أربع محاور تمهد لوقف الحرب بالسودان بينها دمج الدعم السريع بالجيش.. مصر تسعى لإقناع البرهان بعملية سياسية ترعاها الرباعية

عربي بوست
تم النشر: 2025/10/21 الساعة 09:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/10/21 الساعة 09:57 بتوقيت غرينتش
قائد قوات "الدعم السريع" حمدان دقلو، وقائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان - عربي بوست

أثارت الزيارة التي قام بها رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، الفريق أول عبدالفتاح البرهان إلى العاصمة المصرية القاهرة قبل أيام، تساؤلات حول الجدوى من الزيارة التي جاءت بعد أيام من قمة "شرم الشيخ" للسلام.

وتزامن هذا مع أحاديث أميركية متواترة عن تحركات لوقف الحرب الجارية في السودان منذ أكثر من عامين، بالإضافة إلى تأكيد مصري مستمر بعدم إمكانية الحسم العسكري للحرب مع تطلعات لإمكانية عقد اجتماع للجنة الرباعية وتضم (مصر والسعودية والإمارات والولايات المتحدة) خلال الأيام المقبلة.

أربعة ملفات رئيسية

وقال مصدر دبلوماسي مصري مطلع على اللقاء، إن الأيام الماضية كانت شاهدة على تحركات قامت بها مصر في إطار الرباعية الدولية وبمشاركة المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، إذ أن هناك رغبة أميركية في دفع ملف الحرب في السودان من أجل وقفها.

وأوضح أن مصر تسعى للوصول إلى نقاط التقاء مع رئيس مجلس السيادة السوداني للاتفاق على بدء محادثات لإنهاء الحرب، مشيراً إلى أن الحديث يدور الآن حول التوصل لوقف إطلاق نار شامل وإطلاق عملية سياسية بين السودانيين ترعاها "الرباعية" وتحاول مصر إقناع البرهان بها.

وأوضح المصدر ذاته أن محاور الحوار السياسي تتعلق بأربعة ملفات رئيسية وهي:

  • الأوضاع الأمنية والعسكرية على الأرض 
  • ملف إدخال المساعدات الإنسانية
  • التعافي المبكر وإعادة الإعمار 
  • إلى جانب الملف الرابع والأهم وهو المرتبط بالعملية السياسية.

وذكر أن القاهرة ترى ضرورة التركيز على هذه الملفات بدلاً من استمرار الحرب التي مازالت عنيفة في إقليم دارفور وجنوب كردفان، ومع وجود مناطق أخرى آمنة فإنه يجب توظيف ذلك من أجل البدء في عملية سياسية وتحريك ملف إعادة الإعمار.

وشدد على أن مصر تضغط باتجاه السلام في الوقت الحالي مع وجود نظام قائم معترف به دولياً طبقاً للأمر الواقع ويتمثل في مجلس السيادة الانتقالي إلى جانب مجموعة شكلت حكومة موازية لا تلقى اعترافاً دولياً ممثلة في قوات الدعم السريع وتحالف "تأسيس"، وبالتالي فإن قوات الدعم السريع مازالت في وضعية المليشيات المسلحة وترى القاهرة بأنه من الضروري دمجها إما في القوات المسلحة السودانية أو القوات الشرطية أو المجتمع المدني، والعودة إلى الطرح السابق الذي قدمته الآلية الثلاثية قبل اندلاع الحرب وهي تضم (الاتحاد الأفريقي والإيغاد والترويكا).

وشدد على أن مصر تؤكد على أهمية أن يستفيد الجيش من الدعم الشعبي له مع قدرته السيطرة على غالبية المناطق التي سبق وأن فقدها، لافتاً إلى أن هناك توافق داخل اللجنة الرباعية بشأن محاور السلام وهناك ردود فعل إيجابية لم تتبلور بعد إلى موافقات رسمية يمكن أن تدفع نحو هدنة إنسانية أو وقف الحرب خلال الأيام المقبلة، موضحاً أن القاهرة لديها أولوية في أن يبقى السودان موحداً.

وقال المصدر المصري إن الرباعية توصلت إلى تفاهمات فيما بين أعضائها على أن يكون الحل في السودان قائماً على تدشين عملية سياسية تشارك فيها قوات الدعم السريع عقب وقف الحرب، وأنه مصر ليس لديها مانع في دمج عناصرها داخل الجيش او مشاركتها طرف سياسي ممثلة في التحالف الذي أسسته أخيراً "تأسيس" وهو أمر يتماشى مع رؤى سعودية وإماراتية وأميركية، مشيراً إلى أن هذا الحل يجنب فكرة تقسيم السودان ويفتح الباب أمام تدشين مرحلة انتقالية وصولاً لإجراء انتخابات مستقبلية.

