إسرائيل تقيم “بيت عزاء” عقب فوز ممداني.. لماذا تتوجّس تل أبيب من عمدة نيويورك، وكيف انقسم اليهود بسببه؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/11/06 الساعة 13:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/11/06 الساعة 13:04 بتوقيت غرينتش
عمدة نيويورك زهران ممداني/ رويترز

لم يكن ليمرّ فوز المرشّح المسلم زهران ممداني بمنصب عمدة نيويورك دون أن يثير ردود أفعال قوية في إسرائيل، إذ توالت ردود الفعل الرسمية، والتعليقات الصحفية، والتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي، ما جعل حدث انتخاب ممداني المعروف بمواقفه المتضامنة مع الفلسطينيين يصبح حديث الساعة في إسرائيل.

إذ إنه، مباشرة بعد الإعلان عن فوزه بمنصب عمدة نيويورك، صدرت دعوات إسرائيلية تحذّر من مغبة انعكاسات فوزه على مزيد من الضغوط الأمريكية على السياسة الإسرائيلية، والانزياح عنها، لصالح مواقف أكثر إنصافاً للفلسطينيين، ومدى تأثيرات حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة على فوز زهران ممداني.

فكيف استقبل الإسرائيليون فوز المرشّح المسلم بعمادة واحدة من أهم وأكبر الولايات الأمريكية؟ وكيف تسبب فوز ممداني في انقسام بين يهود أمريكا وإسرائيل على حد سواء؟ إضافة إلى احتمال تأثير فوزه على سياسة أمريكا تجاه إسرائيل، خاصة فيما يتعلق بالتعاطي مع قطاع غزة.

توصيفات عدائية وعنصرية ضد زهران ممداني

تركّزت ردود الفعل الإسرائيلية على فوز زهران ممداني في إطلاق الأوصاف الأكثر انتشاراً في النقاش الإسرائيلي، بوصفه "المناهض لإسرائيل"، و"المؤيد للفلسطينيين"، و"المعادي للسامية"، حتى إن دانيال أديلسون، مبعوث صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى ولاية نيويورك، لم يكتفِ بالإشارة إلى عداء ممداني لإسرائيل، بل أشار إلى زوجته راما ديوجي، ذات الأصول السورية، والفنانة المعادية لها.

واعتبر أديلسون أنه منذ أن أصبح ممداني مواطناً أمريكياً عام 2018، وانتُخب بعد عامين لعضوية كونغرس نيويورك، استخدم منصبه للترويج لقوانين تشريعية ضد إسرائيل، على حد زعمه.

وأضاف أن ممداني ينتقد إسرائيل بشدة، رافضاً الاعتراف بحقها في الوجود كدولة يهودية، ومتهماً إياها بارتكاب إبادة جماعية في غزة، ولم ينأَ بنفسه عن الدعوة المؤيدة للفلسطينيين "لعولمة الانتفاضة"، بل إنه هدّد باعتقال نتنياهو إذا زار نيويورك، وسيسعى لتنفيذ مذكرة التوقيف الدولية ضده من محكمة العدل الدولية في لاهاي، رغم الشكوك في أن يكون لديه السلطة القانونية للقيام بذلك.

ورغم أن الرئيس دونالد ترامب انخرط بنفسه في جهود إقصاء ممداني عن الفوز، من خلال دعوته ليهود المدينة لعدم التصويت له، واعتباره أن "أي يهودي يصوّت له، رغم كرهه لليهود، فهو أحمق".

لكن ممداني ينفي معاداته للسامية، وحرص طوال الحملة الانتخابية على كسب أصوات اليهود، ونشر فيديو بمناسبة رأس السنة العبرية هنّأهم فيه بـ"عام سعيد" باللغة العبرية، وذكر مراراً أن العديد من مستشاريه من اليهود.

