حصري: تقارير سيادية وراء إلغاء الانتخابات البرلمانية في 19 دائرة بمصر

عربي بوست
تم النشر: 2025/11/20 الساعة 12:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/11/20 الساعة 12:19 بتوقيت غرينتش
أزمة تطال الانتخابات البرلمانية في مصر- عربي بوست

كشفت مصادر خاصة مطلعة على مسار إدارة الانتخابات البرلمانية في مصر، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، أن تقارير سيادية وصلت إلى الرئاسة المصرية تتضمن تفاصيل الأزمات السياسية والتنظيمية والأمنية التي شابت العملية الانتخابية، ما دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي للتدخل المباشر، الأمر الذي أدى إلى إصدار الهيئة الوطنية للانتخابات قرارها المفاجئ بإلغاء نتائج المرحلة الأولى في 19 دائرة فردية وإعادتها لاحقًا.

تقول المصادر إن جذور الأزمة بدأت مع الخلافات العميقة بين الأحزاب المحسوبة على الأجهزة الأمنية المختلفة، حيث تصدرت الخلافات الأحزاب الثلاثة الرئيسية، وهي: حزب مستقبل وطن المقرب من الأمن الوطني، وحزب الجبهة الوطنية المحسوب على المخابرات العامة، وحزب حماة وطن المقرب من المخابرات الحربية.

وتضيف المصادر أن الشرارة الأولى كانت "الصراع على النسبة الأكبر من مقاعد القائمة الوطنية من أجل مصر". ووفقًا للمعلومات التي اطلعت عليها الجهات المعنية، جاءت نسب توزيع المقاعد كالتالي:

* مستقبل وطن: 121 مقعدًا

* حماة وطن: 54 مقعدًا

* الجبهة الوطنية: 43 مقعدًا

* الشعب الجمهوري: 15 مقعدًا

* مصر الديمقراطي الاجتماعي: 9 مقاعد

* العدل: 8 مقاعد

* الوفد: 8 مقاعد

* الإصلاح والتنمية: 8 مقاعد

* المؤتمر: 3 مقاعد

* الحرية: مقعدين

* إرادة جيل: مقعد واحد

* مستقلون: 8 مقاعد

وتُبيّن المصادر أن حزبي الجبهة وحماة وطن اعتبرا أن أداء حزب مستقبل وطن في البرلمان المنقضي كان سيئًا للغاية، وأنه مرّر قوانين أثارت غضب الشارع، بينها قانون الإيجار القديم وقانون الإجراءات الجنائية، ما أدى إلى تآكل رصيد السلطة شعبيًا، بحسب تعبير المصادر.

وترى المصادر أن الحزبين كانا يطالبان بتقليص نفوذ مستقبل وطن داخل القائمة، لكن الحزب الأخير رفض بشكل قاطع كل المقترحات، ما أدى إلى تفاقم الخلاف قبيل بدء العملية الانتخابية.

اجتماع غير معلن قبل يوم من الانتخابات

وتكشف المصادر أن اجتماعًا حاسمًا جرى قبل 24 ساعة من فتح اللجان بين قيادات حماة وطن والجبهة الوطنية بهدف تنسيق موقف مشترك ضد مستقبل وطن، لكنه انهار سريعًا بعدما طالب حماة وطن بأن تكون له اليد الطولى داخل التحالف وأن يحصل على الحصة الأكبر من المقاعد، وهو ما رفضه ممثلو الجبهة بشكل قاطع، لتنتهي كل محاولات صناعة توازن انتخابي داخل معسكر السلطة.

كما تقول المصادر إن الخلافات لم تتوقف عند الحصص والمقاعد، بل امتدت إلى خريطة التغطية الإعلامية داخل قنوات وصحف الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية. فوفقًا للمصادر، كانت هناك قنوات محجوزة بالكامل لحزب مستقبل وطن بتوجيهات من الأمن الوطني، مثل قناة المحور، بينما لم يكن حزب الجبهة وحماة وطن قادرين على نشر إعلان واحد عن مرشحيهم على هذه القنوات.

وفي المقابل، خصصت قنوات مثل ON لصالح حزب الجبهة الوطنية المقرب من المخابرات العامة، بينما كانت قناة الحياة مخصصة لحزب حماة وطن.

وتصف المصادر هذا الوضع بأنه حالة استقطاب إعلامي داخل السلطة نفسها، الأمر الذي ضاعف الاحتقان بين الأجهزة.

