نظرة أعمق.. تفاصيل تحركات دبلوماسية حاسمة تحدد ملامح العلاقات اللبنانية الإسرائيلية قبل لقاء ترامب ونتنياهو

عربي بوست
تم النشر: 2025/12/15 الساعة 13:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/12/15 الساعة 13:06 بتوقيت غرينتش
أسبوع حاسم سيحدد ملامح العلاقة بين لبنان وإسرائيل/ عربي بوست

يدخل لبنان مرحلة شديدة الحساسية هذا الأسبوع، مع تصاعد الحراك الدبلوماسي الأميركي والعربي والأوروبي في سباق محموم مع الوقت قبل نهاية العام، في ظل تزايد التهديدات الإسرائيلية واتساع نطاق الخروقات الميدانية في جنوب لبنان. وفي قلب هذا المشهد، يبرز ملف "حصر سلاح" حزب الله كعامل حاسم بات يربط بين أي مسار محتمل للتهدئة وبين حجم الدعم الدولي الموعود للمؤسسة العسكرية، وفق ما تؤكده مصادر حكومية لبنانية رفيعة وأوساط دبلوماسية عربية لـ"عربي بوست".

وتشير هذه المصادر إلى أنّ يوم 29 ديسمبر/كانون الأول 2025، موعد اللقاء المرتقب بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب، تحوّل عملياً إلى محطة مفصلية ستحدد ملامح المرحلة المقبلة: فإما استمرار الضغط تحت سقف مضبوط، أو الذهاب نحو مستوى أوسع من التصعيد على الجبهة اللبنانية، في ظل تسريبات إسرائيلية تتحدث عن تحضيرات عسكرية متواصلة تستهدف لبنان.

في هذا التقرير، نعرض خريطة التحركات الجارية على مختلف المستويات، من الضغوط الأميركية والمقاربة الإسرائيلية المستجدة، إلى المداولات الأوروبية والتحرك اللبناني الداخلي، إضافة إلى المساعي الدبلوماسية التي تقودها بعض الدول العربية، وصولاً إلى قراءة في موقع حزب الله ضمن هذا المشهد المعقّد وكيف يتعامل مع مسار التهدئة والسيناريوهات المطروحة للمرحلة المقبلة.

جديد التحركات في الملف اللبناني

تفتتح التحركات بسلسلة اتصالات يبدأها المبعوث الأميركي توم باراك من تل أبيب، تحت عنوان بحث "منع التصعيد" على الساحة اللبنانية، في وقت تقول مصادر حكومية لبنانية لـ"عربي بوست" إن الإدارة الأميركية تُركّز في رسائلها على نقطتين متلازمتين: الأولى منع انزلاق الحدود نحو مواجهة واسعة، والثانية دفع لبنان إلى خطوات "قابلة للقياس" ضمن خطة حصر السلاح بيد الدولة، ما يشمل جنوب نهر الليطاني كمرحلة أولى، وشماله في المرحلة التالية.

تضيف مصادر "عربي بوست" أن جدول الأسبوع يتضمن أيضاً:

  • اجتماع لجنة الإشراف على وقف الأعمال العدائية، والتي باتت بصيغتها الحالية تضم بُعداً سياسياً إلى جانب البعد العسكري، بعد تعيين الحكومة اللبنانية للسفير السابق سيمون كرم كرئيس للوفد اللبناني، مع استمرار النقاش حول آليات عملها وحدود تدخلها في ملفات حسّاسة مثل تفتيش المنازل والممتلكات الخاصة في مناطق الجنوب اللبناني.
  • اجتماع تحضيري يُعقد في باريس الخميس 20 ديسمبر/كانون الأول 2025 بمشاركة أطراف دولية وإقليمية معنية، وبحضور قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل، على أن يتمحور النقاش حول إعادة إطلاق مسار دعم الجيش، وتقديم عرض تفصيلي عن المهام المنفذة جنوب الليطاني خلال المرحلة الأولى.
    الاجتماع سيضم المبعوث الفرنسي للبنان جان إيف لودريان، والمبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس، والمبعوث الخاص السعودي الأمير يزيد بن فرحان، ورئيس المخابرات العامة المصرية اللواء حسن رشاد.
  • تزامناً مع اجتماع باريس، يزور رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي بيروت ويلتقي رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ضمن تحرك مصري تقول مصادر دبلوماسية عربية إنه يهدف إلى احتواء التوتر ومنع انهيار التفاهمات الهشة المرتبطة بوقف الأعمال العدائية.

