سمحت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الأمريكية، ومن بينها صواريخ أتاكمز، لضرب عمق الأراضي الروسية، في تغيير كبير في سياسة واشنطن تجاه الصراع بين أوكرانيا وروسيا، بحسب ما نقلت وكالة رويترز عن مسؤولين أمريكيين ومصدر مطلع.
وأضاف المصدر أن أوكرانيا تعتزم شن أول هجوم بعيد المدى في الأيام المقبلة، دون الكشف عن تفاصيل هذا الهجوم بسبب مخاوف أمنية.
ورجح المصدر أن تستخدم أوكرانيا في هجومها الأول صواريخ أتاكمز التي يصل مداها إلى 306 كم.
من جانبه، رحّب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي "بحذر"، مكتفياً بالإشارة إلى أن هذه الأسلحة "ستتحدث عن نفسها".
وقال مسؤولون في واشنطن إن الأسلحة يمكن استخدامها في منطقة كورسك، حيث شنت كييف عملية توغل، لكن بايدن قد يوافق على نشرها في أماكن أخرى قبل تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب في 20 يناير كانون الثاني، حسبما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية.
ولم يتضح حتى الآن ما إذا كان ترامب سيتراجع عن قرار بايدن عندما يتولى مهام منصبه في يناير كانون الثاني. وينتقد ترامب دائماً حجم المساعدات المالية والعسكرية الأمريكية لأوكرانيا، وتعهد بإنهاء الحرب بسرعة دون أن يوضح كيفية القيام بذلك.
ولكن ما هي صواريخ أتاكمز ولماذا تشكل أهمية بالنسبة لأوكرانيا، وما هو رد فعل روسيا على القرار الأمريكي، ولماذا تغير موقف واشنطن؟
ما هي صواريخ أتاكمز؟
- يُعرف نظام صواريخ أتاكمز باسم نظام الصواريخ التكتيكية للجيش، وقد تم تطويره أثناء الحرب الباردة لتدمير الأهداف السوفييتية.
- تشرف شركة لوكهيد مارتن الأمريكية على تصنيع صواريخ أتاكمز.
- تحلّق صواريخ أتاكمز الباليستية على ارتفاعات أعلى كثيراً في الغلاف الجوي من معظم الصواريخ، ويمكنها التهرب من الدفاعات الجوية عندما تصطدم بالأرض بسرعات هائلة.
- هناك أنواع كثيرة من أنظمة أتاكمز بعيدة المدى التي تحمل غالباً كميات متفاوتة من القنابل العنقودية.
- استخدمت القوات الأوكرانية صواريخ أتاكمز الطويلة المدى التي زودتها بها الولايات المتحدة لأول مرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
- لدى أوكرانيا صواريخ أتاكمز من طراز إم 39 التي توجه جزئياً بواسطة نظام تحديد المواقع العالمي (جي.بي.إس).
- يتراوح مدى صواريخ أتاكمز من طراز إم 39 بين 70 إلى 300 كم، ويمكنها حمل 300 قنبلة صغيرة.
- جاء في وثائق للجيش الأمريكي أن صواريخ إم 39 استُخدمت في غزو العراق ودخلت ترسانة الأسلحة الأمريكية في عام 1997.
- لدى أوكرانيا على الأرجح أيضاً صواريخ أتاكمز من طراز إم 57 التي تحمل رأساً حربية واحدة شديد الانفجار تزن 230 كيلوجراماً.
- يتراوح مدى صواريخ أتاكمز من طراز إم 39 أيضاً بين 70 إلى 300 كم، وتحمل رأساً حربية واحدة شديد الانفجار تزن 230 كيلوجراماً.
- استُخدمت صواريخ إم 57 لأول مرة في عام 2004 واستُخدمت في صراعات كثيرة.
لماذا سمحت واشنطن لأوكرانيا باستخدام صواريخ أتاكمز؟
ذكرت تقارير غربية عدة نقلاً عن مصادر أن قرار إدارة الرئيس بايدن بالسماح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الأمريكية لضرب أهداف في عمق روسيا كان مدفوعاً بالضغط الأوكراني المتواصل على واشنطن للحصول على الضوء الأخضر لاستخدام صواريخ أتاكمز، ونشر القوات الكورية الشمالية في الأراضي الروسية.
