لا تزال أصداء فضيحة التسريبات التي طالت مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل أسبوعٍ يتردد صداها في وسائل الإعلام الإسرائيلية، والتي وصفتها صحف أمريكية بأنها قد تكون الفضيحة الأكبر داخل الحكومة الإسرائيلية.
وكان مسؤولون إسرائيليون قالوا إن مساعداً لنتنياهو هو واحد من بين عدد من المشتبه بهم الذين تم اعتقالهم بتهمة خرق أمني مزعوم تضمن تسريب وثيقة نشرتها صحيفة بيلد الألمانية، واشتملت معلومات استخباراتية سرية للغاية أضرت بأهداف الحرب الإسرائيلية على غزة.
ويدور التحقيق حول تسريب وثائق منسوبة لحماس حصل عليها الجيش الإسرائيلي في غزة، تم التلاعب بها لتلائم وجهة نظر نتنياهو الذي كان يهدف لتعزيز موقفه المتشدد بشأن صفقة إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس وإرساء وقف إطلاق النار في غزة.
ولكن القصة لا تتوقف عند هذا الحد بالنسبة لنتنياهو، حيث قالت وسائل إعلام عبرية إن مسيرة نتنياهو السياسية تعج بحوادث تتعلق بسرقة أو تزوير وتسريب الوثائق والمكالمات السرية لوسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية بما يخدم احتياجاته السياسية.
وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت: "سيكون على محبي ومعارضي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن يتفقوا على أمر واحد: أنه لا يحفظ سراً".
فيما يلي نلقي نظرة على وقائع أخرى رصدتها وسائل إعلام إسرائيلية ثبت فيها تورط نتنياهو أو مكتبه في حالات تسريب وثائق ومحادثات خاصة.
1- تسريبات عن شخصية عسكرية
قبل عدة أيام وبعد الكشف عن فضيحة تسريبات صحيفة بيلد، كشفت هيئة البث العبرية أن مسؤولين اثنين في مكتب بنيامين نتنياهو يخضعان للتحقيق بشأن تورط محتمل في تسريب معلومات حساسة من قبل مكتب رئيس الوزراء تتعلق بجهة أمنية.
وأفادت القناة 12 العبرية، بأن الفضيحة الأمنية الجديدة تشمل شبهات بتوثيق ونشر لقطات ومعلومات تتعلق بشخصية عسكرية استُخرجت من كاميرات مراقبة، وتسريب مسؤولين بمكتب نتنياهو تلك التوثيقات.
وأشارت هيئة البث العبرية إلى أن رئيس الأركان الإسرائيلي، هرتسي هليفي، تلقى شكوى بأن ديوان مكتب رئيس الوزراء يستخدم وثائق حساسة لضابط عمل سابقاً مع الديوان.
وتابعت أن المواد استخرجت من كاميرات مراقبة، ويتم التحري ما إن كان الهدف هو ممارسة ديوان نتنياهو ضغطاً من خلالها.
وفي تعقيبه على ذلك، رفض مكتب نتنياهو، ما ورد حول تسريب مواد تخص ضابطاً عسكرياً رفيعاً، واعتبرها "افتراء"، بحسب هيئة البث الرسمية.
2- تسريب "وثيقة شتاوبر"
في يونيو/حزيران 1995، وأثناء تولي حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين مهام الحكم في البلاد، كشف نتنياهو، زعيم المعارضة آنذاك، من على منصة الكنيست عن الوثيقة السرية التي ستُعرف فيما بعد بوثيقة "شتاوبر"، التي كانت تتعلق بإجراء مفاوضات مع النظام السوري في ذلك الوقت.
وأعلن نتنياهو خلال تصريحاته أن "وثيقة التعليمات التي أصدرها رئيس الوزراء للوفد لإجراء محادثات مع السوريين في واشنطن بين يدي".
وكانت هذه الوثيقة قد أعدها رئيس القسم الاستراتيجي في قسم التخطيط في جيش الاحتلال الإسرائيلي، العميد تسفي شاتوفر، لرئيس الأركان آنذاك أمنون ليبكين شاخ، استعداداً للقاء بينه وبين نظيره السوري في ذلك الشهر.
ورغم أن نتنياهو لم يكشف عن تفاصيل الوثيقة من منصة الكنيست، إلا أنه قدم للصحفيين فيما بعد لمحة عنها واقتبس منها فقرات مختارة. ونقلت وسائل الإعلام عنه أن "هذه الوثيقة تشير إلى كل المبادئ التي انسحب منها رابين".
في البداية، رفض رئيس الوزراء رابين تصريحات نتنياهو وادعى أنه اختلق الأمور، لكنه بعد ساعات عديدة اعترف مع وزير الخارجية آنذاك شيمون بيريز بمصداقية الوثيقة. ولم يتم العثور على مسرب الوثيقة حتى الآن. وانهارت المحادثات مع سوريا بعد عدة أشهر.