هدف بيروت من هذه التحركات

تقول مصادر "عربي بوست" إن قائد الجيش سيعرض تقريراً يتضمن إنجازات ميدانية وأرقاماً محدثة حول المواقع التي تمت معاينتها والمخازن والمنشآت التي جرى التعامل معها، إضافة إلى توثيق الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة التي تعيق الانتشار الكامل، وخصوصاً استمرار استهداف الاحتلال لعدد من النقاط داخل لبنان، الأمر الذي تعتبره بيروت سبباً مباشراً في تعقيد "إنهاء المرحلة الأولى" ضمن الجدول الزمني المتداول، وهو 5 يناير/كانون الثاني 2026.

وتؤكد مصادر رسمية أن الرسالة اللبنانية في باريس ستكون مزدوجة، وهي إبراز التزام الجيش بالقرار السياسي المتعلق بحصر السلاح في الجنوب ضمن الممكن ميدانياً، والمطالبة في المقابل بإلزام إسرائيل بوقف الاعتداءات والبدء بخطوات انسحاب واضحة، وتسليم الأسرى اللبنانيين في الجنوب، باعتبار أن استمرار القصف والتهديدات يضع الجيش أمام مهمة "تحت النار" ويؤثر على الاستقرار الداخلي.

بينما تأتي زيارة الوفد المصري إلى بيروت في سياق "إعادة ضبط الرسائل" بعد ملاحظات لبنانية سُجلت على بعض الطروحات التي نُقلت إلى بيروت خلال الأسابيع الماضية، وسط حرص مصري على إبقاء قنوات التواصل مفتوحة وتخفيف مساحة سوء الفهم في لحظة حساسة، وفق ما أوضحته مصادر حكومية لـ"عربي بوست".

وأشارت إلى أن وفداً من المخابرات العامة المصرية يرافق مدبولي، سيجري لقاءً مع قيادة حزب الله لمناقشة مقترحات متعلقة بملف السلاح وتجديد عمل المبادرة المصرية، وخاصة أن مسؤولين مصريين زاروا طهران منذ أيام ويسعون لتأمين مظلة إيرانية لملف "حصر السلاح".

مواجهة رواية التهديدات جنوب لبنان

ميدانياً، ينظم الجيش اللبناني جولة لعدد من السفراء والملحقين العسكريين الغربيين إلى جنوب لبنان، تشمل نقاطاً ومواقع تمت معاينتها ضمن الخطة الميدانية، إضافة إلى تقديم عرض عمّا نفذه الجيش خلال الفترة الماضية.

وتشير مصادر عسكرية رسمية لبنانية لـ"عربي بوست"، إلى أن الجولة تحمل بعداً سياسياً واضحاً إلى جانب بعدها الميداني، إذ يريد الجيش تقديم "دليل عملي" على مستوى التزام باتفاق وقف الأعمال العدائية، مقابل عرض الانتهاكات الإسرائيلية على الأرض، وفي مقدمتها استمرار التهديدات المباشرة للمنازل المدنية والإيحاء بوجود "أهداف عسكرية" داخل أحياء مأهولة.

أحد الملفات المطروحة بقوة في النقاشات الجارية هو كيفية التعامل مع تفتيش المنازل والممتلكات الخاصة، حيث يتمسك الجيش، بحسب المصادر، بأن أي دخول إلى الأملاك الخاصة يخضع للأطر القانونية أو لموافقة أصحابها، وأن تطبيق التفتيش يتم بالتنسيق مع الأهالي لتجنب أي احتكاك داخلي.

كما تهدف الزيارة الدبلوماسية لمنطقة الجنوب، العمل على الرد على الحملات التي يتعرض لها قائد الجيش في واشنطن من قبل مجموعات ضغط لبنانية – إسرائيلية تتهم الجيش بالتساهل مع حزب الله وسلاحه.

"ابتزاز إسرائيلي وضغط بالنار"

خلال الأسابيع الماضية، تصاعدت حوادث ميدانية مرتبطة بتهديدات إسرائيلية لمبانٍ ومنازل في بلدات جنوبية، بينها يانوح وبيت ليف، بعد تداول خرائط وإحداثيات تزعم وجود منشآت أو بنى تحتية عسكرية.

المصدر الحكومي أكد أن الجيش اللبناني ومعه قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) أجرت معاينات لاحقة أظهرت أن عدداً من المواقع التي تم تداولها إما مدمّر خلال الحرب، أو مأهول ولا يتضمن ما يبرر التهديد، أو غير مأهول لكنه لا يحتوي على أسلحة.

وفي حادثة بلدة يانوح تحديداً، تؤكد المصادر أن الجيش اللبناني نفذ عمليتي تفتيش متتاليتين داخل مبنى بموافقة مالكه، ولم يعثر على أسلحة أو ذخائر، قبل أن يعيد الانتشار حول الموقع لمنع استهدافه إثر تهديدات متكررة. وترى المصادر أن هذه الوقائع باتت تُستخدم كوسيلة ضغط لإجبار الدولة اللبنانية على تسريع إجراءاتها، في وقت تتحدث فيه بيروت عن "ابتزاز سياسي–ميداني" يطال المدنيين والمؤسسات.

