في الوقت الذي بدأ العالم في التقاط أنفاسه بسبب آثار جائحة كورونا، تلوح في الأفق الآن أزمة جديدة تهدد سلاسل التوريد العالمية مما أثار تساؤلات بشأن عودة معدلات التضخم للارتفاع من جديد.
وتتعرض سلاسل التوريد العالمية لضغوط من جديد مع تزايد التوترات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط بسبب تصاعد وتيرة الحرب الإسرائيلية على غزة التي دخلت عامها الأول، وما صاحبها من هجمات للحوثيين على السفن التي ترتبط بإسرائيل، والجفاف الذي ضرب مناطق في أمريكا الوسطى وما تبعه من تداعيات على وتيرة النقل في قناة بنما، فضلاً عن إضرابات العاملين التي شهدتها عدة من الموانئ الأمريكية مؤخراً.
صحيفة الغارديان البريطانية، نشرت الخميس 3 أكتوبر/تشرين الأول 2024، تقريراً سلَّط الضوء على الضغوط التي تتعرض لها سلاسل التوريد العالمية.
وقال التقرير: "في حين أن الوباء الذي قلب التجارة العالمية رأساً على عقب من خلال عمليات الإغلاق والقيود على السفر لا يزال حاضراً في الأذهان، فإن سلاسل التوريد الدولية تتعرض مرة أخرى للضغوط".
لماذا تتعرض سلاسل التوريد للضغوط؟
واجهت شركات النقل والشحن العالمية عدداً متزايداً من المشكلات في نقل البضائع خلال العام الماضي نرصدها في النقاط التالية.
1- الحرب الإسرائيلية على غزة والتوترات في البحر الأحمر
- بحسب الغارديان، يأتي على رأس هذه القائمة الاضطرابات التي خلفتها الحرب الإسرائيلية على غزة في الشرق الأوسط وتأثيرها على حركة التجارة عبر البحر الأحمر.
- فقد انخفضت حركة المرور عبر طريق الشحن الرئيسي بنحو الثلثين منذ بدأت الهجمات على السفن من قبل الحوثيين في العام الماضي. وكان هذا الطريق يمثل 12% من إجمالي التجارة العالمية قبل بدء الهجمات.
- وقد تخلت العديد من الشركات، بما في ذلك شركات الشحن الكبرى مثل ميرسك، عن هذا الطريق، واختارت بدلاً من ذلك السفر حول رأس الرجاء الصالح، وهو ما يمكن أن يضيف 10 أيام إلى الرحلات، وتكاليف كبيرة.
- كما أن تصاعد وتيرة الهجمات الإسرائيلية على لبنان والاغتيالات في الأيام الأخيرة تثير مخاوف من أن المزيد من السفن قد تتجنب هذا الطريق.
- ويعتقد بيتر ساند، كبير المحللين في منصة تحليلات الشحن زينيتا، أن التصعيد الأخير سيكون له تأثير أقل، حيث تتجنب معظم سفن الحاويات بالفعل البحر الأحمر.
- ولكنه حذر من أن "المزيد من التدهور في الوضع السياسي يعني أن عودة سفن الحاويات على نطاق واسع إلى منطقة البحر الأحمر تبدو احتمالاً بعيداً"، وفق ما نقلت عنه الغارديان.
- وقد حذر عدد من كبار خبراء الاقتصاد في العالم من الآثار المدمرة لصراع طويل في البحر الأحمر وتوترات متصاعدة في الشرق الأوسط على الاقتصاد العالمي، مثل عودة التضخم وتعطيل إمدادات الطاقة.
- وكشف تقرير أمريكي عن الآثار الاقتصادية لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر التي بدأت في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أن تعطيل ممر بحري حيوي لسلاسل الإمداد العالمية، مثل قناة السويس المصرية، يؤدي إلى تفاقم التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي، بينما سيختلف تأثير ذلك على كل منطقة.
- وكما شهدنا قبل يومين فقد خلّف الهجوم الإيراني الذي استهدف مواقع إسرائيلية تداعيات سلبية على أسواق المال العالمية، وارتفعت أسعار النفط بنسب تجاوزت 3%، فضلاً عن الهبوط الذي ضرب الأسهم الأمريكية والأوروبية بشكلٍ حاد بعد الهجوم.
2- انخفاض حركة النقل في قناة بنما
- على الطرف الآخر من العالم انخفضت حركة المرور عبر قناة بنما، الطريق البحري الذي يربط المحيط الأطلسي بالمحيط الهادئ، منذ قرن من الزمان، أيضاً بعد أن أجبر الجفاف هيئة القناة على خفض الحد الأقصى لعدد السفن التي يمكنها المرور عبرها في وقت سابق من هذا العام، من 36 سفينة يومياً إلى 20 سفينة.
- وكانت تقارير أشارت إلى أن قناة بنما تعاني من نقص خطير في المياه يعيق ملء ممراتها العملاقة ويبطئ نشاطها منذ العام الماضي.
