ضغوط أمريكية تُحرّك المبعوث الأممي الخاص بالصحراء الغربية.. لماذا مهمته صعبة؟ وكيف كان رد المغرب والجزائر؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/10/01 الساعة 11:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/10/01 الساعة 11:45 بتوقيت غرينتش
زيارة دي ميستورا لوزارة الخارجية المغربية/ أرشيف

كانت أروقة الأمم المتحدة خلال اجتماعات الأسبوع الرفيع المستوى للجمعية العامة مليئة بتحركات أطراف الصراع في ملف الصحراء الغربية، حيث كان يسعى كل طرف لحشد أكبر قدر من الدعم، بينما سعى المبعوث الأممي للضغط لإعادة أطراف الأزمة إلى طاولة المفاوضات.

بعد 13 جولة من المفاوضات بين المغرب والبوليساريو بمشاركة الجزائر وموريتانيا، توقفت المفاوضات بعد الاستقالة المفاجئة للمبعوث الشخصي السابق للأمين العام للأمم المتحدة، هورست كولر، في شهر مايو/أيار 2019، وقالت الأمم المتحدة وقتها إنها كانت "لدواعٍ صحية".

مؤخراً ضاعف المبعوث الأممي الخاص للصحراء الغربية، الإيطالي ستافان دي ميستورا، من تحركاته بغية حلحلة هذا الملف العالق منذ نحو 50 عاماً، بدعم من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن التي تسعى لتحقيق تقدم في الملف قبل نهاية رئاستها.

وبدأ دي ميستورا مساعيه لحلحلة ملف الصحراء الغربية بلقاء مسؤولين كبار من أطراف الأزمة. فما الذي حملته الاجتماعات الجديدة؟ وهل ينجح في إقناع الأطراف المعنية بالعودة إلى طاولة المفاوضات في ظل تشبث كل طرف بمواقفه التي لا يبدو أنه مستعد للتراجع عنها؟

"ثوابت" لن يتنازل عنها المغرب

قبل أشهر أغضب المبعوث الأممي للصحراء الغربية، ستيفان دي ميستورا، المغرب، عندما قام بزيارة إلى جنوب إفريقيا اعتبرتها الرباط "تجاوزاً للصلاحيات من قبل المبعوث الأممي"، خاصةً وأن بريتوريا تعتبر من أهم الدول الإفريقية الداعمة لجبهة البوليساريو.

بعد تلك الأزمة التي خلّفتها زيارة دي ميستورا إلى جنوب إفريقيا، انتظر المبعوث الأممي قرابة 9 أشهر للقاء أحد المسؤولين الحكوميين المغاربة، وكان ذلك الأحد 29 سبتمبر/أيلول 2024، عندما التقى وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، على هامش الدورة الـ 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة.

في مايو/أيار 2021، رفض المغرب تعيين دي ميستورا، وعبر عن "شكوكه بشأن حيادية المبعوث الأممي الجديد"، لكن الرباط تراجعت بعد ذلك، وقررت قبول دي ميستورا كمبعوث أممي خاص للصحراء، تحت ضغوط أمريكية، وفق ما كشفه دبلوماسيون وقتها.

خلال لقائهما بنيويورك جدد وزير الخارجية المغربي التأكيد على "الثوابت الأربعة" لموقف المملكة بخصوص الصحراء المغربية، كما حددها العاهل المغربي الملك محمد السادس، وفق ما جاء في بيان لوزارة الخارجية المغربية الإثنين 30 سبتمبر/أيلول.

وتتمثل هذه الثوابت وفق ما جاء في البيان في دعم جهود الأمين العام ومبعوثه الشخصي من أجل حل سياسي واقعي، وعملي، ومستدام وقائم على التوافق، والتأكيد على أن الحكم الذاتي، تحت السيادة المغربية، هو الحل الوحيد والأوحد لهذا النزاع الإقليمي.

كما أشار البيان إلى تأكيد المغرب على أن الموائد المستديرة بمشاركة جميع الأطراف، وخاصة الجزائر، هي الإطار الوحيد لهذا المسلسل، وذلك طبقاً لقرار مجلس الأمن 2703، بتاريخ 30 أكتوبر 2023، حيث ظل المغرب متشبثاً بضرورة إشراك الجزائر في المفاوضات.

