اشتباكات “عمر أومسن” في سوريا.. تفاصيل أزمة مخيمات المقاتلين الفرنسيين مع قوات الأمن

عربي بوست
تم النشر: 2025/10/23 الساعة 05:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/10/23 الساعة 05:57 بتوقيت غرينتش
اشتباكات "عمر أومسن" في سوريا-عربي بوست

كشف قيادي بارز في هيئة تحرير الشام يقيم داخل مخيم فرقة الغرباء المخصص للمقاتلين الفرنسيين في مدينة حارم بريف إدلب الشمالي الغربي، عن تفاصيل الاشتباكات الأخيرة بين قوات الأمن العام السورية وعناصر الكتيبة الفرنسية بقيادة عمر ديابي المعروف باسم عمر أومسن، واصفًا ما جرى بأنه يمثل مرحلة جديدة في أسلوب التعامل مع المقاتلين الأجانب في سوريا.

وأوضح المصدر أن المخيم يقع على أطراف مدينة حارم، ويضم عشرات المقاتلين الفرنسيين الذين يُشتبه في تجنيدهم خلال سنوات النزاع، إلى جانب أفراد عائلاتهم. وأشار إلى أن عمر ديابي، البالغ من العمر 49 عامًا، يُعد من أبرز الجهاديين الفرنسيين في سوريا، وأن السلطات الفرنسية تضعه ضمن قائمة المسؤولين عن تجنيد نحو 80% من المقاتلين الناطقين بالفرنسية الذين توجهوا إلى سوريا والعراق خلال ذروة الصراع.

وأضاف القيادي: "تحوّل المخيم من مجرد مأوى لعائلات المقاتلين الأجانب إلى كيان شبه مغلق تمارس داخله سلطة موازية خارج إطار القانون. ومع انتقال المخيم من موقعه القديم في منطقة المخيم الأزرق إلى مخيم الفردان، ظهرت إدارة داخلية غير خاضعة للرقابة يقودها أومسن، أسس من خلالها نظامًا أشبه بدولة صغيرة، قائمة على محاكم شرعية محلية وشرطة داخلية وقرارات عقابية مستقلة".

وأشار إلى أن تجاوزات أومسن شملت الخطف والابتزاز والعقوبات الجسدية بحق المدنيين، مبينًا أن إحدى الحوادث الأكثر إثارة للجدل كانت اختطاف فتاة فرنسية مسلمة تُدعى ميمونة فرستاي تبلغ من العمر 11 عامًا، حيث طالب المهاجرون الفرنسيون بفدية مالية مقابل إطلاق سراحها، ما أثار غضب الأهالي ودفعهم إلى تقديم شكاوى متكررة للسلطات المحلية.

عمر أومسن

لفت المصدر إلى أن أومسين حوّل المخيم إلى بؤرة مغلقة لتجنيد المقاتلين الناطقين بالفرنسية، وتوطينهم في معازل داخل الجبل، مما عزّلهم عن المجتمع المحلي وخلق حالة من الاحتقان بين السكان، الذين اشتكوا مرارًا من سلوك عناصره المتشدد وممارساته التي طالت الأمن الاجتماعي والاقتصادي، بما في ذلك مصادرة الممتلكات وفرض ما يسمى بـ"ضرائب دعم الجهاد".

وأكد القيادي أن عمر أومسين يقود فصيلًا مسلحًا يضم مقاتلين فرنسيين يقيمون في سوريا منذ سنوات، وقد شاركوا إلى جانب أحمد الشرع خلال قيادته لجبهة النصرة في إدلب، وقاتلوا نظام بشار الأسد والقوات الروسية والإيرانية، ما جعله شخصية نافذة في حارم. أسس معسكرًا كبيرًا محاطًا بسور ضخم، وأقام إدارة مستقلة وسجونًا وقضاءً خاصًا، حتى أصبح يُنظر إليه بوصفه "الحاكم الفعلي" للمنطقة، يمارس سلطاته دون الرجوع إلى هيئة تحرير الشام.

