- كم تمثل نسبة أبناء عشائر غزة من إجمالي سكان القطاع؟
- لماذا لدى المجتمع الغزاوي هذا الطابع العشائري القوي؟
- السلطة الفلسطينية تهمّش الشباب وتتحالف مع قادة العشائر
- كيف بدأت فوضى السلاح في غزة قبيل حكم حماس؟
- العلاقة بين حماس وعشائر غزة مرت بمرحلتين
- حماس قامت بعملية إصلاح للنظام العشائري وجعله أكثر ديمقراطية
تسعى إسرائيل لإعادة احتلال قطاع غزة دون تحمّل مسؤولية حكمه المباشر، وذلك من خلال محاولة استخدام عشائر غزة كسلطة محلية محدودة، بحيث تنهي وجود أي سلطة فلسطينية ذات بُعد سياسي ووطني، ولكن عشائر غزة رفضت هذا المشروع بشكل حاسم، فماذا نعرف عن عشائر القطاع، ولماذا لها أهمية خاصة في تاريخ غزة، وطبيعة علاقتها بحماس وفتح.
وتساوقت المؤسسات الدولية والأممية مع المشروع الإسرائيلي الذي يقال إنه من أفكار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يتوعد منذ الحرب بتدمير حماس، ويرفض في الوقت ذاته أي دور لحركة فتح والسلطة الفلسطينية لحكم القطاع، ولذا طلب قبل فترة من الأجهزة الإسرائيلية المعنية فحص فكرة تولي عشائر غزة الحكم بدلاً من حماس.
وحاولت مؤسسات أممية المضي قدماً في هذا المشروع، حيث كشف مصدر مطلع لموقع "عربي بوست"، أمس الأربعاء، أن مسؤولين أمميين من مؤسسة أوتشا التابعة للأمم المتحدة، ووكالة "الأونروا" عقدوا اجتماعاً مع وجهاء في مدينة غزة، لترتيب آلية إدخال المساعدات إلى المدينة، الأمر الذي قوبل بالرفض من قبل المخاتير الذين شددوا على أن أي تعاون معهم يجب أن يتم من خلال الأجهزة الشرطية في قطاع غزة.
كما أفادت تقارير بأن إسرائيل تواصلت مع مدير المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، الذي اتصل بـ12 من عشائر غزة، التي كان لها خلاف سابق مع حماس، لإدارة المشهد الأمني وتشكيل قوة مسلحة في جنوب القطاع، على غرار نموذج الصحوات بالعراق، وأن 11 عائلة وعشيرة على الأقل رفضت العرض لأسباب عدة، أهمها أن كتائب القسام ما زالت بقوتها، وأنها تدير المعركة من تحت الأرض.
وأشادت حركة "حماس"، بـ"الموقف المسؤول" لعائلات وعشائر غزة التي رفضت بحسمٍ التجاوب مع "مخططات خبيثة" للاحتلال الإسرائيلي، تهدف إلى خلق أجسام شاذة عن الصف الوطني.
كم تمثل نسبة أبناء عشائر غزة من إجمالي سكان القطاع؟
وينتمي نحو 72% من أهالي عزة لعشائر أو عائلات يبلغ عدد أفرادها أكثر من ألف شخص، والبقية تنتمي لعائلات شبه عشائرية أصغر حجماً، تسمى عادة في المناطق الحضرية بالحمولة، حسبما ورد في دراسة حول علاقة حماس بالعشائر في غزة، نشرت في مجلة العالم الثالث العلمية TWQ في أكتوبر/تشرين الأول 2022.
وقال مصدر غزاوي مطلع على ملف العشائر في القطاع لـ"عربي بوست" إن من أكبر العشائر في غزة عشيرة الترابين، التي تندرج تحتها عائلات عدة مثل الصوفي، أبو ستة، أبو مغصيب، العرجاني، وهناك عشائر أخرى مثل، الحناجرة، الملالحة، السواركة، إضافة للعائلات الكبيرة مثل حلس ودغمش، والأسطل وسكيك، وأبو وردة، والمجايدة والأزعر، وغيرها من العائلات.
وبينما ينتشر الطابع العشائري في كل قطاع غزة، فإن يصبح أكبر وضوحاً، في جنوب القطاع خاصة في مدينة خان يونس، حسبما قال المصدر لـ"عربي بوست".