من الثوابت التي تحدث عنها بيان الخارجية المغربية، الاحترام الصارم لوقف إطلاق النار من قبل الأطراف الأخرى كشرط مسبق لمواصلة المسلسل السياسي.

وكانت قضية الصحراء حاضرة بقوة في أروقة الأمم المتحدة، بالتزامن مع أشغال الدورة الـ 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة والتي شارك فيها رئيس الحكومة عزيز أخنوش، الذي عقد سلسلة اجتماعات مع زعماء دول، شملت قضية الصحراء.

كما حضرت قضية الصحراء في خطاب رئيس الحكومة المغربي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 24 سبتمبر/أيلول 2024، حيث أكد أن بلاده ملتزمة بالتسوية السلمية للنزاعات وفقاً لميثاق الأمم المتحدة. 

وأكد تشبث المغرب بالتوصل إلى حل سياسي نهائي للنزاع حول الصحراء الغربية "على أساس مبادرة الحكم الذاتي حصرياً وفي إطار الوحدة الترابية والسيادة الوطنية للمملكة".

وقال أخنوش إن "الدعم الثابت والمتزايد للعديد من الدول لسيادة المغرب على صحرائه وللمبادرة المغربية للحكم الذاتي يشكل رسالة واضحة للأطراف الأخرى وللأمم المتحدة مفادها أن الوقت قد حان للتحرك نحو حل سياسي على هذا الأساس..".

مواجهات علنية في أروقة الأمم المتحدة

سيكون شهر أكتوبر/تشرين الأول 2024، حاسماً خاصةً وأن نهايته ستشهد تصويت مجلس الأمن على تمديد مهمة المبعوث الأممي الخاص بالصحراء الغربية، وقبلها سيكون دي ميستورا ملزماً بتقديم إحاطة أمام مجلس الأمن بشأن آخر تطورات الملف بعد لقائه بكل الأطراف.

على هذا الأساس كان لقاء المبعوث الأممي مع وزير الخارجية الموريتاني، محمد سالم ولد مرزوك، وتناول اللقاء "تعاون نواكشوط في بعث مسلسل التسوية الأممية في نزاع الصحراء المتوقف منذ استقالة المبعوث الأسبق هورست كولر".

رئيس الدبلوماسية الموريتانية قال في تغريدة له على منصة "إكس" الإثنين 30 سبتمبر/أيلول 2024، إنه ‏أجرى، بمقر الإقامة بنيويورك، لقاءً مع ستيفان دي ميستورا، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المكلَّف بنزاع الصحراء.

وأوضح وزير الخارجية الموريتاني أن "اللقاء تناول علاقات التعاون بين موريتانيا ومنظمة الأمم المتحدة، وسبل تعزيزها كما تم بحث القضايا ذات الاهتمام المشترك".

وقبل لقائه بالمبعوث الأممي الخاص بالصحراء، قال وزير الخارجية الجزائري في خطابه أمام الجمعية العامة، الإثنين 30 سبتمبر/أيلول، إن بلاده "تتطلع إلى تصفية الاستعمار تصفية نهائية، وذلك عبر طي آخر صفحة من صفحاته التي لا تزال وللأسف ماثلة أمامنا على أرض الصحراء الغربية".

وشدد عطاف على دعم بلاده للأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص في جهودهما الرامية "لتمكين طرفي النزاع من استئناف مسار المفاوضات المباشرة بهدف الوصول إلى حل سياسي يضمن للشعب الصحراوي ممارسة حقه غير القابل للتصرف أو التقادم في تقرير مصيره".

فيما رد السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، على تصريحات وزير الخارجية الجزائري التي وصفها بـ"الاستفزازية والمضللة" على حد تعبيره.

وقال الدبلوماسي المغربي إن على الجزائر أن "تستيقظ من نومها العميق من حقبة الحرب الباردة لأن الصحراء المغربية مستقلة في إطار تكاملها مع البلد الأم المملكة المغربية منذ أكثر من نصف قرن".

