بعد سقوط نظام الأسد في سوريا في 8 ديسمبر 2024، تطرح العديد من التساؤلات حول فرص واحتمالات رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا من قبل الولايات المتحدة والغرب، حيث تعاني البلاد منذ عام 2011 من الانهيار الاقتصادي الذي فاقمته نيران الحرب والعقوبات التي فُرضت بسبب جرائم النظام السوري في قمع معارضيه وارتكاب العديد من المجازر بحق شعبه الذي خرج مطالباً بالحرية في عام 2011.
وعلى مدار سنوات طويلة، نجحت العقوبات في تقويض قدرات نظام الأسد المخلوع الاقتصادية والسياسية، لكنها أثرت بشكل كبير على الشعب السوري. ومع سقوط النظام، سيكون رفع العقوبات خطوة حاسمة لإعادة بناء الدولة والمجتمع، لكن هل هل تسمح واشنطن والغرب بذلك؟
هل يتم إزالة العقوبات الاقتصادية عن سوريا بعد خلع الأسد؟
- بعد سقوط النظام في 8 ديسمبر 2024 بدأت الدعوات لإزالة العقوبات الاقتصادية عن سوريا، وأظهرت رسالة اطلعت عليها وكالة رويترز أن عضوين في الكونجرس الأمريكي حثا مسؤولين كبار في إدارة الرئيس جو بايدن على تعليق بعض العقوبات المفروضة على سوريا لتخفيف الضغوط على اقتصادها المنهار، وذلك بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد.
- والخطوة هي أحدث مساعي الغرب من أجل تخفيف العقوبات بعد أن سيطرت قوات المعارضة بقيادة "هيئة تحرير الشام" على دمشق. حيث قال وزير بريطاني هذا الأسبوع إن بريطانيا قد تعيد النظر في تصنيفها لـ"هيئة تحرير الشام" كـ"منظمة محظورة".
- ووقع نائب جمهوري وآخر ديمقراطي على الرسالة التي تحمل تاريخ الثلاثاء 11 ديسمبر 2024 والموجهة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزيرة الخزانة جانيت يلين ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان.
- ولا شك أن إزالة العقوبات الاقتصادية عن سوريا سيعني أن يشهد الاقتصاد السوري تدفقاً كبيراً للاستثمارات العربية والأجنبية لدعم مشاريع إعادة الإعمار، مما يساهم في انتعاش قطاعات مثل الإسكان، النقل، والطاقة. مع العلم أن إعادة بناء بلد دُمّرت بنيته التحتية بشكل كبير ستتطلب وقتًا طويلًا وخططًا شاملة لضمان استدامة التعافي.
- وقد يؤدي رفع القيود المالية إلى استقرار سعر الصرف، وبالتالي تحسين الأوضاع المعيشية للسكان، فيما سيسمح إزالة الحظر على التجارة لسوريا بإعادة تصدير النفط والمنتجات الزراعية والصناعية، مما يولد إيرادات جديدة.
- في الوقت نفسه، فإن رفع العقوبات سيمكن سوريا من استعادة عضويتها في جامعة الدول العربية والمنظمات الدولية الأخرى، وإذا تزامن رفع العقوبات مع تحقيق إصلاحات سياسية شاملة، فقد يؤدي ذلك إلى استعادة الثقة بين المواطنين والنظام السياسي الجديد.
- يذكر أنه منذ عام 2011 فقدت الليرة السورية معظم قيمتها، حيث ارتفع سعر الصرف بشكل كبير، مما أدى إلى زيادة التضخم وأسعار السلع الأساسية. كما ارتفعت معدلات الفقر، حيث يعيش أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر، بسبب تراجع النشاط الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، بحسب تقارير الأمم المتحدة.
