مخاوف مصرية من التقسيم بعد سقوط الفاشر.. القاهرة تصر على الحلول الدبلوماسية دون تدخل عسكري، وهذه خياراتها لمواجهة الأزمة

عربي بوست
تم النشر: 2025/11/02 الساعة 08:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/11/02 الساعة 08:47 بتوقيت غرينتش
تنبع أهمية الفاشر من كونها تعد عاصمة لإقليم دارفور/ عربي بوست

على الرغم من أن سيطرة قوات الدعم السريع على إقليم دارفور لا تمس مباشرة الحدود المصرية إلا أنها تركت عوامل قلق عديدة في القاهرة على مستويات رسمية وشعبية بعد زيادة حجم المخاوف من أن الجارة الجنوبية تمضي على طريق التقسيم بسقوط آخر مدينة كان يسيطر عليها الجيش السوداني من بين خمس ولايات أضحت كاملة بيد القوات التي يقودها محمد حمدان دقلو والذي وجه رسائل تهديد بينها معلن وبينها مبطن للدولة المصرية ومن الممكن أن يقود تشكيله حكومة معترف بها دولياً تغييراً في أوزان القوى بالقرن الأفريقي مع تقاربه المعلن مع إثيوبيا.

مصر  لن تغير نظرتها لقوات الدعم السريع

قال مصدر دبلوماسي مطلع على هذا الملف، إن مصر تحركت قبل سقوط الفاشر، وسعت للتوصل إلى حل سياسي لا يقود إلى نقطة تتمكن فيها قوات الدعم السريع من فرض واقع عسكري على الأرض، ويفسر ذلك انضمامها قبل عدة أشهر إلى اللجنة الرباعية وتحريكها العديد من الاجتماعات في واشنطن من أجل التوصل إلى صيغة سياسية يمكن أن تؤدي إلى وقف الحرب.

لكن القاهرة – بحسب المصدر – واجهت عقبات عديدة، سواء فيما يتعلق بموقف الجيش السوداني الذي يرفض أي وجود لقوات الدعم السريع في مستقبل الحكم أو مع تسارع وتيرة الدعم العسكري الذي حظيت به قوات الدعم السريع خلال الأشهر والأسابيع الماضية ما مكنها من خلط الأوراق وبعثرة جهود وقف الحرب.

وأوضح المصدر ذاته، أن مصر كانت ترى في وجود المليشيات عاملاً مساهماً في تفتيت السودان، ولذلك استمرت في دعم مؤسسات الدولة السودانية، وسوف تستمر في هذا الدعم الذي تقدمه سياسياً أو لوجستياً عبر مشروعات إعادة الإعمار.

لكن المصدر رفض الحديث عن تقديم الدعم العسكري بكافة أشكاله، مشيراً إلى أن مصر لم تتدخل في شؤون الدول التي وقعت بها صراعات داخلية لتقف مع هذا الطرف أو ذاك وركزت على الحلول السياسية، ويبقى ذلك استراتيجية للتعامل مع الموقف الحاصل في السودان حتى الآن، لكنه قال أن ذلك قابلاً للتغيير في حال تعرضت المصالح المصرية لأي تهديدات مباشرة.

وأشار المصدر ذاته أن محاولات الزج بمصر لكي تتدخل عسكرياً في السودان من أجل دعم الجيش لن يحدث، وهناك دوافع عديدة تجعل القاهرة لا تنخرط في هذا الصراع في مقدمتها أن السودانيين أنفسهم قد لا يرحبون بهذا التدخل باعتبار أنهم أمام مشكلة داخلية، كما أن بعض القوى السياسية هناك تتحالف مع قوات الدعم السريع لديها عداءات سابقة مع مصر، وكذلك فإن حروب المليشيات في مناطق شاسعة لا تكون عادة في صالح الجيوش وتبقى حالات الكر والفر مستمرة وقد يتم استنزاف القوات وبالتالي كانت الرؤية المصرية منذ البداية لحل الأزمة السودانية عبر الحوار السياسي.

