حصري: توجه نحو تأجيل الانتخابات في لبنان بقرار أمريكي، وتهديد بعقوبات مشتركة مع الخليج

عربي بوست
تم النشر: 2025/11/13 الساعة 08:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/11/13 الساعة 08:18 بتوقيت غرينتش
اجتماع سابق للرئيس اللبناني مع وفد أمريكي/ رويترز

كشفت مصادر حكومية لبنانية لـ"عربي بوست" أن هناك توجهاً نحو تأجيل الانتخابات النيابية في لبنان المزمع إجراؤها في ربيع 2026، وذلك بسبب الضغوط الأمريكية التي شددت على أنه لن تكون هناك انتخابات إذا لم تُستكمل الإصلاحات التي طالبت بها واشنطن، كما هددت الأخيرة بفرض عقوبات اقتصادية على بيروت و"تركها لمصيرها السياسي والاقتصادي".

ما الجديد في القصة؟

المصدر الحكومي اللبناني الذي تحدث لـ"عربي بوست" شريطة عدم ذكر اسمه، أوضح أن الوفد الأمريكي الذي ترأسه سيباستيان غوركا، نائب مساعد الرئيس الأمريكي لشؤون مكافحة الإرهاب، في زيارته الأخيرة إلى لبنان، ألمح خلال اجتماعاته مع نواب من حزب القوات والكتائب والتغييريين ونواب مستقلين، بشكل مباشر إلى احتمال تأجيل الانتخابات النيابية المقبلة إذا لم تُستكمل الإصلاحات، وشدد الوفد على أنه:

  • لن تكون هناك انتخابات على قاعدة النظام القديم، وأن أي انتخابات دون تغيير للوقائع السياسية والأمنية في الجنوب، لن تغير من طبيعة الحضور السياسي لحزب الله وحلفائه في المشهد.
  • مصدر "عربي بوست" قال إن بعض أركان الإدارة الأمريكية يعملون على انقلاب سياسي ناعم في لبنان، عبر دعم قوى جديدة تُعدّها أكثر قدرة على تنفيذ الشروط الدولية.
  • هذا الانقلاب تدعمه مجموعات ضغط في الولايات المتحدة تُعدّ قريبة من إسرائيل.
  • في المقابل، تتحرك فرنسا ومصر على خط موازٍ لتخفيف حدّة التصعيد، إذ تعتبر باريس والقاهرة أن "إغراق لبنان بالعقوبات سيؤدي إلى انهيار أمني لا يعرف التعامل معه إلا حزب الله".

لماذا يهمنا الخبر؟

لم تكن الزيارة الأمريكية الأخيرة إلى بيروت زيارة بروتوكولية أو مجاملة دبلوماسية عابرة. فالوفد الذي ترأسه سيباستيان غوركا، جاء هذه المرة بجدول عمل حافل وجدول أعمال دقيق لا لبس فيه.

  • أبلغ الوفد المسؤولين اللبنانيين جملة مفتاحية: "على لبنان أن يقدّم حتى نهاية العام الحالي مؤشرات حقيقية على تنفيذ الإصلاحات المالية وضبط تدفّق الأموال والسلاح، أو سيُترك لمصيره السياسي والاقتصادي".
  • هذه العبارة، التي قالها غوركا بوضوح في كل الاجتماعات مع المسؤولين اللبنانيين من رئيس الجمهورية وصولاً إلى رئيس الحكومة، تختصر فحوى الرسالة الأمريكية إلى الدولة اللبنانية، إضافة إلى حزب الله على وجه الخصوص.
  • تزامن وصول الوفد الأمريكي مع مرحلة توصف في بيروت بأنها "الوقت الضائع" في ولاية الرئيس جوزف عون، حيث تتراكم الملفات ولا تُحسم، من الموازنة إلى خطة التعافي المالي، وصولاً إلى ملف السلاح.

ما يدور في الكواليس

مصدر حكومي لبناني صرّح لـ"عربي بوست" أن الوفد الأمريكي لم يأت ليستمع، بل جاء ليبلّغ رسائل عدة، في ملف السلاح والإصلاحات، إضافة إلى ملف الانتخابات البرلمانية المقبلة ربيع العام المقبل. كذلك حمل معه تعليمات واضحة: "لا مساعدات جديدة ولا غطاء سياسياً بعد اليوم، إلا مقابل التزامات ملموسة".

