أزاحت "الخطة الاقتصادية الإسرائيلية لعام 2025″ والتي تحتوي على سلسلة من البرامج والإصلاحات الحكومية الهادفة إلى تقليص الإنفاق في الميزانية الستار عن إجراءات إسرائيل التي تعكس الضم الخفي للضفة الغربية، من خلال خطوات تكرس الواقع الاحتلالي هناك.
في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2024، صادقت الحكومة الإسرائيلية على الخطة الاقتصادية أو ما يعرف بـ "قانون الترتيبات الاقتصادية"، ورغم احتياج بعض الخطط لتعديلات تشريعية تعرض على الكنيست إلى جانب مقترح الميزانية، إلا أن عدداً منها دخل حيز التنفيذ كقرار حكومي.
ما خطوات الضم الخفي للضفة الغربية بالخطة الاقتصادية؟
وتضمن "قانون الترتيبات الاقتصادية" بعض الإجراءات التي تكرس قبضة الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المحتلة وتعزز ضم الضفة الغربية، وهي:
- إنشاء محطات طاقة إسرائيلية وحقول طاقة شمسية في الضفة الغربية.
- إنشاء هيئات النقل الحضرية.
- تعزيز عملية جمع الأموال مقابل الأراضي، وليس فقط في المستوطنات.
- زيادة عدد الأماكن للطلاب الإسرائيليين في جامعة أريئيل المبنية على أراضي الفلسطينيين في شمال الضفة الغربية.
أولا: إنشاء محطات الطاقة بالضفة.. "ضم الطاقة"
وقررت حكومة الاحتلال تحت عنوان "تعزيز أمن الطاقة في قطاع الكهرباء الإسرائيلي" في "قانون الترتيبات الاقتصادية"، بناء محطات توليد الطاقة ومشاريع الطاقة الشمسية في الضفة الغربية.
حيث وجهت إلى العمل على منح التراخيص اللازمة لإنتاج الكهرباء من خلال محطتين لتوليد الطاقة الكهربائية، بقدرة إجمالية لا تقل عن 1300 ميغاواط.
بحسب منظمة "السلام الآن"، فإن الخطة تهدف إلى استغلال الأراضي الفلسطينية لتزويد إسرائيل بالكهرباء، وبالتالي زيادة اعتماد الاحتلال على البنية التحتية التي سيتم تطويرها على وجه التحديد في الضفة الغربية.
وأوضحت أن استراتيجية "ضم الطاقة" التي تهدف إلى زيادة اعتماد إسرائيل على البنية التحتية في الضفة، ترقى إلى استغلال الأراضي المحتلة لصالح القوة المحتلة، وهو انتهاك واضح للقانون الدولي.
كما ستسمح إسرائيل ببناء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من خزانات الغاز في البحر الأبيض المتوسط إلى الضفة الغربية لغرض تشغيل محطات الطاقة الجديدة.
وكانت صحيفة "يسرائيل هيوم" ذكرت الشهر الماضي، أن هناك سبعة مواقع محتملة لمحطات توليد الطاقة في الضفة الغربية قيد الدراسة، والمناطق هي: جبل المقطم غربي رام الله، والمنطقة الصناعية المخطط لها "بستاني حيفتس" بالقرب من طولكرم؛ والمنطقة الصناعية المخطط لها "ناحال رابا" جنوب قلقيلية؛ ومنطقة ترقوميا غربي الخليل؛ ومنطقة النبي موسى جنوب أريحا؛ ومنطقة ميحولا في شمال غور الأردن.
بالإضافة إلى ذلك، أعلنت الحكومة الإسرائيلية أن الـ 200 هكتار من الأراضي التي تخطط لتخصيصها لحقول الطاقة الشمسية لن تتركز بالضرورة في مكان واحد، وقد تنتشر في جميع أنحاء المنطقة (ج)، والتي تخضع لسيطرة مدنية وأمنية للاحتلال الإسرائيلي، وتشكل 60% من الضفة الغربية.
وهناك بالفعل 92.5 هكتار من الأراضي المستخدمة لحقول الطاقة الشمسية في جميع المستوطنات.
لمن الكهرباء التي سينتجها المحطات الإسرائيلية؟
تدرك الحكومة الإسرائيلية، أن القانون الدولي يحظر عليها إنشاء أي بنية تحتية في الأراضي المحتلة، لكنها تناور بالقول إن الفلسطينيين سوف يستفيدون من محطات الطاقة هذه لأنهم يشترون الكهرباء من إسرائيل بالفعل.
ويشكل استهلاك الفلسطينيين في الضفة الغربية نحو 10% من إجمالي الكهرباء التي تنتجها إسرائيل (بحسب الرأي القانوني المرفق بقانون الترتيبات).
ويعد قدرة السلطة الفلسطينية على إنشاء حقول شمسية تلبي احتياجات الفلسطينيين في الضفة الغربية محدودة للغاية، والسبب بذلك يعود إلى:
- سيطرة إسرائيل على منطقة (ج) والتي تشكل 60% من أراضي الضفة الغربية.
- رفض إسرائيلي لمنحها أي تصاريح ورخص لذلك في المناطق (ج)، أما في المناطق (أ) و(ب)، حيث يتمتع الفلسطينيون بسيطرة جزئية، فإن القدرة على توليد الكهرباء تقتصر فقط على تلبية الاحتياجات المحلية.
وتقول منظمة "السلام الآن"، إن إنشاء محطات توليد الطاقة في الضفة الغربية ودمج الكهرباء التي تنتجها في شبكة الكهرباء الإسرائيلية يجعل من الصعب على المجتمع الدولي التمييز بين إسرائيل والأراضي المحتلة في سياق مشاريع الطاقة.
