تضم رجال أعمال وضباطاً موالين للأسد.. مصادر: تفاصيل تحركات لإثارة الفوضى في سوريا انطلاقاً من لبنان

عربي بوست
تم النشر: 2025/10/24 الساعة 18:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/10/24 الساعة 18:04 بتوقيت غرينتش
العلاقات بين سوريا ولبنان تدخل مرحلة جديدة من الأزمة/ عربي بوست

تطورات مثيرة تشهدها العلاقات بين سوريا ولبنان بعد التحذيرات التي وجهتها السلطات الجديدة في دمشق لنظيرتها اللبنانية بسبب "تطور أمني خطير" يتعلق بتحركات مريبة داخل لبنان يقودها ضباط ومسؤولون ورجال أعمال موالون للنظام السوري السابق، تهدد الاستقرار في سوريا انطلاقاً من الأراضي اللبنانية.

المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" تشير إلى أن القيادة السورية وجهت تحذيرات إلى السلطات اللبنانية، كشفت خلالها أن "فلول النظام السابق" يخططون لعمليات تستهدف مناطق الساحل السوري، تحديداً اللاذقية وطرطوس ومناطق في مدينة حمص، في محاولة لخلق بؤر توتر جديدة تُربك الإدارة السورية الجديدة.

دمشق لم تكتفِ بتوجيه أصابع الاتهام فقط إلى عناصر محسوبة على نظام بشار الأسد الذي فرّ إلى روسيا، بل شملت أيضاً حزب الله اللبناني واتهمته بالتورط أيضاً في التحضير لهذه العمليات. فما تفاصيل هذه التهديدات؟ ومن يقف خلفها؟ وكيف تعاملت السلطات اللبنانية مع تحذيرات نظيرتها السورية؟

من يقف وراء تهديد استقرار سوريا وكيف؟

وفق المعلومات التي حصل عليها موقع "عربي بوست"، فإن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، وخلال زيارته الأخيرة لبيروت، وضع الرئيس جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام في صورة نشاط "فلول النظام السابق" في لبنان، والتي تجري تحت نظر أجهزة الأمن اللبنانية. وحسب المعطيات، فإن الاجتماع الذي عقده مدير المخابرات السورية اللواء حسين سلامة مع نظيره اللبناني طوني قهوجي ناقش هذا الملف بشكل موسّع.

مصدر أمني سوري أوضح لـ"عربي بوست" أن الوثائق والمذكرات التي سلّمتها دمشق إلى بيروت كشفت أن هذه التحركات تشير إلى أنها ممولة من رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، ورَجُلَي الأعمال علي ومحمد الجابر، وتولى الأخير قيادة ميليشيا "صقور الصحراء" المساندة للأسد، وهما من كبار تجار النفط والتهريب خلال عهد النظام السابق.

رامي مخلوف، رجل الأعمال السوري وابن خال الرئيس السابق بشار الأسد، الذي خسر موقعه كمقرّب من السلطة عام 2020 إثر أحكام قضائية، يملك شركات في لبنان، وسبق أن أعلن عبر حساب يُنسب إليه على "فيسبوك" تأسيس ميليشيا خاصة تهدف إلى "حماية العلويين" في المناطق الساحلية.

رامي مخلوف من صفحته على فيسبوك
رامي مخلوف من صفحته على فيسبوك

ووفقاً للمعلومات، يجري تمويل العمليات عبر شبكة مالية تنشط في لبنان، تتولى تحويل الأموال نقداً من حسابات وشركات واجهة في بيروت بالتنسيق مع عناصر أمنية سابقة، ومجموعة رجال أعمال لبنانيين وسوريين يحتفظون بعلاقات عميقة مع النظام السابق.

والهدف من هذه التحركات، بحسب الرواية السورية، هو "إرباك الدولة السورية الجديدة، وخلق بيئة فوضى تتيح لبعض رجالات النظام السابق مثل مخلوف وجابر العودة إلى المشهد السياسي والاقتصادي عبر فوضى أمنية تبرر عودتهم تحت ذريعة إعادة الاستقرار".

اتهامات سورية لحزب الله بالتورط

بحسب المعطيات التي حصل عليها "عربي بوست"، فإن دمشق اتهمت "حزب الله" بأنه يغضّ الطرف عن هذه التحركات، بل ويمنحها تغطية لوجستية غير مباشرة عبر أحد قادته الأمنيين الذي يشرف على تسهيلات تنقل الأشخاص بين مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية.

