حصري: جلسة تفاوض جديدة بين الحكومة السورية و«قسد» وساعات حاسمة تنتظر مصير شمال شرق سوريا

عربي بوست
تم النشر: 2025/12/24 الساعة 11:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/12/24 الساعة 11:41 بتوقيت غرينتش

كشفت مصادر سورية وكردية متطابقة أن الساعات القليلة المقبلة تُعدّ مفصلية في مسار العلاقة بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، في ظل تصاعد غير مسبوق في التوتر السياسي والعسكري بين الطرفين، مشيرةً إلى أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد جلسة تفاوض حاسمة بين الحكومة السورية وقوات قسد في دمشق.

وأوضحت المصادر أنه، على الرغم من توقف إطلاق النار في مدينة حلب عقب سقوط ضحايا جراء الاشتباكات الأخيرة، فإن مسار الأحداث لا يزال مفتوحًا على احتمالات تصعيد أوسع، لا سيما في ظل رفض مظلوم عبدي، قائد قوات "قسد"، الالتزام ببنود اتفاق مارس/آذار 2025 الموقّع مع الرئيس السوري أحمد الشرع، والذي تعتبره دمشق الإطار المرجعي الوحيد لأي تسوية.

وكانت كل من وزارة الدفاع السورية وقوات سوريا الديمقراطية قد أصدرتا تعليمات مباشرة لعناصرهما بوقف تبادل إطلاق النار، عقب اشتباكات دامية شهدتها مدينة حلب وأسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل. وتبادل الطرفان الاتهامات بشأن المسؤولية عن اندلاع هذه الأحداث، في وقت دخلت أطراف إقليمية على خط التصريحات، حيث دعا وزير الخارجية التركي الأكراد إلى عدم تشكيل "عائق" أمام وحدة سوريا واستقرارها، في إشارة مباشرة إلى الدور الذي تلعبه قسد في شمال وشرق البلاد.

في المقابل، أعلن محافظ حلب، عزّام الغريب، تعطيل الدوام مؤقتًا في المدارس والجامعات والدوائر الحكومية ضمن مركز مدينة حلب، يوم الثلاثاء 23 كانون الأول/ديسمبر، على خلفية الأوضاع الأمنية المتوترة. كما دعا المحافظ المدنيين، ولا سيما أبناء الطائفة المسيحية المقيمين قرب مناطق الاشتباكات، إلى التوقف المؤقت عن التجمعات والاحتفالات حتى إشعار آخر، حرصًا على سلامتهم، ريثما يتم تأمين المناطق واحتواء مصادر التهديد.

وأفادت وزارة الداخلية السورية بأن وحدات الأمن الداخلي عززت انتشارها في الأحياء المتأثرة، بهدف تأمين المدنيين وحمايتهم من المخاطر، وإبعاد الأهالي عن مناطق القصف والمواجهات. وأضافت أن قوى الأمن الداخلي فرضت طوقًا أمنيًا في محيط حيّي الأشرفية والشيخ مقصود في مدينة حلب، بهدف "حماية المدنيين من أي استهدافات محتملة وتأمين مغادرتهم المناطق القريبة من مواقع التوتر". وأشارت الوزارة إلى أن المدينة تشهد حالة من الهدوء الحذر، مع خلوّ الشوارع إلى حدّ كبير، في ظل مخاوف السكان من احتمال استئناف قوات سوريا الديمقراطية استهداف الأحياء السكنية.

جلسة تفاوض مفصلية في دمشق


تقول مصادر مطلعة داخل وزارة الدفاع السورية إن مسار المفاوضات بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية يقترب من مرحلة حاسمة، في ظل ترتيبات جارية لعقد جلسة تفاوض مفصلية خلال أيام قليلة في العاصمة دمشق.

وبحسب المصدر، ستُعقد هذه الجلسة بحضور ممثلين عن الجيش السوري والحكومة السورية وقوات قسد، وبمتابعة مباشرة من المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، إلى جانب متابعة تركية، وهو ما يعكس حجم التعقيد الذي يحيط بهذا الملف وتداخل الأدوار الإقليمية والدولية في رسم مآلاته.

ووفقًا للمصدر ذاته، فإن الجولة المرتقبة تأتي في سياق تحضيرات سياسية وعسكرية مكثفة، سبقتها اتصالات إقليمية رفيعة المستوى، أبرزها زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ووزير الدفاع التركي إلى دمشق، حيث عقدا لقاءات مباشرة مع الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني.

