"لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" (Make America Great Again) – شعار بدا بسيطاً عندما أطلقه دونالد ترامب في حملته الانتخابية عام 2016، لكنه سرعان ما أصبح أكثر من مجرد كلمات.
الشعار، الذي تم اختصاره إلى "ماغا" (MAGA)، لم يقتصر على كونه عبارة سياسية، بل تحول إلى رمز لحركة سياسية أصولية أمريكية واسعة. حركة لا تكتفي بتأييد زعيمها، بل ارتبطت به كرمز يستحق الولاء الكامل، ففي أوساط هذه الحركة، تجاوز ترامب كونه رئيساً إلى شخصية يراها البعض "المخلّص" أو ما جلبه "القدر"، خصوصاً بعد محاولات اغتياله الفاشلة التي عززت من ارتباط مؤيديه به وتأكيدهم على دعمه في مواجهة ما يرونه تهديدات مشتركة.
في هذا التقرير، سنحاول التعرف على أصول حركة "ماغا"، ونستكشف فكرها، أسباب ظهورها وانتشارها، ونرصد تأثيرها وخطورتها على المشهد السياسي داخل الإمبراطورية التي تتحكم في الكثير في عالمنا.
متى نشأت حركة ماغا أو "أمريكا أولاً"؟
على الرغم من أن شعار "لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً" ارتبط بشدة بالرئيس الجمهوري دونالد ترامب وحملته الانتخابية في عام 2016، إلا أن الشعار ليس جديدًا في تاريخ السياسة الأمريكية. فقد تم استخدامه من قِبَل سياسيين سابقين.
فوفقًا لتقرير نشرته BBC، كان السيناتور ألكسندر وايلي هو أول من استخدم الشعار "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا" في خطابه خلال جلسات الكونغرس قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 1940.
وفي عام 1964 لجأ باري غولدواتر عضو مجلس الشيوخ الجمهوري الأمريكي إلى استخدام الشعار ضمن حملته الانتخابية، ساعيًا إلى كسب المزيد من الأصوات. وعاد هذا الشعار ليظهر بقوة مرة أخرى، في حملة الرئيس الأسبق رونالد ريغن عام 1980. ثم تبنّاه الرئيس بيل كلينتون عام 1992 أثناء حملته الرئاسية، وأعاد ترامب إحياءه عام 2016.
وفي عام 2016 لم يكن استخدام ترامب لشعار "لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً" مجرد تكرار لأفكار سابقة، بل كان البداية لظهور حركة أيديولوجية.
فقد أعلن ترامب رسميًا تبنّي الشعار يوم 16 يونيو 2015، يوم إعلانه الترشح للرئاسة، حيث عرض أمام الناخبين رؤيته لمستقبل أمريكا التي ستكون تحت قيادته موجهة نحو تعزيز القوة الاقتصادية وحماية المصالح الوطنية ضد ما يراه تهديدات العولمة والهجرة.
بعد إطلاق الشعار، لم يستغرق الأمر طويلاً قبل أن يتحول إلى "ماغا"، ليتجاوز كونه مجرد شعار انتخابي، ويصبح حركة واسعة تضم مؤيدين لترامب من الطبقات الاجتماعية والثقافية كافة، يسوق لها أغنى رجل في العالم مثل إيلون ماسك، تهدف إلى إعادة تشكيل السياسات الأمريكية، مستندة إلى مجموعة الخطب السياسية اليمينية والشعبوية التي ترتكز على القومية، ورفض الهجرة، للتأثيرات الخارجية، وتعزيز استقلالية الاقتصاد.