وأصدرت عدد من المنظمات اليهودية الرئيسية في الولايات المتحدة بياناً مشتركاً اتهمت فيه زهران ممداني بتبنّي مواقف معادية لليهود، وحمّلته المسؤولية الكاملة عن الحفاظ عليها لصيانة حياتهم في المدينة، وتعزيز دعم إسرائيل، وإدانة أي خطاب أو فعل يُقوّض شرعيتها.

ووقّع على بيان المنظمات اليهودية في أمريكا: رابطة مكافحة التشهير (ADL)، اللجنة اليهودية الأمريكية (AJC)، الاتحاد اليهودي في نيويورك (UJA-NY)، مجلس العلاقات المجتمعية (JCRC-NY)، المحكمة الحاخامية في نيويورك.

انقسام اليهود وغضب إسرائيلي على من صوّتوا له

زلمان شوفال، السفير الإسرائيلي الأسبق في واشنطن، اعتبر أن فوز زهران ممداني، بمساعدة عشرات الآلاف من "الحمقى" من الناخبين اليهود، ستكون له ارتدادات في أماكن أخرى، لأنه لا يمكن تجاهل تفسير دعم الحزب الديمقراطي لمرشّح معادٍ لإسرائيل في مدينة ذات نسبة عالية جداً من اليهود، كمقدمة لاستراتيجية تهدف للسيطرة على مراكز السياسة والسلطة الاقتصادية والثقافية والإعلامية.

وكشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن فوز ممداني أثار انقساماً بين يهود نيويورك، وهناك عدد لا بأس به من الإسرائيليين دعموه، رغم مناهضته للصهيونية، بينهم روني زهافي، من بروكلين، وهي أصلاً من شمال تل أبيب، وتقيم في نيويورك منذ أربع سنوات.

وأبدت زهافي استغرابها من انشغال الإسرائيليين بانتخابات لا علاقة لها بإسرائيل بصورة مباشرة، وهم مصابون بالذعر حيالها، وهذا يُظهر فقط مدى انفصال إسرائيل عن العالم، وقالت: إن ما يُغضبني أكثر أن أراهم يريدونني أن أُصوّت لمرشّح مثل "كومو"، المتحرّش بالنساء.

وأضافت: "أتبنّى مواقف ممداني ضد الاحتلال، أنا أؤيد مقاطعة إسرائيل ما دام الاحتلال قائماً، أؤيد مقاطعة المنظمات التي لها صلة بقتل الفلسطينيين في غزة، وتموّل جيش الاحتلال، وانتهاكات حقوق الإنسان، واغتصاب الأسرى الفلسطينيين، وأؤيد إلغاء الإعفاء الضريبي للجمعيات التي تتبرع للمستوطنات، لا أريد أن تذهب أموال ضرائبي كمقيم في نيويورك للمستوطنات".

كما اعتبرت أن الحكومة الإسرائيلية فاشية، ويجب مقاطعتها، وأي اتهام لممداني بأنه "معادٍ للسامية" يعني وقوعاً في فخ الدعاية الصهيونية، كما أن الحديث الإسرائيلي عنه كـ"جهادي"، ودعمه لهجمات سبتمبر 2001، وتطبيقه للشريعة الإسلامية في نيويورك، أمرٌ سخيف، وهذه تصريحات عنصرية، ويؤلمني كثيراً كيهودية وإسرائيلية أعيش في نيويورك سماعها.

كما سُجّل انقسامٌ بين أتباع الطائفة الأرثوذكسية المتشددة في المدينة، فقد أعلن الحاخام موشيه إنديغ، أحد قادة طائفة "ساتمار الحسيدية"، دعمه لممداني في اجتماعٍ في ويليامزبرغ، وقال حاخامات آخرون، وهم هاسكل بيركوفيتش، وأفروم بيرش، وشاليم يعقوبوفيتش: "إن الحركة التقدمية في الحزب الديمقراطي، التي يمثلها ممداني، تُهدد قدرتنا على العيش كيهود ملتزمين بالتوراة".

