تداعيات احتلال إسرائيل لمعبر رفح قد تكون مدمرة، وقد تؤدي إلى مجاعة مروعة في القطاع، حسب مصادر أممية وتقارير إعلامية، ويبدو أن غزة باتت بالفعل أكبر مقبرة جماعية في العالم، كما سبق أن وصفها مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل.
وسيطر اللواء الإسرائيلي 401 مدرع، صباح اليوم الثلاثاء، على معبر رفح الواقع بجنوب قطاع غزة، بعد قيام لواء آخر بقطع طريق صلاح الدين شرق رفح عن المعبر ليلاً، وتم رفع العلم الإسرائيلي على الساريات عند المعبر، فيما تم إلقاء العلم الفلسطيني على الأرض.
وأثار احتلال إسرائيل لمعبر رفح الدبابات الإسرائيلية مخاوف عالمية من أنه قد يعرض للخطر، حوالي 1.3 مليون فلسطيني – أكثر من نصف سكان غزة – محصورين في رفح بالمدينة التي تعادل مساحتها مطار هيثرو البريطاني، ويواجهون احتمال الاضطرار إلى الإخلاء دون العثور على مأوى مناسب.
يأتي ذلك في وقت ذكرت فيه صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن إسرائيل تخطط لنقل السيطرة على معبر رفح الحدودي إلى شركة أمنية أمريكية خاصة، بعد الانتهاء من هجومها على المدينة.
كما أدى الهجوم البري إلى إضعاف الآمال في التوصل إلى اتفاق فوري لوقف إطلاق النار الذي أمضت الولايات المتحدة ومصر وقطر شهوراً في الضغط من أجله. وفي الساعات التي سبقت بدء احتلال إسرائيل لمعبر رفح، وافقت حماس على اقتراح وقف إطلاق النار الذي رفضته الحكومة الإسرائيلية بسرعة، بعدما كانت تصفه بالسخي، وشاركت في وضعه.
احتلال إسرائيل لمعبر رفح قطع شريان الحياة الوحيد لغزة
ومنذ احتلال إسرائيل لمعبر رفح يوم الثلاثاء، تم إغلاقه من الجانب الفلسطيني؛ مما أدى إلى منع دخول المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها. وتقول الأمم المتحدة إن شمال غزة يمر بالفعل بحالة "مجاعة شاملة".
وقد أدى استيلاء إسرائيل على الجانب الفلسطيني من معبر رفح في جنوب غزة إلى تعريض الوضع الإنساني والطبي القاسي بالفعل في القطاع للخطر.
ويشكل معبر رفح شريان حياة حيوياً للفلسطينيين، باعتباره البوابة الوحيدة للدخول والخروج من القطاع الذي لا تسيطر عليه إسرائيل بشكل مباشر. ومنذ سيطرة حماس على القطاع في عام 2007، تمت إدارة المعبر بشكل مشترك من قبل مصر وحماس.
وذكر متحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة يوم الثلاثاء، أن السلطات الإسرائيلية منعت الأمم المتحدة من الوصول إلى معبر رفح المغلق المؤدي إلى جنوب قطاع غزة.
وحذر ينس ليركه، المتحدث باسم مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، من أنه إذا ظل المعبر مغلقاً لفترة طويلة، "فسيكون ذلك وسيلة فعالة للغاية لوضع العملية الإنسانية في قبرها".
المرضى والجرحى معرضون للموت
كما أن احتلال إسرائيل معبر رفح له تأثيرات كارثية على القطاع الصحي، إذ تقول منظمة الصحة العالمية إن الوقود المتاح لديها يكفي لثلاثة أيام فقط لعملياتها الطبية في جنوب غزة.
وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إن في بيان لها، الثلاثاء، إن "الجرحى والمرضى وذويهم منعوا من السفر لتلقي العلاج خارج غزة، وأضافت: "لدينا قوائم سفر لآلاف حالات الجرحى والمرضى، والآن تم منعهم".
ودعت الدول التي طلبت قوائم بأسماء الجرحى والمرضى الفلسطينيين إلى "الوفاء بتعهداتها والالتزام بها"، من خلال العمل بشكل عاجل على تأمين خروجهم الآمن من غزة.
وقالت وزارة الصحة في غزة إن هذا بمثابة إبادة جماعية خاصة بحق المرضى والجرحى، فكل ساعة يموت جرحى ومرضى، الذين كانوا يفترض أن يسافروا عبر المعبر للخارج.
وشاحنات المساعدات التي تحمل الأدوية والمعدات الطبية والوقود اللازم للمستشفيات منعت من دخول الجيب يوم الثلاثاء، حسب الوزارة.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن الإغلاق المفاجئ لأحد المستشفيات الثلاثة في رفح يوم الثلاثاء، بسبب موقعه في منطقة أمرت إسرائيل بإخلائها، ترك غزة دون مرفق التشغيل الوحيد لغسيل الكلى.
وأضاف أنه وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن 200 مريض ليس لديهم الآن مكان يذهبون إليه لتلقي العلاج.