مهلة نهاية العام: تمديد محتمل "بشروط"

في موازاة ذلك، تتعامل الجهات الرسمية اللبنانية مع نهاية العام باعتبارها لحظة اختبار، لكنها لا تستبعد سيناريو التمديد الفني للمرحلة الأولى جنوب الليطاني، وفق تقدير مصادر حكومية رفيعة، شرط أن يأتي التمديد ضمن صيغة تحمي لبنان من رد فعل إسرائيلي وتُبقي المسار تحت رقابة دولية واضحة.

وتقول المصادر إن نصائح دولية نُقلت إلى الحكومة اللبنانية تحذّر من إعلان "إنجاز كامل" إذا لم يكن الإنجاز مكتملًا فعلياً، لأن ذلك قد يُفسَّر كخطوة سياسية أكثر منه توصيفاً ميدانياً، ما يفتح الباب أمام تصعيد إسرائيلي. لذلك، تعمل بيروت على مقاربة تقوم على استكمال الإجراءات بوتيرة أعلى، مع الإقرار بعقبات الاحتلال والانتهاكات الإسرائيلية المستمرة.

على المستوى السياسي، تشير مصادر دبلوماسية عربية إلى أن جزءاً من التحركات الأميركية يتمحور حول دفع لبنان إلى توسيع مساحة التفاوض غير العسكري، عبر تعزيز حضور ممثلين مدنيين في قنوات النقاش، بالتوازي مع استمرار دور لجنة الإشراف.

وتلفت المصادر إلى أن الخطاب الأميركي بات يُكثّف استخدام مفردات مرتبطة بـ"السلام" و"الفرصة"، مع الضغط لجعل ملف السلاح عنواناً متقدماً على بقية الملفات ما فيها الإصلاحات الاقتصادية والإدارية.

وفي هذا السياق، تقول مصادر رسمية إن بيروت تحاول تثبيت معادلة واضحة في رسائلها للخارج: الالتزام بحصر السلاح بيد الدولة، دون تحويل العملية إلى صدام داخلي أو فتيل توتر أهلي، وأن أي خطوات إضافية تتطلب بيئة ميدانية أقل عنفاً ومساراً سياسياً يقلّص مساحة التهديدات الإسرائيلية.

ماذا عن حزب الله؟

تشير مصادر دبلوماسية عربية لـ"عربي بوست"، إلى أن جهة إقليمية فاعلة تقود حراكاً خارجياً هادئاً باتجاه حزب الله، في محاولة لاستكشاف إمكانات التفاهم وتخفيف منسوب التوتر القائم. وتوضح المصادر أن أي انخراط إيجابي من جانب الحزب يُربط بجملة شروط يعتبرها أساسية، ووفق المصدر فإن شروط الحزب تنطلق من التالي:

  • أولاً: الحصول على تعهدات دولية وإقليمية مكتوبة بوقف الاستهدافات العسكرية والاغتيالات، وعدم إبقاء الساحة اللبنانية تحت ضغط النار، وبدء الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب بشكل تدريجي.
  • ثانياً: يبرز مطلب ثانٍ يتصل بإعادة تنظيم العلاقة مع دمشق، من خلال ضمانات سياسية وأمنية في ظل القيادة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، تفتح الباب أمام تفاهمات أوسع على المستويين اللبناني–السوري والسني–الشيعي، على رأسها عدم قيام دمشق بأي عمل عسكري مستقبلي ضد حزب الله.
  • ثالثاً: فيتمحور حول الداخل اللبناني، حيث يشدد حزب الله على ضرورة تثبيت التوازنات السياسية القائمة ضمن إطار وطني جامع، يُفترض أن يُكرّس عبر تطبيق اتفاق الطائف بكامل بنوده، على رأسها اللامركزية الموسعة.

رهان لبناني على البيت الأبيض

تؤكد مصادر رسمية لبنانية أن اتصالات مكثفة تُجرى لإيصال "روزنامة مطالب" لبنانية إلى طاولة البحث الأميركية قبل لقاء ترامب–نتنياهو، على أن تتضمن أولوية وقف الاعتداءات، وخطوات الانسحاب من النقاط المحتلة، وربط أي نقاش إضافي بوقف سياسة التهديد للمنازل المدنية.

وبحسب المصادر نفسها، تُبنى آمال بيروت على دور قنوات عربية فاعلة وتحديداً السعودية وقطر، وعلى اتصالات مباشرة مع عواصم مؤثرة وتحديداً تركيا، لضمان ألا يتحول الموعد الأميركي المقبل إلى غطاء لتصعيد عسكري، بل إلى فرصة لضبط الإيقاع وفتح نافذة تفاوض تتقدم على منطق "الضغط بالنار".

تحميل المزيد