عرضت فرنسا ممثلة في مستشارة الرئيس الفرنسي في ملفات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، آن كلير لاجاندر، "صفقة شاملة" على حزب الله اللبناني من أجل فتح مرحلة جديدة في ملف سلاح حزب الله وموقعه المستقبلي داخل الدولة اللبنانية، وفق ما كشفته مصادر دبلوماسية غربية رفيعة لموقع "عربي بوست".
ما الجديد في القصة؟
تقول المصادر الغربية التي فضلت عدم ذكر اسمها، إن لاجاندر قدّمت للحزب تصوراً واضحاً لـ"صفقة شاملة" تريد باريس اختبار مدى استعداد الحزب لبحثها، مقابل انخراط حزب الله في مسار حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وأن يتحول لحزب سياسي فاعل وأساسي في مستقبل البلاد، ويشمل العرض:
- تعزيز حضور حزب الله داخل الدولة عبر ضمانات تتعلق بالحكومة المقبلة، وبمواقع تنفيذية "حساسة" تتطلب موافقته السياسية.
- عدم تأجيل الانتخابات النيابية تحت أي ظرف، مع تأكيد فرنسي – أوروبي بأنّ المجتمع الدولي سيدعم إجراءها في موعدها، ما يسمح للحزب بتثبيت حجمه التمثيلي من دون ضغط داخلي أو خارجي، ومنع محاولة اقصاء أي طرف أو مكون طائفي.
- تبني باريس لفكرة مؤتمر داخلي برعاية اللجنة الخماسية الدولية والعربية، والتي تضم الولايات المتحدة وفرنسا وقطر والسعودية ومصر، وتُطرح فيه إعادة الالتزام بالدستور واتفاق الطائف بجميع بنوده، بما فيها اللامركزية ومجلس الشيوخ، شرط ربط مباشر بملف السلاح.
- العرض الفرنسي تضمّن أيضاً التزام باريس بأن تكون شريكاً وضامناً في أي مسار يتعلق بالحزب داخل مؤسسات الدولة، منعاً لأي "تلاعب سياسي" قد يقود إلى عزله أو محاصرته داخلياً.
العلاقة مع الخليج حاضرة أيضاً: توضح مصادر "عربي بوست" أن واحدة من "الرسائل الجوهرية" التي حملتها لاجاندر تتعلق بالعلاقة بين الحزب ودول الخليج، خصوصاً السعودية.
- عرضت الموفدة الفرنسية استعداد باريس لفتح مسار مصالحة تدريجية بين الطرفين، وخاصة بعد إعلان الأمين العام للحزب نعيم قاسم جهوزية الحزب لمصالحة السعودية وفتح صفحة جديدة، يقوم العرض على:
– وقف الحملات المتبادلة وفتح قنوات تواصل سياسية وأمنية غير معلنة.
– تقديم ضمانات سعودية بعدم التعرض للحزب سياسياً في المرحلة المقبلة، مقابل التزامات من جانبه تعلق بعدم التدخل في الساحات العربية وعدم دعمه لأي مسار من مسارات الفوضى والعبث بالأمن السوري والخليجي.
– دعم خليجي واسع لعملية إعادة إعمار لبنان، إذا ما تم فتح الباب أمام عملية سياسية داخلية أوسع تشمل إعادة تنظيم السلاح.
– السعوديون "لم يعطوا جواباً نهائياً" لكنهم أبلغوا باريس أنهم لا يمانعون اختبار المسار ما دام يجري تحت سقف تفاهم أميركي – فرنسي.
لماذا يهمنا الخبر؟
الموفدة الفرنسية آن كلير لاجاندر عقدت لقاءً مطوّلاً وموصوفاً بـ"الحساس وغير العادي" مع وفد قيادي من "حزب الله"، ضمّ رئيس كتلة الحزب البرلمانية النائب محمد رعد ومسؤول العلاقات الخارجية عمّار الموسوي.
- اللقاء تم مساء يوم الجمعة 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، على هامش زيارة التقت خلالها لاجاندر بكل من رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، إضافة لمسؤولين لبنانيين من كتل متعددة.
- اللقاء لم يكن اجتماع مجاملة أو استعراض مواقف، بل جلسة تفاوض مبدئي حملت ما يشبه "ورقة عروض سياسية وأمنية" نقلتها لاجاندر من الرئاسة الفرنسية مباشرة إلى حزب الله، في محاولة لفتح مسار جديد في ملف سلاحه وموقعه داخل الدولة اللبنانية.