وتشير المصادر إلى أن هذه الزيارة لم تكن بروتوكولية أو ذات طابع دبلوماسي عام، بل خُصصت بشكل أساسي لمناقشة تفاصيل جولة المفاوضات المرتقبة مع قسد، والتفاهم حول سيناريوهات ما بعد الجلسة، لا سيما في حال إصرار قسد على رفض الانصياع الكامل لاتفاق مارس/آذار 2025، الذي ترى دمشق أنه يشكّل الإطار الوحيد المقبول لأي تسوية سياسية أو عسكرية مع هذه القوات.

وتكشف المصادر أن الحكومة السورية كانت تتوقع مسارًا تفاوضيًا أكثر هدوءًا خلال الأسابيع الأخيرة، خاصة في ظل وجود قنوات تواصل مفتوحة بين الطرفين قبل نحو أسبوع من التصعيد الأخير، حيث جرى نقاش أولي حول تحديد موعد جديد للقاء ومواصلة التفاوض. غير أن هذا المسار، وفق تعبير المصدر، تعرّض لانتكاسة مفاجئة بعد التصعيد الذي أقدمت عليه قوات قسد في مدينة حلب، والذي أسفر عن مقتل ثلاثة من المدنيين خلال هجوم استهدف الأهالي، إضافة إلى اندلاع اشتباكات وُصفت بالدامية مع وحدات من الجيش السوري. وتعتبر دمشق هذا التصعيد رسالة سياسية وأمنية مباشرة من قسد تعبّر عن رفضها العملي للضغوط المتزايدة للانصياع لاتفاق مارس، ومحاولة لإعادة خلط الأوراق قبيل الجلوس إلى طاولة التفاوض.

في المقابل، يقول مصدر مطلع قريب من مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، إن الجلسة المرتقبة يوم الخميس المقبل تمثل نقطة مفصلية قد يُبنى عليها الكثير من التحركات اللاحقة. ويؤكد المصدر أن نتائج الجلسة ستحدد اتجاه الأمور بشكل حاسم: إما الذهاب إلى مواجهة عسكرية واسعة، أو التوصل إلى تفاهم جديد يعيد ضبط العلاقة بين الطرفين، ولكن هذه المرة بعيدًا عن اتفاق مارس/آذار 2025.

ويضيف أن هذا الاتفاق بات، من وجهة نظر قيادة قسد، "في حكم الملغي"، ليس فقط بسبب ما تعتبره عدم التزام الحكومة السورية ببنوده، بل أيضًا لأنه لم يعد يلبّي الحد الأدنى من مطالب قسد، في ظل التحولات الميدانية والسياسية التي طرأت منذ توقيعه.

ويشير المصدر إلى وجود انقسام داخلي واضح داخل قسد بشأن كيفية التعامل مع هذا الاتفاق؛ إذ تدفع بعض الأصوات باتجاه إعلان رسمي وعلني للانسحاب منه واعتباره صفحة طُويت سياسيًا، في حين يرى تيار آخر أن الإعلان العلني في هذا التوقيت قد يحمل مخاطر إضافية، ويفضّل الإبقاء على الموقف ضبابيًا إلى حين اتضاح نتائج جلسة الخميس وما قد تفرضه من معادلات جديدة على الأرض.

التصعيد محاولة لفرض واقع جديد


من جهتها، ترى الحكومة السورية أن تصعيد قسد لا يعدو كونه محاولة لفرض وقائع ميدانية جديدة قبل الجلوس إلى طاولة التفاوض، أو ردًا على ما تعتبره تضييقًا سياسيًا وعسكريًا متزايدًا عليها. إلا أن هذه المحاولة، بحسب مصدر مطلع داخل الجيش السوري، لن تغيّر من مسار القرار السياسي المتخذ في دمشق.

ويؤكد المصدر أن الموقف بات محسومًا، وأن مسألة دمج قوات قسد ضمن بنية الجيش السوري لم تعد محل نقاش أو تفاوض مفتوح، بل خيارًا استراتيجيًا نهائيًا تبناه الرئيس أحمد الشرع، ويُنظر إليه كجزء أساسي من مشروع إعادة توحيد المؤسسة العسكرية وبسط سلطة الدولة على كامل الجغرافيا السورية.

في سياق موازٍ، يكشف مصدر مطّلع مقرّب من مظلوم عبدي أن الاشتباكات التي شهدتها مدينة حلب ومحيطها أخيرًا لم تكن حدثًا عارضًا أو انفجارًا مفاجئًا للوضع الميداني، بل جاءت نتيجة تراكمات عسكرية وسياسية رصدتها قسد منذ فترة طويلة. وبحسب المصدر، فإن هذه التراكمات ارتبطت بما تعتبره تحركات منهجية من جانب الجيش السوري لإعادة ترتيب انتشاره وتمركزه قرب حدود مناطق النفوذ الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.