ماذا عن فكر هذه الحركة؟
يرتكز فكر هذه الحركة على الاعتقاد بأن أمريكا كانت يوما ما بلدا عظيما ثم فقدت مكانتها بسبب النفوذ الأجنبي عبر الهجرة والتعددية في الداخل وفي الخارج من خلال العولمة وازدياد الانفتاح الاقتصادي والسياسي على الخارج. يعتقد أعضاء MAGA أن الحل لاستعادة "المجد الأمريكي" يكمن في سياسات "أمريكا أولاً"، إذ يرى مؤيدو الحركة أن أمريكا تستطيع استعادة عظمتها عبر تقليل انخراطها في الاقتصاد العالمي والحد من اتفاقيات التجارة الحرة التي يرون أنها تضر بالشركات الأمريكية.
سياسة "أمريكا أولاً": من هذا المنطلق، تدعم الحركة دعوات وسياسات ترامب الحمائية، التي تعمل على حماية مصالح أمريكا عبر تقليل الاعتماد على الواردات، وتحفيز الإنتاج المحلي، والحد من الهجرة، وخاصة من الدول النامية. إذ تدعو الحركة لضرورة التحكم في الحدود وحماية السوق المحلي من المهاجرين، معتقدةً أن ذلك يعزز فرص العمل والازدهار الاقتصادي للمواطنين الأمريكيين.
التركيز على الأصولية: يعتقد مؤيدو ماغا أن أمريكا فقدت بعضًا من هويتها الوطنية في ظل الاندماج المتزايد للتعددية الثقافية والدينية. لذلك، يروجون لأهمية الحفاظ على ما يدعو أنه "القيم الأمريكية التقليدية"، والتي تتضمن دعم المؤسسات التقليدية، الحفاظ على الأسرة والهوية الثقافية، والتقيد بمعايير مجتمعية يرون أنها تعزز التفرد الأمريكي. ويأتي في هذا السياق تأييدهم لسياسات تحد من الهجرة من الدول الإسلامية التي يرون أنها تهدد القيم الثقافية الأمريكية.
الاتجاه العنصري والتمييز الديني: تنطوي بعض سياسات ماغا على ميول تمييزية ضد المهاجرين والأقليات. على سبيل المثال، دعوة ترامب عام 2015 لحظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة كانت من أكثر المواقف التي عكست هذا التوجه. يعبر هذا عن مزاعم الحركة من التغيرات الديموغرافية التي يراها أعضاؤها تهدد التفوق الثقافي "التقليدي" للأمريكيين من أصول أوروبية.
و تُعرف ماغا أيضاً بمواقفها العدائية والعنصرية تجاه الأقليات والطبقات المثقفة. إذ تروج لنظريات مؤامرة تربط تغييرات ديموغرافية وسياسية بتحالفات يسارية ليبرالية تهدف إلى "استبدال" المواطنين الأمريكيين الأصليين، حسب تعبيرهم. إذ يرى أتباع الحركة أن الديمقراطين يعملون على إضعاف البلاد من خلال السماح بتدفق أعداد كبيرة من المهاجرين.
هل للحركة تأثير كبير على المجتمع الأمريكي؟
تخطى الفكر والخطاب السياسي الذي تتبناه الحركة لمجرد شعارات سياسية للحشد للانتخابات، إلى أداة استقطاب بارزة داخل المجتمع الأمريكي. من خلال الممارسات والادعاءات التي تكرّس الانقسام والشك بالمؤسسات والنظام الانتخابي، إذ يرى أغلب المراقبين أن الحركة تلعب دورًا في تزايد التوتر المجتمعي من خلال:
التشكيك في شرعية المؤسسات والنظام: يشكك أتباع الحركة في مصداقية الإعلام، والقضاء، وحتى نزاهة الانتخابات. أبرز مثال على ذلك كان الطعن في نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020، حيث انتشرت شائعات بأن فوز مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن قد تحقق عبر تزوير واسع النطاق، وهي نظرية اعتبرتها ماغا حقيقة ونشرت حولها روايات متعددة، بل تخطى الأمر إلى العنف المباشر.