- وبسبب حظر استيراد المعدات والمواد الخام، تعطلت قطاعات صناعية رئيسية منذ 2011 ما أدى إلى شلل اقتصادي شامل. كما أدى نقص الوقود والكهرباء إلى انهيار الخدمات الأساسية كالمستشفيات والمدارس. وعرقلت العقوبات وصول المساعدات الإنسانية بسبب القيود على التحويلات المالية والبنكية.
موجز لتاريخ العقوبات على سوريا منذ عام 1979
- منذ عام 2011 شهدت سوريا سلسلة من العقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا وأستراليا وسويسرا وجامعة الدول العربية، بسبب قمع المدنيين في أحداث الثورة السورية منذ من عام 2011 وحتى سقوط النظام في ديسمبر 2024.
- لكن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت في فرض العقوبات على سوريا منذ عام 1979 عندما وضعتها على "قائمة الدول الراعية للإرهاب". حيث ظلت سوريا منذ ذلك الحين في هذا التصنيف وفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية. وتبرر واشنطن ذلك بسبب دعم النظام السوري لـ"الجماعات الإرهابية المدرجة في قائمة الولايات المتحدة"، ولاحقاً بسبب سماحها لبعض هذه الحركات مثل حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني بالاحتفاظ بمقار لها في دمشق لسنوات عديدة.
- وفي الفترة ما بين مارس وأغسطس 2004، أصدرت الولايات المتحدة عقوبات أخرى ضد نظام بشار الأسد. حيث جاءت تلك هذه العقوبات ضمن ما كان يعرف حينها بـ"مكافحة محور الشر" بحسب توصيف إدارة جورج بوش، والتي "تدين حيازة النظام السوري لأسلحة الدمار الشامل، وتدين قبضته على لبنان واستعداده لزعزعة استقرار العراق، فضلاً عن دعمه للمنظمات الإرهابية مثل حزب الله وحماس".
- كما تم فرض عقوبات أخرى عرفت باسم قانون "محاسبة سوريا والسيادة اللبنانية"، وفي تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية صدر عام 2006 قال "إن نظام الأسد تظل داعماً نشطاً لحزب الله، كما كان لسوريا حضور واضح في السياسة اللبنانية". ووفقاً للتقرير، فإن "سوريا لديها علاقات مشبوهة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في عام 2005".
العقوبات التي تبعت الثورة السورية 2011
- بعد اندلاع الثورة السورية في العام 2011، وسعت واشنطن وحلفاؤها العقوبات على سوريا، وشملت تجميد أصول، وحظر استيراد وتصدير تقنيات ومواد أخرى، بسبب استخدام النظام السابق العنف ضد المدنيين الذين يطالبون بالتغيير.
- بدأت هذه العقوبات في مايو/أيار 2011، عندما اعتمد الاتحاد الأوروبي عقوبات على سوريا، ولا سيما من خلال حظر الاتجار بالسلع التي يمكن استخدامها لقمع السكان المدنيين. كما اعتمد الاتحاد الأوروبي، حظراً على قطاع النفط السوري. هذا الحظر له تأثير كبير على الاقتصاد السوري من خلال أهمية صادرات النفط إلى الاتحاد لسوريا قبل الحرب الأهلية، التي كانت حوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي.
- في أغسطس 2011، فرضت الولايات المتحدة حظراً على قطاع النفط، وتجميد الأصول المالية لعدد من الشخصيات النافذة في النظام، فضلاً عن الأصول المالية للدولة السورية نفسها. وبالإضافة إلى ذلك، تحظر الولايات المتحدة تصدير السلع والخدمات الآتية من أراضي الولايات المتحدة أو من شركات أو أشخاص من الولايات المتحدة إلى سوريا. ويتعلق هذا الحظر بأي منتج يأتي على الأقل 10% من القيمة من الولايات المتحدة أو من مواطنيها. ولهذا التدبير تأثير واسع النطاق على السكان السوريين وعلى أسعار السلع الأساسية والمنتجات الطبية.