الجدير بالذكر أنه في أعمال النسخة الخامسة من منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة، شدد وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي، خلال مشاركته الأحد، على أنه لا يوجد حل عسكري للأزمة السودانية، وأن الحفاظ على الدولة الوطنية السودانية هو أمر جوهري مشددا على ضرورة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للسودان، واحترام سيادته الكاملة، والتمسك بمبدأ "دولة واحدة ، سلطة واحدة ، وسلاح واحد".

كما أكد الوزير على أهمية التوصل إلى هدنة إنسانية كخطوة أولى على طريق وقف دائم لإطلاق النار، وأن الحل يجب أن يكون نابعاً من السودانيين أنفسهم، في إطار عملية سياسية شاملة تعكس الملكية الوطنية للأزمة ومسار حلها.

وتناولت الجلسة التي شارك فيها الوزير، تحت عنوان "استعادة الأمل: مواءمة الجهود المبذولة لتحقيق السلام والتنمية في السودان"، سبل حل النزاع في السودان بصورة شاملة ومستدامة، وفرص التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار والمرحلة التي تليها، بالإضافة إلى أولويات عملية ما بعد النزاع، وما يمكن للمجتمع الدولي تقديمه من إسهامات في هذا الشأن، وبما يعزز الملكية الوطنية السودانية لتلك الجهود ويضمن الأمن والاستقرار في السودان.

الإدارة الأميركية تساوي بين الجيش والدعم السريع

وقال مصدر مصدر دبلوماسي ثان على علاقة بالملف، إن زيارة رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان إلى القاهرة تناولت ثلاث قضايا محورية وهي العلاقات الثنائية وفرص إقامة حوار سياسي سوداني في إطار الرباعية الدولية وكذلك تنسيق المواقف المشتركة بشأن سد النهضة الإثيوبي، مشيراً إلى أن مصر استقبلت تصريحات البرهان التي أكد فيها بعد الزيارة عدم التزامه بالتفاوض مع الرباعية بقدر من التحفظ، ولكن هناك قناعة بأن ذلك يرجع لإصرار الإدارة الأميركية على المساواة بين الجيش والدعم السريع كقوتين متنازعين دون دعوة الحكومة السودانية إلى التفاوض.

وأوضح المصدر أن تنازل الجيش السوداني في هذه النقطة يبدو صعباً حتى الآن وهو ما يتطلب مزيد من المشاورات والحوارات قبل عقد اجتماع مقبل للجنة الرباعية، مشيراً إلى أن القاهرة منفتحة على مبادرات أخرى يمكن أن توقف الحرب في السودان وسوف تدعم ما يتوافق عليه السودانيون، وهي تعمل الآن دور مسهل لإطلاق المباحثات.

وبحسب المصدر ذاته فإن القاهرة تفتح اتصالات مع أطراف سودانية مختلفة بينها القوى السياسية التي يتواجد جزء كبير منها في مصر لإطلاق عملية سياسية شاملة يمكن أن تقدم حلاً سودانياً للأزمة بعيداً عن التدخلات الخارجية، وتسعى لأن تصل إلى وقف فوري لإطلاق النار ثم هدنة إنسانية يتم فيها إدخال المساعدات وتخفيف المعاناة، وبعدها يتم إطلاق عملية سياسية تأخذ نصيبها من الوقت على أن يكون هناك رعاة ومسهلين لتلك المحادثات حال تعثرها.

وكان السفير ياسر سرور، مساعد وزير الخارجية المصري لشؤون السودان، قد صرح إن لقاء الرئيس المصري مع الفريق عبد الفتاح البرهان في القاهرة أظهر تطابقاً واضحاً في وجهات النظر بين القيادتين حول ضرورة إنهاء الحرب في السودان، مؤكداً أن هذه الرؤية تتماشى مع مبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي ساهمت في وقف الحرب في قطاع غزة، وهو ما يمكن أن يشكل إطاراً مشتركاً لتطبيق جهود وقف الحرب في السودان.

وأضاف في تصريحات إعلامية لقناة القاهرة الإخبارية، أن الإدارة الأمريكية الحالية أبدت اهتماماً واضحاً بتحقيق السلام في السودان، وأن الدعم الدولي من شأنه أن يساهم في الضغط على الأطراف المتنازعة لإنهاء النزاع نهائيا، لافتا إلى أن إنهاء الحرب المستمرة في السودان ليس بالأمر السهل، نظرًا لتعقيدات الوضع الداخلي ووجود مكونات قبلية وعسكرية متنوعة، ويحتاج إلى تعامل حكيم وتدرج في الحلول، مؤكداً أن التوصل إلى هدنة إنسانية ووقف إطلاق النار يمثلان الخطوة الأولى الأساسية قبل إطلاق أي عملية سياسية شاملة.