عيدان كيفلر، مراسل موقع "ويللا"، نقل عن الحاخامة أنجيلا بوتشديل أن فوز ممداني يُعتبر "لحظة وجودية لمجتمعنا اليهودي، والخشية أن يهود نيويورك سيعودون غرباء، وسأخشى العيش في ولاية يُطبّق فيها الخطاب المعادي للصهيونية، وينتشر على نطاق واسع، وتُلام فيها إسرائيل مراراً، وتُصوّر على أنها أسوأ لاعب على الساحة العالمية، ويخجل أطفالنا من وصف أنفسهم بالصهاينة، أو يخشون ارتداء الرموز اليهودية".

وزعم بوتشديل أن ممداني دأب دائماً على شيطنة الإسرائيليين، وردّد الصورة النمطية القديمة لمعاداتهم، واعتبارهم جذر كل المشاكل، وحديثه الدائم عن الإبادة الجماعية في غزة، ومعارضته لوصف حماس بأنها منظمة إرهابية، ورفضه الصريح لوجود إسرائيل كدولة يهودية، كلّ ذلك يخلق أجواء من الإذلال والإقصاء لليهود في كل مكان.

أما الحاخام إليوت كوسغروف، فاعتبر أن فوز ممداني يشكّل خطراً على نسيج الحياة السياسية اليهودية في نيويورك، مما يكشف عن حجم القلق لديهم، لأنه يرفض إدانة الشعارات التحريضية مثل "لنجعل الانتفاضة عالمية"، وإنكاره لشرعية إسرائيل كدولة يهودية، ودعوته لاعتقال رئيس حكومتها إذا دخل نيويورك، وإلقاء اللوم على إسرائيل.

مخاوف من ظاهرة عالمية تعزل إسرائيل

كوبي باردا، مؤرخ السياسة الأمريكية، زعم في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن فوز ممداني جزءٌ من توجّهٍ أوسع يسعى إلى تحدّي حق الدولة اليهودية الوحيدة في العالم، وسيترك آثاره السلبية على العلاقة مع إسرائيل، لأنه ركّز في حملته الانتخابية على انتقاداتٍ لاذعةٍ لها، ومحاولاته لـ"عولمة الانتفاضة"، وبناء جزء كبير من رصيده السياسي على مواقف معاديةٍ لها.

وزعم أنه ليس من قبيل الصدفة أن يحدث هذا في مدينةٍ تضمّ إحدى أكبر الجاليات اليهودية في العالم، حيث أعلن عن نيّته إلغاء التعاون الأكاديمي بين جامعة كورنيل الأمريكية ومعهد التخنيون الإسرائيلي في حيفا، وتحدث عن وقف الاستثمارات في السندات الإسرائيلية، وتقليص الوحدات البلدية لمكافحة معاداة السامية باسم "توسيع نطاق مكافحة الإسلاموفوبيا"، وغيرها من الخطوات التي تُشير إلى رؤيةٍ عالميةٍ واضحةٍ للغاية.

وأشار إلى أن انتخاب زهران ممداني يعكس ظاهرةً أوسع نطاقاً بكثير، فمنصب عمدة نيويورك من أهمّ المناصب في الولايات المتحدة، حيث تُوظَّف مئات آلاف العمال بشكل مباشر وغير مباشر، وميزانيتها تفوق ميزانيات ولايات بأكملها، وعندما يقع هذا المنصب في يد شخص مثل ممداني، فإن النتيجة المتوقعة هي تغيير جذري.

كما يعتبر فوزه إشارة لإسرائيل التي تحوّلت العلاقات معها تدريجياً إلى قضية أمريكية داخلية، وباتت تُقسّم الرأي العام، وتتطلب ردّاً سياسياً، وإذا كان دعمها حتى وقت قريب أمراً بديهياً، فقد أصبح اليوم موقفاً يُطرح نقاشاً عاماً حقيقياً، وما حدث في نيويورك ينبغي أن يُثير قلقاً في تل أبيب، والجالية اليهودية في الولايات المتحدة، وسيكون فوز ممداني ليس فقط اختباراً لأمريكا بقيادة ترامب، بل أيضاً للعلاقة بين إسرائيل وأحد حلفائها التاريخيين.

