أعلن رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، الاثنين 6 يناير/كانون الثاني 2025، استقالته من مهامه كزعيم للحزب الليبرالي ورئيس للوزراء، بعد تعيين الرئيس الجديد لحزبه.
وقال ترودو، في مؤتمر صحفي بالعاصمة أوتاوا، إنه "يدرك أنه قد لا يكون الخيار الأفضل" في الانتخابات المقبلة بسبب "الصراعات السياسية" في البلاد.
وأوضح ترودو أن هذه الخطوة تهدف إلى "تقليل الاستقطاب في البلاد وتحسين أداء البرلمان".
وأكد أنه ناضل من أجل بلاده طوال فترة رئاسته للوزراء.
ومؤخراً، واجه ترودو، الذي يتزعم الحزب الليبرالي منذ أبريل/نيسان 2013 ويشغل منصب رئيس وزراء كندا منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2015، انتقادات متزايدة من داخل الحزب، ما أدى إلى تراجع أصوات حزبه.
هل تعرض ترودو لضغوط لإعلان استقالته؟
شهد ترودو، الذي كان نجماً صاعداً في عالم السياسة التقدمية العالمية، العام الماضي انخفاضاً في معدلات تأييده إلى مستوى منخفض جديد بلغ 33% فقط. وكشف الاستطلاع نفسه عن إحباط واسع النطاق بسبب الركود الاقتصادي، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية.
ومثل العديد من الزعماء في الغرب، عانى ترودو من معدلات التضخم القياسية وارتفاع أسعار المواد الغذائية. كما أدت أزمة الإسكان المحلية، التي شهدت ارتفاع أسعار المساكن في بعض المناطق بنسبة تتراوح بين 30% و40% في السنوات الأخيرة، إلى تعميق الاستياء من الحكومة.
ولم تساعد الفضائح السياسية خلال فترة ولايته الطويلة ترودو أيضاً. فقد تعرض رئيس الوزراء الكندي لانتقادات شديدة في عام 2017 بعد أن أمضى عطلة في جزيرة بالبحر الكاريبي يملكها أغا خان، إمام الشيعة الإسماعيلية. وكشف ترودو آنذاك أنه سافر إلى الجزيرة على متن طائرة هليكوبتر خاصة، وهو ما يُعد خرقاً واضحاً لقواعد السلوكيات وأخلاقيات العمل.
كما أضر بسمعته غيابه عن اليوم الوطني الأول للحقيقة والمصالحة في البلاد لقضاء إجازة ركوب الأمواج، بالإضافة إلى الكشف عن حصول أفراد عائلته على مئات الآلاف من الدولارات من مؤسسة خيرية منحتها حكومته مؤخراً عقداً كبيراً.
لماذا أعلن ترودو عن الاستقالة الآن؟
بموجب القانون الفيدرالي، يتعين إجراء الانتخابات بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2025. ولكن في الأشهر الأخيرة، كان أعضاء حزب ترودو الليبرالي يقيّمون ما إذا كان الوقت قد حان لتنحي الزعيم وتعيين شخص جديد.
وكان 24 من أصل 153 نائباً من الحزب الليبرالي الحاكم قد دعوا ترودو إلى الاستقالة بحلول 28 أكتوبر/تشرين الأول 2024 "خوفاً من الهزيمة في الانتخابات المقبلة".
وفي منتصف ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلنت نائبته المخلصة، كريستيا فريلاند، استقالتها من منصبها بشكل درامي، حيث انتقدت رئيس الوزراء علناً وتساءلت عما إذا كان قادراً على التعامل مع قضايا متعددة، من بينها التعريفات الجمركية التي أعلن الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، فرضها على كندا.
وبعد أيام، قال مشرعون ليبراليون من كندا الأطلسية، التي تتكون من أربع مقاطعات: نيو برونزويك، ونيوفاوندلاند ولابرادور، ونوفا سكوشا، وجزيرة الأمير إدوارد، بالإضافة إلى أونتاريو وكيبيك، إن الوقت قد حان لتولي زعيم جديد.
ما هي علاقة ترامب بالقصة؟
تضمّن مبدأ القومية الاقتصادية الذي يتبناه ترامب، والذي يحمل شعار "أمريكا أولاً"، تهديداً بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على كندا.
وكتب ترامب في منشور على منصة "تروث سوشال" للتواصل الاجتماعي، في 25 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي: "في 20 يناير/كانون الثاني، وكواحد من أوامري التنفيذية الأولى العديدة، سأوقّع كل الوثائق اللازمة لفرض تعريفة جمركية بنسبة 25% على المكسيك وكندا على جميع المنتجات القادمة إلى الولايات المتحدة وحدودها المفتوحة السخيفة".
وأضاف ترامب أن هذه الرسوم الجمركية ستظل سارية حتى يقوم البلدان، كندا والمكسيك، بتضييق الخناق على المخدرات، لا سيما الفنتانيل، وعلى المهاجرين الذين يعبرون الحدود بشكل غير قانوني.
وعلى إثر ذلك، حذرت نائبة ترودو ووزيرة ماليته السابقة، كريستيا فريلاند، من أن كندا، التي تُعد أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، بحاجة إلى أن تأخذ هذا التهديد "على محمل الجد".
واستقالت فريلاند بعد خلاف مع ترودو بشأن كيفية التعامل مع الرسوم الجمركية الأمريكية المحتملة، مما وجّه ضربة غير متوقعة لحكومة لا تحظى بشعبية بالفعل.
وسخر ترامب من ترودو ووصفه بأنه "حاكم" وليس رئيس وزراء "ولاية كندا العظيمة"، مما يشير إلى أنها ولاية أمريكية وليست دولة ذات سيادة.
