تفاهمات أولية بين الطرفين.. تفاصيل المفاوضات الأخيرة بين “قسد” ودمشق وشكل الاندماج المقترح للقوات الكردية

عربي بوست
تم النشر: 2025/10/16 الساعة 13:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/10/16 الساعة 13:18 بتوقيت غرينتش
مفاوضات بين الشرع وقسد -عربي بوست

كشفت مصادر مطلعة متطابقة من داخل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مقربة من القائد العام مظلوم عبدي، وأخرى مقربة من وزارة الدفاع السورية، عن تطورات مهمة في مسار المفاوضات الجارية بين قيادة قسد والحكومة السورية، مشيرة إلى أن اللقاء الأخير الذي جمع عبدي بالرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع مثّل نقطة تحول في العلاقة المعقدة بين الطرفين، ومهّد لمرحلة جديدة من التفاهمات السياسية والعسكرية في شمال شرق البلاد.

وبحسب المصادر السورية، التي تحدثت بشرط عدم الكشف عن هويتها، فإن اللقاء الأخير لم يكن لقاءً بروتوكوليًا أو ذا طابع استكشافي فحسب، بل اتسم بطابع عملي، ونتج عنه بلورة مجموعة من الخيوط العامة التي من شأنها إعادة رسم شكل العلاقة بين قسد والدولة السورية على أسس مختلفة عما كانت عليه خلال السنوات الماضية. وتشير المصادر إلى أن الجانبين ناقشا تفاهمات جوهرية سوف تمهّد لقيام ترتيب إداري وأمني جديد في المناطق التي تسيطر عليها قوات قسد شمال شرق سوريا، يقوم على مبدأ الاعتراف المتبادل بالوجود والوظيفة بدلًا من الصدام أو الإقصاء.

تفاهمات عسكرية

واحدة من أبرز النقاط التي تم التوافق عليها، وفق المصادر ذاتها، تتعلق بالجانب العسكري المباشر. فقد تم الاتفاق على إنشاء ثلاث فرق عسكرية في شمال شرق سوريا، جميع عناصرها من أبناء قوات سوريا الديمقراطية، على أن تكون هذه الفرق بمثابة البديل النظامي للجيش السوري في تلك المناطق. وسيكون لهذه الفرق طابع محلي–وطني مزدوج، حيث ستتبع رسميًا وزارة الدفاع السورية، لكنها ستتمتع في الوقت ذاته بنوع من الاستقلالية الذاتية في إدارة شؤونها الميدانية ضمن مناطق انتشارها.

وتشير المعلومات إلى أن هذه الخطوة تهدف إلى احتواء قوات قسد ضمن البنية الرسمية السورية دون إلغائها أو تذويبها بالكامل، بحيث يتم الاعتراف بها كقوة شرعية في إطار مؤسسات الدولة، لكنها تحتفظ بخصوصيتها الأمنية والإدارية داخل مناطقها، خاصة في الحسكة والرقة وأجزاء من دير الزور. وأوضحت المصادر أن هذه الفرق الثلاث ستكون مسؤولة عن الأمن الداخلي والدفاع الإقليمي في مناطق الشمال الشرقي، ولن يُسمح لأي ألوية أو وحدات أخرى من الجيش السوري بالدخول إلى هذه المناطق، وهو ما يعني فعليًا منح قسد مساحة واسعة من الإدارة الذاتية العسكرية، وإنْ تحت سقف الدولة السورية.

في سياق موازٍ، تشير مصادر سورية مقربة من الحكومة السورية إلى أن ما تم إنجازه حتى الآن في المفاوضات مع قسد يأتي في إطار التفاهمات الأولى، واستماع الحكومة إلى مطالب قسد بهدف الوصول إلى الصيغة النهائية للاتفاق الذي يطمح إليه جميع السوريين. وتضيف المصادر أن النقاشات حول هذه المطالب كانت مكثفة، مع جدالات مستمرة لتحديد تفاصيل الشروط وآليات التنفيذ.

وكشف مصدر مطلع قريب من وزير الدفاع السوري، في تصريحات خاصة، أن بند دمج قوات قسد في الجيش السوري شهد جدالات معقدة وصعبة. وأوضح المصدر أن ضغوطًا أمريكية لعبت دورًا في دفع الطرفين نحو التوصل إلى تفاهم أولي يتعلق بشكل الاندماج الخاص بقسد ضمن الجيش السوري.