وشدد على أن مصر في المقابل لن تغير نظرتها لقوات الدعم السريع التي تشكل وضعاً مهدداً للاستقرار في المنطقة، كما أنها لا تتعامل سوى مع مؤسسات الدولة الرسمية، كما أن مصر لا تنسى التهديدات المبطنة والعلنية ضدها من جانب (حميدتي)، لكنها تدرك كيف توقفه عند حده وتكتفي بأسلوب الردع الذي تمثله قوة الجيش المصري، ويمكن أن تكون الحالة الوحيدة للتعامل مع المليشيات السودانية – إذا اقتضى الأمر – تدخل القاهرة لجمع السلاح ودمج هذه القوات داخل الجيش السوداني أو قوات الشرطة.

وكرس استيلاء "الدعم السريع" على الفاشر التقسيم الجغرافي للنفوذ بين الطرفين المتحاربين، إذ يبقى الجيش مسيطراً على الشمال والشرق، في مقابل استيلاء قوات "حميدتي" على الغرب المتمثل في ولايات إقليم دارفور الخمس، مما جدد مخاوف التقسيم لبلد قسم سابقاً قبل أقل من عقدين.

وخلال سبتمبر الماضي، شاركت مصر ضمن بيان مشترك مع السعودية والإمارات والولايات المتحدة يضع خريطة طريق لحل الأزمة السودانية، تضمن إقرار هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر بصفة مبدئية، تقود إلى وقف دائم للقتال، ثم عملية سياسية انتقالية جامعة خلال تسعة أشهر تحقق تطلعات السودانيين في حكومة مدنية.

وكانت قوات الدعم السريع أعلنت، الأحد الماضي، سيطرتها على الفرقة السادسة في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور بعد معارك وصفتها بـ"الضارية"، وفي المقابل، قال رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إن "قيادة الجيش في الفاشر قررت مغادرة المدينة لما تعرضت له من تدمير وقتل ممنهج للمدنيين".

وأعربت مصر عن قلقها البالغ إزاء التطورات الأخيرة في السودان، لافتة إلى ضرورة اتخاذ كل الإجراءات الممكنة لتحقيق هدنة إنسانية فورية في جميع أرجاء السودان، وصولاً إلى الوقف الدائم لإطلاق النار. ودعت في بيان صادر عن وزارة الخارجية، مساء الثلاثاء، إلى هدنة فورية بما يحفظ أرواح المدنيين وسبل معيشتهم اليومية، ويصون مقدرات البلاد؛ مؤكدة في هذا الصدد مواصلتها تقديم كل الدعم الممكن للسودان لتخطي محنته الحالية.

هزيمة قوات حميدتي صعب وفقاً لموازين القوى الحالية

وقال مصدر دبلوماسي مصري آخر، إن مصر لديها قلق بالغ من اكتمال سيطرة قوات الدعم السريع على غرب السودان بخاصة، وأنه لم يعد يفصله عن الحدود المصرية سوى الولاية الشمالية، والأكثر من ذلك أنها تمهد لتقسيم السودان وهو أمر لن تسمح به مصر كونه يستهدف تغييراً في موازين القوى في منطقة القرن الأفريقي لصالح إثيوبيا التي تتحالف في الخفاء مع حميدتي، ولكن التحركات تبقى من خلال الكروت السياسية المتاحة عبر اللجنة الرباعية أو عبر جمع القوى المدنية السودانية على مائدة واحدة للوصول إلى رؤية يمكن تنفيذها لبدء مرحلة سياسية.

وأوضح أن الزيارات التي قام بها وزير الخارجية المصري إلى الخرطوم خلال أربعة أشهر ماضية وبلغت 4 زيارات تقريباً إلى جانب استضافة الفريق أول عبدالفتاح البرهان في القاهرة هدفت إلى وضع خريطة لإنهاء الحرب، وكانت القاهرة قد مضيت بشكل جيد في هذا المسار غير أن قوى متحالفة مع الجيش لم يكن ترغب في أي حضور لقوات الدعم السريع في العملية السياسية، بل أنها تؤيد الاستمرار في الحرب إلى حين هزيمة قوات حميدتي وهو أمر مستحيل وفقاً لموازين القوى الحالية على الأرض.

