مرّت 5 أشهر منذ أن طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، إصدار مذكرة اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، التي أتمّت عامها الأول.
وكان خان قد أعلن في 20 مايو/أيار الماضي أن مكتبه قدّم طلباً لإصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع، يوآف غالانت، بالإضافة إلى ثلاثة قيادات من حماس وهم يحيى السنوار، وإسماعيل هنية، ومحمد الضيف.
وقد أثار الفشل في إصدار مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت حتى الآن انتقادات واسعة النطاق ضد المحكمة، حيث حذّر خبراء في القانون الدولي من أن مصداقية المحكمة ودورها المتمثل في ضمان المساءلة عن أفظع الجرائم أصبحا على المحك، بحسب ما ذكر تقرير لموقع ميدل إيست آي البريطاني.
وعلاوة على ذلك، وكما هو موضح في ديباجة نظام روما الأساسي الذي قامت عليه المحكمة الجنائية الدولية، فإن غرض المحكمة ليس محاسبة المشتبه بهم فحسب، بل أيضاً منع وردع هذه الجرائم.
لماذا تأخر صدور مذكرة الاعتقال؟
يعزو كثيرون التأخير في إصدار مذكرة الاعتقال إلى سماح المحكمة لـ"غرفة ما قبل المحاكمة" بتلقي طلبات من دول وجهات أخرى لتقديم مذكرات مكتوبة تُقدم حججاً قانونية وتوصيات بشأن قضية ما.
وفي 10 يونيو/حزيران الماضي، قدّمت حكومة المملكة المتحدة طلباً إلى غرفة ما قبل المحاكمة لتقديم مذكرة مكتوبة تطعن في اختصاص المحكمة على المواطنين الإسرائيليين في ظروف لا تملك فيها فلسطين أي ولاية قضائية على المواطنين الإسرائيليين.
يذكر أن إسرائيل ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، لكن دولة فلسطين حصلت على العضوية في عام 2015.
وتتمتع المحكمة الجنائية الدولية بسلطة محاكمة مواطني الدول الأعضاء البالغ عددها 124 دولة والتي وقّعت على نظام روما، فضلاً عن الأفراد الذين يرتكبون جرائم داخل تلك الأراضي.
ولذلك، يمكن للمحكمة التحقيق مع أفراد إسرائيليين بشأن الجرائم التي ارتكبوها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي تشمل غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
وعندما قبلت الغرفة الطلب البريطاني، تم تحديد موعد نهائي للتقديم في 12 يوليو/تموز، وطلبت المملكة المتحدة تمديداً حتى 26 يوليو/تموز، ثم أسقطت الطلب في ظل حكومة حزب العمال الجديدة.
ومع ذلك، تلقت غرفة ما قبل المحاكمة 70 طلباً بتقديم مذكرات قانونية من جهات أخرى شملت إسرائيل وحلفاء لها، فضلًا عن المحامين الذين يمثلون الضحايا الفلسطينيين.
وقالت جوليا بينزاوتي، أستاذة القانون الدولي بجامعة ليدن الهولندية، التي شاركت في تقديم مذكرة إلى غرفة ما قبل المحاكمة لدحض الحجج حول عدم اختصاص المحكمة في هذه القضية: "عندما سمحوا بتقديم الطلبات، كنا في حيرة شديدة بشأنها". وأوضحت بينزاوتي أن التأخير كان حتمياً، لأن تقديم الطلبات عملية تتكون من خطوتين حيث يتعين على المدعي العام الرد على الطلبات.
ولكن هذه العملية انتهت، كما قالت بينزاوتي. ولا يزال من غير الواضح لماذا لم يتخذ القضاة قرارهم بشأن إصدار مذكرة الاعتقال حتى الآن.
لماذا يحتاج القضاة إلى تأكيد مذكرة الاعتقال؟
وفقاً للمادة 58 من نظام روما الأساسي، المعاهدة التي أسست المحكمة الجنائية الدولية، فإن غرفة ما قبل المحاكمة التابعة للمحكمة مكلفة بفحص الأدلة التي يقدمها المدعي العام وضمان عدد من المتطلبات الإجرائية.
وتشمل هذه الشروط وجود أسباب معقولة للجرائم المزعومة، وأن يكون الاعتقال ضرورياً "لضمان حضور الشخص للمحاكمة"، أو "لضمان عدم قيام الشخص بعرقلة أو تعريض التحقيق أو إجراءات المحكمة للخطر"، أو "منع الشخص من الاستمرار في ارتكاب تلك الجريمة أو جريمة ذات صلة تدخل في اختصاص المحكمة وتنشأ عن نفس الظروف".
كم من الوقت تستغرقه المحكمة لإصدار مذكرة الاعتقال؟
لا توجد لدى المحكمة الجنائية الدولية فترة زمنية محددة لإصدار أوامر الاعتقال، بل إن تحديد هذه الفترة متروك لتقدير القضاة.