فبعد خسارة زعيمها ترامب الانتخابات لصالح بايدن عام 2020، شهدت الولايات المتحدة حادثة تاريخية في 6 يناير 2021، عندما اقتحم حشد من مؤيدي ترامب مبنى الكابيتول في محاولة لوقف تصديق الكونغرس على فوز بايدن. بالرغم من إدانات واسعة للحادث، إلا أن بعض قادة ماغا حاولوا الترويج لكون الهجوم "مؤامرة من قوى يسارية"، في محاولة لصرف النظر عن مسؤولية الحركة حينها.
الاعتماد على نظريات المؤامرة: استخدمت الحركة وسائل الإعلام الداعمة لها لترويج القصص الإخبارية الكاذبة ونظريات المؤامرة، و وإحدى هذه النظريات الشهيرة "نظرية الميلاد"، التي ادعت أن الرئيس السابق باراك أوباما ليس مواطناً أمريكياً، و"نظرية الاستبدال"، التي تزعم أن الديمقراطيين يستهدفون "استبدال" السكان الأمريكيين البيض بالمهاجرين غير البيض.
يقول أستاذ الاقتصاد الأمريكي بول كروغمان، في مقال له بصحيفة نيويورك تايمز، بعنوان حركة "ماغا.. قائمة على الخوف وليس على الواقع"، القلق الذي يحرك "ماغا" "لا يحركه الواقع الفعلي. بل تحركه بدلاً من ذلك تصورات كارثية لا علاقة لها بالتجربة الواقعية."
فوفقاً لكروغمان، حتى عندما يكون أداء الاقتصاد الأمريكي جيداً، كما في عام 2023، ويصرح حوالي 63% من الأمريكيين بأن وضعهم المالي جيد أو جيد جدًا، يستمر قادة ماغا في تصوير الوضع على أنه كارثي.
فخلال جولاتها الانتخابية هذا العام، قدمت نيكي هيلي، والتي كانت السفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة خلال فترة ترامب الأولى، صورة قاتمة عن الاقتصاد الأمريكي، واصفةً إياه بأنه "يتداعى"، وأن التضخم خارج السيطرة، رغم أن الواقع كان يثبت عكس ذلك. لكن أظهرت استطلاعات الرأي أن حوالي 72% من الجمهوريين يعتقدون أن الاقتصاد الأمريكي يزداد سوءاً، بينما أكثر من 6% فقط يرون أنه يتحسن، مما يدل على تأثير الإستراتيجية السياسية لحركة "ماغا" على الجماهير والتي تعتمد إلى حد كبير على تخويف جميع الناخبين بتصدير الأكاذيب، فحتى الذين تشهد أوضاعهم المادية تحسناً على الصعيد الشخصي ليس فقط حسب الإحصاءات الرسمية ولكن وفقا لما يقولونه هم أنفسهم، يمتلك الجمهوريون القدرة على أن يخيفهم بأن يقولوا لهم هنالك أشياء سيئة تحدث لأناس آخرين، حتى ولو كان ذلك عكس الإحصائيات.
وقد نشأت حركة "ماغا" في سياق من القلق الاجتماعي والسياسي داخل المجتمع الأمريكي؛ القلق المتصاعد من الهجرة، التغيرات الاقتصادية، وتنامي العولمة، ساهمت في خلق بيئة مشحونة، مهدت الطريق أمام ظهور شخصية رجل الأعمال دونالد ترامب.
ترامب استغل هذه المخاوف بشكل فعّال عبر وعوده بتقديم أجندة سياسية تضع "أمريكا أولاً"، معيداً التذكير بأمجاد الماضي الأمريكي في قالب شعبوي لاقى قبولاً واسعاً.
كيف ساعدت "ماغا" ترامب في العودة للحكم؟
لم تعتمد حركة ماغا التي شكلها ترامب على الوعود والتخويف فقط، بل استمدت قوتها من تحالفات مؤثرة ومتنوعة، تجمع بين تيارات دينية، ونخب اقتصادية، وأباطرة النفط في الولايات المتحدة، في تحالف أبرزه الصحفي فرانسوا بوغون في تقريره لموقع ميديا بارت، حيث وصف تحالف ماغا بعبارة ثلاثية هي: "الدين، المال، والنفط".
