بدأ الاحتلال الإسرائيلي بإطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق في شمال قطاع غزة، وتمكنت قواته من حصار مخيم جباليا لللاجئين، في حراك يترجم نية الاحتلال في تطبيق "خطة الجنرالات" والتي تهدف إلى طرد مئات الآلاف من الفلسطينيين المتبقين في تلك المنطقة بالقوة إلى المناطق الجنوبية من قطاع غزة.
والأحد الماضي، أعلن جيش الاحتلال بدء عملية عسكرية في شمال قطاع غزة، بذريعة "منع حركة حماس من استعادة قوتها في المنطقة"، وذلك بعد ساعات من هجمة شرسة على المناطق الشرقية والغربية للمنطقة ذاتها، تُعد هي الأعنف منذ مايو/أيار الماضي.
واستكمالاً لذلك، أمر جيش الاحتلال المواطنين الذين يُقدر عددهم بنحو 300 ألف فلسطيني، بإخلاء بلدات بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا بالكامل، والتوجه جنوباً عبر ما يسمى "الممر الآمن".
وتبلغ مساحة منطقة شمالي قطاع غزة بما فيها مدينة غزة نحو 110 كيلومترات مربعة، وتشكل ما يعادل ثلث مساحة قطاع غزة.
وبحسب مصادر لـ"عربي بوست"، فإن جيش الاحتلال مع إطباقه لمنطقة جباليا، قام بعزل المنطقة الشمالية لقطاع غزة والتي تضم "بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا" عن مدينة غزة، ونصب حواجز وسواتر رملية.
المصادر ذاتها، أشارت إلى أنه منذ نحو أسبوعين لم تصل أي مساعدات إنسانية لسكان شمال قطاع غزة، ما يدل على النية المبيتة للاحتلال بتنفيذ "خطة الجنرالات" على أرض الواقع رغم نفيه إقرارها.
وكانت إذاعة الجيش الإسرائيلي، قد زعمت عن مصادر أمنية أن العملية العسكرية في جباليا لا علاقة لها بـ"خطة الجنرالات"، مشيرة إلى أن المستوى السياسي لم يحسم بعد بشأنها.
لكنه وفقاً لإعلانات الجيش الإسرائيلي، فإن أوامر الإخلاء التي أُصدرت للمواطنين الفلسطينيين، والتي تشير إلى التوجه إلى جنوبي قطاع غزة، وليس المناطق الشرقية لمدينة غزة كما في السابق، إلى جانب الهجوم من جميع المحاور، يدل عكس ذلك.
وشمل العدوان الإسرائيلي على المناطق الشمالية لقطاع غزة، استهداف البنى التحتية، ومراكز الإيواء، ومطالبات بإفراغ ما تبقى من المستشفيات الموجودة وعددها ثلاثة إلى جانب إطباق الحصار للمنطقة.
وقالت وزارة الصحة الفلسطينية بغزة، إن جيش الاحتلال هدد المستشفيات الثلاثة بـ"التدمير والقتل والاعتقال" لو لم يتم إخلاء المستشفيات الثلاثة، على غرار ما جرى في مستشفى الشفاء داخل مدينة غزة.
ما هي خطة الجنرالات الإسرائيلية؟
ترتبط "خطة الجنرالات" باسم الجنرال غيورا آيلاند، والذي كان رئيساً سابقاً لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، والذي اقترح منذ بداية الحرب بتدمير القطاع.
وفي 4 سبتمبر/أيلول الماضي، نشر "منتدى قادة ومقاتلي الاحتياط" في جيش الاحتلال "خطة الجنرالات"، وتتمثل بالتالي:
- تحويل منطقة شمالي قطاع غزة والتي تشمل المناطق الشمالية مع مدينة غزة حتى "ممر نتساريم" إلى منطقة عسكرية مغلقة.
- إصدار أوامر إخلاء للسكان الفلسطينيين البالغ عددهم نحو 600 ألف بإخلاء منطقة شمال قطاع غزة والتوجه إلى الجنوب عبر ممرات يحددها الجيش الإسرائيلي، خلال مهلة تصل إلى أسبوع.
- فرض حصار كامل على المنطقة، مع منع وصول المساعدات بما فيها الاحتياجات الأساسية لمن تبقى من السكان.
آيلاند يعتقد بأن قطع شريان الحياة لمن تبقى في شمال قطاع غزة، قد يسهم في الضغط على حركة حماس، مضيفاً أن خُطته إذا لم يتم تنفيذها، فلن يتم تحقيق أهداف الحرب المتمثلة بـ"القضاء على حماس، وإعادة الرهائن".
وفقا للجنرال آيلاند، "فإن التجويع حتى الموت يسود الموقف، حيث يؤكد أن الصفقة الأولى في نوفمبر/2023 تكللت بالنجاح، وذلك "لأن إسرائيل أدخلت للقطاع فقط شاحنتين مساعدات يومياً".