- في نوفمبر 2011، أعلنت الجامعة العربية عن تجميد الأصول المالية للنظام السوري، وانتهاء التبادل المالي مع البنك المركزي السوري، ووقف الخطوط الجوية بين بلدان الجامعة العربية وسوريا، والحظر المفروض على إقامة العديد من الشخصيات السورية، ووقف الاستثمارات في سوريا من جانب دول الجامعة العربية. وقد عارض لبنان واليمن هذه الجزاءات. وفي الشهر نفسه، أعلنت تركيا أيضاً تجميد الأصول المالية للدولة السورية.
- كما فرضت كندا وأستراليا وسويسرا جزاءات اقتصادية ومالية على سوريا. فعلى سبيل المثال، تحظر كندا، من خلال عدة جولات من القرارات التي اتخذت في الفترة من مايو 2011 إلى نوفمبر 2012، جميع واردات السلع من سوريا، وكذلك تصدير السلع الكمالية إلى سوريا، والخدمات المالية المتصلة بسوريا وأي استثمار في هذا البلد.
- في فبراير 2012، وضع الاتحاد الأوروبي تدابير جزاءات أخرى تتعلق بقطاع الطاقة، وإمدادات الأسلحة، والقطاع المالي في سوريا، فضلا عن قطاع التعدين. كما جمّد الاتحاد الأوروبي الأصول المالية لـ120 من المسؤولين أو المؤسسات السورية، ولا يمكنهم السفر إلى الاتحاد الأوروبي. ويشمل ذلك بشار الأسد، والمصرف المركزي السوري وعدة وزراء.
- في مارس 2017، كان قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يهدف إلى فرض جزاءات على سوريا عقب استخدام الأسلحة الكيميائية في أراضيها. بيد أن روسيا والصين استخدما حق النقض.
- في أبريل 2017، فرضت الولايات المتحدة التجميد المالي وحظر السفر على الخدمات المالية ضد 270 موظفاً حكومياً في النظام السوري في أعقاب هجوم خان شيخون.
عقوبات قانوني "قيصر" و"مكافحة الكيبتاغون"
- كانت العقوبات الأشد إيلاماً على نظام الأسد هو قانون "قيصر" لحماية المدنيين السوريين، الذي أقره الكونغرس الأمريكي في عام 2019. ويفرض القانون الأمريكي عقوبات على كل من يتعامل مع سوريا اقتصادياً وعسكرياً.
- سُمِّي مشروع القانون باسمِ قيصر نسبةً لشخصٍ مجهولٍ سرّب معلومات وما يقارب 55 ألف صورة لضحايا "تعذيب" في سوريا بين عامي 2011 و 2014، حيث قتل النظام تحت التعذيب في تلك الفترة عشرات آلاف المعتقلين.
- تفرض العقوبات في قانون قيصر، على كل من يقدم دعماً مالياً وتقنياً ومادياً للنظام السوري أو شخصية سياسية عليا في النظام، والدعم المالي يشمل توفير القروض وائتمانات التصدير.
- بالنسبة للنفط ومصادر الطاقة، نص القانون على فرض عقوبات على كل من يعمد إلى توفير السلع أو الخدمات أو التكنولوجيا أو المعلومات أو أي دعم من شأنه توسيع الإنتاج المحلي في مجال الغاز الطبيعي والنفط والمشتقات النفطية. وفي مسألة إعادة الإعمار، كما ينص القانون على ردع الأجانب عن إبرام العقود المتعلقة بإعادة الإعمار.
- في عام 2021 و 2024 فرضت الولايات المتحدة قوانين "مكافحة الكبتاغون" التي أجازها الكونغرس الأمريكي، والذي الذي يمنح الحكومة الأمريكية صلاحيات موسعة لمحاسبة النظام السوري والشبكات المرتبطة به مثل حزب الله وجميع من ينشط أو ينخرط في الاتجار بالمخدرات، كما نص مشروع القانون.