وفي قضايا سابقة، استغرق الأمر ما بين عدة أسابيع ونحو عام لإصدار مذكرة اعتقال.
وقد استغرقت الدائرة التمهيدية حوالي شهرين في المتوسط لاتخاذ القرار بشأن 61 طلباً سابقاً لإصدار مذكرات اعتقال، وفقًا للصحفية مولي كويل التي تتخذ من لاهاي مقرًا لها.
وفي هذه الحالة، تم إجراء مقارنات مع مذكرات الاعتقال الصادرة بحق رؤساء دول آخرين.
على سبيل المثال، في 22 فبراير/شباط 2023، قدم خان طلبات لإصدار مذكرات اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومفوضة حقوق الطفل ماريا لفوفا بيلوفا. وتم تأكيد مذكرات الاعتقال بعد 23 يومًا في 17 مارس/آذار.
لكن الوضع في فلسطين يفرض حالة عن الاستعجال، كما يقول لويجي دانييلي، المحامي الدولي والأستاذ الجامعي.
وقال دانييلي: "بالنظر إلى خطورة الجرائم التي ارتكبت منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وحتى قبل ذلك منذ فتح التحقيق في المحكمة الجنائية الدولية في عام 2021، فإن طلب المدعي العام في مايو/أيار كان متأخراً بالفعل".
وأضاف دانييلي: "وبدون المساءلة، يتعزز لدى مرتكبي الجرائم المزعومة تصورهم بأنهم فوق القانون ويتم تشجيعهم على ارتكاب المزيد من الجرائم الفظيعة."
وندد علماء قانون ومحامون يمثلون الضحايا ممن تحدثوا إلى موقع ميدل إيست آي بهذا التأخير باعتباره غير معقول، نظراً لخطورة الوضع في غزة، حيث حذرت منظمات الإغاثة من خطر المجاعة الوشيكة في جميع أنحاء القطاع وإبادة 400 ألف مدني محاصر في الشمال.
ماذا سيحدث إذا صدرت مذكرة الاعتقال؟
من غير المرجح إلى حد كبير أن ترفض المحكمة الطلب. فقد تم قبول طلبات إصدار أوامر الاعتقال في الغالبية العظمى من الحالات.
وإذا ما أصدرت المحكمة مذكرة الاعتقال، فإن كل الدول الأعضاء في نظام روما، البالغ عددها 124 دولة، سوف تكون ملزمة باعتقال القادة الإسرائيليين وتسليمهم إلى المحكمة في لاهاي. ولا يجوز بدء المحاكمة غيابياً، كما تنص المادة 63 من النظام الأساسي.
ولكن المحكمة لا تملك صلاحيات تنفيذية، بل تعتمد على تعاون الدول الأعضاء في اعتقال المشتبه بهم وتسليمهم.
ومن بين الدول الموقعة على النظام الأساسي المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإسبانيا، وفي الشرق الأوسط الأردن وتونس وفلسطين.
ومع ذلك، فإن بعض البلدان، ولا سيما الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا، ليست من الموقعين على الاتفاقية. كما أن معظم بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ليست من الموقعين على الاتفاقية أيضاً.
ومن المرجح أن يحدد نتنياهو وغالانت من تنقلاتهما، كما فعل بوتين في أعقاب مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضده.
وقد تختار الحكومة الإسرائيلية المستقبلية أيضاً تسليمهما إلى لاهاي.
وعلاوة على ذلك، يجوز للدول غير الأعضاء في نظام روما الأساسي أن تختار تسليم المشتبه بهم إلى لاهاي، أو منعهم من دخول أراضيها، أو محاكمتهم بموجب ولايتها القضائية المحلية.
كيف كان رد فعل إسرائيل وحلفائها على طلب مذكرة الاعتقال؟
قبل طلب المدعي العام، وكذلك خلال الأشهر الخمسة التي تلته، رفضت إسرائيل وحليفتها الرئيسية ــ الولايات المتحدة ــ مذكرات الاعتقال وطعنتا في اختصاص المحكمة.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في العشرين من مايو/أيار إن إدارته ترفض "المساواة" بين حماس وإسرائيل في هذه القضية، وأن المحكمة ليس لديها ولاية قضائية. وقدمت الحكومة الإسرائيلية حججاً مماثلة.
وفي سبتمبر/أيلول 2024، قدمت إسرائيل مذكرتيني قانونيتين إلى المحكمة الجنائية الدولية، تطعنا في شرعية طلبات مذكرة التوقيف ضد نتنياهو وغالانت، وكذلك في اختصاص المحكمة.
في غضون ذلك، كشفت تحقيقات نشرتها صحيفة الغارديان ومجلة +972 في 28 مايو/أيار أن المحكمة الجنائية الدولية تعرضت لحملة تجسس وتهديدات على مدى تسع سنوات من قبل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. وشملت الحملة اختراق هواتف خان والمدعية العامة السابقة للمحكمة فاتو بنسودا.