لا تزال ردود الفعل الدولية تتوالى بعدما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، قبل عدة أيام بتهم تتعلق بـ"ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" خلال حرب الإبادة المتواصلة على غزة منذ أكثر من عام.
وتباينت مواقف الدول على قرار المحكمة الجنائية الدولية بين داعم ومعارض.
فبينما وصف رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم مذكرة الاعتقال بأنها "نصر عظيم"، قال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الجمعة، إنه سيدعو نتنياهو لزيارة المجر، مضيفاً أنه سيضمن عدم "تنفيذ" مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضده.
وباتت جميع الدول الـ 124 الأطراف في نظام روما الأساسي، بما في ذلك جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ملزمة قانوناً باعتقال الرجلين، خاصة أن المحاكمة لا يمكن أن تبدأ غيابياً، ويجب على الدول الأعضاء تسليم المتهمين إلى المحكمة في لاهاي.
ولكن المحكمة لا تملك صلاحيات تنفيذية، بل تعتمد على تعاون الدول الأعضاء في اعتقال المشتبه بهم وتسليمهم.
وفي إسرائيل يدور نقاش حول الحجج القانونية التي قد تلجأ إليها تل أبيب للحيلولة دون تنفيذ قرار الجنائية الدولية ضد نتنياهو وغالانت اللذين أصبحا الآن هاربين بموجب القانون الدولي.
وشملت الطرق القانونية التي دار الحديث بشأنها مبدأ الحصانة الدبلوماسية التي يحظى بها زعماء الدول ورؤساء الحكومات، الذي قد تلجأ إليه تل أبيب لمنع اعتقال مسؤوليها، بالإضافة إلى إجراء تحقيق "جدي ومستقل" في ممارسات جيش الاحتلال بقطاع غزة وجنوب لبنان.
ونقل تقرير لموقع ميدل إيست آي البريطاني عن خبراء قولهم إن حقيقة أن نتنياهو وغالانت ينتميان إلى دولة ليست طرفاً في نظام روما الأساسي قد تُستخدم كذريعة لإثبات الحصانة التي تحول دون تقديمهما للمحاكمة.
في هذا التقريرنسلط الضوء على أهم التساؤلات التي تتعلق بقواعد الحصانة بموجب نظام المحكمة الجنائية الدولية والقانون الدولي بشكل عام، وما إذا كانت هذه القواعد قد تحمي نتنياهو أو غالانت أو غيرهما من المسؤولين الإسرائيليين من الملاحقة القضائية، فضلاً عن مدى جدية إجراء تحقيق مستقل من جانب إسرائيل في ممارسات الجيش.
ما هي أنواع الحصانة الموجودة بموجب القانون الدولي؟
- لا توجد معاهدة تنص على قواعد الحصانة بموجب القانون الدولي، ولكن يمكن استخلاص هذه القواعد من ممارسات الدول وأحكام المحاكم والآراء القانونية.
- يمكن لمسؤول الدولة الذي يواجه اتهامات بارتكاب جرائم دولية خطيرة مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية أن يستعين بنوعين من الحصانة أمام المحاكم الوطنية أو الدولية.
- أولاً، قد يزعمون أنهم يستحقون الحصانة الوظيفية، التي تحميهم بشكل دائم من الملاحقة القضائية عن الأفعال التي قاموا بها بصفتهم الرسمية كجهات فاعلة للدولة.
- من الناحية النظرية، تنطبق هذه الحماية أثناء وبعد تركهم لمناصبهم. إلا أن فقه القانون الجنائي الدولي الذي أعقب الحرب العالمية الثانية أدخل استثناءً لهذه القاعدة فيما يتصل بالجرائم الدولية الخطيرة.
- وقد شكلت محاكمات نورمبرغ، والمحاكم الخاصة ليوغوسلافيا السابقة ورواندا، فضلاً عن نظام روما الأساسي، تحدياً دائماً للمنطق الكامن وراء هذا النوع من الحصانة من خلال ترسيخ مفهوم المسؤولية الجنائية الفردية وعدم أهمية الصفة الرسمية في حالات ادعاء الجرائم الدولية.
- وهذا هو أيضاً موقف لجنة القانون الدولي، وهي الهيئة الرئيسية للخبراء التابعة للأمم المتحدة المكلفة بتطوير القانون الدولي وتدوينه.