وقد أثارت تصريحات ترامب التي قال فيها إنه سيسعى إلى إنهاء سريع للحرب في أوكرانيا، قلق كييف وداعميها العالميين من أن موسكو ستحقق تقدماً كبيراً في ساحة المعركة.
كان بايدن قد رفض في السابق السماح بشن ضربات داخل روسيا باستخدام صواريخ أتاكمز لعدة أسباب من بينها محدودية المخزونات الأمريكية من هذه الصواريخ، وأن فائدتها العسكرية ستكون محدودة، فضلاً عن مخاوف لدى واشنطن من أن يؤدي استخدامها إلى التصعيد مع روسيا، وفق تقرير لمجلة الإيكونوميست البريطانية.
وقال مسؤول أمريكي ومصدر مطلع على القرار إن التغيير يأتي إلى حد بعيد رداً على نشر روسيا قوات برية من كوريا الشمالية لدعم قواتها، وهو تطور أثار قلق واشنطن وكييف، بحسب وكالة رويترز.
ففي الشهر الماضي، أرسلت بيونغ يانغ ما يقدر بنحو 10 آلاف جندي إلى روسيا للمشاركة في الحرب في أوكرانيا. وهناك مخاوف من إمكانية إرسال عشرات الآلاف غيرهم.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن مسؤولين إن القرار يأتي بهدف إرسال رسالة إلى الكوريين الشماليين مفادها أن قواتهم معرضة للخطر وأنهم لا ينبغي أن يرسلوا المزيد منها.
ما هو رد الفعل الروسي على القرار الأمريكي؟
أظهرت وثيقة نُشرت على الموقع الإلكتروني للحكومة الروسية، الثلاثاء، أن الرئيس فلاديمير بوتين وافق على تحديث للعقيدة النووية الرسمية لروسيا رداً من الكرملين على القرار الأمريكي.
وقال بوتين إن روسيا قد تفكر في استخدام أسلحة نووية إذا تعرضت لهجوم صاروخي تقليدي مدعوم من بلد يمتلك قوة نووية.
ووفقا للعقيدة المحدثة، التي تحدد التهديدات التي قد تجعل قيادة روسيا تفكر في توجيه ضربة نووية، فإنه يمكن اعتبار أي هجوم بصواريخ تقليدية أو طائرات مسيّرة أو طائرات أخرى يلبي هذه المعايير.
كما تنص العقيدة المحدثة على أن أي عدوان على روسيا من دولة عضو في تحالف ستعتبره موسكو عدواناً عليها من التحالف بأكمله.
وكان بوتين قد أمر قبل أسابيع فقط من موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي أجريت هذا الشهر بإجراء تغييرات على العقيدة النووية لتنص على أنه من الممكن اعتبار أي هجوم تقليدي على روسيا بمساعدة بلد يمتلك قوة نووية هجوماً مشتركاً على روسيا.
كما حذرت روسيا من أنها ستعد أي إجراء لتخفيف القيود المفروضة على استخدام أوكرانيا للأسلحة الأمريكية تصعيداً كبيراً.
وقال نواب روس كبار إن قرار واشنطن السماح لكييف بضرب عمق روسيا بصواريخ أمريكية بعيدة المدى من شأنه أن يصعد الصراع في أوكرانيا وقد يتسبب في حرب عالمية ثالثة.
وقال أندريه كليشاس العضو البارز في مجلس الاتحاد، الغرفة العليا للبرلمان الروسي، على تطبيق تيليجرام: "يمضي الغرب في مستوى من التصعيد قد ينتهي بتدمير الدولة الأوكرانية بالكامل بحلول الصباح".
فيما ونقلت وكالة تاس للأنباء عن فلاديمير جباروف، النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس النواب الروسي، قوله إن قرار واشنطن السماح لأوكرانيا بضرب عمق روسيا بصواريخ أمريكية بعيدة المدى قد يتسبب في حرب عالمية ثالثة وسيلقى رداً سريعاً
ما هو تأثير القرار الأمريكي باستخدام صواريخ أتاكمز على مجريات الحرب؟
ستتمكن أوكرانيا الآن وبإذن من الولايات المتحدة من ضرب أهداف في عمق روسيا، على الأرجح في أنحاء منطقة كورسك الروسية التي ما زالت قوات كييف تسيطر على مساحات شاسعة من أراضيها، وذكرت تقارير أن القوات الكورية الشمالية تتركز هناك.
