في تطور مفاجئ ومثير بشأن قضية الصحراء الغربية كشف مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للمنطقة، ستافان دي ميستورا، الخميس 17 أكتوبر/تشرين الأول 2024، عن تقديمه مشروعاً إلى مجلس الأمن الدولي يقوم على أساس تقسيم الصحراء الغربية بين المملكة المغربية وجبهة "البوليساريو".
مقترح "تقسيم الصحراء الغربية" الذي قدمه دي ميستورا أثار ردود فعل غير رسمية غاضبة في المغرب، حيث عبّرت وسائل إعلام محلية وناشطون عن رفضهم له، فيما لم يصدر أي تعليق رسمي من الرباط أو "البوليساريو" بشأن مقترح دي ميستورا الذي اكتفى بالإشارة إلى غياب أي تعاطي إيجابي من الطرفين بشأن المقترح.
من خلال هذا التقرير سنسلط الضوء على تفاصيل مقترح دي ميستورا بشأن تقسيم الصحراء الغربية، ولماذا أعاد المبعوث الأممي طرح هذا الحل الذي سبق وأن قدّمه مبعوث أممي سابق؟ وكيف من شأن هذا المقترح أن يعقّد العلاقات بين المغرب والمبعوث الأممي للصحراء الغربية؟
مقترح "تقسيم الصحراء الغربية"
بينما جاء تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بشأن قضية الصحراء الغربية روتينياً فصّل الوضع الميداني العسكري والسياسي والحقوقي، فجر مبعوثه الشخصي، ستافان دي ميستورا، مفاجأة خلال الإحاطة التي قدّمها إلى مجلس الأمن الدولي الأربعاء 16 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
وعرض دي ميستورا مقترحه خلال جلسة مغلقة، قال فيها "لقد قمتُ، بسرية تامة، باستئناف وإعادة إحياء مفهوم تقسيم الإقليم مع جميع الأطراف المعنية"، ولم تُنشر تصريحات المبعوث الأممي إلى الصحراء الغربية خلال جلسة مجلس الأمن، لكنها وردت في محضر الجلسة الذي سُرّب لوسائل الإعلام.
وأوضح الدبلوماسي السويدي-الإيطالي البالغ من العمر 77 عاماً أن مشروع "التقسيم" هذا "من شأنه أن يتيح، من ناحية، إنشاء دولة مستقلة في الشطر الجنوبي، ومن ناحية أخرى، دمج بقية الإقليم كجزء من المغرب يتم الاعتراف بسيادته عليه دولياً".
وتقع الصحراء الغربية على ساحل المحيط الأطلسي ويحدّها المغرب وموريتانيا والجزائر وتعتبرها الأمم المتحدة من "الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي"، فيما يسيطر المغرب على 80 في المائة من مساحة الصحراء الغربية ويعتبرها جزءاً لا يتجزأ من وحدته الترابية.
وحسب مقترح ستافان دي ميستورا فإن "تقسيم الصحراء الغربية على أسس تاريخية من شأنه أن يضع مدينة العيون، أكبر مدينة في الإقليم المتنازع عليه، في الشمال، والداخلة التي تُعتبر ثاني أكبر مدينة في إقليم الصحراء الغربية، في الجنوب.
بينما كانت الرباط قد طرحت خطة عام 2007 تقترح فيها منح الإقليم حكماً ذاتياً تحت سيادتها، فيما تطالب جبهة البوليساريو التي تخوض نزاعاً مع الرباط منذ 1975، بالسيادة على الصحراء الغربية وتدعو إلى إجراء استفتاء لتقرير المصير نصّ عليه اتفاق وقف إطلاقِ النار الذي تم التوصل إليه في العام 1991.
بينما أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في شهر أغسطس/آب 2024، عن "قلق عميق" إزاء تدهور الوضع في الصحراء الغربية، وذلك في تقرير أعدّه حول هذه المنطقة بطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة، داعياً إلى "تجنب أي تصعيدٍ إضافي".
لكن فكرة "تقسيم الصحراء الغربية" ليست جديدة، ففي اتفاق لم يتم إقراره قط، تنازلت موريتانيا عن الجزء الجنوبي من الصحراء الغربية لجبهة البوليساريو عندما انسحبت منها في عام 1979. وكان المبعوث السابق جيمس بيكر قد طرح فكرة التقسيم قبل أكثر من عقدين من الزمان.
حل "قديم" أُعيد طرحه الآن
مقترح تقسيم الصحراء الغربية الذي قدمه ستافات دي ميستورا وعرضه على أطراف النزاع ليس بجديد، إذ سبق وأن تقدّم به الأمريكي جيمس بيكر الذي شغل مهمة المبعوث الأممي إلى الصحراء الغربية في الفترة ما بين 1997 و2004، ضمن مقترحات أخرى لحل النزاع المستمر منذ نحو 50 عاماً.
"خطة بيكر" كما سُمّيت عممها المبعوث الأممي الأمريكي السابق على مجلس الأمن عام 2000 وضمت 3 مقترحات لحل أزمة الصحراء الغربية، الأول يتعلق بتنفيذ مخطط التسوية "الاستفتاء"، بينما يتعلق المقترح الثاني بمراجعة الاتفاق الإطار والذي ينص على "الحل السياسي في إطار السيادة المغربية".
بينما يتعلق المقترح الثالث بـ"تقسيم الصحراء الغربية"، ونصّت "خطة بيكر" على مناقشة هذا المقترح في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2002، عندما كان من المنتظر أن يقدّم جيمس بيكر لمجلس الأمن مشروعه لعرضه على أطراف النزاع.