كما كشفت المعطيات التي توصل إليها "عربي بوست" عن تورط مسؤول أمني رسمي سابق، وهو على تواصل مع كمال الحسن وغياث دلا، الضابطين السوريين المقيمين في بيروت، واللذين يديران الاتصالات بين فلول النظام السابق وشخصيات لبنانية محسوبة على محور الممانعة.

ووفق المصدر نفسه، فإن حزب الله نُقل إليه الملف بشكل رسمي من جانب وزارة الداخلية اللبنانية، وأنه سارع إلى نفي أي علاقة له بالأمر، معتبراً أن دمشق تبالغ في الاتهامات بدافع سياسي، لكن الجانب السوري لم يقتنع بالنفي وواصل ضغطه على بيروت لمعالجة الملف بسرعة.

وحسب مصدر "عربي بوست"، فإن اللواء حسام لوقا، مدير المخابرات العامة السورية السابق، يتابع الملف مباشرة من مقر إقامته في موسكو، حيث يقيم بشكل شبه دائم منذ سقوط النظام، ويجري اتصالات متواصلة مع الشخصيات السورية لمراقبة الوضع الأمني في الساحل السوري، وأن هذا الأمر دفع الرئيس السوري أحمد الشرع لمفاتحة بوتين بشأنه.

فقد حظي الشرع خلال أول زيارة له إلى روسيا بترحيب حار من فلاديمير بوتين، في حين أفاد مصدر حكومي سوري لوكالة الأنباء الفرنسية بأن الرئيس الانتقالي سوف يطلب من موسكو خلال زيارته تسليم بشار الأسد، الذي لجأ مع عائلته إلى روسيا بعيد فراره من سوريا في عام 2024.

"ملف خطير" كشف عن شبكة واسعة

الملف الأمني السوري الذي تسلّمته بيروت يتضمن معطيات تُوصف بأنها خطيرة، تشمل صوراً وتسجيلات وتحليلاً لمسارات مالية وتحركات لأفرادٍ سوريين ولبنانيين كان هدفها التخطيط لإثارة الفوضى في مناطق سورية مستغلين "الانقسامات الطائفية" في البلاد.

بحسب المعلومات، جرت لقاءات خلال الأسابيع الماضية في بيروت بين ضباط من النظام السابق وشخصيات درزية لبنانية وسورية قريبة من الشيخ حكمت الهجري في السويداء، إضافة إلى مسؤولين في "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).

وتشير المعلومات إلى أن هذه الاجتماعات كانت تجري في بيروت بحضور الوزير اللبناني السابق وئام وهاب، الذي يُعتقد أنه يلعب دور الوسيط السياسي لهذه اللقاءات، مستفيداً من علاقاته التاريخية مع أجهزة أمنية سورية سابقة، ونتيجة أدواره في توتير الأمور في ملف أحداث السويداء.

وئام وهاب، الذي ينتمي إلى الطائفة الدرزية في لبنان، عُرف بمواقفه الداعمة للنظام السابق في سوريا ولقوى "المحور" عموماً، وقد وصف نفسه مرة بأنه مستعد لـ"التحالف مع الشيطان" لحماية طائفته الدرزية، في إشارة إلى تحفظه على بعض مواقف المقاومة.

ووفق المعلومات، فإن الجانب السوري يعتقد أن هذه اللقاءات "محاولة لخلق جبهة سياسية – أمنية جديدة تضم دروز السويداء وبعض أجنحة قسد وشخصيات سابقة من النظام المنهار، على أن تكون بيروت مركز تنسيقها."

فيما أوضح مصدر لـ"عربي بوست" أنه، ووفق تقديرات الأجهزة السورية، فإن التحركات الأخيرة ليست مجرد مبادرات فردية من رامي مخلوف وجابر، بل جزء من محاولة أوسع لتقويض النظام الجديد بقيادة أحمد الشرع، وإعادة إنتاج حالة من الفوضى الأمنية تُستخدم كورقة ضغط على دمشق من أطراف إقليمية.

ويرى أن لبنان بات "حلقة رخوة" في هذه الشبكة، نتيجة ضعف الرقابة الأمنية، وتعدد الولاءات الحزبية، وعجز الدولة اللبنانية عن اتخاذ موقف حاسم من نشاطات فلول الأسد المقيمين على أراضيها، على حد تعبير مصدر "عربي بوست".

وفد سوري خلال زيارة سابقة إلى لبنان
وفد سوري خلال زيارة سابقة إلى لبنان

بيروت تتباطأ ودمشق منزعجة

بالمقابل، يؤكد مصدر سياسي لبناني لـ"عربي بوست" أن دمشق سلّمت لبنان منذ أوائل أكتوبر/تشرين الأول ملفات تتضمن أسماء محددة وتحركات مالية وأمنية لشخصيات سورية نافذة تتحرك بحرية في لبنان، من بينها ضباط استخبارات سابقون ورجال أعمال كانوا جزءاً من منظومة التهريب عبر الحدود.