  • الوفد ضمّ كبار مسؤولي ملف مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، إلى جانب جون هيرلي، وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، ورودولف عطالله من مجلس الأمن القومي.
  • جميعهم وصلوا من جولة شملت تركيا والإمارات وإسرائيل قبل لبنان. ووفق المصدر، فإن جدول اجتماعاتهم في بيروت كان مكثفاً، وشمل الرئاسة، رئاسة الحكومة، وزارات المال والداخلية والعدل، وحاكمية مصرف لبنان، إضافة إلى لقاءات مع نواب ورجال أعمال وناشطين سياسيين.
  • جاءت الاجتماعات بنبرة قاسية، حيث استخدم الأمريكيون لغة غير معهودة. وقالوا إن الفرصة الأخيرة أمام لبنان ضاقت إلى حدها الأدنى، وإن المهلة الباقية حتى نهاية العام الحالي تُختبر خلالها جدية الحكومة والرئاسة والجيش.
  • الأمريكيون لوّحوا بإجراءات عقابية تطال شخصيات مصرفية وسياسية تُسهم في تسهيل التهريب المالي، لكنهم تركوا المجال مفتوحاً للتراجع عن إدراج الأسماء إذا لمسوا خطوات حقيقية من الدولة، لمنع وصول الأموال الأجنبية إلى حزب الله ومؤسساته.
  • فريق المسؤول الأمريكي جون هيرلي حمل معه ملفات تحوي لوائح بشركات صيرفة ومؤسسات مالية تعمل كواجهات لتمويل حزب الله، بعضها في العاصمة بيروت، إضافة إلى جبل لبنان والبقاع الغربي، وسلمها لوزير المال ياسين جابر، وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد، ولجنة الإشراف على المصارف في المصرف المركزي.

ماذا هناك أيضاً

شروط واشنطن:

الجانب الأميركي حمل معه ورقة مطالب واضحة سلّمها للجانب اللبناني على كل المستويات، وأجرى نقاشات في الشق المالي مع وزراء المال وحاكم مصرف لبنان، وأبلغ الوفد أن هذه الورقة لا تشبه أيّاً من الأوراق التي قُدّمت سابقاً، لأنها ورقة تنفيذية مفصّلة، تتصدّرها بنود قاسية قد تؤدي لأزمات داخلية. وتتمثل في:

  • إصدار التشريعات التطبيقية لقانون رفع السرية المصرفية، ليتاح للجهاز الرقابي المالي المحلي والدولي تتبّع التحويلات المشبوهة.
  • الالتزام الكامل بالملاحظات التي قدمها المسؤولون في صندوق النقد الدولي حول إعادة هيكلة القطاع المصرفي، بما يضمن تحميله جزءاً من الخسائر الناجمة عن الفجوة المالية.
  • إقفال فوري لمؤسسة القرض الحسن (الجهاز المصرفي لحزب الله) ومنع تعاملها النقدي، ووقف أي تسهيلات مالية للحزب أو شبكاته.
  • ضبط جدّي عبر برنامج لبناني – أميركي مشترك لمنع التهريب عبر المطار ومرفأي طرابلس وبيروت، والتدقيق الأمني على المعابر البرية، وتشديد الرقابة على الاقتصاد النقدي.
  • إصدار قوانين وتصديقها في مجلس النواب لمراقبة حركة الأموال عبر شركات الصيرفة والتحويلات.

معادلة واشنطن الجديدة:

الرسالة الأميركية ليست تقنية فحسب، بل سياسية بامتياز، إذ ترتبط مباشرة بالتحول في مقاربة واشنطن للبنان، من دولة تحتاج إلى دعم، إلى دولة تُحاسَب على تهاونها مع اقتصاد الحرب والتهريب.

  • الإدارة الأميركية تعتبر أن لبنان أصبح حلقة رئيسية في شبكة التمويل الإيرانية، وأن أي إصلاح مالي لا يُقاس بأرقامه، بل بمدى تأثيره في تطور قدرات حزب الله السياسية والعسكرية والاجتماعية أيضاً.
  • هذه المقاربة جعلت من وزارة الخزانة الأميركية الذراع التنفيذية للسياسة تجاه لبنان.
    الأميركيون ينسقون مع دول خليجية في هذا الإطار، تحديداً السعودية والإمارات، لتوحيد لائحة العقوبات وضمان ألا تتحول بعض المصارف اللبنانية إلى بديلٍ عن النظام المالي الإيراني.

بين الرئاسة والجيش

الرئيس اللبناني جوزيف عون أبلغ الوفد الأميركي أن لبنان يراعي القوانين الدولية، وأنه قام بما عليه رغم كل العقبات السياسية، وأضاف عون أن "الضغوط المفرطة قد تُضعف المؤسسات بدل أن تُصلحها".