في الوقت ذاته، توقّف الإسرائيليون عند ظهور أصوات حول العالم تؤيد ممداني، وأشهرهم جيريمي كوربين، الزعيم السابق لحزب العمال البريطاني، الذي أُقيل إثر مزاعم بمعاداة السامية في الحزب تحت قيادته، حيث قاد حملة تبرعات هاتفية لممداني نيابةً عن منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين الأمريكيين، ووصفه بأنه "صوت لفلسطين، بينما يتجاهل العالم مجزرة غزة".

وشوهد الممثل اليهودي والاس شون، عضو حركة "الصوت اليهودي من أجل السلام" المناهضة للصهيونية، والناقد اللاذع لحكومة نتنياهو، يوزّع منشورات مؤيدة لزهران ممداني في وسط مانهاتن.

مظاهرات سابقة منتقدة لإسرائيل في نيويورك / Shutterstock
مظاهرات سابقة منتقدة لإسرائيل في نيويورك / Shutterstock

وزراء إسرائيليون يشنّون هجوماً كاسحاً على ممداني

يهودا شليزنغير، الكاتب في موقع "ويللا" الإخباري، زعم أن فوز ممداني أفرز مشهداً جديداً مفاده "يهود يكرهون يهوداً"، وبالتالي فإن فوزه أثار ضجة في إسرائيل، لأنه المرشح المعادي لها. صحيح أنه لم يصدر عنها رد رسمي على انتخابه، لكن الوزراء شنّوا هجوماً على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشروا منشورات مطولة وحادة احتجاجاً على انتخابه.

فقد هاجم وزير التراث، عميخاي إلياهو، يهود نيويورك الذين دعموه، رغم أنه لا يُخفي كراهيته لإسرائيل وجنودها، لكنه وجد بجانبه بعض اليهود الذين رفعوا أيديهم بجانب معاداة السامية في قلب الولايات المتحدة، مع أن "اليهود الذين يكرهون اليهود" موجودون بيننا منذ بداية التاريخ، ولطالما كانوا هناك، أحياناً على هامش المجتمع، وأحياناً في مناصب قيادية.

"هذه حقيقة مؤلمة، لكنها حقيقية، نراهم في إسرائيل فيمَن وقفوا بجانب عدونا، ووقّعوا عرائض ضد الدولة، وسعوا لمقاطعة الجنود، وطالبوا بحظر توريد الأسلحة إليها"، على حد تعبير الوزير الإسرائيلي.

أما وزير شؤون الشتات، عميخاي شيكلي، فأعرب عن غضبه الشديد من فوز ممداني، لأنه "مؤيد لحماس"، وبعد أن كانت نيويورك رمزاً للحرية العالمية، فقد سلّمت مفاتيحها إلى مؤيد لحماس، لا تختلف مواقفه كثيراً عن مواقف الجهاديين الذين قتلوا ثلاثة آلاف ونصف من سكانها قبل عقدين ونصف، هذه نقطة تحوّل حاسمة لنيويورك، موطن أكبر جالية يهودية في العالم خارج إسرائيل، وهذا الفوز يُقوّض أسس المكان الذي وفّر الحرية والفرصة لجموع اللاجئين اليهود.

وزعم أن فوز زهران ممداني لم يحدث بين عشية وضحاها، بل بدأ الأمر بالأجواء المعادية للصهيونية في الجامعات التي تعجّ بما وصفها بـ"الأموال القطرية"، واستمر بالمظاهرات العنيفة التي شنّها مؤيدو حماس في جامعة نيويورك وكولومبيا، التي أصبحت معقلاً لدعم حماس في الولايات المتحدة.

وهكذا، يقول شيكلي، لن تعود نيويورك كما كانت، خاصة بالنسبة لمجتمعها اليهودي، لأنها تسير بعيون مفتوحة نحو الهاوية التي سقطت فيها لندن قبلها، وأدعو يهود نيويورك للتفكير جدياً في تأسيس وطنهم الجديد في أرض إسرائيل.