وفي أغسطس/ آب الماضي، قال محللون في معهد دراسات الحرب الأمريكي إن مئات الأهداف العسكرية الروسية المعروفة تقع في نطاق صواريخ أتاكمز.
غير أنه من المحتمل أن بعض الأصول العسكرية نُقلت إلى عمق روسيا تحسباً لقرار أمريكي يسمح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الأمريكية، على الرغم من الصعوبات اللوجستية.
ورغم أن القرار الأمريكي ربما يجعل كييف في وضع أفضل إذا ما أجرت مفاوضات على وقف إطلاق النار، ويعزز الروح المعنوية لديها، إلا أنه لن يغير بشكل كبير حظوظ أوكرانيا المتعثرة على الخطوط الأمامية، وفق تقرير الإيكونوميست.
كما عبر مسؤولون أمريكيون عن شكوكهم في أن تسهم هذه الضربات بعيدة المدى في تغيير مسار الحرب.
ونقلت وكالة رويترز عن أليكس بليتساس، الزميل غير المقيم في المجلس الأطلسي، قوله:"رفع القيود سيسمح للأوكرانيين بمواصلة القتال دون عوائق".
وأضاف بليتساس: "ومع ذلك، مثل كل شيء آخر، أعتقد أن التاريخ سيقول إن القرار جاء متأخراً جداً. فكما هو الحال مع أنظمة هيمارس ومركبات برادلي القتالية ودبابات أبرامز وطائرات إف-16، فقد كانت هناك حاجة إليها جميعا في وقت أبكر بكثير".
ورأى خبراء عسكريون أيضاً أن الخطوة الأمريكية لن تشكل تغييراً كبيراً على الأرض.
وأوضح الخبير العسكري واللواء أركان حرب السابق، محمد صالح الحربي، أن الواقع العملياتي والتكتيكي أثبت بأن "الطائرات بدون طيار مستخدمة فعلاً من الأوكرانيين لضرب العمق الروسي فلا جديد في الأمر، عدا عن مسألة المديات والآليات والتكتيكات، ورغم ذلك، لا تزال روسيا مستمرة في عملياتها العسكرية سواء داخل أوكرانيا أو لإعادة بسط السيطرة على الأراضي التي توغلت فيها قوات كييف مثل كورسك"، بحسب ما ذكر تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية.
هل سمحت دول أخرى لأوكرانيا باستخدام أسلحتها لضرب أهداف روسية؟
ذكرت تقارير أنه من المتوقع أن تقوم بريطانيا بتزويد أوكرانيا بصواريخ "ستورم شادو" لاستخدامها لضرب أهداف داخل روسيا، بعد القرار الأمريكي.
وقال كير ستارمر، رئيس الوزراء البريطاني، في قمة مجموعة العشرين، إن المملكة المتحدة أدركت أنها بحاجة إلى "مضاعفة" دعمها لأوكرانيا، في حين أفادت مصادر دبلوماسية بأنها تتوقع أن تحذو دول أوروبية أخرى حذو الولايات المتحدة.
ويبلغ مدى صواريخ "ستورم شادو" نحو 250 كم بشكل مقارب لمدى الصواريخ الأمريكية، أتاكمس. وقد زودت بها كييف المملكة المتحدة وفرنسا في الماضي لضرب أهداف داخل الحدود الأوكرانية المعترف بها دولياً.
وقالت مجلة الإيكونوميست إن القرار الأمريكي قد يفرض ضغوطاً على أولاف شولتز، المستشار الألماني، لإعادة النظر في رفضه تزويد أوكرانيا بصواريخ كروز من طراز توروس. ومن المرجح أن يتعرض لهجوم متزايد بشأن هذه القضية من جانب فريدريش ميرز، رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي المعارض من يمين الوسط.