لكنّ الجانب اللبناني، بحسب المصدر نفسه، اكتفى بإجراءات شكلية عبر مراجعة أمنية محدودة واستيضاح "حزب الله" بشأن بعض الأسماء. الرد اللبناني جاء هادئاً، فيما كان الجانب السوري يتوقع مداهمات أو على الأقل تجميد حركة الأشخاص المعنيين.

ووفق المصدر، فإن الجانب السوري وضع نظيره اللبناني في صورة وملفات لتواجد العناصر وعائلاتهم في بيروت، حيث يرتادون مطاعم ومقاهي وسط العاصمة بشكل طبيعي، ما يُظهر أن حركتهم مغطاة أمنياً من أطراف أو جهات محلية.

كما أوضح المصدر أن دمشق ألغت الاجتماع الأمني المشترك الذي كان مقرراً عقده الخميس 23 أكتوبر/تشرين الأول في بيروت، احتجاجاً على ما وصفته بـ"الإهمال المتعمّد من الجانب اللبناني."

تداعيات محتملة على العلاقات بين سوريا ولبنان

إلغاء الاجتماع الأمني بين البلدين وارتفاع نبرة دمشق في هذا الملف يعكسان بداية فتور جديد في العلاقات بين سوريا ولبنان التي كانت قد شهدت تحسناً منذ فترة. ويتخوف مراقبون من أن يؤدي هذا التوتر إلى تجميد قنوات التعاون الأمني الحدودي، ما قد ينعكس سلباً على ملف الحدود والتجارة والموقوفين واللاجئين.

أما أخطر ما تخشاه بيروت، فهو أن تتحول الأراضي اللبنانية إلى منصة لتصفية حسابات بين أجنحة النظام السوري السابق والجديد، بما يعيد إلى الواجهة مرحلة "الظل السوري في لبنان" ولكن بأدوات جديدة. ومن شأن هذه التطورات أن تعيق حل الملفات الشائكة بين لبنان وسوريا، والتي تتمثل في:

  • قضية السجناء السوريين في لبنان: إذ تطالب دمشق بترحيل سوريين محتجزين في السجون اللبنانية، ويحوي ملفهم نحو ألفي شخص تقريباً، من بينهم حوالي 800 محتجز بخصوص هجمات وقعت داخل لبنان. وترفض لبنان الإفراج الجماعي عن هؤلاء، وتؤكد أن كل حالة تُدرس بمفردها لأنها تتعلق بهجمات ضد الجيش اللبناني أو أجهزة الدولة.
  • قضية اللاجئين السوريين ومصيرهم: لبنان يستضيف نحو مليون ونصف لاجئ سوري، ما يُشكّل ضغطاً كبيراً على بنيته التحتية والاقتصادية، بينما تطالب دمشق بعودة تصاعدية وآمنة للاجئين إلى سوريا، في حين يخشى لبنان من عودة جماعية غير مُعدة أو تحمل تبعات أمنية واجتماعية.
  • التهريب والحدود المشتركة: الحدود اللبنانية-السورية استُخدمت على مدى سنوات لعمليات تهريب (وقود، أسلحة، مخدرات)، وتتهم سوريا لبنان بعدم القيام بما فيه الكفاية لوقف التهريب، بينما يرى لبنان أن ضبط الحدود معقد ويخضع لعوامل متعددة. غير أن القرار بتحديد الحدود ورسمها يُعد خطوة أساسية لإعادة بناء الثقة، لكنه أيضاً يثير خلافات حول السيادة والمراقبة.
  • الأموال السورية المجمّدة والأصول في البنوك اللبنانية: دمشق تطالب باسترداد أموال مودعة لديها في بنوك لبنان أو أصول مجمّدة منذ أزمة القطاع المصرفي اللبناني، فيما تخشى بيروت من أن تُستخدم هذه الأموال كوسيلة ضغط أو كشرط لعملية تطبيع أوسع، مما يضعها في موقف حساس داخلياً.

وبعد أن كانت الزيارات التي قام بها مسؤولون سوريون إلى لبنان في سبتمبر/أيلول 2025 تُعدّ "منعطفاً حقيقياً" في مسار العلاقات بين سوريا ولبنان، ومحاولة جدية لطي صفحة ستين عاماً من الالتباس والتجاذبات، جاءت هذه التطورات الأخيرة لتُفرمل أي تقدم في تجاوز المشاكل العالقة بين البلدين، ولو بشكل مؤقت.

تحميل المزيد