ويأتي هذا الاندماج بشكل جديد يختلف عن التصور التقليدي، حيث سيتم إنشاء ألوية عسكرية مكوّنة بالكامل من عناصر قسد في شمال شرق سوريا، وستكون مهمتها التنسيق والحماية في المنطقة، لكن تحت مظلة تنسيق مع الجيش السوري. وأكد المصدر أن هذا الترتيب لن يتضمن وجود أي جندي من الجيش السوري في شمال شرق سوريا، ما يعكس توافقًا بين الطرفين على الحفاظ على خصوصية إدارة قسد لمناطقها، مع ضمان وجود قنوات تعاون محددة مع دمشق. ويُعتبر هذا التفاهم الأول خطوة تمهيدية نحو صياغة اتفاق نهائي يعكس رغبة جميع الأطراف في تحقيق الاستقرار النسبي في شمال شرق سوريا، وسط تعقيدات سياسية وإقليمية متعددة، وتوازنات حساسة بين المصالح الداخلية والخارجية.

دمج مقاتلي قسد

كما تطرقت المفاوضات – وفق المصادر – إلى ملف آخر بالغ الحساسية، يتمثل في دمج مقاتلين من قوات سوريا الديمقراطية داخل ألوية خاصة ستُنشأ ضمن هيكل وزارة الدفاع السورية تحت اسم "قسم مكافحة الإرهاب". هذه الألوية الجديدة، وفق ما نقلته المصادر، ستعمل في جميع أنحاء البلاد، وليس فقط في الشمال الشرقي، ما يعكس محاولة لبناء شراكة أمنية جديدة بين دمشق وقسد، على قاعدة تبادل المنفعة:

فالحكومة السورية تسعى من خلال هذه الخطوة إلى الاستفادة من خبرات مقاتلي قسد الذين خاضوا معارك واسعة ضد تنظيم داعش بدعم من التحالف الدولي، بينما ترى قسد في هذا الدمج فرصة لضمان تمثيل دائم لعناصرها داخل المؤسسات العسكرية السورية، وهو ما يمنحها غطاء قانونيًا وشرعيًا في المستقبل، ويحول دون أي محاولة لتصفيتها عسكريًا أو تهميشها سياسيًا.

وتقول المصادر إن هذه الخطوة – إذا ما تم تنفيذها – قد تمثل نواة أولى لإعادة بناء الجيش السوري على أسس جديدة، تأخذ في الاعتبار التعددية المناطقية والإثنية التي فرضتها الحرب الطويلة، وتحاول التوفيق بين الولاءات المحلية والسلطة المركزية.

فيما يتعلق بدمج قوات قسد داخل لجنة لمواجهة الإرهاب في سوريا، كشف مصدر قريب من وزارة الدفاع السورية أن هناك نقاشًا موسعًا حول مواجهة تنظيم داعش في جميع مناطق سوريا، مع تركيز خاص على شمال شرق البلاد، لا سيما المعسكرات والسجون التي تضم عناصر داعش في المنطقة. وأوضح المصدر أن نشاط التنظيم قد شهد انتعاشًا ملحوظًا بعد سقوط نظام بشار الأسد، ما يثير مخاوف حقيقية لدى دمشق من عودة داعش للعمل بقوة داخل سوريا من جديد.

وأضاف المصدر أن النقاش جرى في مسارين رئيسيين: المسار الأول يتعلق بإنشاء لجان عسكرية لمكافحة الإرهاب في كافة مدن سوريا، بحيث ينخرط فيها عناصر من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تحت إمرة وزارة الدفاع السورية. وأشار المصدر إلى أن التفاهم حول هذا المسار قد تم التوصل إليه بشكل جيد، مع تحديد آليات عمل واضحة لضمان التنسيق بين القوات السورية وقسد في مكافحة التنظيمات الإرهابية.

أما المسار الثاني فيتعلق بمصير معسكرات داعش في شمال شرق سوريا، ويظل النقاش حوله مستمرًا، وسط محاولات لتحديد أفضل الطرق لإدارة هذه المعسكرات والسجون، وضمان عدم تحولها إلى مراكز لإعادة التنظيم والنشاط الإرهابي.

ويُظهر هذا النقاش الاهتمام الكبير للحكومة السورية بالحفاظ على الأمن والاستقرار في شمال شرق البلاد، مع محاولة دمج جهود قسد ضمن خطة وطنية شاملة لمكافحة الإرهاب، في ظل تحديات متزايدة في مواجهة تهديدات داعش المتجددة.