وبالمثل صرح السفير محمد الشناوي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية بأن زيارة البرهان إلى القاهرة، ناقشت تطورات الأوضاع الميدانية في السودان  والجهود الدولية والإقليمية الرامية لوقف الحرب وتحقيق الاستقرار وأهمية الآلية الرباعية كمظلة للسعي لتسوية الأزمة السودانية، ووقف الحرب، وتحقيق الاستقرار المطلوب، حيث أعرب الرئيسان المصري والسوداني عن التطلع لأن يسفر اجتماع الآلية الرباعية الذي سوف يعقد في واشنطن خلال شهر أكتوبر الجاري عن نتائج ملموسة بغية التوصل لوقف الحرب وتسوية الأزمة.

تقليص خلافات الفرقاء السياسيين 

الملفت أنه بعد تلك التصريحات وبعد ساعات من عودة البرهان من القاهرة، عقد مجلس الأمن والدفاع في السودان اجتماعًا برئاسته لمراجعة المستجدات الأمنية في البلاد. واستعرض تقريرًا مفصلًا حول الوضع الأمني العام، متضمنًا تقييمًا للجهود التي تبذلها القوات المسلحة والقوات المساندة لها في سبيل استعادة الاستقرار وفرض الأمن في المناطق المتأثرة بالنزاع المسلح.

وقال البرهان إن القوات المسلحة لن تدخل في أي مفاوضات مع أي جهة كانت، سواء كانت "رباعية" أو غيرها، إلا تلك التي تضمن وحدة السودان وكرامته وتنهي الحرب بصورة تزيل أسباب التمرد، مؤكداً رفضه لأي محاولات خارجية لفرض حلول سياسية أو تشكيل حكومة لا تحظى بقبول الشعب.

يوضح مصدر مسؤول مصري على صلة بالملف السوداني، إن هناك تحركات مصرية هدفت خلال الأيام الماضية إحداث مقاربات بين تنسيقة "صمود" بقيادة رئيس الوزراء السوداني السابق، عبدالله حمدوك وهي لم تنضم إلى تحالف "تأسيس" الموالي للدعم السريع وبين الجيش السوداني والقوى السياسية المتحالفة معه لرأب الصدع وهو ما كان مثار رغبة أميركية أيضاً، مشيراً إلى أن الرباعية لديها توافق على أهمية طرح حوار سياسي يفضي لدمج الدعم السريع في العملية السياسية وهو ما يرفضه الجيش وتسعى مصر لتقديم ضمانات لإنجاح مسار الفترة الانتقالية المقبلة.

وأوضح المصدر ذاته، أن مصر تسعى لأن يكون هناك تواصل بين مجلس السيادة الانتقالي وكافة أطراف الرباعية بما فيها دولة الإمارات العربية المتحدة، فيما يرفض الجيش السوداني ذلك لقناعته بأن الإمارات متورطة في الحرب، لافتاً إلى أن القاهرة تسعى لتجاوز نقاط ترى بأنها لا تؤثر على مستقبل استقرار السودان وتركز على ملفات تقليص خلافات الفرقاء السياسيين وإقناع الجيش بأن يكون هناك مفاوضات سياسية سودانية سودانية في إطار الرباعية.

وذكر أن القاهرة تسعى لتقديم توضيحات للأطراف المشاركة معها في الرباعية في المقابل بحالة الرفض الشعبي لوجود قوات الدعم السريع في المشهد السياسي، وترفض أن يتم فرضها وتترك ذلك الشأن لأن يقرره السودانيون بأنفسهم، لكنها في الوقت ذاته لديها مخاوف من أن يكون استمرار القتال دافعاً نحو مزيد من تعقيدات الأزمة وترى بأن يكون التفاوض وإيجاد حلول سودانية هو السبيل الأنسب.

وكشف مصدر مصري مطلع، إن مصر تحاول أن تنسق المواقف مع السودان قبل انعقاد اجتماع مرتقب للرباعية مع نهاية الشهر الجاري او مطلع الشهر المقبل على أقصى تقدير، وأن القاهرة ناقشت مع البرهان أيضاً ترتيبات العودة الوطنية للسودانيين إلى أراضيهم بعد تحرير الجيش لمناطق واسعة، وكذلك التنسيق بشأن المشروعات التي تتولى مصر تنفيذها في العاصمة الخرطوم وهي تتعلق بإعادة بناء وترميم الجسور والكبارى التي دمرتها الحرب وكذلك بعض المنشآت السيادية.

وأضاف أن الزيارة هدفت أيضاً لأن تبعث برسائل إلى إثيوبيا مفادها أن هناك تنسيق مصري سوداني بشأن التحركات الدبلوماسية المقبلة وعدم القبول بالإجراءات الأحادية التي تتخذها بشأن تشغيل سد النهضة وإدارة ملف مياه نهر النيل.

تحميل المزيد