ويضيف أن قيادة قسد كانت تتابع عن كثب، خلال الأشهر الماضية، تقدّم وحدات من الجيش السوري وإعادة تموضعها في نقاط حساسة على تماس مباشر أو غير مباشر مع مناطق شمال شرق البلاد، وهو ما خلق قناعة راسخة داخل قسد بأن دمشق لا تتحرك فقط في إطار إعادة الانتشار الدفاعي، بل تُحضّر، وفق تقديراتهم، لعملية عسكرية محتملة ضد قسد في حال فشل المسار التفاوضي القائم.

قسد عبء سياسي واقتصادي


في هذا السياق، يرى المصدر المطلع في الجيش السوري أن الحكومة السورية تنظر إلى قوات قسد باعتبارها عبئًا سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا على منطقة شمال شرق سوريا، إذ تعتقد دمشق أن استمرار وجود قسد بصيغتها الحالية يعرقل أي جهود جدية لإعادة الإعمار وبناء بنية تحتية جديدة، كما يحدّ من فرص إطلاق مشاريع تنموية أو مسارات تطوير اقتصادي وسياسي مستدام.

وتعتقد الحكومة، وفق حديث المصدر السوري، أن تعدد مراكز القرار ووجود قوة عسكرية خارج الإطار الرسمي للدولة يخلق بيئة طاردة للاستثمار ويكرّس حالة من عدم الاستقرار، وهو ما يتناقض مع الرؤية التي تسعى دمشق لفرضها في مرحلة ما بعد التسويات.

وبناءً على ما سبق، تبدو جلسة التفاوض المقبلة مرشحة لأن تكون محطة فاصلة في العلاقة بين دمشق وقسد، سواء باتجاه تسوية نهائية تفرض اندماجًا كاملًا وفق الشروط الحكومية، أو نحو تصعيد سياسي وربما ميداني أوسع في حال فشل المفاوضات. وبين هذين الخيارين، تظل أعين الفاعلين الإقليميين والدوليين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وتركيا، موجهة إلى دمشق، حيث ستُختبر قدرة الأطراف كافة على تجنب الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة في واحدة من أكثر المناطق السورية تعقيدًا وحساسية، على حد وصف المصدر.

في حين يضيف المصدر المطلع القريب من مظلوم عبدي أن الأيام التي سبقت الاشتباكات شهدت نقاشات مكثفة داخل أروقة قسد، لا سيما على مستوى القيادة العسكرية والسياسية، حول سؤال محوري: من يجب أن يبدأ بالاشتباك في حال بات الصدام حتميًا؟

ووفق المصدر، كانت الغالبية داخل قسد تميل إلى خيار الانتظار والترقب، وعدم منح دمشق ذريعة سياسية أو عسكرية لشن هجوم واسع، خاصة في ظل وجود مسار تفاوضي لم يُغلق رسميًا بعد. غير أن المصدر يكشف، في المقابل، عن وجود تيار فاعل داخل قسد كان يرى أن خيار الانتظار لا معنى له، وأن الجميع "ذاهبون إلى الحرب لا محالة"، بغض النظر عن نوايا الجيش السوري المعلنة.

ويشير إلى أن هذا التيار، الذي يقف على رأسه القيادي العسكري المعروف سيبان حمو وقائد فريق المفاوضات مع دمشق، كان يضغط باتجاه الذهاب إلى الاشتباك أولًا وإنهاء ما يصفه بـ"الوضع المعلّق" الذي فرضته المفاوضات، معتبرًا أن استمرار التفاوض في ظل التحركات العسكرية السورية يُضعف موقف قسد ويمنح الحكومة السورية الوقت لإعادة بناء قدراتها الميدانية.

ويقول إن هذا الفريق كان يرى في المواجهة العسكرية وسيلة لإيصال رسالة مباشرة إلى دمشق مفادها أن شمال وشرق سوريا ليس خاضعًا لمنطق المركزية السياسية والعسكرية، وأن فرض الوقائع بالقوة سيُقابل بردّ مماثل، بل وكان الهدف، وفق توصيفه، إغلاق باب المفاوضات بشكل كامل وإعلان نهاية أي مسار تفاوضي لا يعترف بخصوصية الإدارة الذاتية ومطالبها.