  • غوركا، الذي كانت له علاقة أكاديمية قديمة بعون عندما كان أستاذاً له في الولايات المتحدة، أبدى تفهّماً، لكنه شدّد على أن "الصداقة لا تُعفي من المحاسبة"، ونشر لاحقاً تغريدة قال فيها إن "الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق الأوسط يعمل على تحقيق رؤية السلام التي أطلقها دونالد ترامب ضمن الاتفاقات الإبراهيمية".
  • رغم اللهجة الودّية، يقول المصدر الحكومي إن اللقاء كان أقرب إلى جلسة مراجعة دقيقة للالتزامات اللبنانية بمكافحة تبييض الأموال.
  • يواجه الجيش اللبناني اليوم ضغطاً مزدوجاً: من واشنطن التي تطالبه بتطبيق خطة حصر السلاح جنوب الليطاني بصرامة، ومن الداخل الذي يحذّر من أن أي خطوة خاطئة قد تُشعل فتنة داخلية.
  • المؤسسة العسكرية اللبنانية تدير توازناً صعباً بين تنفيذ قرارات الدولة، وعدم الانجرار إلى صدام مع البيئة الشيعية التي يُمثلها حزب الله.
  • الجيش "ينفّذ حالياً خطة تدريجية لتجميع الأسلحة الثقيلة وإزالة المخازن المكشوفة، لكنه يرفض اقتحام منازل خاصة أو بلدات من دون تنسيق سياسي وقضائي".
  • حكومة نتنياهو طلبت من الوفد الأميركي إبلاغ الجيش اللبناني أن "الصبر الإسرائيلي بدأ ينفد"، ونقلت تل أبيب إلى واشنطن صوراً جوية تُظهر استمرار نشاط الحزب جنوب الليطاني، وهذا ما ينفيه نائب رئيس الحكومة طارق متري في تصريحات علنية.

حزب الله: قراءة مختلفة للمشهد

يتعامل حزب الله مع الضغوط المالية والأمنية الأميركية باعتبارها جزءاً من "مشروع الإخضاع الكامل للبنان"، ويشير مصدر مقرّب من الحزب لـ"عربي بوست" إلى أن "الهدف الحقيقي هو تدمير الاقتصاد اللبناني عبر تفكيك المصارف وتجفيف النقد، لإجبار الدولة على الرضوخ للمطالب الأميركية – الإسرائيلية"، فماذا عن موقف الحزب:

  • الحزب "لن يُقدّم تنازلاً في ملف السلاح، لكنه يتفهّم أن الوضع الاقتصادي لا يُحتمل، لذلك يحاول الفصل بين المسارين المالي والعسكري".
  • الحزب "يراقب بدقة نتائج الزيارات الأميركية والدولية إلى لبنان وما يُطرح، وما يجري داخل لجنة مراقبة وقف إطلاق النار"، معتبراً أن الطلب الإسرائيلي بتفتيش المنازل "يهدف إلى خلق شرخ بين الجيش والناس، ودفع البلاد إلى فتنة داخلية".
  • الحزب لن يسمح بالمسّ بالمؤسسات التابعة له، وعلى وجه الخصوص مؤسسة القرض الحسن.

خلف السطور

رغم كل الانقسامات التي يشهدها لبنان، يبدو الجيش اللبناني المؤسسة الوحيدة التي لا تزال تحظى بثقة خارجية وداخلية نسبية، ويبدو أن الدعم الدولي للجيش لن يتوقف، لكنه مشروط بتقدّم ملموس في خطة حصر السلاح.

  • تتعامل واشنطن من مبدأ أن الجيش أداة التنفيذ الأخيرة لمشروع ضبط الأمن جنوب الليطاني، وخاصة أنه يحظى بثقة داخلية، وتحديداً من حزب الله الذي لا يزال ينسّق معه.
  • يخشى مسؤولون لبنانيون من أن يتحوّل الدعم العسكري إلى وسيلة ضغط إضافية، بعد أن أصبح السلاح والاقتصاد عنواني المرحلة المقبلة لدى الأميركيين وإسرائيل.
  • في بيروت، يسود شعور بأن البلاد تدخل مرحلة دقيقة عنوانها "الاختبار الأميركي الأخير"، ويجعل لبنان أمام لحظة حاسمة.
  • الأميركيون يعتبرون أن لبنان استنفد كل الأعذار، وإذا لم يتحرك بسرعة، فالعقوبات ستكون قاسية.

الخلاصة: المرحلة المقبلة ستشهد تصعيداً مزدوجاً، عبر ضغط مالي لإعاقة عمل شبكات الحزب، وضغط سياسي لإعادة بناء النظام المالي والمصرفي على قاعدة جديدة. لذلك، فإن المهلة حتى نهاية العام الحالي ليست بمعناها الزمني، بل بمعناها التحذيري، وهو: إما أن يتغيّر كل شيء، أو لا يعود هناك شيء يمكن إنقاذه.

تحميل المزيد