- أما النوع الثاني من الحصانة، المعروف بالحصانة الشخصية، فهو أكثر إثارة للجدل وقد تستخدمه الدول إما لرفض اعتقال القادة الإسرائيليين وتسليمهم إلى المحكمة الجنائية الدولية أو لحمايتهم من الملاحقة القضائية أمام محاكمها الوطنية.
- تحمي الحصانة الشخصية رؤساء الدول وكبار المسؤولين، وكذلك الدبلوماسيين، من الملاحقة القضائية أثناء توليهم مناصبهم من أجل الحفاظ على حسن سير العلاقات الدولية والقدرة غير المحدودة للمسؤولين على أداء واجباتهم، بما في ذلك تمثيل دولهم على الصعيد الدولي.
- وتوجد قوانين في مختلف أنحاء العالم تكرّس الحصانة الشخصية للدبلوماسيين في مهام رسمية وللمسؤولين الحكوميين العاملين، وخاصة رئيس الدولة ورئيس الوزراء ووزير الخارجية. وتسري هذه القوانين عندما يكون المسؤولون موجودين على أراضي دولة أخرى بصفة رسمية.
- وفي حالة نتنياهو، فإن هذه الحصانة قد تحميه عندما يسافر إلى دول ليست طرفاً في نظام روما إذا كانت هذه الدول تتمتع بمبدأ الولاية القضائية فيما يتعلق بالجرائم الدولية، مثل الولايات المتحدة.
- والولاية القضائية العالمية هي مبدأ قانوني يسمح للدولة بمحاكمة الأشخاص عن جرائم دولية خطيرة، بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة أو جنسية الضحية أو الجاني.
- ولكن من المفهوم على نطاق واسع أن أنواع الحصانة المذكورة أعلاه لا تنطبق على حالة صدور مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية. وذلك لأنه من غير المتنازع عليه أن المسؤولين الحكوميين من جميع الرتب لا يتمتعون بالحصانة أمام محكمة دولية ذات اختصاص قضائي، مثل المحكمة الجنائية الدولية.
- وكان الهدف من نظام روما الأساسي هو محاسبة الأفراد على الجرائم الأربع التي تندرج ضمن اختصاصه – الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والعدوان – بغض النظر عن صفتهم الرسمية كمسؤولين أو قادة للدولة.
هل يتمتع نتنياهو بالحصانة بموجب نظام روما الأساسي؟
- تنص المادتان 27 و98 من نظام روما على قواعد الحصانة.
- وتنص المادة 27 بوضوح على أن النظام الأساسي يطبق على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية. وتضيف المادة أن الحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص سواء كانت في إطار القانون الوطني أو الدولي لا تحول دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص.
- لكن الثغرة الرئيسية في النظام الأساسي التي قد تستغلها الدول الأطراف لرفض اعتقال نتنياهو وتسليمه، كما هو الحال مع الدول التي فشلت في اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تتمثل في البند (1) في المادة 98، الذي يقدم استثناءً للمادة 27 فيما يتعلق باعتقال وتسليم المسؤولين من الدول غير الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، مثل إسرائيل.
- وينص البند على أنه :"لا يجوز للمحكمة أن توجه طلب تقديم أو مساعدة يقتضي من الدولة الموجه إليها الطلب أن تتصرف على نحو يتنافى مع التزاماتها بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بحصانات الدولة أو الحصانة الدبلوماسية لشخص أو ممتلكات تابعة لدولة ثالثة ما لم تستطع المحكمة أن تحصل أولاً على تعاون تلك الدولة الثالثة من أجل التنازل عن الحصانة".
- وقالت باولا جيتا، أستاذة القانون الدولي وخبيرة في شؤون الحصانة: "في ظاهر الأمر، تنطبق هذه القاعدة على نتنياهو، الذي يتمتع بالحصانة بموجب القانون الدولي بصفته رئيس حكومة إسرائيل".
- ولا تنطبق قاعدة الحصانة على غالانت، الذي لم يعد يشغل منصبه، لأن المسؤولين السابقين في الدولة لا يتمتعون بنفس الحصانات التي يتمتع بها المسؤولون الحاليون. وبالمثل، لن يكون نتنياهو مؤهلاً لأي حصانة من الجرائم الدولية بعد تركه منصبه.