وأشار المصدر إلى أن عمليات الاعتقال والتعذيب التي مارسها أومسين أدت إلى القبض عليه عام 2020، حيث قضى 17 شهرًا في السجن قبل إطلاق سراحه في فبراير 2022، معتبرًا أنه مصنف ضمن قوائم الشخصيات الإرهابية العالمية من قبل الولايات المتحدة ودول غربية أخرى.

تفاصيل الأحداث الأخيرة

أكد القيادي أن الأحداث الأخيرة بدأت عقب اختطاف الطفلة الفرنسية ميمونة فرستاي، وهو ما دفع عددًا من المقاتلين الأوزبك إلى الانضمام للمقاتلين الفرنسيين دفاعًا عنهم، ما ساهم في تصعيد التوتر داخل المخيم والمناطق المحيطة به.

وذكر أن المخيم شهد اشتباكات عنيفة عقب محاولة قوات الأمن اقتحامه، حيث أطلقت العناصر المسلحة النار بكثافة، في حين شاركت طائرات الاستطلاع السورية من طراز "شاهين" في مراقبة الأوضاع ميدانيًا، واستخدمت القوات أسلحة متوسطة وثقيلة، ما دفع الأهالي إلى التزام منازلهم خشية على سلامة أطفالهم.

وأوضح القيادي أن محاولة الاقتحام جاءت في ظل حالة استنفار كامل بين المقاتلين الأجانب، وخصوصًا الأوزبك والشيشانيين، الذين أعلنوا استعدادهم للتدخل دفاعًا عن المهاجرين الفرنسيين. ورغم الحصار المشدد والتحصينات الأمنية المحيطة بالمخيم، لم تتمكن القوات من اقتحامه بالكامل، في حين بث عدد من المهاجرين الأوزبك تسجيلات مصوّرة أعلنوا فيها استعدادهم لمساندة المقاتلين الفرنسيين والدفاع عن "إخوانهم".

وأشار المصدر إلى أن أجواء الخوف والترقب تسود داخل المخيم، خصوصًا بين النساء والأطفال المنتمين لعائلات المقاتلين الفرنسيين، مضيفًا أن ليلة الاشتباكات كانت دامية، إذ حاولت عشرات العائلات النزوح، لكن لم يُسمح لها بالمغادرة خشية وجود مقاتلين مختبئين بينها. كما أضاف أن مناطق أخرى في إدلب تضم مهاجرين أجانب تشهد حالة استنفار وتأهب قصوى، بينما تواصل قوات الأمن استعداداتها لتنفيذ عمليات مشابهة ضد مواقع جهاديين من جنسيات مختلفة، في محاولة للحد من نفوذ هذه الشبكات داخل المحافظة.

الموقف السوري الرسمي

أرجع قائد الأمن الداخلي في إدلب، العميد غسان باكير، سبب العملية إلى استجابة شكاوى أهالي مخيم الفردان بشأن الانتهاكات الجسيمة التي تعرّضوا لها، وآخرها حادثة خطف فتاة من والدتها على يد مجموعة مسلّحة بقيادة المدعو عمر ديابي.

وأوضح البيان الصادر عن القيادة أن قوات الأمن الداخلي قامت بتطويق المخيم بالكامل، وتثبيت نقاط مراقبة على أطرافه، ونشر فرق لتأمين المداخل والمخارج، كما سعت للتفاوض مع أومسين لتسليم نفسه طوعًا، لكنه رفض وتحصّن داخل المخيم، مانعًا المدنيين من الخروج، وبدأ بإطلاق النار مستغلًّا المدنيين كدروع بشرية.

عمر أومسن

وأكد العميد باكير أن حماية المدنيين وتطبيق القانون تمثّلان أولويتين أساسيتين لقوات الأمن الداخلي، مشيرًا إلى أن الأجهزة الأمنية ستواصل اتخاذ جميع الإجراءات القانونية والعسكرية اللازمة لضمان إنفاذ القانون واستعادة الاستقرار.

كما أصدرت وزارة الداخلية السورية بيانًا رسميًا أعلنت فيه منح المدعو عمر أومسين مهلة حتى الظهيرة لتسليم نفسه طوعًا للقضاء، وذلك بعد ورود سلسلة شكاوى وبلاغات رسمية ضده. وأشار البيان إلى أن الاتهامات الموجهة لأومسين تشمل:

اضطهاد النساء والتعدي عليهن جسديًا ونفسيًا، والاستيلاء على رواتب العاملين في وزارة الدفاع المقيمين داخل مخيمه.