القومية المسيحية في دعم ترامب
في عام 2024، تمكن ترامب من حشد دعم مكثف من المسيحيين البيض، الذين يشكلون حجر الزاوية في القومية المسيحية، وهي حركة تعود جذورها إلى فترات سيطرة جماعات مثل كو كلوكس كلان التي تعزز سيادة العرق الأبيض، مروراً بما عُرف بـ"الأغلبية الأخلاقية" التي سادت في عهد الرئيس رونالد ريغان. يرى هؤلاء في ترامب زعيماً مثالياً لمعركتهم ضد العولمة والتغيرات الثقافية، ويعتبرونه قائداً سيعيد بناء أمريكا وفقاً لقيمهم المحافظة.
أباطرة النفط والاقتصاد مع ترامب
وفقاً لفرانسوا، استطاع ترامب أيضاً أن يأتي بدعم من أباطرة النفط والغاز الطبيعي، الذين كانوا حجر الأساس في وعده بتحقيق تجديد اقتصادي عبر تعزيز الصناعة الاستخراجية للوقود الأحفوري. وفي كل مناسبة انتخابية، كان ترامب يشدد على دعمه لاستغلال الموارد الطبيعية، مشجباً ما سماه "الحرب على الطاقة" التي يشنها الديمقراطيون، وواعداً بإزالة كل القيود البيئية التي تعيق تطوير انتاج النفط. كما أنه في عام 2020، أمام مجلس السياسة الوطنية، أشاد بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، واصفاً إياها بسخرية بأنها "كارثة باريس المناخية"، مضيفاً: "لقد كانت هذه طريقة لاستنزاف الولايات المتحدة. لم نتمكن من الحفر ولم تكن لدينا طاقة."
وأشار بوغون إلى أن أباطرة النفط دعموا ترامب بسخاء خلال الانتخابات الأخيرة، حيث تجاوزت تبرعاتهم لحملته الانتخابية 75 مليون دولار، وقد طلب ترامب منهم مليار دولار لمواصلة حملته، مقابل وعده بإزالة الحواجز البيئية أمام صناعتهم، وعكس السياسات الداعمة للطاقة المتجددة التي تبناها الرئيس جو بايدن.
المال والتأثير الرقمي: إيلون ماسك ودوره في دعم ماغا
من بين الأثرياء الذين انضموا إلى ماغا كان إيلون ماسك، الذي لم يكن فقط من أكبر المتبرعين لحملة ترامب فقد أنفق الملياردير الأمريكي أكثر من 130 مليون دولار لدعم ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بعدما كان ينتقده في الانتخابات السابقة، وجعل من منصته X (تويتر سابقًا) مكبراً صوتيًا لحركة ماغا. وبفضل تأثيره الهائل عالمياً، أغرق ماسك المنصة بمحتوى مؤيد لترامب، وحث الناس على التصويت له.
كان من بين داعمي ترامب الأثرياء أيضاً ميريام أديلسون، الإسرائيلية الأمريكية، والتي قد استغلت نفوذها لإقناع ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس خلال ولايته الأولى.
بالإضافة إلى تيموثي ميلون، وريثة إحدى أغنى العائلات في الولايات المتحدة، وليندا مكمان، التي لعبت دوراً بارزاً في توجيه الجهود المالية والتنظيمية للحركة، مساعدةً في توسيع قاعدتها الشعبية والنخبوية.
وقد أشارت المؤرخة الأميركية سيلفي لوران إلى حركة ماغا كمشروع رجعي، إذ ترى أن ذلك المشروع تخطى كونه نزعة ترامبية، بل "للنزعة الأميركية"، لأن الترامبية إذا قيلت فالمراد منها فصيل من الحزب الجمهوري، تمثله حركة ماغا داخل هذا الحزب، أما اليوم فقد صوت 51% من الأميركيين لصالح شخص يعرفون برنامجه جيدا، وأصبحت الترامبية أميركية.