كيف انتهكت الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية التزاماتها باعتقال زعماء الدول؟
- لقد تم استخدام البند (1) في المادة 98 من قبل الدول التي رفضت تسليم البشير وبوتين، وهما من مواطني دول ليست طرفاً في المحكمة الجنائية الدولية.
- على سبيل المثال، لجأت الأردن إلى تفعيل البند (1) في المادة 98 عندما لم تعتقل البشير في 29 مارس/آذار 2017، ورفضت منغوليا اعتقال بوتين عندما زار البلاد في 3 سبتمبر/أيلول 2024، قائلة إنه يتمتع بالحصانة الوظيفية والشخصية.
- ولكن المحكمة الجنائية الدولية رفضت في القضيتين ادعاء الحصانة باعتباره لا أساس له من الصحة. وفي الشهر الماضي، قضت المحكمة بأن منغوليا انتهكت نظام روما الأساسي بفشلها في اعتقال بوتين.
- وفي تفسيرها لمنطقها، قالت المحكمة إن الإشارة إلى حصانة الدولة بموجب البند (1) في المادة 98 تتعلق بحصانة الدولة وممتلكاتها، وليس زعمائها أو مسؤوليها.
- وقال ويليام شاباس، أستاذ القانون الجنائي الدولي: "من المعقول أن نتوقع أن تتخذ الدائرة التمهيدية موقفاً مماثلا فيما يتعلق بنتنياهو وغالانت".
- وأشارت جوليا بينزاوتي، أستاذة القانون الدولي بجامعة ليدن، إلى أن منغوليا سعت إلى استئناف قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن عدم امتثالها.
- وقالت بينزاوتي: "لم نتوصل إلى كلمة نهائية بشأن هذا الأمر"، وأضافت: "من ناحية أخرى، هناك تصريحات مثل تلك التي أدلى بها وزير الخارجية الهولندي والتي صرح فيها بأن هولندا ستعتقل المشتبه بهم إذا دخلوا الأراضي الهولندية".
- وتابعت بينزاوتي: "إن هذا البيان مهم للغاية فيما يتصل بممارسات الدول. فهو يعزز وجهة النظر التي تكتسب أرضية راسخة بين الدول. وهي أن رؤساء الدول لا يتمتعون بالحصانة أمام المحكمة الجنائية الدولية، بغض النظر عما إذا كانوا ينتمون إلى دول أطراف أو دول غير أطراف."
- وإذا لم تمتثل الدول لطلب المحكمة بالاعتقال، فسوف يتم إحالة سلوكها إلى جمعية الدول الأطراف، وهي الهيئة الحاكمة للمحكمة الجنائية الدولية، كما كانت الحال مع منغوليا.
- ومن ثم يمكن للجمعية أن تتخذ التدابير اللازمة لتحفيز التعاون.
هل يمكن لإجراء تحقيق مستقل من جانب إسرائيل يحول دون اعتقال نتنياهو وغالانت؟
- من المتوقع أن يلجأ نتنياهو وغالانت، بالإضافة إلى إسرائيليين آخرين قد يخضعون لأوامر اعتقال في المستقبل، إلى المحاكم الوطنية للدفاع عن أنفسهما ضد الاعتقال.
- وقال مسؤول إسرائيلي، الجمعة، إن عدم وجود تحقيق "جدي ومستقل" في ممارسات الجيش بقطاع غزة وجنوب لبنان، ساهم في إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت.
- ونقلت هيئة البث الرسمية الإسرائيلية عن المسؤول الخبير بالشؤون القانونية، دون تسميته، قوله إنه "لو شكلت تل أبيب لجنة تحقيق رسمية بشأن ممارسات الجيش في قطاع غزة وجنوب لبنان، قبل صدور قرار المحكمة، لكان لذلك تأثير على الإجراءات القانونية".
- بدورها، نقلت صحيفة يديعوت أحرنوت عن خبراء قانونيين اعتقادهم بأن "هناك فرصة لتغيير القرار، بالشروع في تحقيق مستقل وجدي قد يؤدي إلى إجراءات جنائية لاحقاً".
- وأضاف الخبير القانوني لهيئة البث: "يجب أن يكون التحقيق مقنعاً للمحكمة الجنائية، مع وقف كل الإجراءات التي تمس بمصداقية النظام القضائي، ومشاريع القوانين التي تستهدف لجنة التحقيق الرسمية".
- وتابع: "من دون ذلك، ربما يستحيل إلغاء القرار".