أما المستشفى الآخر في رفح، وهو مستشفى الكويت، فقد استقبل أعداداً كبيرة من الجرحى الفلسطينيين يوم الثلاثاء. لكنها لم تتمكن من استقبال المرضى الموجودين في النجار بسبب وجودها في المنطقة الحمراء للجيش الإسرائيلي.
وقال صهيب الهمص، مدير المستشفى، لوكالة وفا الفلسطينية للأنباء، إن المستشفى مكتظ بالمرضى المصابين بجروح خطيرة، لكن ليس لديه ما يكفي من الطعام أو الأسرَّة أو المعدات أو الوقود لمواصلة العمل لفترة أطول.
وأضاف: "إن جهاز الأشعة السينية الوحيد توقف عن العمل بسبب الإفراط في الاستخدام".
وبينما زعمت إسرائيل أنها أعادت فتح معبر كرم أبو سالم، نقطة الدخول الرئيسية الأخرى للمساعدات، في وقت مبكر من يوم الأربعاء، قال مسؤولو الأمم المتحدة إنه لم تدخل أي مساعدات إلى غزة، ولا يوجد من يستقبلها على الجانب الفلسطيني بسبب القتال المستمر، حسبما ورد في تقرير لوكالة أسوشيتدبرس الأمريكية "AP"
لا وقود في غزة
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك للصحفيين إن موظفي الإغاثة التابعين للأمم المتحدة في غزة يقومون بتقنين الوقود لتمديد ما هو متاح لأطول فترة ممكنة، "لكن من الواضح أنها مسألة ساعات، إن لم يكن أياماً، حيث لن يكون لدينا المزيد من الوقود". الأربعاء
وقال دوجاريك إنه في الفترة ما بين 1 و5 مايو/أيار، دخل ما متوسطه 48 شاحنة يوميا تحمل أكثر من 160 ألف لتر من الوقود إلى غزة عبر معبر رفح المغلق حالياً مع مصر.
وقالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" إنه لم يتبق لديها سوى 15 ألف لتر من الوقود في جنوب القطاع بما يعادل 10% من الطلب اليومي.
وتجري الأمم المتحدة مناقشات مكثفة مع السلطات الإسرائيلية والمصرية لاستئناف شحنات الوقود إلى غزة في أقرب وقت ممكن؛ من أجل الاستمرار في تقديم العمليات الإنسانية.
لو استمر إغلاق معبر رفح فإنه لا يمكن تجنب المجاعة
ووفقاً للسفير الفلسطيني في القاهرة، دياب اللوح، فقد فر ما يتراوح بين 80.000 إلى 100.000 فلسطيني من غزة عبر مصر منذ بدء الحرب.
ووجد التحليل الذي أجراه موقع "ميدل إيست آي" أنه في شهر أبريل/نيسان، كان ما معدله 450 فلسطينياً يغادرون غزة عبر معبر رفح يومياً. ويمكن أن تكون الأعداد أعلى بكثير عندما تشمل الرعايا الأجانب الذين يغادرون الجيب.
ورصد موقع "عربي بوست" حالات معاكسة، هناك آباء فلسطينيين دخلوا مصر لأغراض مؤقتة مثل العلاج أو مناقشة رسائل دكتوراه وماجستير، وقد لقد تركوا أبناءهم دون عائل في غزة أو مع أمهاتهم فقط ويريدون العودة لهم، ومن الصعب أن يستطيعوا أن يفعلوا ذلك في ظل وجود الاحتلال على المعبر.
وسيكون لـ"احتلال إسرائيل لمعبر رفح" أيضاً أثر مدمر على إيصال المساعدات إلى غزة.
وقال أحمد بيرم، من المجلس النرويجي للاجئين لموقع "middle east eye"، إن البنية التحتية للمساعدات بأكملها في غزة "تتأرجح على حافة الانهيار".
"إن إغلاق معبر رفح يعني فعلياً قطع شريان الحياة الوحيد القابل للحياة لعمال الإغاثة.
ويعمل المجلس النرويجي للاجئين في رفح، ويعتمد على المعبر لتوصيل المساعدات الحيوية. ومع تضاؤل احتياطيات الوقود وعدم قدرتها على تلبية الطلب المتصاعد، تبدو الكارثة حتمية ما لم تغير إسرائيل مسار عملها.
ودخلت بعض الإمدادات غير الوقودية إلى القطاع في الأيام الأخيرة عبر معبر بيت حانون (إيرز) الذي تسيطر عليه إسرائيل في شمال غزة، والذي يستخدم في الغالب لحركة السير وليس البضائع.
وقال جيمس إلدر، المتحدث باسم وكالة الأمم المتحدة للطفولة: "ببساطة، لن يكون معبر إيريز كافياً". "إذا أغلقت معبر رفح لفترة طويلة، فمن الصعب أن نرى كيف يمكن تجنب المجاعة في غزة".
وهناك نحو 1.1 مليون شخص في غزة، يعانون من مستويات جوع كارثية، حسب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الذي أشار إلى أن الأوضاع أكثر سوءاً في الشمال.
ولكن مع احتلال إسرائيل لمعبر رفح قد يعني أن حالة الجوع المروعة هذه ستتوسع في الجنوب.