خطف الأطفال وتجنيـدهم قسراً، ونكث العهد مع السلطات عقب قضية اختطاف الطفلة ياسمين، بالإضافة إلى الاشتباك الأخير مع قوات الأمن الداخلي.

وأكدت الوزارة أن أمام أومسين مهلة محددة لتسليم نفسه طوعًا قبل اتخاذ إجراءات أمنية صارمة بحقه، كما أشارت إلى أن قائمة المتهمين ما تزال مفتوحة، وتشمل قضايا جنائية أخرى قيد التحقيق، مشددة على أن تطبيق القانون ومحاسبة المخالفين يمثلان أولوية قصوى للحفاظ على أمن واستقرار المجتمع.

عمر أومسين: الجهادي الفرنسي

يُعد عمر ديابي، المعروف باسم "عمر أومسين"، أحد أبرز الوجوه الجهادية الفرنسية في سوريا منذ عام 2013. فرنسي من أصل سنغالي، بدأ حياته العملية في مدينة نيس قبل أن ينتقل إلى سوريا، حيث أسس كتيبة تضم عشرات الشبان الفرنسيين من مدينته، ليصبح شخصية مركزية في مسار المقاتلين الأجانب شمال غرب سوريا.

ويشتهر بإنتاج مواد دعائية عبر الإنترنت دعمت الفكر الجهادي، وظهر في مقاطع مؤيدة لهجمات إرهابية في فرنسا. صنفته الولايات المتحدة عام 2016 إرهابياً دوليًا، وأصدر القضاء الفرنسي مذكرة توقيف بحقه. في عام 2020 اعتقلته هيئة تحرير الشام إثر خلافات مع الحزب الإسلامي التركستاني، وظل محتجزًا لمدة عام ونصف قبل أن يُفرج عنه مطلع 2022، ليعيد تنظيم صفوف فرقة الغرباء ويستقر في مدينة حارم بإدلب.

ويصف أومسين معسكر الفرنسيين في حارم بأنه يضم كل ما تحتاجه الجماعة: مدرسة للأطفال، مسجدًا، بُنى أسرية، أنشطة يومية، وخططًا لتربية ماشية وأبقار. ويشير إلى أن المجتمع المحلي أصبح راسخًا رغم الاضطرابات، مؤكّدًا أن العودة إلى فرنسا غير مطروحة، مضيفًا: "لا نفتقد شيئًا من فرنسا — باستثناء الجبن".

مسار أومسين الشخصي

يروي أومسين سيرته بلا تردد، مشيرًا إلى أنه بدأ حياته كـ"سارق مسلح" وحُكم عليه بالسجن خمس سنوات قبل أن يتجه للعمل كمدير لمطعم. بعد أحداث 11 سبتمبر، بدأ التساؤل حول مفهوم التضحية وتأثير القوى الكبرى على العالم، ما دفعه للانخراط في جماعات دعوية ودينية. ومع اندلاع الحرب السورية، دعا الناس إلى "الهجرة إلى الشام".

انضم لاحقًا إلى جبهة النصرة، لكنه انفصل عنها بعد أن تبنى بعض قادتها مسارًا جديدًا مبتعدًا عن تنظيم القاعدة، مما دفعه إلى صراع مباشر معهم. ويؤكد أن مجموعته تراجعت عن خوض المعارك، قائلاً: "قاتلنا من أجل سوريا، الآن انتهت مهمتنا، نحن في التقاعد"، لكنه في الوقت ذاته يدعو إلى ما يسميه "الهجرة الثانية"، مستلهمًا من هجرة النبي محمد من مكة إلى المدينة، محذرًا من موجة أخطر قد تطرأ في المستقبل.

مخيم المقاتلين الفرنسيين

يقع المخيم على قمة تل في حارم، ويضم نحو 10 آلاف شخص بين مقاتلين وعائلاتهم من جنسيات متعددة تشمل الفرنسية، الإيغورية، الأوزبكية، والشيشانية. ويُعد آخر تجمع من نوعه للمقاتلين الأجانب الذين دخلوا سوريا خلال ذروة الحرب الأهلية بين عامي 2013 و2016، ويعيش سكانه وفق قوانينهم الخاصة بعيدًا عن مؤسسات الدولة والفصائل السورية.

