووفقاً للاتفاق، فإن النقاش بشأن تفاصيل المرحلة الثانية من الصفقة سيبدأ في اليوم الـ16 من المرحلة الأولى، أي أن الصفقة قد تواجه عقبات تعيق الانتقال إلى المرحلة الثانية.
وينتاب أهالي الأسرى الإسرائيليين الذين لن يطلق سراح أبنائهم في المرحلة الأولى من الصفقة التوتر والقلق من عدم الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق.
ويقول والد أحد الجنود المختطفين: "نحن لا نثق برئيس الوزراء، ونعلم أنه توصل إلى الاتفاق لأنه تعرض لضغوط، ونخشى أن يتوقف بعد المرحلة الأولى ويعود للقتال مجدداً".
وبالتالي، فإن توجه نتنياهو إلى إتمام الصفقة أو التراجع عنها بعد انتهاء المرحلة الأولى قد يتسبب بتفاقم الخلافات داخل دولة الاحتلال.
ثانياً: تمهد لأسرى جدد وخطأ صفقة شاليط يتكرر
وفي الوقت الذي يعتقد فيه إسرائيليون أن الصفقة ضرورية لاستعادة كافة الأسرى الإسرائيليين في غزة، يرى آخرون أنها قد تمهد الطريق لأسرى جدد.
ويقول بيان عائلات الأسرى، مما يسمى "منتدى الأمل"، إن الصفقة قد تترك فعلياً عشرات الأسرى خلفها، وستمهد لأسرى جدد، وهي خطيرة ليس فقط على الأسرى السابقين، بل على الشعب الإسرائيلي بأكمله.
ولا تزال حركة حماس تشترط إطلاق سراح الجنود والأسرى الرجال الذين في أيديها بوقف كامل للحرب، فيما لم تلتزم إسرائيل بذلك، ولن يتم مناقشة الأمر إلا في المرحلة الثانية. وعليه فإن استمرارية الصفقة من عدمها قابلة للنقاش، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت".
كما أنه في الوقت الذي تحدثت فيه تقارير أجنبية عن أن حماس تعمل على إعادة بناء وتأهيل جناحها العسكري مؤخراً، وقامت بتجنيد عناصر جدد لتعويض النقص في قوتها البشرية، يثير الرافضون للاتفاق مخاوف مما أسموه "المذبحة الأخرى". ويعتقدون أن حماس لم تردع عن تنفيذ عملية أخرى على غرار 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 خلال السنوات المقبلة.
واحتج المناهضون للصفقة في مدينة القدس، وطالبوا الحكومة الإسرائيلية بالانسحاب منها، وعدم التخلي عما أسموه "أمن إسرائيل"، بحسب القناة 14 العبرية.
ويقول والد أحد الجنود القتلى: "يجب ألا يكون هناك المزيد من المختطفين، ولن يكون هناك المزيد من الهجمات".
في الإطار ذاته، فإن الرافضين للصفقة يؤكدون أنها ستسمح بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين "الملطخة أيديهم بدماء إسرائيليين". ويقول والد أحد القتلى: "إذا لم يتم إطلاق سراح المختطفين بالطريقة الصحيحة، فإن المواطنين الآخرين سيدفعون الثمن، كما أدفع اليوم ثمن صفقة شاليط".
وتسببت صفقة شاليط (أكتوبر/تشرين الأول 2011) بالإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين، بينهم الشهيد يحيى السنوار الذي يصفه الاحتلال بـ"مهندس طوفان الأقصى"، العملية التي تسببت بمقتل وأسر مئات الإسرائيليين.
ويقول بن غفير: "إن الصفقة ستطلق سراح مئات الإرهابيين الملطخة أيديهم بالدماء، وتتخلى عن أمن سكان إسرائيل".
ثالثاً: الصفقة لم تحسم إدارة غزة
ومن ضمن المخاوف الإسرائيلية: "كيف ستمنع إسرائيل حركة حماس من العودة إلى الحكم؟". وتقول صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن الجيش الإسرائيلي في لبنان ما زال يهاجم أهدافاً تابعة لحزب الله من وقت لآخر لأسباب مختلفة، ومن غير الواضح إلى أي مدى ستوافق حماس على مثل هذا التصرف الإسرائيلي بعد نهاية الحرب.
ويجري الحديث عن "اليوم التالي" للحرب، حيث فشلت الحكومة الإسرائيلية خلال 15 شهراً من الحرب على غزة في تقديم بديل لحكم حماس.
في هذا الإطار، تشير الصحيفة الإسرائيلية إلى أن حماس وافقت على تشكيل لجنة من التكنوقراطيين لإدارة قطاع غزة ظاهرياً، لكنها وسيلة للحركة للعودة إلى الحكم من خلال وضع شخصيات مرتبطة بها في مناصب رئيسية.
وعلاوة على ذلك، وبما أن القوة العسكرية للحركة لم يتم القضاء عليها بالكامل، وليس من المتوقع أن توافق على نزع سلاحها، فإن هذا سيفرض صعوبات كبيرة على أي حكومة تحل محلها، بحسب الصحيفة.
ويقول المحلل الإسرائيلي آفي يسخاروف إن الحكومة الإسرائيلية، كما تسببت في أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فإنها تساعد الآن حماس على الخروج من هذه الحرب الرهيبة على قدميها، مع إطلاق سراح جماعي للسجناء، وسيكون هناك من سيصف ذلك بأنه انتصار.