وترى دراسة مجلة TWQ أن المزاعم الغربية بأن حركة حماس استطاعت حكم غزة كل هذه السنوات عبر القوة فقط أمر غير صحيح، وأن جزءاً من قوتها نابع من قدرتها على إصلاح نظام العشائر، وتخليص سكان القطاع من الفوضى الأمنية السابقة، وإقامة روابط وثيقة مع المجتمع الفلسطيني.
لماذا لدى المجتمع الغزاوي هذا الطابع العشائري القوي؟
يعزى الوجود القوي للعشائر في غزة إلى عوامل تاريخية وجغرافية.
إذ يقع القطاع على أطراف الأراضي الممطرة الفلسطينية، ولذا فإن معظم مساحة الأراضي في قطاع غزة رملية، وبسبب هذا، كانت قرى الفلاحين التقليدية قليلة نسبياً في المنطقة، وكان البدو مكوناً مؤثراً في تركيبة السكان، وكان لهم تأثير خاصة فيما يتعلق بالقضاء العرفي البدوي.
خلال حرب عام 1948، تدفق 160 ألف لاجئ إلى الأراضي التي تبلغ مساحتها 365 كيلومتراً مربعاً، وهو ما يفوق عدد السكان الأصليين بنحو ثلاثة إلى واحد.
أدى هذا الوضع إلى تقوية الطابع العشائري بين السكان الأصليين في غزة، كرد فعل على اللجوء الكبير.
من ناحية أخرى، حاولت حركات النضال الفلسطينية اليسارية إضعاف الطابع العشائري في ظل سعيها للتحديث، ولكن كان هناك مشكلة التقاضي، في ظل غياب منظومة قانونية قوية.
وبعد سقوط غزة، تحت الاحتلال الإسرائيلي إثر حرب 1967، ازدادت قوة القضاء العرفي البدوي؛ لأن الغزاويين رأوا فيه بديلاً للتقاضي أمام المحاكم الإسرائيلية، وكان القضاء العرفي مصدر فخر وطني في ذلك الوقت، وازداد الأمر خلال الانتفاضة الأولى.
السلطة الفلسطينية تهمّش الشباب وتتحالف مع قادة العشائر
بعد تطبيق اتفاق أوسلو عام 1993، تحالفت السلطة الفلسطينية مع بعض العشائر القوية من السكان الأصليين. ومنحت المناصب الأساسية للعائدين من الخارج المنتمين لمنظمة التحرير الفلسطينية أو لزعماء العشائر القوية، وهذا أدى إلى أن القوى الرئيسية للانتفاضة، أي القيادة الداخلية للشباب الذي قاد الانتفاضة (القيادة الوطنية الموحدة) فضلاً عن حركة حماس الإسلامية، قد تم تهميشها.
علاوة على ذلك، كان قطاع الأمن في غزة منظماً جزئياً على أساس الانتماء العائلي أو العشائري. حيث فضل قادة السلطة الفلسطينية تجنيد أفراد من عشيرة واحدة. عندها سيحصلون على ولائهم، بدلاً وجود انقسامات داخل وحداتهم.
ومن الأمثلة على إحدى عمليات التجنيد ما حدث مع عائلة حلس، فلقد تم اختيار سليمان حلس قائداً لقوات الأمن الوطني. وتم ترشيح ابن عمه عادل حليس لرتبة لواء مسؤول في إدارة المباحث الجنائية. وكان القسم مأهولاً بالكامل من قِبل أفراد عشيرته حسب مجموعة مجموعة الأزمات الدولية.
وقال القيادي الفلسطيني البارز حيدر عبد الشافي المقرب من فتح، في وصفه لهذه المرحلة: "كانت الثقافة العشائرية تتناقص في الماضي، لكنها الآن يتم تشجيعها مرة أخرى، على حساب النظام القانوني… عرفات يشجّع الثقافة العشائرية لأنه من مصلحته تفضيل المجموعة على الفرد".
كيف بدأت فوضى السلاح في غزة قبيل حكم حماس؟
خلال الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى)بين عامي 2000 و2005، ، ردت إسرائيل على المقاومة المسلحة بمهاجمة أعضاء الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية.
ونتيجة لذلك، أُمرت الشرطة الفلسطينية وأفراد الأمن بحماية أسلحتهم، وذلك بإعادتها إلى منازلهم. وبما أن جزءاً كبيراً من القوات المسلحة التابعة للسلطة الفلسطينية في غزة تم تجنيده على أساس عشائري، فقد أصبحت أسلحتهم بعد ذلك أصولاً للقوى المسيطرة على هذه العشائر.