ماذا سيحدث الآن؟
كان من المقرر أن يجتمع المشرعون الليبراليون، الأربعاء، لمناقشة ما إذا كان ترودو سيكمل مهامه في منصب رئيس الوزراء حتى موعد الانتخابات المقبلة. وقد اعتُبر إعلان ترودو، يوم الاثنين، عن اعتزامه التنحي عن منصبه بعد أن يختار الحزب بديلاً له، بمثابة خطوة استباقية لهذا الاجتماع.
وفي الخطاب نفسه، أعلن أنه سيعلق أعمال البرلمان حتى 24 مارس/آذار 2025، مما سيتيح لحزبه الوقت لاختيار زعيم جديد.
متى سيتم إجراء الانتخابات؟
ينص القانون الفيدرالي على إجراء الانتخابات بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2025. ولكن مع إعلان جميع أحزاب المعارضة علناً أنها لم تعد تثق في الليبراليين الحاكمين، فمن المرجح أن تتم الانتخابات قبل ذلك بكثير.
ومن المتوقع أن يفوز المحافظون بحكومة أغلبية في ضوء استطلاعات الرأي الحالية. ومع ذلك، قد تتغير هذه النتيجة بشكل كبير اعتماداً على الزعماء الجدد الذين سيختارهم الليبراليون.
من هم المرشحون لخلافة ترودو؟
يستغرق اختيار زعماء الأحزاب الفيدرالية في كندا فترة تمتد إلى أربعة أو خمسة أشهر، وهي عملية تتضمن اجتماعاً رسمياً لأعضاء الحزب لتحقيق هذا الهدف، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).
وتبرز أسماء خمس مرشحين لخلافة ترودو وهم:
1- كريستيا فريلاند
- نائبة رئيس الوزراء الكندي السابقة التي أعلنت استقالتها بعد خلاف مع ترودو.
- هي واحدة من أشهر أعضاء فريق ترودو، وقد شكلت رسالة استقالتها العلنية ضغوطاً عليه، حسبما بي بي سي.
- شغلت منصب وزيرة الخارجية ووزيرة المالية في كندا قبل استقالتها.
2- ميلاني جولي
- تتولى جولي منصب وزيرة الخارجية الكندية.
- أدرج ترودو جولي في لجنة وزارية معنية بالعلاقات مع الولايات المتحدة بعد فوز الرئيس المنتخب ترامب.
- تسمي نهجها بـ"الدبلوماسية البراجماتية"، بما في ذلك العمل مع البلدان التي لا تتفق كندا معها في الرأي.
3- دومينيك لوبلانك
- تولى لوبلانك حقيبة وزارة المالية بعد استقالة فريلاند، وهو أحد أقرب حلفاء ترودو.
- ترشح لقيادة الحزب الليبرالي في عام 2008.
- رافق ترودو للقاء ترامب في منتجع مارالاغو بولاية فلوريدا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
- تولى والده منصب وزير في حكومة والد ترودو عندما كان رئيساً للوزراء.
4- مارك كارني
- شغل كارني سابقاً منصب محافظ بنك كندا
- كان ترودو يسعى بشكل خاص إلى ترشيحه لتولي وزارة المالية خلفاً لفريلاند.
- ذكرت صحيفة تورنتو ستار أن كارني اتصل بأعضاء الحزب الليبرالي في البرلمان لطلب دعمهم له لكي يترشح لرئاسة الحزب الليبرالي.
- يزعم كتابه الصادر عام 2022 بعنوان " القيم " أن التغيير الجذري في الاقتصاد ضروري للتعامل مع التفاوت المتزايد.
5- آنيتا أناند
- تشغل منصب وزيرة النقل وهي عضو "أكثر طموحاً" في الكتلة الليبرالية.
- تتمتع بخبرة في تنظيم الأسواق المالية وحوكمة الشركات، وفي الحكومة الفيدرالية.
- أشرفت سابقاً على الخدمات العامة والمشتريات والدفاع ومجلس الخزانة.
ما هي مواقف ترودو تجاه الحرب على غزة والعرب والمسلمين؟
كان ترودو صريحاً في دعمه للعرب والمسلمين في كندا، وعين عدداً منهم في حكومته. وكانت له زيارات للمؤسسات الدينية والمساجد، حيث طور علاقات قوية مع زعماء المجتمع.
ولكن بعد الحرب الإسرائيلية على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 تصاعد الغضب بسرعة تجاه تعامل ترودو مع هذه المسألة.
وبينما أصر ترودو على أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، فقد طالب أكثر من عشرين عضواً في كتلته البرلمانية بدعوته إلى وقف إطلاق النار.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، صوتت كندا لصالح قرار أممي يدعو إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية. ولكن بعد فترة وجيزة، اضطرت حكومة ترودو إلى توضيح سبب عدم تخليها بأي حال من الأحوال عن موقفها المؤيد بشدة لإسرائيل.
ومنذ ذلك الحين، صوت البرلمان الكندي على اقتراح غير ملزم إلى حد كبير بتعليق شحنات الأسلحة إلى إسرائيل، وقال ترودو نفسه إن كندا ستفي بالتزاماتها كعضو في المحكمة الجنائية الدولية، وستعتقل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إذا كان تحت الولاية القضائية الكندية.
وفي أغسطس/آب الماضي، طالبت رسالة وقع عليها أكثر من خمسين عضواً عربياً ومسلماً من موظفي الحزب الليبرالي ترودو بأن يدين إسرائيل بسبب جرائم الحرب العديدة التي ترتكبها و"الخطاب الإبادي الذي يتبناه أعضاء مجلس الوزراء الإسرائيلي".