في سياق متصل، أكد عضو وفد الإدارة الذاتية للتفاوض مع الحكومة الانتقالية السورية، سنحريب برصوم، أن المفاوضات الحالية بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والحكومة السورية المؤقتة تشهد تحولات جوهرية في هيكلية القوات والتمثيل العسكري، في إطار سعي دمشق لفرض صياغة جديدة للتسميات والمهام العسكرية ضمن سياق وطني موحد.

ووفق تصريحات برصوم، فإن العلاقة مع التحالف الدولي، بما في ذلك التنسيق مع القوات الأمريكية، ستصبح جزءًا من هيكل وزارة الدفاع السورية، وهو ما يعني أن أي عمليات مشتركة أو دعم من التحالف ستتم تحت مظلة الدولة السورية الرسمية، ما يعكس رغبة دمشق في تأكيد سيطرتها على جميع العمليات العسكرية في البلاد.

وأوضح برصوم أن التسمية الحالية لقوات سوريا الديمقراطية، بما في ذلك وحدات حماية المرأة ووحدات حماية الشعب، لن تُعترف بها رسميًا من قبل دمشق، وسيتم اعتماد تسمية جديدة تكون مقبولة رسميًا لتصبح جزءًا من الهيكل العسكري السوري. ونوّه إلى أن هذا التغيير سيقتصر على الأسماء فقط، دون تغيير في البنية التنظيمية أو المهام الحالية للقوات. وأفاد برصوم بأن هذه القوات ستظل موجودة في شمال شرق سوريا لحماية الإقليم والمحافظة على الأمن الداخلي، وفي الوقت نفسه هناك ألوية محددة من قوات قسد ستتولى مهام خارج الإقليم، بما في ذلك مواجهة الإرهاب.

وأشار برصوم إلى أن هناك اتفاقًا مبدئيًا على تمثيل عناصر من قوات قسد في قيادة وزارة الدفاع السورية، بما يشمل المناصب القيادية في الجيش السوري، وستكون هذه الخطوة جزءًا من إعادة دمج قسد ضمن مؤسسات الدولة الرسمية، مع الحفاظ على التنسيق مع التحالف الدولي ضمن نطاق وزارة الدفاع، بما يضمن توافقًا بين السيادة الوطنية والمصالح الدولية.

الإعلان الدستوري

أما بخصوص مسألة الإعلان الدستوري واللامركزية والإدارة الذاتية، أوضح عضو وفد الإدارة الذاتية للتفاوض مع الحكومة الانتقالية السورية، سنحريب برصوم، أن هناك ملفات عدة لا تزال عالقة. وقد تم تشكيل لجان متخصصة لمعالجة كل ملف على حدة، تشمل لجنة للإعلان الدستوري، ولجنة اقتصادية، ولجنة للمعابر، وأخرى للتعليم. ومن المقرر أن تستمر هذه اللجان في مناقشة التفاصيل بعيدًا عن الأضواء، مع التركيز على التوصل إلى اتفاقات قابلة للتطبيق على الأرض.

كما تناولت جلسات التفاوض السابقة ملف عودة النازحين إلى مناطقهم في شمال شرق سوريا، وقد تم الاتفاق على البدء بعودة نازحي عفرين إلى مناطقهم بشكل آمن ومنظّم، ما يشير إلى التزام الجانبين بمبادئ إعادة الاستقرار وحماية المدنيين، كما قال برصوم.

في سياق موازٍ، يقول عمار فرهود، وهو باحث عسكري سوري وقريب من وزارة الدفاع السورية، في تصريحات خاصة، إنه قد يتم التوصل إلى اتفاقيات منفصلة بين قوات قسد والحكومة السورية في بعض الملفات، مثل مكافحة تنظيم داعش أو ملف التعليم، وهو ما قد يتيح مساحة صغيرة من التعاون دون المساس بالقضايا الكبرى. ومع ذلك، يبقى الاندماج الكامل وتسوية الوضع الذاتي لقسد في شمال شرق سوريا مسألة بعيدة ومعقدة في الوقت الراهن، نظرًا لوجود تضارب مصالح داخلي وإقليمي، فضلًا عن حساسية العلاقة مع الأطراف الدولية المؤثرة، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

ويقول إن هذه التطورات تعكس حالة من الحذر المتبادل بين الطرفين، ومحاولة كل منهما الحفاظ على موقعه الاستراتيجي، مع الانفتاح المحدود على التفاوض، بينما تظل التفاهمات النهائية حول الدمج العسكري والسيطرة الإدارية في شمال شرق سوريا قيد البحث والتقييم، بعيدًا عن أي صياغة رسمية.

تحميل المزيد