ومن خلال هذه العملية، تحولت العشائر إلى ميليشيات. وأصبحت أحياؤهم محاطة بالجدران وحواجز الطرق، ويمنع الغرباء من دخول أراضيهم.
وقد جمع البعض ذلك مع أنشطة مربحة وغير مشروعة مثل التهريب وسرقة السيارات وتحصيل الديون والاختطاف وبيع الأسلحة وحتى إنتاج الصواريخ من قبل بعض العشائر.
أدى ذلك إلى غرق غزة في الفتنة، وفوضى الأسلحة والعشائر، حسب دراسة مجلة العالم الثالث TWQ.
ففي عام 2006، تم تسجيل أكثر من 8500 حالة صراع بين العائلات في غزة، بما في ذلك 50 حالة قتل. حيث أصبحت ثقافة السلاح وسام شرف لبعض العائلات. وأفاد المعلمون أنهم لم يتمكنوا من منع التلاميذ من إحضار الأسلحة إلى الفصول الدراسية، وفقاً لمجموعة الأزمات الدولية.
العلاقة بين حماس وعشائر غزة مرت بمرحلتين
وبعد أن سيطرت حماس على السلطة في غزة بعد محاولات فتح إفشال حكومتها المنتخبة، ظل التحدي المتمثل في تسليح العشائر قائماً أمامها.
وأعلنت حماس على الفور عن سياسة نزع السلاح. وسيطرت الحركة على منطقة بعد منطقة، وألزمت كل عشيرة بالتخلي عن أسلحتها.
وبعد 3 أسابيع لم يبقَ إلا عائلتان هما دغمش وحلس. الأولى التي يسيطر بعض أفرادها على أعمال غير مشروعة، والبعض الآخر متورط مع تنظيم القاعدة، حسبما ورد في دراسة مجلة العالم الثالث.
والعائلة الثانية، حلس، عُرفت بأنها إحدى أكبر العائلات الموالية لفتح في غزة، وهي تسكن في منطقة الشجاعية بمدينة غزة، وتضم أكثر من 8000 عضو، بحسب ما نقلت الدراسة عن مختار حلس.
ولكن سرعان ما طوقت حماس حيي العائلتين، وخاضت معهما معركة قصيرة أنهت حالة الحكم الذاتي التي كانت قائمة.
وقال محمد عابد (أبو أحمد) النائب العام في غزة "إن حماس لم تقاتل هذه العائلات؛ لأنها من فتح أو غيرها، بل لأنها خارجة عن القانون.
وكان إرساء القانون والنظام بعد ما يقرب من عقد من الزمان من انعدام الأمن والعنف والفوضى أعظم نجاح حققته حماس، حسب وصف دراسة مجلة العالم الثالث.
حماس قامت بعملية إصلاح للنظام العشائري وجعله أكثر ديمقراطية
ولكن المرحلة التالية، شهدت علاقة مختلفة بين حماس وعشائر غزة بما في ذلك حلس ودغمش، أدت إلى إصلاح النظام العشائري، بل تأكيد سلطات مختاري عشائر وعائلات غزة الذين يتولون الجزء الأكبر من حل الخلافات والمشكلات، خاصة في ظل تداعي النظام القضائي بعد انهيار سيطرة السلطة.
واللافت أنه رغم أغلب المختارين كانوا تابعين لفتح، ولكن حماس أبقت على معظمهم، فمن بين 683 مختاراً تم تسجيلهم من قبل وزارة الشؤون المحلية في السلطة الفلسطينية السابقة، تم استبدال 75 من قبل حماس، بينما بقي 608 في مناصبهم، واعترفت بهم حماس.
وبعد أن تم نزع سلاح أقوى العشائر في غزة انخرطت حماس في سياسة إعادة هيكلة قطاع العشائر.
وتم تقسيم غزة كلها إلى أحياء، ولكل منها لجنتها الخاصة (لجنة الإصلاح). وبحلول عام 2011، كانت هناك 41 لجنة من هذه اللجان تعمل في جميع أنحاء غزة وتضم 700 عضوًا وكان لكل لجنة من اللجان الـ41 مكتبها الخاص ونقطة اتصال مخصصة في أقرب مركز للشرطة.