ولم يسبق أن أعلنت أي منظمة تابعة للأمم المتحدة رسمياً وجود مجاعة في غزة، إذ إن مثل هذا الإعلان يعتمد على مجموعة من المعايير لقياس مدى الجوع الذي يعاني منه السكان.
غير أن المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، سيندي ماكين، قالت لشبكة NBC News الأميركية، إن هناك الآن "مجاعة كاملة" في شمال غزة.
وفي قضية الإبادة الجماعية المرفوعة ضد إسرائيل، أصدرت محكمة العدل الدولية في يناير/كانون الثاني حكماً مؤقتاً يأمر إسرائيل بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية العاجلة إلى غزة.
ولكن قبل فترة طويلة من الاستيلاء على معبر رفح، تبين أن إسرائيل تتحدى الأمر من خلال قصف قوافل المساعدات بشكل مباشر وإعاقة تسليم المساعدات من خلال التأخير ومنع الدخول، حسب الموقع البريطاني.
إسرائيل تدفع الفلسطينيين للنزوح مجدداً، ولا مكان آمناً في غزة
وتقدر وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، أن نحو 1.7 مليون شخص، أي أكثر من 75% من السكان، تركوا بيوتهم وانتقلوا إلى أماكن أخرى داخل غزة، واضطر كثيرون منهم إلى النزوح أكثر من مرة.
ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، تم دفع الفلسطينيين أبعد فأبعد جنوباً. وقد تم الآن حشر ما لا يقل عن 1.3 مليون شخص في رفح، وهي منطقة صغيرة على الحدود مع مصر. وفرّ أكثر من نصف هؤلاء الأشخاص من القتال في أجزاء أخرى من غزة.
ونزح 80 ألف شخص من رفح منذ الإثنين الماضي، حسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة "الأونروا".
وكانت الغارات الجوية الإسرائيلية تقصف رفح منذ أسابيع، مما أسفر عن مقتل المئات منذ أواخر مارس/آذار – معظمهم من النساء والأطفال، وفقاً لسجلات المستشفيات.
ويشعر الفلسطينيون أنه لم يعد هناك مكان آخر يذهبون إليه.
وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من 75% من قطاع غزة يخضع الآن لأوامر الإخلاء.
وأسقطت القوات الإسرائيلية يوم الإثنين منشورات من السماء في رفح تأمر الناس بالبحث عن ملجأ فيما يصفه بـ"منطقة إنسانية موسعة" في شمال وشمال غرب المدينة.
ولكن بالنسبة للعديد من الفلسطينيين، فإن هذا الوعد بالسلامة لا يعني شيئاً.
تحدث موقع "NPR" الأمريكي مع العديد من الأشخاص الفارين من العنف في غزة، بما في ذلك فاطمة بلح، وهي امرأة مسنة تمشي باستخدام عصا. وقالت: "لم نر سوى المعاناة".
ويقول عبد الوهاب حمد الذي يعمل في منظمة تنمية المجتمع في لموقع NPR "لقد أصبح مفهوم المنطقة الآمنة بعيد المنال بالنسبة لشعب غزة. إنه وهم لأنه تم تحطيمه. نحن نتحدث عن 1.3 مليون فلسطيني يعيشون في مكان أصغر من مطار هيثرو. [رفح] هي الملاذ الأخير المتبقي في غزة، الملجأ الأخير، وبالمناسبة، ليس هناك ملجأ".
وأسقطت إسرائيل يوم الإثنين منشورات على رفح تأمر بطرد ما يصل إلى 250 ألف فلسطيني من المناطق الشرقية للمدينة، بدعوى أن جيش الاحتلال "على وشك العمل بقوة ضد ما يصفه بـ"المنظمات الإرهابية في المنطقة".
وقال الفلسطينيون الذين لجأوا إلى رفح لموقع Middle East Eye يوم الإثنين، إن السلطات الإسرائيلية تفتقر إلى الوضوح بشأن مدى السرعة التي يجب أن يغادروا بها ومتى سيتمكنون من العودة.
العملية البرية ستجهز على ما تبقى من مقومات الحياة
وسيكون للقصف العنيف على رفح، بالإضافة إلى قطع طريق صلاح الدين، تأثير كبير على عمليات منظمات الإغاثة، يضاف للآثار الكارثة لـ"احتلال إسرائيل لمعبر رفح."
وقال بيرم: "استيقظ زملائي عند الفجر على أصوات الغارات الجوية ونيران المدفعية". "هذه هي أقرب الهجمات التي وصلت إلى مركز أعمال الإغاثة في رفح وستمثل مرحلة جديدة وخطيرة".
وقد طُلب من المدنيين في المناطق التي حذرتها السلطات الإسرائيلية الفرار إلى المواصي، وهي منطقة صغيرة يبلغ عرضها كيلومتراً واحداً فقط وطولها 14 كيلومتراً.
وقال بيرم: "هذا الشريط الضيق من الأرض، غير المجهز لاستضافة المئات، ناهيك عن مئات الآلاف، لم يتبقّ فيه أماكن للناس لنصب خيامهم أو قضاء الفترة المقبلة".