وجاء في الفقرة الثانية من تقرير الأمين العام للأمم المتحدة لعام 2002، أن بيكر خلال لقائه مع الرئيس الجزائري الراحل، عبد العزيز بوتفليقة، في نوفمبر 2001 في هيوستن، عبرت كل من الجزائر والبوليساريو عن استعدادهما لمناقشة أو التفاوض حول "تقسيم الصحراء الغربية" كحل سياسي للنزاع القائم.
لكن وزير الخارجية المغربي الأسبق، محمد بن عيسى، قال في تصريحات إعلامية حينها أن المغرب يرفض رفضاً مطلقاً أي توجه يستهدف "تقسيم الصحراء الغربية"، وأن موضوع التقسيم غيرُ قابل للمناقشة مهما كانت الظروف.
واعتبر بن عيسى هذا التوجه بأنه "مخطط خطير وسابقة خطيرة" ستوسّع بمقتضاها النزاعات على طول الشمال الأفريقي من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلسي، وقال إن "الاتفاق الإطار" يبقى هو الحل الواقعي لإيجاد تسوية سياسية للقضية.
مواقف متباينة بين أطراف النزاع
قال دي ميستورا إن فكرة "تقسيم الصحراء الغربية" تستحق الدراسة، وأضاف أن بعض الدول المعنية، التي لم يُسمها، "أعربت عن بعض الاهتمام" رغم أن المغرب وجبهة البوليساريو "لم تُظهِرا أي إشارة على استعدادهما لدراسة الأمر بشكل أكبر".
ورغم أن مقترح "تقسيم الصحراء الغربية" الذي قدمه دي ميستورا من شأنه أن يسمح بالحكم الذاتي المغربي على بعض الأراضي في شمال الأقاليم الصحراوية واستقلال الصحراويين في الجزء الجنوبي، فإنه لا يلبّي الشروط الراسخة لدى أي من الجانبين.
فموقف المغرب هو عدم التفاوض على سيادة الإقليم المتنازع عليه كما أنّه متشبث بمقترح الحكم الذاتي الذي قدمته المملكة عام 2007 كحل وحيد للأزمة، بينما موقف جبهة البوليساريو هو المطالبة بتقرير المصير من خلال الاستفتاء الذي تعتبر الرباط "حلاً ميتاً".
وأكد الملك محمد السادس، في خطاب أمام البرلمان الجمعة 11 أكتوبر/تشرين الأول 2024، إن المغرب "سيمر في قضية وحدته الترابية، من مرحلة التدبير، إلى مرحلة التغيير، داخلياً وخارجياً، وفي كل أبعاد هذا الملف"، داعياً كذلك إلى الانتقال من مقاربةِ رد الفعل، إلى أخذ المبادرة، والتحلي بالحزم والاستباقية".
وأضاف العاهل المغربي: "على هذا الأساس، عملنا لسنوات، بكل عزم وتأني، وبرؤية واضحة، واستعملنا كل الوسائل والإمكانات المتاحة، للتعريفَ بعدالة موقف بلادنا، وبحقوقنا التاريخية والمشروعة في صحرائنا، وذلك رغم سياق دولي صعب ومعقد".
وقالت جبهة البوليساريو، الخميس 17 أكتوبر/تشرين الأول 2024، في بيان، إنها أبلغت ستافان دي ميستورا في اجتماع عقد في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول أن أي تسوية تتجاهل القانون الدولي أو "تتعارض مع تفويض بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء" غير مقبولة.
لماذا العودة إلى طرح مقترح التقسيم؟
حاولت الأمم المتحدة حل النزاع الإقليمي منذ سبعينيات القرن العشرين، وساعدت في التفاوض على تسوية في عام 1991 دعت إلى عملية سلام على مراحل تبدأ بوقف إطلاق النار وإنشاء بعثة أممية لحفظ السلام، ولم تسفر المفاوضات عن أي تقدم تحت قيادة مبعوثين أمميين سبقوا ستافان دي ميستورا.
الدبلوماسي الإيطالي الذي لم يَنل قبولاً لدى المغرب إلا بعد ضغط أمريكي عام 2021، فشل في المهمة الكبرى التي عُيّن من أجلها وهي إعادة أطراف النزاع إلى طاولة المفاوضات من أجل تحريك هذا الملف الراكد منذ عقود، هذا الفشل دفع دي ميستورا للبحث عن طرح أي مقترح بما في ذلك "تقسيم الصحراء الغربية".
وفي إحاطته الإعلامية الأربعاء 16 أكتوبر/تشرين الأول 2024، قال المبعوث الأممي إلى الصحراء الغربية، إنه يريد خلال الأشهر الستة المقبلة قبل تقريره المقبل للمجلس في أبريل/نيسان 2025، استكشاف المقترحات الملموسة التي قدمها المغرب بشأن الحكم الذاتي، والتي طلب من الحكومة تقديمها.
وقال دي ميستورا إن هذا "لا يمس الحلّ الذي تم اختياره لتسوية قضية الصحراء الغربية". وأضاف أن غياب التقدم "قد يثير بحق تساؤلات حول الأشكال المستقبلية لتيسير الأمم المتحدة للعملية السياسية في الصحراء الغربية" ويدفعه إلى اقتراح على مجلس الأمن إعادة تقييم "ما إذا كان هناك مجال واستعداد لنا لأن نكون مفيدين".