تخوف من هجرة يهودية معاكسة من نيويورك

تسفيكا كلاين، رئيس تحرير صحيفة "جيروزاليم بوست"، توقّع في مقال نشره في موقع "ويللا"، أن يسفر فوز زهران ممداني عن موجة هجرة يهودية من نيويورك إلى إسرائيل، لأنهم سيشعرون بتغير الأجواء بعد انتخابه، وهو المناهض للصهيونية.

ولأن فوزه ليس مجرد حدث سياسي، يضيف كلاين، بل نقطة تحول اجتماعية، وعلامة على تغيير عميق في هوية وأمن الجالية اليهودية في أمريكا، مرجّحاً أن تكون الهجرة إلى ولايات نيوجيرسي، بوسطن، أو ربما واشنطن العاصمة وفلوريدا، لأن ممداني، المعادي الصريح للصهيونية، سيبدأ نشاطه العلني كجزء من حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها.

وأشار إلى أنه بينما يحظى ممداني بدعم يهود أمريكيين كبار مثل بيرني ساندرز، واشتراكيين، وتقدميين متشددين، فإن يهود نيويورك لا يشعرون دائماً بالحاجة للتواصل مع إسرائيل، ولذلك شكّل تصويت نسبة كبيرة منهم لصالحه مصدراً لخيبة الآمال الإسرائيلية، لأنه ناشط معلن في حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات.

كما أنه يدعو إلى انتفاضةٍ عالمية، من أجل اعتقال نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وبات عمدة المدينة الأكثر نفوذاً في العالم الغربي، بل العالم أجمع، وهذا يفتح الباب أمام المزيد من رؤساء البلديات مثله، وكلّ ذلك يؤكد أن ما ينتظر اليهود في نيويورك سيئ للغاية، وستكون له تداعيات على بقية أمريكا.

يُعدّ فوز ممداني حدثاً مقلقاً للغاية بالنسبة لغلاة اليهود المتطرفين، لأنه منذ قرابة ستة أشهر، ارتبط اسمه بحملات معادية للصهيونية، ويعتقد أن إسرائيل تُدير "تسلسلاً هرمياً قائماً على الدين"، واعتبر أن عنف الشرطة في نيويورك متأثر بالتدريب الذي يتلقاه ضباطها في إسرائيل، وهو صاحب عبارة: "عندما يُداس على رقبتك، فاعلم أنه تدرب في الجيش الإسرائيلي".

كما دعا إلى وضع حدٍّ لدعم نيويورك لجرائم المستوطنين، ودعم تشريع يمنع المنظمات غير الربحية من مساعدة المستوطنات في الضفة الغربية، وقد شكّل هذا الخطاب لحظة فارقة في بناء صورته الأيديولوجية من خلال خوضه مواجهة مباشرة مع المؤسسة المؤيدة لإسرائيل.

وعندما سُئل ممداني عن سبب عدم دعوته حماس لنزع سلاحها، كما تدّعي خطة ترامب المكونة من عشرين نقطة، أجاب أن على الحركة إلقاء سلاحها، لكن الدعوة لوقف إطلاق النار تعني أن على جميع الأطراف إلقاء أسلحتها، وهذا لا يعني فقط وقف "الإبادة الجماعية"، بل السماح بدخول المساعدات الإنسانية دون قيود، ويجب ضمان وقف إطلاق النار من خلال معالجة الأسباب التي أدّت إلى هذه الأزمة، وهي الاحتلال، والحصار، والفصل العنصري.

وتوقعت الأوساط الإسرائيلية أن يُدير زهران ممداني مدينته من خلال مشاركته في مواجهة مع إسرائيل وأنصارها، بتصريحات حول الهوية الفلسطينية، وتعزيز الخطاب المعادي لإسرائيل في الولايات المتحدة، الذي سيؤدي إلى تأثير الدومينو في ولايات أخرى.