المعسكر معروف إعلاميًا باسم "مخيم الفرنسيين" أو "مخيم المهاجرين الفرنسيين"، ويضم في المقام الأول مقاتلين ناطقين بالفرنسية، ويُقدّر عددهم بحوالي 150 مقاتلًا. يقع المخيم على مشارف مدينة حارم، ضمن مناطق تخضع لنفوذ مجموعات مسلحة متعددة، والموقع على التلال القريبة من الحدود التركية يمنحه خصوصية استراتيجية وأمنية، إذ يستخدم للتدريب والمبيت بعيدًا عن المراقبة المباشرة للفصائل المحلية والسلطات السورية.

مصير عمر أومسين

قال عمار فرهود، الخبير في الشؤون العسكرية، إن الفترة الحالية تشهد جهودًا متسارعة من قبل الجيش السوري لدمج العناصر الأجنبية ضمن صفوفه، في محاولة لإعادة السيطرة على المشهد العسكري الداخلي وضمان انصياع جميع الفصائل للقانون والدولة. وأوضح أن هذه العملية تمثل خطوة استراتيجية تهدف إلى إنهاء دور المقاتلين الأجانب في سوريا، الذين يشكّلون تهديدًا لاستقرار الدولة وأمنها، خاصة بعد التجارب السابقة مع شخصيات مثل عمر ديابي، التي أظهرت قدرة بعض المقاتلين الأجانب على تشكيل مراكز قوة مستقلة قد تتحدى سلطة الدولة.

وأضاف فرهود أن الجيش السوري يواجه تحديات كبيرة، إذ لا تزال العديد من الفصائل تحتفظ بأسلحتها الخاصة، ما يعرقل عملية التوحيد ويجعل السيطرة الكاملة على المشهد العسكري أمرًا معقدًا. وأكد أن هذا الوضع يفرض على الدولة اتخاذ خطوات مدروسة للتفاوض مع هذه الفصائل وإقناعها بأن الفترة الحالية تختلف تمامًا عن أيام نظام بشار الأسد، وأن المستقبل لا مكان فيه سوى للدولة القادرة على تنظيم وإدارة كافة القوى العسكرية.

عمر أومسن

وأشار الخبير العسكري إلى المخاوف المستمرة من ظهور نماذج مماثلة لعمر ديابي في المستقبل، حيث قد تستثمر أطراف إقليمية ودولية في هذه الشخصيات لتحقيق أهدافها الخاصة، سواء من خلال دعم مباشر أو تسهيل عمليات التمويل والتجنيد. لذلك شدد فرهود على ضرورة التعامل مع الفصائل الأجنبية بحذر شديد، مع توفير آليات واضحة للدمج أو التسوية لضمان عدم بقاء أي فاعل مسلح خارج إطار الدولة.

ولفت إلى أن فرنسا تولي اهتمامًا كبيرًا بإنهاء وجود المقاتلين الفرنسيين في سوريا، باعتبارهم جزءًا من شبكات الجهاديين التي يمكن أن تعود بالتهديد على أمنها القومي. وأضاف أن عملية سحب أو دمج هؤلاء المقاتلين تتطلب آليات تفاوضية دقيقة، تحترم مبدأ الحوار مع الفصائل المعنية وتضمن عدم اندلاع مواجهات مسلحة قد تعقد الوضع أكثر.

وأكد فرهود أن دمج العناصر الأجنبية في الجيش السوري ليس مجرد عملية عسكرية، بل هو ملف سياسي وأمني معقد يتطلب توازنًا بين القوة والحوار، وضمان أن أي خطوة تتخذها الدولة ستمنع ظهور مراكز قوة موازية وتضمن سيادة الدولة الكاملة على الأرض. وأوضح أن فهم الفصائل بأن الدولة هي السلطة الوحيدة القادرة على تنظيم القوة العسكرية يشكل عنصرًا حاسمًا لإنجاح هذه العملية في المرحلة القادمة.

علامات:
تحميل المزيد