واعتبر هلال أن الجزائر طرف رئيسي في "النزاع المفتعل ويجب أن تعود لطاولة المفاوضات عملاً بقرارات مجلس الأمن، منتقداً اشتراطها تعيين من يحضر ومن لا يحضر وكذلك اعتراضها على القرارات".

المبعوث الأممي في زيارة للبوليساريو

تزامناً مع لقاء المبعوث الأممي بوزير الخارجية المغربي، كشفت جبهة البوليساريو أن ستافان دي ميستورا، سيزور "الأراضي الصحراوية" يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول 2024، قبل مشاركته في مجلس الأمن الدولي المقرر منتصف الشهر الجاري.

الجبهة أوضحت في بيان أن زيارة دي ميستورا ستتضمن أيضاً لقاءات مع القادة الصحراويين "لبحث سبل إعادة إطلاق عملية السلام في الصحراء الغربية التي ترعاها الأمم المتحدة والتي تواجه "مأزقاً" بسبب ما وصفته بـ"العرقلة والتدخلات المغربية".

 وتغتنم جبهة البوليساريو الفرصة لتؤكد مرة أخرى أن خطة الصحراء الغربية، الموقعة عام 1991 والتي قبلها الطرفان، "هي الحل الوحيد الممكن والواقعي والقائم على الالتزام لنزاع الصحراء الغربية"، والتي تقوم على أساس تنظيم استفتاء لتقرير المصير.

وذكّرت جبهة البوليساريو، في بيانها الذي نشرته وكالة الأنباء الصحراوية، الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص إلى المنطقة بأن تأخير أو عرقلة تحقيق حق الصحراويين في تقرير المصير "من شأنه أن يزيد من تهديد الأمن والاستقرار في المنطقة". 

ستافان دي ميستورا في زيارة سابقة لمخيم اللاجئين في تندوف، غرب الجزائر/ رويترز
ستافان دي ميستورا في زيارة سابقة لمخيم اللاجئين في تندوف، غرب الجزائر/ رويترز

لماذا تبدو مهمة دي ميستورا صعبة؟

خلال شهر مايو/أيار 2024، أبدى بايدن، رغبته في حلحلة ملف الصحراء الغربية بدعوة مختلف أطراف النزاع، ممثلين في المغرب والجزائر وجبهة البوليساريو، للعودة إلى طاولة المفاوضات، من أجل إيجاد حل لهذه الأزمة المستمرة منذ نحو نصف قرن.

إذ دعت إدارة الرئيس الأمريكي الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لتنظيم مؤتمر مع الأطراف الرئيسية في الملف، إلى جانب كل من إسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا، وفق ما ذكرته تقارير إعلامية غربية.

بينما حاولت سفيرة واشنطن لدى الجزائر، إليزابيث مور أوبين، التأكيد على الموقف المتوازن للولايات المتحدة فيما يخص علاقتها بكل من الرباط والجزائر، خاصةً فيما يتعلق بملف الصحراء الغربية.

أوبين جددت في حوار لها شهر يوليو/تموز 2024، التأكيد على دعم الولايات المتحدة المسار الأممي، مع الحفاظ على الموقف الأمريكي الذي يعتبر مخطط الحكم الذاتي المغربي " حلاً قابلاً للتطبيق "، وهذا الموقف، إذا كان المقصود منه أن يكون متوازناً، يوضح الصعوبة التي تواجهها واشنطن في إرضاء كل من الجزائر والرباط.

فيما يواصل المسؤولون في إدارة الرئيس الأمريكي الضغط من أجل تحقيق تقدم ملموس في الملف العالق منذ نحو نصف قرن.

وأبلغ مسؤولون أميركيون ممثلين من الجزائر، والمغرب والبوليساريو في نيويورك أن "الوقت قد حان للتحرك قدماً في هذه العملية"، على حد تعبير دبلوماسي أميركي تحدث إلى موقع "مجموعة الأزمات" (International Crisis Group).

وسبق أن أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لنظيره المغربي، ناصر بوريطة، عن دعم واشنطن الكامل لمبعوث الأمم المتحدة، بينما التقت نائبة وزير الخارجية، ويندي شيرمان، بوزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف وأكدت له دعم واشنطن لدي ميستورا.

تحميل المزيد