“بين رئيس تحدي” أم “توافق”.. ما الذي احتاجه الأمر للجلوس على كرسي الرئاسة الفارغ في لبنان منذ عامين؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/01/09 الساعة 13:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/01/09 الساعة 13:28 بتوقيت غرينتش
الشغور الرئاسي في لبنان استمر لمدة عامين/ بواسطة AI

استمرت حالة الشغور الرئاسي في لبنان إلى أكثر من عامين، مع تمسك الكتل الحزبية والسياسية بمحاولة فرض "رئيس تحدي"، دون التوصل لاتفاق بينها على "رئيس توافق"، وهو ما تم آخر الأمر بانتخاب قائد الجيش جوزيف عون، الأربعاء 9 يناير/كانون الثاني 2025.

فما الذي يعنيه "رئيس توافق" و"رئيس تحدي" في السياسة اللبنانية، وكيف ساهم في استمرار هذه الأزمة وتكرارها مراراً؟

رئيس تحدي أم رئيس توافق؟

يُعدّ الرئيس السابق ميشال عون الذي انتهت ولايته في  31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، "رئيس تحدي"، الأمر الذي حاولت كتل سياسية تكراره خلال العامين الماضيين دون نتيجة.

رئيس تحدي: هو مصطلح متعارف عليه في السياسة اللبنانية لوصف عملية اختيار الرئيس اللبناني بشكل منفرد من كتلة حزبية أو أكثر دون توافق مع غالبية القوى في البرلمان، كما حدث عند فوز ميشال عون برئاسة لبنان كمرشح تحدي لحزب الله وحركة أمل، بعد فشل 45 جلسة لانتخاب الرئيس، لينهي فراغًا رئاسياً دام حينها 29 شهراً.

رئيس توافق: يقصد به الرئيس الذي تتوافق عليه غالبية القوى في البرلمان.

خلال العامين الماضيين، قدم حزب الله وحركة أمل مرشحهم سليمان فرنجية كمرشح تحدي، ليراهنا على تكرار ما استطاعا فعله حين دعما ترشيح ميشال عون عام 2016.

إلا أنه مع المستجدات الأخيرة وما تعرض له الحزب جراء الحرب مع الاحتلال الإسرائيلي من اغتيالات كبيرة لقادة الصف الأول والثاني له، ومروره عسكرياً وسياسياً بظروف صعبة جراء ذلك، لا يبدو أنه سيستمر بسياسته المتمسكة بعدم التوافق مع القوى السياسية الأخرى.

مرشح التحدي الآخر، هو جهاد أزعور، مرشح القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي، والكتل الحزبية المعارضة لحزب الله وأمل في البرلمان، والتي أعلنت مؤخراً دعمها ترشيحه قائد الجيش عون.

أما مرشح التوافق، هو العماد جوزيف عون، قائد الجيش، الذي يجري تداول اسمه منذ الشغور الرئاسي كأحد الحلول للأفق السياسي المسدود، باعتباره رئيساً توافقياً يمكن للكتل السياسية الاتفاق عليه.

إلا أن حزب الله وحركة أمل لم يدعما هذا الخيار طوال العامين الماضيين، حتى إعلان فرنجية سحب ترشحه من الرئاسة في 8 يناير/كانون الثاني 2025، ما عكس أنهما فتحا المجال للتوافق على مرشح التوافق جوزيف عون، لا سيما أن مجموع الأصوات التي حصل عليها جوزيف عون في الدورة الأولى خلى من أصوات حزب الله ليحصل على 71 صوتاً، في حين أنه في الدورة الثانية حصل على 99 صوتاً شملت أصواتاً من النواب الشيعة المحسوبين على حركة أمل وحزب الله.

الكتل السياسية داخل البرلمان ومواقفها

يتألف المجلس النيابي اللبناني من 128 نائباً، يتوزعون على عدد من الكتل النيابية والقوى السياسية.

ويحتاج المرشح الرئاسي في لبنان الحصول على أغلبية الثلثين، 86 نائباً من أصل 128 مقعداً في مجلس النواب في الدورة الأولى، والحصول على غالبية (النصف +1) في الدورات التالية، بحسب المادة 49 من الدستور اللبناني.