ثانياً: إنشاء هيئة النقل الحضرية.. "ضم النقل"
كما قررت الحكومة الإسرائيلية، إنشاء هيئة تابعة لوزارة المواصلات لتنظيم المواصلات العامة في المناطق الحضرية المختلفة في دولة الاحتلال.
ورغم أن المناطق الحضرية المقصود بها ليست في الضفة الغربية، لكن الهيئة قد تضيف إلى إدارتها خطوطاً تمر عبر مناطق مجاورة لها، وعليه فإن هذه الجزئية تسمح بإدراج خطوط النقل في المستوطنات، وخاصة بالقرب من مدينة القدس تحت إدارة المدينة الحضرية الإسرائيلية، بحسب منظمة "السلام الآن".
كما يسعى القرار، بحسب منظمة "السلام الآن" إلى تضمين المستوطنات الخاضعة لسلطة المواصلات الحضرية في القدس في المستقبل أيضاً.
وتنص المادة السابعة من القرار الحكومي على: "إعطاء تعليمات لوزارات المواصلات والمالية والداخلية والعدل والجيش بدراسة مخطط قانوني لتطبيق الترتيبات الحضرية أيضًا فيما يتعلق بالسلطات المحلية في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) التي تشكل جزءًا من منطقة القدس الحضرية في جانب المواصلات".
بمعنى آخر، فإن الحكومة الإسرائيلية تعلن هنا عن نيتها تنفيذ الضم في قطاع المواصلات أيضًا، بحيث تسمح بإدارة المستوطنات في الأراضي المحتلة ضمن إدارة المواصلات مع محليات داخل إسرائيل.
ويشير رأي المستشار القانوني لوزارة الجيش المرفق بالقرار إلى وجود "بعض التعقيدات القانونية" في هذه المسألة، لأن سلطات النقل داخل إسرائيل تعمل بموجب القانون الإسرائيلي، بينما تعمل في الضفة الغربية بموجب القانون الساري في الأراضي المحتلة وقانون وزارة الجيش.
وفي الواقع، يلمح المستشار القانوني لوزارة الجيش إلى أن إضافة المستوطنات إلى سلطة المنطقة الحضرية من شأنه أن يشكل ضمًا، مما يعني تطبيق القانون الإسرائيلي على الأراضي المحتلة، بحسب منظمة "السلام الآن".
ثالثا: تحصيل الرسوم على الأراضي بالضفة الغربية
قررت الحكومة الإسرائيلية سلسلة خطوات لتعزيز جباية الرسوم على الأراضي، وضمان قيام سلطة الأراضي الإسرائيلية بتحصيل الديون ورسوم الانتفاع المقدرة بنحو مليار شيقل إسرائيلي.
ورغم أن القرار يتعلق بالأراضي داخل إسرائيل، إلا أن الغالبية العظمى من الأراضي في الضفة الغربية وتخضع لدائرة الاستيطان، ولا يتم تحصيل الجباية من المستوطنين في أراضي المستوطنات (مقابل الأرض التي يعيشون عليها).
ومع سعي الحكومة الإسرائيلية لإيجاد مصادر مالية لمواجهة التحديات الاقتصادية الهائلة التي تواجهها، فإنها قد تبدأ بجمع الأموال من المستوطنين في الأراضي الفلسطينية، فيما يتعلق بإدارة الأراضي، بحسب منظمة "السلام الآن".
رابعاً: زيادة الأماكن المخصصة للطلاب اليهود بجامعة أريئيل
وقررت الحكومة الإسرائيلية زيادة حصص طلاب الطب بشكل كبير، وخاصة في جامعة أريئيل.
حيث من المتوقع أن يزيد عدد الحصص بهذه المنطقة من 375 في عام 2024 إلى 689 عام 2027.
وتجدر الإشارة إلى أن جامعة أريئيل تقع في قلب الضفة الغربية، لكنها لا تخدم السكان الفلسطينيين بل الإسرائيليين حصراً.
"عام السيادة" على الضفة الغربية
وعقب الإعلان عن فوز الرئيس السابق دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، تعالت الأصوات في الائتلاف اليميني الذي يقوده نتنياهو، باعتبار "2025 عام السيادة الإسرائيلية" في الضفة الغربية.
فيما ذكرت هيئة البث الإسرائيلية، الثلاثاء 12 نوفمبر/تشرين الأول الجاري، ونقلت عن مصادر، أن نتنياهو قال في اجتماعات مغلقة، إن مسألة ضم الضفة الغربية يجب أن تعود إلى جدول الأعمال مع تسلم ترامب مهام منصبه، مطلع العام المقبل.
ومنذ اتفاقه مع نتنياهو للانضمام إلى الائتلاف الحاكم عام 2022، حصل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش على منصب وزير في وزارة الجيش أيضا، وهو منصب يخوّله بإدارة الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة.
كما أنشأ سموتريتش دائرة مفصلة بمقر الإدارة المدنية التي تتبع للجيش الإسرائيلي لإدارة شؤون الاستيطان والمستوطنين، وشجع إقامة المزارع الرعوية التي تتيح الاستيلاء على أراضي شاسعة.
كما صنفت حكومة الاحتلال جزءاً كبيراً من الضفة كـ"أراضي دولة" ومناطق عسكرية مغلقة ومحميات طبيعية.
حيث شهد العام 2024، أكبر عملية استيلاء تحت مسمى "أراضي الدولة" منذ سنوات طويلة تصل إلى ثلاثة عقود، حيث بلغت المساحات التي استولى عليها الاحتلال تحت هذا المسمى ما مجموعه 24.144 دونماً في ستة إعلانات منفصلة.