3- سرقة وثائق من مكتب رئاسة الوزراء
في عام 2001، أفاد الصحفي مردخاي جلعات في تقرير نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت أنه عندما أنهى نتنياهو ولايته الأولى كرئيس للوزراء في عام 1999، استولى على سبع وثائق سرية من مكتب رئيس الوزراء.
وأضاف جلعات أن جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) طلب من نتنياهو إعادة هذه الوثائق التي ثبت أنه كان يمتلكها بالفعل.
4- تسريب معلومات عن الهجوم على سوريا 2007
إحدى أشهر حالات التسريب التي ترتبط بنتنياهو حدثت في عام 2007 حينما شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية ضد سوريا في السادس من شهر سبتمبر/أيلول، ولكنه لم يعلن عن مسئوليته عن الضربات التي استهدفت ما يشتبه بأنه منشآت نووية سورية في دير الزور.
وقد أُعلن أنذاك أن جيشاً معيناً، لم يُذكر اسمه في وسائل الإعلام، قام بهجوم كبير في سوريا، قبل أن تؤكد إسرائيل بعد 11 عاماً أن جيشها هاجم المنشآت النووية السورية.
غير أن نتنياهو كشف في لقاء مباشر أجرته معه القناة الإسرائيلية الأولى بعد الهجوم أن رئيس الحكومة إيهود أولمرت أبلغه مسبقاً بالعملية العسكرية ضد سوريا وأنه قدم الدعم له.
واعتبرت أوساط سياسية إسرائيلية واسعة أن تصريح نتنياهو يشكل خطوة غير مسؤولة تمس "أمن إسرائيل"، بينما اعتبرته أوساط أخرى "زلة لسان" مضرة.
ومن خلال هذه التصريحات، أكد نتنياهو الشائعات التي ربطت بين جيش الاحتلال الإسرائيلي في ذلك الوقت والعملية العسكرية ضد سوريا.
5- تسريب مكالمة مع الأمين العام للأمم المتحدة
في العاشر من أغسطس/آب 2012، اتصل نتنياهو هاتفياً بالأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون، وحثه على عدم السفر إلى قمة حركة عدم الانحياز التي كان من المقرر عقدها في طهران.
وفي تصريح أدلى به بعد المكالمة الهاتفية، كشف نتنياهو تفاصيل المحادثة، وقال إنه أبلغ بان كي مون بأن زيارته لإيران ستكون "خطأً كبيراً".
وقد أثار هذا التسريب من مكتب نتنياهو بشأن المكالمة، دون التنسيق أولاً مع الأمين العام، غضب بان كي مون. وعندما أدرك نتنياهو الضرر الذي أحدثه، اتصل ببان كي لتوجيه الاعتذار، حسبما ذكرت صحيفة هآرتس.
6- تزوير تفاصيل المناقشات الأمنية
كشفت وسائل إعلام عبرية الأسبوع الماضي عن إجراء تحقيق في قضية تتعلق بشبهات تزوير بروتوكولات خاصة بالمناقشات الأمنية في مكتب نتنياهو، ما يضاف إلى فضيحة التسريبات الأمنية.
وقالت صحيفة يسرائيل هيوم إن وحدة "لاهاف 433" (وحدة شرطية تحقق في الجرائم الخطيرة) تحقق في قضية أمنية جديدة، تتعلق بأحداث وقعت في بداية حرب غزة، وتتضمن شبهات بتزوير بروتوكولات في مكتب رئيس الوزراء.
وأضافت أن هذه التفاصيل يتم نشرها بعدما سمح بذلك قاضي المحكمة المركزية في ريشون لتسيون، مناحيم مزراحي.
ونقلت عنه قوله: "تجري وحدة لاهاف 433 التابعة للشرطة تحقيقاً جنائياً فيما يتعلق بأحداث في بداية الحرب" على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
فيما ذكرت القناة 12 الإسرائيلية أنه صدر في يونيو/حزيران الماضي أمر بحظر النشر في هذه القضية.
وأوضحت أنه "تم تعريف القضية وقتها على أنها حساسة من الناحتين الأمنية والعامة، لذلك يُسمح الآن بنشر تفاصيل جزئية فقط عنها".
وقبل نحو أربعة أشهر قالت صحيفة يديعوت أحرونوت إنه يوجد تخوف من محاولة "تغيير" بروتوكولات في مكتب نتنياهو.
وزادت بأن مسؤولين كبار سابقين في مكتب نتنياهو لا يستبعدون احتمال أن يكون المكتب قد "غيّر" البروتوكولات الخاصة بالمناقشات الأمنية التي جرت خلال الحرب.
ووفق الصحيفة، أرسل اللواء آفي غيل السكرتير العسكري السابق لنتنياهو رسالة حول الموضوع إلى المستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف ميارا.
وأفادت بأن هذه الخطوة جاءت بعد أن "ادعى مسؤولون في المؤسسة الأمنية أنهم منذ بداية الحرب وجدوا فجوات بين بعض النصوص (لمناقشات أمنية جرت في مكتب نتنياهو) وبين المناقشات والمحادثات كما جرت بالفعل".