أصوات إسرائيلية "عقلانية" تدعو لتخفيف الذعر

تومار ألماغور، مراسل القناة 12، تطرّق إلى بدايات ممداني المعادية لإسرائيل من خلال بدء مساره السياسي بتأسيس فرع طلابي لمنظمة "من أجل العدالة في فلسطين"، وانخراطه في حملات محلية مختلفة في الولاية، ويتزايد القلق في أوساط الجالية اليهودية، حيث يُعرف بمواقفه القوية المناهضة لإسرائيل.

وسبق أن أعرب عن دعمه لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، وبادر بخطوات لمنع المساعدات الأمريكية للمستوطنات، وأعلن أنه لا يعترف بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية، ورغم ذلك فقد أعربت تيارات من اليهود المتشددين والتقدميين في المدينة عن دعمها له، وأكد هو نفسه أنه سيعمل لصالح يهود المدينة.

يعود سبب القلق البالغ لدى يهود نيويورك، البالغ عددهم مليوناً ونصف المليون نسمة، إلى ما يعتبرونه "الصعود الصاروخي" لزهران ممداني، المنتمي للاشتراكيين الديمقراطيين الأمريكيين، بسبب كونه يُمثّل خطراً حقيقياً.

وقد أثار انتقاده اللاذع لإسرائيل، التي اتهمها بارتكاب "إبادة جماعية"، جدلاً واسعاً، وإعلانه بأنه لا يستطيع دعم دولة يهودية رسمية تمنح اليهود حقوقاً تفضيلية، شكوكاً كبيرة، وشعوراً بأن مواقفه هذه ستؤدي إلى تصعيد التوترات الداخلية ضد اليهود، وفقاً لما ذكرته إفرات برينر، مراسلة القناة 14.

لكن ليرون روديك، محررة القسم الرقمي في القناة 13، اتهمت الإعلام الإسرائيلي بتضخيم تصريحات ممداني، رغم أن التعمق في القضايا التي يروّج لها في حملته الانتخابية يُظهر أنه العمدة المثالي لنيويورك، فهو ثوري حقيقي، وأفكاره الشجاعة تُفيد مواطني المدينة، وإن محاولات إسرائيل لتصويره مؤيداً للفلسطينيين، ومتطرفاً مؤيداً للإرهاب، ويدعم هجمات 11 سبتمبر، هي محاولة عنصرية ومعادية للأجانب، وتأتي من مصالح خاصة.

ولو كان العديد من الإسرائيليين المعارضين له يعيشون في نيويورك، لكانوا على الأرجح سيصوّتون له، ويدعمون القضايا التي يُروّج لها، مع أن وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي تعتبر أن إسرائيل هي مركز العالم، وتبني جميع مواقفها ضد ممداني، تتجاهل فرضية أنه لم يُنتخب رئيساً للولايات المتحدة، بل عمدة لنيويورك.

بالتزامن مع إعلان فوز ممداني، فقد كشفت نتائج استطلاع للرأي العام أجرته شبكة CNN، أن 38% من سكان نيويورك اعتبروا أن موقف المرشح من إسرائيل كان عاملاً مهماً في قرارهم بشأن مَن سيصوّتون له، مع أنه من بين الرسائل الإشكالية العديدة التي وجّهها ممداني بشأن إسرائيل، رفضه تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) لمعاداة السامية، الذي يُعرّف معاداة الصهيونية بأنها من أشكال معاداة السامية.

وأشار إلى أنه قد يتّخذ سلسلة من الخطوات ضد علاقات المدينة بإسرائيل، من قبيل سحب الاستثمارات البلدية من السندات والشركات الإسرائيلية، وإلغاء المنتديات والبرامج المشتركة، والترويج لمبادرة "ليس على حسابنا" لإلغاء الإعفاء الضريبي للتبرعات الموجهة للمستوطنات في الضفة الغربية، وفقاً لما كشفه دودو كوغان، مراسل صحيفة "إسرائيل اليوم" في الولايات المتحدة.

تحميل المزيد