خلف الكواليس
المبعوثة الفرنسية لاجاندر نقلت لحزب الله اللبناني استعداد باريس للعب دور مباشر في:
- فتح قناة حوار غير معلنة بين الحزب والولايات المتحدة تتعلق بترتيب الوضع في الجنوب، وملف ضبط الحدود، ومسارات الغاز والطاقة.
- استخدام الآليات غير المباشرة لفتح حوار مع الإسرائيليين إذا وصلت التسوية الحدودية إلى مرحلة متقدمة.
- تركز الطرح الفرنسي على الدفع بإدخال لبنان في "نادي الغاز" شرق المتوسط، وربط أي حلّ مستقبلي للسلاح بمصالح اقتصادية طويلة المدى، من خلال:
- تسريع التنقيب في كل البلوكات البحرية.
- إعطاء ضمانات دولية بتمويل الحقول المشتركة.
- جذب استثمارات من شركات فرنسية وأوروبية.
رد حزب الله: المصادر أكدت أنّ الحزب تعامل مع هذا الطرح بـ"حذر محسوب" لكنه لم يرفضه بالمطلق، وطلب من باريس "توضيحات إضافية" حول طبيعة الدور الأميركي المحتمل، وتأكيده أن أي إيجابية من قبله مرتبطة بوقف إسرائيل اعتداءاتها على لبنان ووقف الاغتيالات والانسحاب من الجنوب وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين لديها.
ماذا هناك أيضاً؟
جزء لافت من النقاش بين المسؤولة الفرنسية وممثلين عن حزب الله تناول الدور السوري المستجد، خصوصاً بعد مطالعة الحزب حول تزايد المؤشرات على محاولة دمشق استعادة نفوذ سياسي وأمني داخل الساحة اللبنانية.
- أبلغت لاجاندر وفد الحزب أن دمشق غير معنية بلعب أي دور في لبنان، إضافة لوجود تفاهم غربي – عربي يرفض أي تدخل سوري مباشر في لبنان، ويعتبر أن المرحلة الحالية يجب أن تبقى محصّنة من "الشغور السياسي أو الأمني" الذي قد يؤدي لتوتر بين دمشق والحزب.
- باريس نقلت تحذيرات واضحة بأنّ أي صدام بين الطرفين "سيعرقل كل المسارات التي يعمل عليها المجتمع الدولي للبنان"، وخاصة أن دمشق واستقرارها باتا جزءاً من أمن قومي إقليمي غير مسموح العبث به.
- الوضع في الجنوب شكّل محور اللقاء الأساسي، وقالت المصادر الدبلوماسية الغربية إن لاجاندر قدّمت عرضاً مفصّلاً للقراءة الفرنسية لما تصفه بـ"المؤشرات المقلقة" للتصعيد الإسرائيلي، مؤكدة أنّ باريس ترى أن:
– إسرائيل تخرق اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
– حزب الله يبدي التزاماً كاملاً بالاتفاق حتى الآن وتحديداً في ملف تسليم السلاح كلياً في منطقة جنوب الليطاني للجيش اللبناني.
– استمرار الوضع الحالي قد يفتح الباب لسيناريوهات أعقد خلال الأسابيع المقبلة.
- شرحت لاجاندر الدور الفرنسي داخل لجنة الميكانزيم، مؤكدة أن باريس تعتبر نفسها "صاحبة مصلحة مباشرة" في منع انفجار الجبهة الجنوبية، ليس فقط لحماية الاستقرار اللبناني، بل لضمان استمرار مسار التسوية الإقليمية ككل التي تشارك بها من غزة إلى دمشق، وصولاً لبيروت.
- وفد حزب الله، من جهته، قدّم "عرضاً تفصيلياً" حول الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة، وأبلغ لاجاندر أن الحزب لا يخطط لإعادة فتح الجبهة ما دام الاتفاق قائماً، لكنه "لن يقف متفرجاً" إذا استمرت الانتهاكات على وتيرتها الحالية، وإذا ما قررت حكومة نتنياهو الدخول بحرب وعدوان إسرائيلي على لبنان.
ما تحت السطور
المصادر الدبلوماسية الغربية قالت لـ"عربي بوست" إنّ اللقاء لا يعني أنّ الحزب اتخذ قراراً بالتجاوب مع العرض الفرنسي، لكن باريس تعتبر أنّ الاجتماع "فتح الباب"، وأنّ المرحلة المقبلة ستشهد جولات متابعة هادئة بين الطرفين، في ظل وجود مبادرات متعددة من أطراف، وتحديداً مصر.
ووفق المصدر فإن الفرنسيين يعتقدون أن لحظة الجنوب قد تكون المدخل الوحيد لفتح النقاش حول السلاح. والحزب يعرف أن الضغوط تتصاعد، لكنه يريد ضمانات لا تزال قيد التفاوض.