الصعيد وأزمة الانتخابات

تكشف المصادر أن الأزمة الأكبر جاءت من الصعيد، حيث فوجئت عائلات كبيرة ذات حضور تاريخي في البرلمان باستبعادها الكامل من الترشح، واستبدال مرشحيها بأسماء قادمة من محافظات أخرى، بينها القاهرة والدلتا.

وتقول المصادر إن التوزيع الغريب للأسماء داخل القائمة – بترشيح نواب من القاهرة في دوائر بالصعيد – أثار صدمة واسعة داخل العائلات التقليدية، التي تعتبر نفسها جزءًا من الثقل السياسي للنظام، ما أدى إلى تصاعد الغضب والاعتراضات في الأيام الأخيرة قبل التصويت.

ارتباك السلطة

وتؤكد المصادر أن أخطر ما واجهته السلطة خلال الساعات التي سبقت إعلان النتائج لم يكن اعتراض المعارضة، بل سخط أنصار النظام أنفسهم.

فبعد عزوف واسع في انتخابات مجلس الشيوخ قبل أشهر، تكررت الظاهرة نفسها في انتخابات مجلس النواب، مع حملة واسعة من السخرية على مواقع التواصل أطلقها مؤيدون سابقون لسياسات الحكومة.

وتشير المصادر إلى أن السلطة فوجئت بأن شريحة من مؤيديها باتت تتبنى خطاب المعارضة في انتقاد طريقة إدارة العملية الانتخابية، وهو ما اعتبرته الأجهزة إشارة بالغة الخطورة على فقدان السيطرة على المجال السياسي.

وتقول المصادر إن تقارير رفعت إلى مؤسسة الرئاسة قبل صدور القرار بساعات قليلة، تضمنت رأيين داخل دوائر الحكم:

1. استمرار العملية كما هي وتحسين الشكل في الجولات التالية.

2. إلغاء بعض النتائج لاحتواء الغضب وإعادة الاعتبار لصورة المسار الانتخابي.

وتضيف المصادر أن الرأي الثاني كان الأقوى، خصوصًا بعدما تبين حجم الخلافات بين الأجهزة الأمنية نفسها، ما دفع السيسي إلى اتخاذ القرار الأكثر تشددًا: إلغاء الانتخابات في 19 دائرة.

لماذا تم اختيار الدوائر الـ19 تحديدًا؟

تؤكد المصادر أن اختيار هذه الدوائر لم يكن عشوائيًا، بل جاء بناءً على ثلاثة عوامل رئيسية تخص العملية الانتخابية برمتها، وهي:

1. خروقات الدعاية أمام اللجان: رصدت لجان المتابعة قيام مرشحين ومؤيديهم بالدعاية داخل أو حول اللجان في يوم التصويت، بما يخالف قواعد الحظر التام لهذا النوع من الممارسات.

2. عدم تسليم صور حصر الأصوات للمرشحين أو وكلائهم: وهو إجراء أساسي لضمان نزاهة الفرز. وقد سجلت 19 دائرة حالات امتناع أو تعطيل متكرر من بعض اللجان الفرعية في تسليم محررات الحصر.

3. تضارب أرقام الفرز بين اللجان الفرعية واللجان العامة: تقول المصادر إن بعض الدوائر شهدت تفاوتًا كبيرًا وغير منطقي بين الأرقام المعلنة في اللجان الفرعية وتلك التي رفعت إلى اللجان العامة.

الدوائر الـ19 التي تم إلغاء نتائجها والتي سيعاد التصويت فيها لاحقًا:

* الجيزة: إمبابة

* الفيوم: بندر الفيوم – إبشواي

* أسيوط: الفتح

* سوهاج: مركز سوهاج – أخميم – المراغة – طهطا – جرجا – المنشأة – دار السلام

* قنا: مركز قنا – قوص – نجع حمادي – أبو تشت

* الإسكندرية: أول الرمل

* البحيرة: دمنهور – أبو حمص – إيتاي البارود

تقول المصادر إن القرار لم يكن خطوة فنية مرتبطة فقط بخروقات انتخابية، بل كان نتيجة تصدعات سياسية داخل "البيت الواحد"، وصراع مفتوح بين الأجهزة على النفوذ والتمثيل، إضافة إلى خوف الرئاسة من فقدان ما تبقى من ثقة مؤيدي النظام.

وتؤكد المصادر أن ما جرى يمثل أول مؤشر على دخول السلطة في صراع داخلي قد يعيد رسم خريطة الأحزاب المحسوبة عليها، وربما شكل الحياة السياسية في مصر خلال السنوات المقبلة.

تحميل المزيد