وفقاً لوكالة الأناضول، فإنه بحسب البيانات المعلنة وتصريحات الكتل الحزبية، فإن الأصوات المؤيدة لعون في الدورة الأولى بلغت 71 نائباً، ما يعني أنه كان بحاجة إلى 15 صوتاً إضافياً للفوز.

والأصوات المؤيدة من القوى والكتل السياسية لترشيح عون هي:
– حزب القوات اللبنانية (كتلة الجمهورية القوية): 19 صوتاً، بعد تخليها عن ترشيح أزعور.
– كتلة حزب الكتائب اللبنانية: 4 أصوات.
– كتلة اللقاء الديمقراطي (الحزب الاشتراكي): 8 أصوات.
– كتلة تجدد: 3 أصوات.
– قوى التغيير: 7 أصوات.
– النائبان الأرمنيان: صوتان.
– تكتل الوطني المستقل: 4 أصوات.

– كتلة الاعتدال الوطني: 6 أصوات.
– كتلة التوافق الوطني: 5 أصوات.
– تحالف التغيير: 3 أصوات.
– لبنان الجديد: 6 أصوات.
-كتلة اللقاء التشاوري المستقبل: 3 أصوات.

في المقابل، فإن الكتل الأساسية التي لم تعلن دعمها لقائد الجيش في الدورة الأولى، ولكنها كانت تدعم ترشيح فرنجية قبل إعلان سحب ترشحه، هي:
– حركة أمل (كتلة التنمية والتحرير): 15 نائباً.
– حزب الله (كتلة الوفاء للمقاومة): 15 نائباً.
– التيار الوطني الحر (كتلة لبنان القوي):  13 نائباً.

وفي الدورة الثانية بلغ عدد الأصوات 99 صوتاً، أي بانتخاب من الكتل الشيعية التي كانت رفضت التصويت لصالح عون في الدورة الأولى.

توزيع مقاعد البرلمان بحسب الكتل الحزبية

تتوزع مقاعد البرلمان بحسب الانتماءات الحزبية والقوى السياسية الفاعلة في البلاد، وهي:

  • كتلة القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع 19 نائباً.
  • كتلة التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل وتضم 16 نائبا من النواب الأرمن.
  • كتلة التحرير والتابعة لحركة أمل برئاسة نبيه بري 14 نائبا.
  • كتلة حزب الله 13 نائبا.
  • كتلة اللقاء الديمقراطي (الحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط) 8 نوّاب.
  • كتلة الكتائب اللبنانية برئاسة سامي الجميل وتضم 4 نوّاب.
  • حزب الطاشناق الأرمني 3 نواب، المتحالف حتى الآن مع التيار الوطني الحر.

*بحسب المستقلين:

– قوى التغيير 15 نائباً شاباً (لا ينسّقون بينهم) الذين يقولون إنهم "يحملون أفكار انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019".

  • شخصيات مستقلة أخرى، 13 نائباً، لا يتبعون أي تحالف.
  • من "تيار المستقبل" السابقون، 9 نواب.
  • مستقلون متحالفون مع حزب الله، 3 نواب.

وهناك حصص أقل من مقعد إلى مقعدين لكل حزب منها، مثل: "تيار المردة"، وحزب الاتحاد، وغيرها.

خريطة البرلمان اللبناني بحسب الطوائف الدينية

تتوزع الكتل الحزبية داخل البرلمان اللبناني بالمناصفة بين المسلمين والمسيحيين، أي 64 لكل منها، وذلك بحسب اتفاق الطائف عام 1989.

وتنقسم الطوائف الإسلامية بحسب عدد مقاعد البرلمان إلى:

28 نائبا سنياً

28 نائبا شيعياً

8 نوّاب دروز

وكذلك الطوائف المسيحية:

34 مسيحياً مارونياً

14 للأرثوذكس

 8 للكاثوليك

 5 للأرمن

وهناك مقعدان من العلويين

ومقعد واحد للأقليات داخل الطائفة المسيحية

كيف ينتخب الرئيس اللبناني بحسب الدستور؟

ينتخب الرئيس بالاقتراع السرّي بغالبية ثلثي أعضاء مجلس النواب في الدورة الأولى، أي 86 من أصل من 128 نائبا، بينما تكفي الغالبية المطلقة (النصف+1) لانتخابه في دورات الاقتراع التي تلي ذلك، على أن يكون نصاب حضور هذه الدورات الثلث على الأقل.