وشدد على أن مصر كانت لديها رؤية بأن يتم الوصول إلى الانتخابات التي يحدد فيها الشعب السوداني من يحكمه، لكن ذلك واجه تعقيدات عديدة على الأرض بسبب مواقف الجيش والدعم السريع أيضاً والقوى التي تدعمه من الخارج والتي رفضت بشكل قاطع أن يخرج من الصورة بشكل كامل رغم ما ارتكبه من جرائم بحق المدنيين وتسعى لتوفير حصانة إليه يمكن بمقتضاها أن يبقى حاضراً في مستقبل المشهد السوداني.

وأكد أن التحركات المصرية الأنية تعمل على إيصال المساعدات الإنسانية وتقديم الدعم السياسي والتنموي المطلوب للحفاظ على وحدة واستقرار السودان وتقديم كل أشكال المساعدات للأشقاء السودانيين والانخراط في مشروعات تنموية لتسريع إزالة تبعات الحرب، مع استقبال من فروا من تبعات الحرب، والاستمرار في الجهود الدبلوماسية التي تضغط لعدم الاعتراف أو التجاوب مع حكومة "تأسيس" الانفصالية التي شكلها حميدتي ومن المتوقع أن يمضي في الترويج إليها خلال الفترة المقبلة.

وشدد على أن مصر سوف تطرح العودة إلى منبر جدة بشأن تنفيذ الشق العسكري المرتبط بدمج عناصر الدعم السريع داخل الجيش، مشيراً إلى أن القوات المسلحة السودانية يمكن الضغط عليها الآن لتحقيق ذلك فيما تبقى هناك صعوبات جمة لإقناع الدعم السريع بعد المكاسب التي حققها مؤخراً لكن القاهرة سوف تعمل مع الأطراف القريبة من قوات حميدتي لإنجاح هذا المسار.

وفي مارس الماضي، قال عبد العاطي إن "تفكك الدولة السودانية خط أحمر بالنسبة لمصر، وأمر مرفوض تماماً"، مؤكداً أن دعم وحدة السودان واستقراره وبسط سيادة الدولة على كل أراضيه "أمر ثابت في السياسة الخارجية المصرية".

كذلك جاء التطور الميداني الأبرز منذ سيطرة الجيش على الخرطوم، بعد يومين فقط من اجتماع في واشنطن للرباعية الدولية في شأن السودان، التي تضم مصر والإمارات والسعودية والولايات المتحدة، لبحث التوصل إلى هدنة وإيصال المساعدات الإنسانية. لكن الأمور انقلبت من محاولة التهدئة إلى اشتعال الصراع، بعدما اقتحم "الدعم السريع" مقر الفرقة السادسة مشاة للجيش السوداني داخل مدينة الفاشر الاستراتيجية شمال دارفور، فجر الأحد الماضي، لتكون نقطة تحول رئيسة في مسار الصراع الممتد منذ أبريل (نيسان) 2023.

وخلال يوليو الماضي، أعلن ائتلاف سوداني بقيادة "الدعم السريع"، تشكيل مجلس رئاسي للبلاد بقيادة "حميدتي" وحكومة موازية برئاسة محمد حسن التعايشي، خلال مؤتمر صحافي عقد في نيالا كبرى مدن إقليم دارفور، وهي الخطوة التي لاقت تنديداً دولياً واسعاً.