وكان يرأس كل لجنة إصلاح عالم إسلامي من رابطة علماء فلسطين المقربة من حماس.
بالتوازي مع لجان المصالحة الإسلامية، استمرت لجان العرف التقليدية القائمة على القرابة في العمل مع لجنة إشرافية من الرابطة لضمان عدم تصرف القضاة البدو في القطاع غير الرسمي بما يتعارض مع الشريعة الإسلامية.
كما عززت سياسات حماس من دور مجالس العائلة، وأوجبت أن يكون ممثلاً لمختلف فروع العائلة أو العشيرة القرابة، لتصبح هذه المجالس الجهاز السياسي والتمثيلي الأساسي للعشائر.
وقال أبو خالد، مختار عشيرة أبو زكري، لكاتبي دراسة مجلة العالم الثالث "مجلس العائلة يناقش كل الأمور التي تهمنا. يتم اتخاذ القرارات بشكل جماعي. أنا أحب وأؤيد الديمقراطية".
ومن آثار إعادة الهيكلة أن أصبحت مجالس العائلة أكثر تمثيلاً.
كما أنه حتى لو تم توسيع المجالس لتشمل أعضاء حماس، فإنها خلقت علاقة وثيقة بين حماس والعشائر.
وفي هذا الصدد يقول أبو أكرم، مختار عائلة حلس: "أحصل على دعم أفراد الأسرة المنتمين إلى حماس". وقال أحد أعضاء حلس والجناح العسكري لحركة حماس: "لا أستطيع أن أتخلى عن الحركة، ولا أستطيع أن أتخلى عن العائلة".
هذا الشخص الذي تم إعفاؤه من منصبه عندما هاجمت حماس عائلة حلس في عام 2008 أصبح الآن مصدر قوة للحركة والعائلة، حسب الدراسة.
ويبدو أن إعادة هيكلة مجلس العشيرة كان لها عواقب أبعد مما كان مقصوداً؛ إذ أدى "إضفاء الطابع الديمقراطي" المتزايد على مجلس العشيرة، عن غير قصد، إلى زيادة مشاركة أفراد العشيرة العاديين، وبالتالي تعزيز مجموعة القرابة كمؤسسة اجتماعية.
ما طبيعة علاقة حماس بالعشائر الآن؟
إحدى نقاط قوة حماس هي أنها حركة شعبية، لها فروع في كل ركن من أركان غزة، من القرى الريفية إلى المخيمات والمدن، وأدى النظام الذي وضعته حماس إلى تعبئة القاعدة الشعبية، ولقد أدى تقليل الفجوة الثقافية بين المرجعية الإسلامية ونظام العشائر إلى تعزيز قوة حماس الإيديولوجية، حسب دراسة مجلة TWQ.
وقال المصدر الغزاوي المطلع على ملف العشائر لـ"عربي بوست" إن مخاتير العشائر أغلبهم محايدون بين فتح وحماس؛ لأن معظمهم كانوا فتحاويين، ثم عملوا مع حماس، التي منحتهم سلطات كبيرة، وخلقت نظاماً مرناً ومقبولاً من المجتمع الغزاوي، كما أن بعضهم مازال يتلقى أجراً رمزياً من السلطة الفلسطينية.
ولكنه يستدرك قائلاً "ولكن العشائر ومخاتيرها ليسوا محايدين عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الاحتلال، لذلك يستبعد هذا المصدر تماماً، قبولهم لمشروع الاحتلال لخلق سلطة عشائرية تابعة له، مؤكداً أن من يفعل ذلك سيجابه بالرفض من قِبل العشائر، وقد يعاقب حتى.
وحول سلاح عائلات وعشائر غزة.. أشار المصدر إلى أن مختار كل عشيرة يكون تحت أمرته مجموعة من المسلحين من أبناء العشيرة، ولكنهم في الوقت ذاته هم جزء من فصائل المقاومة، سواء حماس أو الجهاد أو كتائب شهداء الأقصى (فصيل منبثق من فتح ولكنه ينسق مع حماس).
وبالتالي هم مسلحون عشائريون وجزء من المقاومة في الوقت ذاته، ولذا لا يمكن أن ينقلبوا على حماس.
ويؤكد أن العشائر لا تقبل بأي خروج من المشروع الوطني الفلسطيني، مشيرا إلى أنه حتى بعض العائلات والعشائر التي لديها خلافات مع حماس، فإن في الأغلب قد تم تجاوز هذا الأمر.