لا يلزم الدستور الراغبين للترشح إلى الرئاسة بتقديم ترشيحات مسبقة.

الدستور اللبناني لا يميّز بين المواطنين لتولّي المناصب، إلا أن النظام السياسي المتبّع منذ عقود في لبنان، يقضي بتقاسم السلطات والمناصب العليا وفقا للانتماءات الدينية والطائفية.

يطلق على ذلك المحاصصة الطائفية، ولها نصيبها ودورها في عملية اختيار الرئيس في لبنان، بحسب العرف السياسي الذي اعتمد مع استقلال لبنان في عام 1943، بحسب الميثاق الوطني المعلن حينها. 

جاء بعدها "اتفاق الطائف" لوقف الحرب الأهلية في لبنان، بوساطة سورية- سعودية في عام 1989، ونص على محاولة إنهاء المحاصصة الطائفية، دون خطوات عملية لذلك، لتستمر بذلك المحاصصة الطائفية إلى اليوم.

ضمن العرف السياسي في لبنان، يتولى الرئاسة مسيحي ماروني، ورئاسة الحكومة سُني، ورئاسة البرلمان شيعي.

كذلك يمتد العرف إلى مناصب أخرى كأن يكون قائد الجيش مارونياً، وقائد الدرك سنياً، ومدير الأمن العام شيعياً، وحاكم مصرف لبنان مارونياً.

تدوم فترة ولاية الرئيس 6 سنوات غير قابلة للتجديد، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا بعد مرور 6 سنوات على انتهاء ولايته الأولى، إلا أن هذه القاعدة تمّ اختراقها مرتين تاريخيا في لبنان، وتحديدا في عهد الرئيسين إلياس الهراوي (1989- 1998) والعماد إميل لحّود (1998- 2007).

إصرار كتل سياسية على
إصرار كتل سياسية على "مرشح تحدي" أطال بالشغور الرئاسي في لبنان/ بواسطة AI

تكرار حالة الشغور الرئاسي

تعد حالة الشغور الرئاسي التي حصلت منذ انتهاء عهد ميشال عون 2022، السادسة من نوعها في تاريخ لبنان.

حالات الشغور الست تنوعت بين ساعات وأيام وحتى سنوات.

1. استقالة الرئيس بشارة الخوري (1952) (لمدة 6 أيام):

  • استمرت حالة الشغور الرئاسي بعد استقالة الرئيس بشارة الخوري، ستة أيام.
  • وانتخب كميل شمعون رئيساً للبنان بعدها.

2.  استقالة الرئيس فؤاد شهاب  (1960) (لمدة ساعات):

استقال من منصبه في 20 يوليو/يوليو 1960، لبضع ساعات، وعاد عنها نتيجة ضغط وإلحاح من مختلف الأطراف السياسية في لبنان.

3. انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل (1988) (لمدة ساعات فقط):

  • انتهت ولاية الرئيس أمين الجميل دون انتخاب خلف له، ما أدى إلى شغور رئاسي استمر عاماً و44 يوماً.
  • خلال هذه الفترة، شكل الجميل حكومة عسكرية برئاسة قائد الجيش آنذاك، العماد ميشال عون.

4. انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود (2007) (لمدة 6 أشهر):

  • انتهت ولاية الرئيس إميل لحود في نوفمبر/تشرين الثاني 2007، ودخل لبنان في شغور رئاسي استمر حتى مايو 2008.
  • انتُخب حينها العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية بعد اتفاق الدوحة.

5. انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان (2014) (لمدة عامين ونصف):

  • انتهت ولاية الرئيس ميشال سليمان في مايو/أيار عام 2014، ودخل لبنان في أكبر حالة شغور رئاسي، استمرت حتى أكتوبر/تشرين الأول 2016.
  • انتُخب حينها العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية.

6. انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (2022):

  • انتهت ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر/تشرين الأول 2022، ودخل لبنان في شغور رئاسي مستمر حتى تاريخ نشر التقرير.
يحكم الرئيس في لبنان لمدة 6 سنوات غير قابلة للتمديد/ بواسطة AI
يحكم الرئيس في لبنان لمدة 6 سنوات غير قابلة للتمديد/ بواسطة AI

أسباب الشغور الرئاسي في لبنان منذ عام 2022

تأخر اختيار رئيس الجمهورية في لبنان هو قضية معقدة تتأثر بعوامل داخلية وخارجية عدة، وعادة ما تلعب التدخلات الإقليمية والدولية دوراً محورياً في هذا التأخير.

ويمكن تلخيص تأثيراتها على النحو التالي:

1. توازن القوى الإقليمية

تؤدي اشتراطات الأطراف الدولية والإقليمية على نوعية الرئيس ومعايير اختياره تؤدي إلى استقطاب داخلي يُعرقل التفاهم داخل البرلمان اللبناني.

وأبرز اللاعبين الإقليميين هم:

  • إيران: تدعم حزب الله، وهو من الأطراف السياسية والعسكرية المؤثرة في لبنان، ولديها مصالح استراتيجية فيه. 
  • السعودية: تدعم أطرافاً سياسية أخرى، أبرزها القوى السنية وحلفائها. وتسعى الرياض إلى ضمان أن يكون الرئيس اللبناني متوازناً وغير خاضع بالكامل لنفوذ إيران.
  • سوريا: كان لها دور تاريخي بشكل مباشر على السياسة اللبنانية، وكان النظام السوري السابق برئاسة بشار الأسد لا يزال يحاول التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية رغم تراجع نفوذه هناك، ومع سقوط نظامه لا تشهد الساحة اللبنانية في المرحلة الانتقالية السورية تدخلات من سوريا حتى الآن.

2. الصراع الدولي:

  • الولايات المتحدة: تهدف إلى تقليص نفوذ حزب الله وإيران في لبنان، لذلك تضغط لاختيار رئيس يتماشى مع سياسات الغرب.
  • فرنسا: تلعب دور الوسيط بين الأطراف السياسية لا سيما المسيحية، لتحقيق توافق بينها، بحجة العلاقات التاريخية بين البلدين، وقد كانت لبنان مستمرة سابقاً من فرنسا قبل أن تستقل عنها.
  • روسيا: تتدخل بشكل غير مباشر في لبنان، خاصة إذا كان لذلك تأثير على توازن القوى الإقليمي، بالتنافس مع المصالح الأمريكية، وسعت موسكو إلى قيامها بدور الوسيط في التوصل إلى اتفاق التهدئة في لبنان مع الاحتلال الإسرائيلي عام 2014.

3. التأثير الاقتصادي:

  • تستخدم القوى الدولية المساعدات والضغوط الاقتصادية كوسيلة للضغط على الأطراف اللبنانية لقبول رئيس معين يخدم مصالحها.

4. غياب توافق داخلي مستقل:

في ظل التدخلات الخارجية، أصبح من الصعب على الأطراف اللبنانية أن تتوصل إلى اتفاق داخلي مستقل على شخصية الرئيس، حيث تحاول كل جهة تحقيق مكاسبها الإقليمية والدولية عبر هذا المنصب.

بالتالي، فإن التدخلات الإقليمية والدولية لها دور رئيس في إعاقة اختيار رئيس للبنان، وتكرار حالة الشغور الرئاسي فيه، لأنها تُسهم في خلق استقطاب داخلي وتضارب في الأولويات. 

لذلك تكثر الدعوات السياسية إلى إحداث توافق داخلي مستند إلى مصلحة وطنية بعيداً عن الإملاءات الخارجية.

تم إعداد هذه المادة بمساعدة أدوات الذكاء الاصطناعي، وقد قام محررو “عربي بوست” بمراجعة محتواها والتأكد من دقة المعلومات الواردة فيها لضمان تقديمها بما يتماشى مع معايير الصحافة الإلكترونية.

تحميل المزيد