دعوة جميع المكونات السياسية لحوار شامل

وقال مصدر مطلع بوزارة الخارجية المصرية، إن مصر تكثف في هذه الأثناء من اتصالاتها مع أطراف دولية مختلفة بهدف الدفع لوقف إطلاق النار وإقرار هدنة إنسانية وتهيئة بيئة مواتية للحوار السياسي الشامل، وتركز النداءات المصرية على ضرورة الحل السلمي للأزمة السودانية عبر حوار وطني جامع يحقق تطلعات الشعب السوداني في الأمن والتنمية والاستقرار، وفي الوقت ذاته فإن  القاهرة تعزز جهودها الإنسانية لتقديم الدعم والإغاثة للمتضررين، وتعمل على تنسيق المساعدات عبر المنافذ الحدودية، بالتعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية.

ولفت المصدر ذاته أن مصر تجهز لدعوة جميع المكونات السياسية لحوار شامل للتوصل إلى تفاهمات بين القوى المدنية على إدارة المرحلة الانتقالية بواسطة حكومة مدنية تتشكل من كفاءات، وتبحث مشاركة الجيش السوداني في هذه المباحثات، وليس هناك مانع في انضمام أي قوى أو فصائل سياسية طالما أنها لا تهدد انقسام الدولة السودانية، وتهدف مصر لأن يكون هناك تيار سوداني جامع يؤيد وقف الحرب ويرفض تقسيم البلاد.

وشدد على أن اتصالات مصرية مع الولايات المتحدة الأميركية جرت خلال الساعات الماضية بعد سيطرة الدعم السريع على الفاشر إلى جانب اتصالات مع قوى إقليمية أخرى لديها تأثيرات في الملف السوداني نحو الضغط على الجيش من أجل المضي قدماً في الحلول السياسية، وتجاوز عراقيل سابقة جرى وضعها ترتب عليها عدم القدرة على إٌقامة حوار مباشر أو غير مباشر مع قوات الدعم السريع او مع الدول التي تقدم إليه الدعم.

وذكر أن مصر تحاول في الوقت الحالي أن تسلك مسارات مختلفة عبر تقليص التباينات بين القوى السياسية التي تخوض الآن لقاءات تشاورية فيما بينها في جنيف، وتأمل أن يكون هناك تحالف بين تنسيقية "صمود" التي يرأسها رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك وبين الجيش السوداني على أن ينضم إليها الجزء الأكبر من القوى السياسية والتحرك في مسارات ضغط دولية لوقف الحرب والحفاظ على تماسك ووحدة السودان عبر عملية سياسية شاملة.

وأجرى وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي، اتصالين هاتفيين مع كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والأفريقية مسعد بولس، حيث شدّد الوزير المصري على ضرورة الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه ومؤسساته الوطنية، بما يصون مقدرات الشعب السوداني ويحقّق تطلعاته في مجال الأمن والاستقرار.

كما اتفق الجانبان على مواصلة التنسيق الوثيق بين القاهرة وواشنطن لدعم الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء النزاع المسلح وتسهيل الحل السياسي الشامل، بحسب بيان لوزارة الخارجية المصرية.

وكذك أكدت مصر التزامها بمواصلة الجهود الرامية لتحقيق الاستقرار والسلام في السودان، وذلك في أعقاب التطورات الأمنية والإنسانية في مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور بغرب السودان.

جاء ذلك خلال محادثات أجراها وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في القاهرة، الأربعاء، مع نظيره السوداني محيي الدين سالم، حيث تناولا آخر المستجدات على الساحة السودانية، لا سيما الأوضاع في مدينة الفاشر وما تشهده من تطورات إنسانية وأمنية.

وأعرب مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية مسعد بولس عن القلق البالغ إزاء تصاعد العنف في الفاشر، داعياً "الدعم السريع" إلى محاسبة المسؤولين عن الأعمال الشنيعة ووقف الهجمات فوراً. وأكدت وزيرة الخارجية البريطانية إيفيت كوبر أن "العالم سيحاسب قيادة قوات 'الدعم السريع' على الجرائم التي ارتكبتها قواتهم بالسودان". ورأت أن "عليهم التحرك الآن لوقف هذا العنف الأعمى ضد الأبرياء، والموافقة على وقف إنساني لإطلاق النار".

تحميل المزيد