فيما توقعت صحيفة هآرتس، أن المرحلة الثانية لـ"خطة الجنرالات:، تتضمن استكمال السيطرة على شمالي قطاع غزة حتى ممر نتساريم.
وأضافت في تحليل سابق لرئيس تحريرها ألوف بن، أن منطقة شمال قطاع غزة، من المتوقع أن تصبح متاحة تدريجياً للاستيطان اليهودي وضمها إلى إسرائيل.
ورأى الكاتب الإسرائيلي أن نتنياهو يحلم بما قد يعتبره أنصاره إنجازاً، متمثلاً في توسيع "أراضي إسرائيل" لأول مرة منذ سنوات طويلة، وسوف يكون ذلك "نصره الكامل" على هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، على حد زعمه.
وتابع بأن هذه المرحلة بدأت بالدخول، مع إصدار قرار بتعيين العقيد إيلاد غورين رئيساً للجهود الإنسانية والمدنية في غزة، وذلك ضمن وحدة تنسيق العمليات الحكومية في المناطق.
تطابق الخطة مع رؤية وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي ايتمار بن غفير وغيرهما من ساسة اليمين المتطرف، الذين طالبوا باتخاذ مثل هذه الإجراءات منذ بداية الحرب.
وسبق أن استبعد المحلل السياسي لصحيفة هآرتس عاموس هارئيل أن يطبق الجيش "خطة الجنرالات"، واعتبر أنها تتضمن إجراءات ترقى إلى مستوى جرائم الحرب في نظر القانون الدولي.
وفي أواخر الشهر الماضي، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الجيش يوآف غالانت وقّعا على دراسة العمليات التي يمكن تنفيذها في غزة على أساس "خطة الجنرالات".
وتعد منطقة شمالي قطاع غزة جزءًا هاما من الاقتصاد الزراعي للقطاع وسلة غذائه، ووفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني كانت مساحة الأراضي الزراعية في شمالي غزة حوالي 34 ألف دونم (للعام 2020-2021).
العملية الحالية تُعَدُّ مقدمة لتنفيذ خطة الجنرالات
بحسب موقع "وللا" العبري، فإن القيادة الجنوبية في جيش الاحتلال، تخطط منذ فترة طويلة لعملية واسعة النطاق للفرقة 162 في شمال القطاع مع التركيز على منطقة جباليا.
الموقع العبري أوضح أن هدف العملية العسكرية في شمال قطاع غزة، هو السيطرة بشكل كامل عليها، وإذا توسعت العملية فإنه سيتم إخلاء سكان بيت لاهيا وبيت حانون بالكامل أيضاً إلى الجنوب.
كما أوضح أن العملية تهدف إلى تهجير السكان، بالإضافة إلى قتل المقاومين، وتدمير البنية التحتية لحركة حماس هناك، وإذا تَمَّت هذه الخطوات فإن الجيش سيكون قادراً على مهاجمة نشطاء حماس، بالإضافة إلى احتلال منطقة واسعة، بحسب الموقع.
هل إسرائيل تريد بالفعل احتلال غزة؟
في 28 يناير/كانون الثاني 2024، عُقد في القدس مؤتمر شارك فيه وزراء من اليمين المتطرف، للمطالبة بإعادة بناء المستوطنات في غزة.
حيث خصص المنظمون أكشاكاً لإطلاع الحضور على خططهم للاستيطان في غزة، وعرضوا عليهم صوراً وخرائط تظهر الشكل الذي "ينبغي أن تكون عليه غزة من وجهة نظرهم بعد الحرب".
وبغض النظر عن خططها العسكرية، لا يبدو أن إسرائيل لديها أي رغبة بالانسحاب من قطاع غزة، وتصر على إبقاء قواتها فيه مع إنشاء مناطق عازلة.
ورغم دفع الولايات المتحدة وجهات دولية بأفكار تتضمن عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، فإن نتنياهو يرفض ذلك، ويقدم أطروحات في إطار إنهاء وجود وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، وتولي الجيش الإسرائيلي بالإشراف على نقل وتوزيع المساعدات داخل القطاع.
وفي فبراير/شباط 2024، كشفت وسائل إعلامية عن خطة نتنياهو بشأن "اليوم التالي" للحرب على غزة، وتنص على "إقامة منطقة أمنية داخل أراضي قطاع غزة، بالمنطقة المتاخمة للبلدات الإسرائيلية".
أما المنطقة الجنوبية المتاخمة للحدود المصرية، فإن نتنياهو يريد تحقيق ما يصفه بـ"الإغلاق الجنوبي" على الحدود بين غزة ومصر "لمنع إعادة تسليح الفصائل في قطاع غزة"، بحسب هيئة البث الإسرائيلية.