- وبالتالي فإن الجفاف يؤثر بشكل مباشر على سلاسل الإنتاج العالمية من خلال إبطاء تسليم المنتجات أو تمديد وقت السفر بالنسبة للسفن التي تمر عبر كيب هورن، خاصة بعد أن تحولت القناة إلى مسار بديل لبعض شركات الشحن مع استمرار هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.
3- إضراب عمال الموانئ الأمريكية
- تفاقمت المخاوف أيضاً من تعطل التجارة بسبب إضرابات عمال الموانئ على الساحل الشرقي للولايات المتحدة.
- وقبل يومين، بدأ نحو 50 ألف عضو من أعضاء رابطة عمال الموانئ الدولية إضراباً لأجل غير مسمى، ما أثر على 14 ميناء على طول الساحل الشرقي للولايات المتحدة.
- وقال بيان صادر عن رابطة عمال الموانئ الدولية يوم الثلاثاء، إنها أغلقت جميع الموانئ من مين إلى تكساس ورفضت الاقتراح النهائي الذي قدمته رابطة الولايات المتحدة البحرية يوم الاثنين.
ما هو تأثير هذه الضغوط حتى الآن؟
كان التأثير الأكبر لهذه الاضطرابات على تكلفة نقل البضائع بالنسبة للشركات.
وتواجه شركات الشحن التي تختار طريق رأس الرجاء الصالح زيادة قدرها 40% في تكاليف الوقود، في حين ارتفعت أسعار الحاويات أيضاً.
وبحسب شركة زينيتا، بلغت أسعار الشحن الفوري لحاويات الشحن مقاس 40 قدماً بين شرق آسيا وشمال أوروبا 8587 دولاراً للحاوية عندما بلغت السوق ذروتها في يوليو/تموز- بنسبة 468% أعلى مما كانت عليه في ديسمبر/كانون الأول 2023، قبل تصعيد هجمات الحوثيين.
وقد أثرت بالفعل إضرابات الموانئ الأمريكية على أسعار الحاويات من شمال أوروبا إلى الساحل الشرقي لأمريكا، حيث بلغ متوسط تكلفة الحاوية مقاس 40 قدماً 2861 دولاراً يوم الثلاثاء، مقارنة بـ 1836 دولاراً في نهاية أغسطس/آب.
وقد أدى الاضطراب، وخاصة في البحر الأحمر، إلى إطالة فترات الانتظار للشركات.
وفي وقت سابق من هذا العام، قال المصنعون وتجار التجزئة إن تحويل المسار حول أفريقيا لتجنب البحر الأحمر أضاف 4 أسابيع إلى أوقات التسليم.
واضطرت شركات صناعة السيارات مثل فولفو وتيسلا إلى تعليق خطوط الإنتاج بسبب نقص الأجزاء نتيجة للاضطرابات.
ما هو مستقبل أسعار النفط؟
ارتفعت أسعار النفط لليوم الثالث على التوالي لتقترب من 76 دولاراً للبرميل يوم الأربعاء، مقارنة بـ 71 دولار في بداية الأسبوع. ويعتقد بعض المحللين أن السعر قد يتجاوز 80 دولار خلال أيام.
وتستعد السوق لتهديد محتمل لإنتاج النفط الخام الإيراني من خلال رد إسرائيلي على البنية التحتية النفطية الإيرانية. وتقدر جولدمان ساكس أن إيران قادرة على إنتاج مليون برميل من النفط يومياً. ولكن قد يحدث المزيد من الاضطراب في الإمدادات إذا أثرت المشاكل التي تواجه طرق الشحن الرئيسية عبر البحر الأحمر على صادرات النفط الخام من منطقة الشرق الأوسط الأوسع.
وقد حذر بنك جولدمان ساكس من أن انقطاع تجارة النفط عبر مضيق هرمز من شأنه أن يؤدي إلى "ارتفاع كبير في أسعار النفط".
هل من الممكن أن يبدأ التضخم بالارتفاع مجدداً؟
في الوقت الذي يأمل فيه المراقبون في مزيد من خفض أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأمريكي في اجتماعيه المقبلين في نوفمبر/تشرين الأول وديسمبر/كانون الأول، هناك مخاوف تتمثل في تصاعد المخاطر الجيوسياسية، والتي قد تزيد تعقيدات سلاسل التوريد بين الشرق والغرب.
ومن شأن هذه المخاوف أن تعطل وصول السلع إلى الأسواق النهائية وتذبذب المعروض، وبالتالي عودة التضخم بشكل تدريجي، وإعادة النظر في مسارات خفض الفائدة، وفق تقرير لوكالة الأناضول.
فأول أداة للبنوك المركزية لكبح التضخم المرتفع هو رفع أسعار الفائدة، بهدف تقليل الاقتراض وسحب السيولة من الأسواق إلى البنوك على شكل ودائع مصرفية.
ولم يغفل صناع السياسة النقدية في البنوك المركزية العالمية عن الإشارة إلى المخاوف الجيوسياسية، وتأثيرها على إرباك قراراتهم بشأن أسعار الفائدة، والوصول إلى نسب عادلة للتضخم تتماشى مع أهداف بلدانهم.