في سياقٍ موازٍ، قال الصحفي السوري عمر كوش، في مقالة له، إن الإشكالية الراهنة في شمال شرقي سوريا تكمن في التعارض البنيوي بين موقف الحكومة السورية وموقف القوى المسيطرة على تلك المناطق، ولا سيما في ما يتعلق بمستقبل الدولة السورية وطبيعة نظام الحكم فيها. ويبرز هذا التعارض بشكل أساسي في الجدل الدائر حول مفهومي المركزية واللامركزية؛ إذ تسعى الحكومة السورية إلى تحقيق اندماج مؤسسي كامل يعيد ترتيب مؤسسات الدولة وفق مبدأ السيادة المركزية، مع منح سكان تلك المناطق شكلًا من أشكال اللامركزية الإدارية. في المقابل، تطرح القوى الكردية نموذجًا أقرب إلى إعادة توطين كامل لمخرجاتها العسكرية والمدنية ضمن إطار دولة لا مركزية، بما يضمن لها، وخصوصًا قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، البقاء ككتلة واحدة داخل الدولة السورية، من دون أن تتحول إلى جزء عضوي من بنيتها المؤسسية.

ويضيف كوش أن الإدارة السورية الجديدة تسعى إلى إرساء نظامها السياسي في البلاد، في مسار تتقاطع فيه رغبتها مع مصالح بعض القوى الفاعلة إقليميًا ودوليًا. غير أن خيارات دمشق لتحقيق هذا الهدف تبقى محدودة، ولا تخرج عمليًا عن إطار الحوار والتفاوض. وفي هذا السياق، تستند القيادات السياسية والعسكرية للقوى المسيطرة على شمال شرقي سوريا إلى ما يصفه بثغرة جوهرية في اتفاق 10 مارس/آذار، تتمثل في ربط تنفيذ بنوده بمسار المفاوضات بين الطرفين، الأمر الذي أبعد الخيار العسكري، غير المرغوب فيه سوريًا ودوليًا، ولا سيما بعد قبول الطرفين بوقف إطلاق النار في أبريل/نيسان 2025 بدفع من الإدارة الأميركية. ومع ذلك، يشير كوش إلى أن التلكؤ والمماطلة حالا دون تنفيذ الاتفاق فعليًا على الأرض.

وبحسب كوش، تنحصر سيناريوهات المشهد الراهن في ثلاثة مسارات رئيسية. يتمثل السيناريو الأول في التوصل إلى خطوات تدريجية ومحدودة لتنفيذ بعض بنود الاتفاق، مثل التسليم المرحلي لمناطق سيطرة "قسد"، بدءًا بمحافظة دير الزور، بما يشمل تسليم حقول النفط فيها، واستكمال اتفاق حلب المتعلق بحيّي الأشرفية والشيخ مقصود. ويتضمن هذا السيناريو أيضًا التوافق على تشكيل وحدات عسكرية مشتركة تضم عناصر من "قسد" والجيش السوري، إلى جانب تعيين قادة من "قسد" في مناصب ضمن وزارة الدفاع السورية، مقابل منح مؤسسات "الإدارة الذاتية" صلاحيات محلية ضمن إطار نظام لا مركزي إداري موسّع. وتشير تسريبات، وفق كوش، إلى أن هذا السيناريو يحظى بدعم أميركي، ويعتبره المبعوث الخاص للرئيس الأميركي، توماس باراك، خيارًا واقعيًا وقابلًا للتطبيق.

أما السيناريو الثاني، فيقوم على بقاء الوضع على ما هو عليه حاليًا، بما يعني استمرار حالة الجمود والحفاظ على عدم التصعيد وخفض مستوى التوتر، بانتظار التوصل إلى تفاهمات إقليمية ودولية أوسع، ولا سيما بين أنقرة و"قسد"، وكذلك بين دمشق وتل أبيب، وهو مسار تدفع باتجاهه الولايات المتحدة الأميركية في هذه المرحلة.

في حين يتمثل السيناريو الثالث، وهو الأسوأ وفق توصيف كوش، في انهيار مسار التفاوض وفشله، بما يفتح الباب أمام مواجهة عسكرية واقتتال مباشر بين القوات الحكومية السورية وقوات "قسد". إلا أن هذا السيناريو يُعدّ الأضعف احتمالًا، في ضوء تأكيد الرئيس أحمد الشرع مرارًا أنه لن يتم اللجوء إلى القوة العسكرية لبسط سيطرة الدولة على كامل الأراضي السورية، فضلًا عن الجهود الحثيثة التي تبذلها الولايات المتحدة للحيلولة دون انزلاق الأوضاع نحو هذا المسار.

تحميل المزيد